تتمنى خديجة وهي أم لأربعة أطفال، والتي قضت طفولتها بحي العرصة، حيث كان البيت الذي يتوسط البيوت المنهارة مسقط رأسها ولكل اخوانها الأكبر سنا منذ نهاية الخمسينات، أن تحصل بدورها على بيت يقيها قسوة الطقس وغدر الزمن، ترفض هذه السيدة الشابة ان يكون حظ اطفالها اسوء من حظها، فخشيت ان يقضي اطفالها حتفهم تحث انقاض بيت يشرف على السقوط منذ سنين، ولم يقوى ركائزه غير رحمة الخالق بعباده وطول الأجل الى حين، فاختارت قارعة الطريق بالساحة المقابلة للأطلال بيت الأجداد، حيث نصبت خيمة من القصدير والخشب و"الكارطون" منذ ثلاث سنوات، تنتظر فرجا لا يزال يتأرجح في ملعب المسؤولين والقائيمين على مشروع ترحيل ساكنة المحج الملكي بالدارالبيضاء، منذ ربع قرن من الزمن دون أن يستوفي أشواطه. مدير صوناداك قال لي اذهبي واسكني مع أمك تقول خديجة بنبرة يغلبها اليأس دون أي فسحة أمل في حل يقين،" حين تم إحصاؤنا أول مرة كنت لازلت أعيش في كنف أمي رفقة إخوتي، كان ذلك سنة 1989، استفادت والدتي بعد مرور 22 سنة من الاحصاء تقريبا، أي قبل قبل 3 سنوات فقط، وكانت من بين الذين استفادوا من شقة صغيرة ثمنها لا يتجاوز 70 الف درهم، وأمرتنا السلطات بإخلاء البيت لأنه آيل للسقوط، بعد أن كنت قد تزوجت وأنجبت أطفالي وأصبحت بذاتي اشكل أسرة قائمة داخل بيت الورثة، لم تعترف بنا السلطات ولا شركة صوناداك، كي استفيد بدوري كباقي اخوتي، في حين هناك متزوجين جدد استفادوا ومنهم من انتقل الي بيته الجديد، لم اجد غير قارعة الطريق مخرجا لازمتنا الاسرية، فكانت هذه البراكة أول براكة نصبت على الساحة للتناسل حولها خيام وبراريك أخرى..". واستنكرت خديجة بمرارة في تصريحها لجريدة العلم تناقض تصريحات مدير عام الشركة الوطنية للتجهيز الجماعي (صوناداك) لوسائل الاعلام الوطني على هامش فاجعة الانهيار المنازل الثلاث يوم الأحد المنصرم، مع واقع الحال الذي يعيشه سكان المحج، قالت " استغربت للمدير حين قال ان الشركة سلمت البيوت للأصحاب البيوت المنهارة لكنهم رفضوا تركها، الضحايا لم يرفضوا الترحيل لكن اجراءات الموثق و البنك وكل الامور الادارية لا تسير بوثيرة تساعد على تسريع عملية الاخلاء والخلاص من العيش بين ذباب وجرذان أزبال الحي، بل هناك من سدد اتعاب الموثق وانتحر بحبل القرض البنكي رغم انه لا يتوفر على عمل قار لكن الادارة تماطلت في القيام بواجبها كما أن عدم تسهيل المساطر الادارية وعدم اعتبار الوضع حالة استثنائية اخذا بحالة الفقر والهشاشة التي نعاني منها، حالت دون حل مشروع الترحيل " ، وقالت "أنا شخصيا كلمت مدير الشركة من اجل حقي في الاستفادة فقال لي دون أن يعيرني أي اهتمام سيري سكني امعى امك..". (انظر الرابط للمزيد من التفاصيل https://www.youtube.com/watch?v=r_NtFq4dHzY. خيام وبراريك أثثت لوضع اجتماعي قائم لا مفر من تسويته بمنتهى الحكامة والتعقل والنزاهة، وادماج الشق الاجتماعي واعتماد مقاربة تشاركية لتجاوزه دون ازمات