* سلسلة علماء وصلحاء سلا سلسلة الهدف منها التأريخ لأعلام هذه المدينة المجاهدة والتعريف بأعمالهم الخالدة، وقد صدر ضمنها عدد من الكتب، منها كتاب «شيخ الجماعة بمدينة سلا العلامة سيدي أحمد بن عبد النبي رحمه الله، حياته وآثاره» من تأليف الصديق بن محمد بن قاسم بوعلام، وقد وصل مؤلفه هذا العمل بتحقيق وتقديم الجزء الأوّل من «ذخيرة الخطب المنبرية للشيخ العلامة أحمد بن عبد النبي رحمه الله» ضمن نفس السلسلة والذي يُسعدني أن أقدّمه للقراء في هذه الورقة. مَن هو الفقيه العلامة سيدي أحمد بن عبد النبي؟ هو الفقيه العلامة الأصولي النوازلي النّحوي الثّقة العدل السنّي الزّاهد الورع المحقق الأستاذ الكبير شيخ الجماعة بسلا أبو العباس أحمد بن الحاج بنعاشر ابن بنعاشر ابن أحمد بن عبد النبي المنظري الخالدي نسبا التطواني أصلا السلاوي ولادة ونشأة وداراً وإقباراً، مفخرة سلا بل المغرب بأسره، أستاذ الأجيال، حامل راية العلم والعرفان، والتربية والإحسان، المفتي الخطيب، والمدرّس البارع، والعالم النّحرير، والعضو بمجلس الاستئناف الشرعي والمستشار به، والعضو بالمجلس الأعلى للنقض والإبرام، ملحق الأصاغر بالأكابر، وريحانة الكراسي والمنابر. يعود نسبه إلى المجاهد مجدد تطوان أبي الحسن علي المنظري، الذي يعود نسبه إلى العلامة المحدث عبد العظيم المنذري صاحب كتاب «الترغيب والترهيب»، وهو من ذرية الصحابي الجليل سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه. ولد العلامة أحمد بن عبد النبي عام 1302 ه موافق 1882 م وتوفي عام 1392 ه موافق 1972 م. كان بالإضافة إلى علمه وفقهه، متحليا بأخلاق العلماء العاملين، يتصف بمكارم الشيم في تعامله مع الناس على اختلاق طبقاتهم، بمنتهى التواضع والحب والعطف والاحترام، ديدنه في الحياة نشر العلم، وإفادة الأنام، بوجه متهلل نورا واستبشاراً. كان مشاركا في العلوم الإثني عشر كلها من تفسير، وحديث، وأصول وفقه وتوحيد ونحو وصرف، ولغة ومعان وبيان وبديع ومنطق، شديد الولع بالتدريس لم يثبت عنه أنه تركه في يوم من الأيام باستثناء أيام الأعياد. بعد حفظه القرآن الكريم أخذ يحضر في دروس علماء سلا الكبار وفي مقدمتهم العلامة أحمد الجريري والقاضي الثغراوي والفقيه محمد المنصوري والقاضي عبد القادر التهامي الوزاني ومحمد ابن حساين وغيرهم من شيوخ سلا. كما لازم علماء الرباط وشيوخها وأخذ عنهم ولا سيما شيخ الجماعة بها المكي البطاوري والمحدث الحافظ أبا شعيب الدكالي. ثم رحل إلى فاس فالتحق بجامعة القرويين وسكن بمدرسة الصفارين، وكان ذلك سنة 1332 ه، فواظب على حلقات علمائها، أمثال شيخ الجماعة أحمد بن الخياط الزكاري، وعبد الله الفضيلي، وعبد السلام الهواري، وعبد العزيز بناني، والشيخ عبد الحي الكتاني، وأحمد بن المامون البلغيتي والقاضي عبد الله بن خضراء وسواهم. وبعد أن أكمل دراسته عاد إلى مسقط رأسه سلا ليتطوع بإلقاء الدروس العلمية في مختلف العلوم الشرعية واللغوية والعقلية، بالإضافة إلى دروسه التربوية والوعظية، وخطبه المنبرية، وإحيائه لذكرى المولد النبوي