انتصرت تونس، وانتصر الشعب التونسي العظيم والذي قدم نموذجا سلوكيا فريدا في ممارسة الإنتقال من نظام حكم شامل ومغلق إلى نظام حكم ديمقراطي متقدم. إنه شعب أبو القاسم الشابي الذي قال يوما: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر. وشعب تونس البطل أراد أن يحيى، بل قرر أن يحيى فاستجاب له القدر. يوم أول أمس في تونس الصغيرة جغرافيا والكبيرة سلوكا وشخصية كان محطة تتويج لمسار طويل اعترضته كثير من الصعاب، ولكن تمكن هذا الشعب من تذويبها والتغلب عليها، وطرح البدائل الكفيلة بأن يتواصل المسار الى أن وصل إلى منتهاه وأدخل تونس الى جمهوريتها الثانية بعد أن دفن الجمهورية الأولى تحت التراب. دروس كبيرة يفرض علينا شعب تونس أن نتعلمها جميعا، وأن نستفيد منها، فإمتلاك السلطة لايعني الاستحواذ عليها، هذا ما ميز حركة النهضة التونسية التي تميزت بأداء ناضج طبعته الواقعية والتواضع والامتثال لنتائج التوافقات، حتى وإن فرضت هذه التوافقات تنحي النهضة عن الحكومة وتكوين حكومة تقنوقراطية، رضخت وسلمت المفاتيح ، وأكدت النهضة بذلك أن الوطن بالنسبة إليها قبل السلطة، وقدمت حركة النهضة نموذجا مقروءا لسلوك حزب ذي مرجعية دينية يقبل بالديمقراطية. وحينما يختار شعب تونس ويقرر في شأن منصب الرئاسة في انتخابات حرة ونزيهة وغير مسبوقة على امتداد الخريطة العربية فإنه لايمنح الفوز لزيد على عمرو، ولكنه يمنح الفوز لمسار سياسي ناجح اختار فيه شعب تونس أن يتفاوض بأساليب الحوار الديمقراطي عبر صناديق الاقتراع وعلى أساس دستور حظي بشبه إجماع، وهذا ما يأمل أن يفهمه حزب نداء تونس الذي عرف مسؤولوه كيف ينجحون في التعاطي مع اللعبة الديمقراطية بمهنية عالية، وأشر فوزه عما يريده شعب تونس، ويمكن القول إن حزب نداء تونس يتحمل بداية من يوم أول أمس مسؤولية ضمان شروط مواصلة مسار تونس مراكمة المكاسب. والعجب كل العجب للذين يتشدقون بالديمقراطية لكنهم لايقبلون بنتائجها، ويفرضون وصاية على شعب تونس. أفكان نداء تونس من الماضي أو من غير الماضي فإن الشعب قرر بكل ديمقراطية وبنزاهة اعترف بها الخصم قبل الصديق، ولاحق لأحد في قبول أو رفض ماقرره هذا الشعب. فهنيئا لنا بنجاح تجربة شعب عظيم.. اسمه الشعب التونسي.