بعيدا عن كل المناوشات والعراقيل التي سبقت منتدى "كرانس مونتانا" الذي اختار ان ينظم اجتماعه السنوي ويحتفل بذكراه ال 25 هذا العام بمدينة الداخلة المغربية، وبعيدا ايضا عن كل الادعاءات والاشاعات (التي تبقى مجرد تمنيات من نفس الجهات) بفشل هذه الدورة، الا ان الواقع يقول ان المنتدى الذي نظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، حول موضوع "إفريقيا والتعاون الإقليمي والتعاون جنوب – جنوب"، والذي تميز بحضور أزيد من 800 شخصية، من ضمنهم رؤساء دول وحكومات ووزراء ورؤساء برلمانات، مثلت 36 بلدا إفريقيا و30 بلدا أسيويا و31 دولة أوروبية و15 دولة من أمريكا اللاتنية، فضلا عن أكثر من 20 منظمة إقليمية ودولية، قد حقق نجاحا كبيرا كما عبر عن ذلك رئيس المنتدى، جان بول كارترون، وكل المشاركين والمتابعين. فعلى مدار ثلاثة ايام كانت الداخلة قبلة للعالم، واختيارها لاحتضان هذه التظاهرة العالمية لم يكن اعتباطا او صدفة، انما يعود لمجموعة من الاسباب اولها، الاقتناع بسيادة المغرب على أراضيه في الأقاليم الجنوبية. وثانيها، الاعتراف بأهمية الدور والاسهام المغربي في افريقيا، ونجاعة مقاربته التي تقوم على النهوض بالعمل الأفريقي كآلية للتنمية المستدامة وجسر للانفتاح والتفاعل والتعاون والتنسيق بين البلدان الأفريقية في ظل التحديات التنموية والأمنية، خصوصا في وقت بات يشكل فيه الارهاب خطرا على المنطقة والعالم. وهي المقاربة التي اعتمدها المغرب منذ سنوات عندما اعتبر تعزيز التعاون جنوب – جنوب ضمن اولويات السياسة المغربية، الشيء الذي تكرسه الزيارات الملكية المتتالية للدول الافريقية والتي تؤكد في كل مرة على التزام وانفتاح المغرب على جذوره الافريقية. وفي المقابل، كان لتنظيم هذه الدورة في مدينة الداخلة فرصة حقيقية، بعيدا عن أي ادعاءات باطلة او ترويج لصورة غير صحيحة، لإطلاع المنتظم الدولي على واقع الحريات والأمن والاستقرار الذي تنعم به الأقاليم الجنوبية للمملكة وحجم الاهتمام والرعاية التي تحظى بها ان على المستوى التنموي والتنمية البشرية او النهضة العمرانية والبنى التحتية بعيدا عن نظرية الاقصاء والتهميش الذي يتفنن البعض في تلفيقها للمغرب في علاقته بمناطقه الجنوبية. فمدينة الداخلة التي كانت مجرد حامية عسكرية إسبانية في العام 1975، هي اليوم صورة للمدينة العصرية الديناميكية والمنفتحة "مع قدرتها على أن تكون في تناغم مع عالم متغير واستضافة معظم الأنشطة الاقتصادية وأكبرها حجما وتنوعا حول مينائها الذي أصبح من أكبر الموانئ نشاطا في القارة"، لتقدم هذه المدينةالجنوبية، كما باقي مدن الجهة، نموذجا تنمويا يحتذى به افريقيا وعالميا. ومما يجعل المغرب بذلك ومن خلال موقعه الاستراتيجي واستقراره السياسي والامني، مؤهلا للعب دور الوسيط في الحوار بين دول جنوب – جنوب وبين دول شمال – جنوب ايضا بالنظر لكونه جسر عبور لإفريقيا نحو أوروبا والعكس. واذا كان المشاركين في المنتدى قد ناقشوا وعملوا، ضمن مواضيع اخرى متعددة، على تقديم حلول للتحديات الكبرى في افريقيا، منها كيفية تحسين تدبير الأعمال العمومية والموارد الطبيعية، وسبل تجاوز عقدة عدم التوازن في مفاوضات مع تكتلات اقتصادية كبرى إقليمية ودولية في إطار تعاون شمال جنوب والقطع مع سياسات التبعية التي ترجع بالهيمنة والاستغلال، بالاضافة الى سبل تجاوز العائق الامني في افريقيا، سواء المتعلق بالنزاعات المحلية، او الصراعات حول الحدود التي ورثتها المنطقة عن المستعمر، او الخطر الذي باتت تشكله الحركات الجهادية والتنظيمات الارهابية وتجارة السلاح والمخدرات التي اتخذت لها من منطقة الساحل والصحراء موطنا، فيجب هنا الاستفادة مما راكمته المملكة من تجارب وخبرة وعلاقات، مع الاخذ بعين الاعتبار الدور المهم الذي يلعبه المغرب، وهو الذي استطاع في وقت قصير ان يفرض تواجده وحضوره الافريقي الفاعل والمتميز، في اطار التعاون الثنائي المتمثل في مساعدة بلدان إفريقيا جنوب الصحراء على التطور وجني ثمار التنمية، وايضا في نشر خطاب ديني معتدل والتنسيق الاستراتيجي لمواجهة كافة التحديات الامنية. وفي انتظار تفعيل كافة الحلول التي طرحتها هذه الدورة، فيبقى ان نقول انه رغم كل التحديات اختتم المنتدى فعالياته بنجاح، رغم اشهار اعداء الوحدة ببيان الاممالمتحدة، الذي جاء فيه انه "وفي الوقت الذي تمت الإشارة فيه من طرف منظمي المنتدى بأنه يقام فوق أرض مغربية فالأمم المتحدة المتحدة تسعى من خلال مسلسل المفاوضات إلى إيجاد حل متوافق عليه لنزاع الصحراء تحت إشراف الأمين العام بان كي مون"، والذي ان كان يدل على شيء فهو يدل على ان الاممالمتحدة، باعتبارها ليست طرفا في النزاع، هي طرف محايد يريد ان يبقى على نفس المسافة من كل الاطراف في هذا الصراع المفتعل. ويمكن القول ايضا، وبقناعة، بأن مؤسسة كرانس مونتانا، التي تسعى الى نشر قيم السلم العالمي والمساهمة في خلق عالم أكثر إنسانية، قد نجحت في اختيارها مدينة الداخلة، بكل ما تختص به هذه المدينة الساحرة من مميزات ومؤهلات اقتصادية، وتنوع الموارد الطبيعية وتميز المناخ مما يجعلها محط اهتمام العالم، كوجهة لها لهذه السنة. وقد كسب المغرب الرهان بعدما برهن انه بلد الامن والاستقرار والانفتاح على العالم. فقد نجح ديبلوماسيا عندما احتضنت احدى مدنه الجنوبية هذه التظاهرة، وهو تأكيد على سياسته القائمة على ممارسة سيادته على أراضيه التي لن ينتظر من اجل القيام بها توجيهات من احد ايا من كان. ونجح سياسيا عندما اعتراف له العالم ضمنيا بمساهماته في مجال السلم العالمي وبمشاركاته في الجهود الدولية للقضاء على الإرهاب والتشدد. ويبقى ان ينجح في حسن توظيف هذه النجاحات كافة ليكرس دوره الاقليمي اكثر لما يحقق نهضة وتنمية وتقدم القارة الافريقية، وتميزه الداخلي لما يخدم تنمية اقاليمه من خلال جلب الاستثمار وتشجيع المستثمرين لبناء مشاريعهم في منطقة تزخر بكل المؤهلات المغرية التي تجعل منها قبلة للمستقبل.