الشريف، وكان متمسكا بالمذهب المالكي، مع المرونة وسعة الأفق وبعد النظر وفقه الواقع واعتبار المقاصد الشرعية والانفتاح على الاجتهادات الفقهية. ومن أبرز تلاميذه المرحوم الملك الحسن الثاني، والحاج أحمد معنينو، وأبو بكر القادري، ومصطفى النجار، وعبد الرحمان الكتاني، وعبد الرحمان بن موسى، ومحمد بن أبي بكر التطواني، ويوسف الكتاني، وعبد الرحمان بن عبد النبي، ومحمد البقالي، وزين العابدين الكتاني، وأبو بكر الصبيحي، ومحمد اليزيدي، وقاسم الزهيري، وغيرهم كثير. وقد خلف رحمه الله تواليف نافعة منها: ختم صحيح مسلم، وجمعه لفتاوي شيخه العلامة أحمد الجريري، وفتاويه الشخصية وهي كثيرة، وأحكامه التي كان يحررها باسم مجلس الاستئناف الشرعي الأعلى، وتخريج أحاديث رسالة أبي زيد القيرواني ودروس في الفقه كان يليقيها بكلية الحقوق، ورسالة في كيفية أداء مناسك الحج والعمرة وزيارة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وختم ألفية ابن مالك، وقد قام ذ. الصديق بوعلام بتحقيقه ضمن ملحق كتابه عن الشيخ أحمد بن عبد النبي، حياته وآثاره، الصادر سنة 2011 عن دار أبي رقراق في الرباط (288 صفحة من القطع الكبير). وبالإضافة إلى هذا خلف المترجم رحمه الله ذخيرة من الخطب المنبرية قدّم ذ. بوعلام الجزء الأول منها مُحقَّقاً مضبُوطا في هذا الكتاب الذي أسعد بتقديمه. ذخيرة الخطب المنبرية تحدث المحقق ذ. الصديق بوعلام في مقدمة هذا الكتاب عن حياة العلامة أحمد بن عبد النبي وآثاره كما أبرز مميزات خطبه المنبرية مستشهدا بفقرات بارعة منها. وقال في مستهل هذا التقديم: «فقد تكرمت الأستاذة الفاضلة السيدة بهاء بن عبد النبي كريمة المرحوم الأستاذ عبد اللطيف بن عبد النبي وحفيدة العلامة سيدي أحمد بن عبد النبي رحمه الله، فأطلعتني على مجموعة قيمة من خطب جدها المنبرية كان والدها قد حفظها من الخزانة العلمية للأسرة الكريمة الفاضلة، وهذا من برورها ونبيل عملها وسمو قصدها، فاستعنت بالله عز وجل على تحقيق الجزء الأول من هذه الخطب وتقديمه للقراء، راجيا أن يجدوا فيه الزاد الذي ينفعهم في الدنيا وفي المعاد، جعل الله هذا العمل في صحفنا جميعا، إنه ولي ذلك والقادر عليه». ويضيف مختتما هذا التقديم: «وقد قمتُ، مستعينا بالله جل جلاله، بقراءة هذه الخطب في أصولها، وضبط نصوصها وتحقيقها، ونقلها من المخطوط إلى شكل مطبوع واضح، مع شرح بعض الكلمات التي تستدعي الشرح، وعزو الآيات القرآنية وتخريج الأحاديث النبوية والتعريف بالأعلام الواردة فيها باختصار، والتعليق عند الاقتضاء، كما قمت بوضع عناوين مناسبة لها، إذ لم يجعل لها الشيخ أحمد بن عبد النبي رحمه الله عناوين. وأرجو من الله تعالى أن يكون هذا الجزء الأول من هذه الذخيرة فاتحة لإصدار أجزاء أخرى منها ضمن هذه السلسلة «علماء وصلحاء سلا» التي أنجزنا حتى الآن تسع حلقات منها، نشر بعضها ولايزال بعضها الآخر ينتظر». يشتمل هذا الكتاب على أربعين خطبة، ويقع في 212 صفحة من القطع الكبير وقد صدر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر في الرباط.