تمس في العمق الحق في العيش الكريم، بعد ان صبحت هذه البراريك المنثورة أما المعرض الدولي الذي يستقطب كل سنة ألاف العارضين الأجانب وألاف الزوار من كل حدب وصوب، شاهدة على فشل تدبير مشروع المحج الذي عولج من السيئ الى الأسوء، لنحصل على حي عشوائي من البراريك، اكثر بشاعة من منظر بيوت مهترئة متناقضة التصاميم، على الأقل هذه الاخير كانت شاهدة على حقبة من تاريخ فخر البيضاء خلال حقبة المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، عوض ان تحافظ العاصمة الاقتصادية على جمالية قلبها النابض اقتصاديا وسياحيا وعلى جمالية المساحات المقابلة لأكبر معلمة اسلامية، سياحية بإقريقيا، وهي مسجد الحسن الثاني. والنتيجة: وجه مشوه لمدينة تحاول عبثا تجديد تقاسيمها بمسكارا تمحى مع كل فصل شتاء عابر، لتكشف أمطار الخير عن تجاعيد الشيطان المختبئ خلف منظومة فاسدة تؤلف بين قلوب ذوي المصالح والمنتعشين من معاناة المستضعفين تؤجل لتكون وعودا مغرضة خلال البرامج الانتخابية، منظومة تزاوج بين فساد اداري وارتشاء وسمسرة تجعل المواطن المعوز هو الطعم للوبي يسمسر في جنحة الليل في ملفات المستفيدين و بيع البراريك أو كراء أو بيع البيوت قبل اصدار الأوامر بإخلائها، كما صرح بعض المتطلعين على خفايا الامور بالمدينة القديمة والذين تحفظوا عن ذكر اسمائهم خوفا من بطش المستفيدين من هذه البقرة الحلوب. وطبعا لا يزال تدبير ملف المحج الملكي، كمشروع عمر ربع قرن، قائما ينتظر اتمام كل اشواطه، منذ ان استأنف الترحيل بعد 18 سنة من تفعيل اجراءاته، أي سنة 1996 حيث تم ترحيل ما يناهز 350 عائلة إلى حي النسيم، من طرف شركة صوناداك ليصل عدد الأسر التي تم ترحيلها إلى هذا الحي حوالي 2500 أسرة من أصل 12 ألف أسرة. نتقاسم فتاة الخبز مع الجرذان حتى لا تقضم اطفالنا يقول زوج خديجة، مصطفى بلال، وهو مياوم يبحث عن لقمة عيش كل يوم قبل بزوغ الفجر في ميناء الدارالبيضاء، والذي تحدث بصدق عن حجم المعاناة التي يعيشها ساكنة محج المدينة القديمة، معاناة يومية مع البحث عن كسرة خبز يتقاسمونها مع طيور النورس نهارا و جرذان الحومة ليلا، حتى لا تقضم اصابع و شفاه أطفالهم الصغار، " لا زلنا ننتظر حلولا لهذا الوضع اللانساني الذي يتناقض كليا مع خطاب الرسمي وسلوك القائمين على تفعليه لضمان الحق في العيش الكريم وحماية سائر حقوق طفولة، فذووا المصالح خنقوا الحس الوطني للجيل القادم دون أي اعتبار لغد أفضل وانصاف وطن يصبرنا حبه على تحمل المصاعب وتجاوزها" ". هي حقوق أطفال مهضومة، عايناهم يضعون حقائب المدرسة من على ظهورهم لينتشروا خلف خيامهم يلعبون بقوارير صدئة، يتسابقون، وهم يلغطون على نغمات تغريد طيور النورس، على جمعها من فوق كومات الازبال المنتشرة حول خيامهم، والتي ملأت أطلال البيوت المهترئة، أزبال لم تطلها ايادي الشركة المتعاقدة مع مجلس المدينة لتنظيفها ولم تنل حظها من حاويات الأزبال التي جلبها المجلس من سويسرا، فنفحة سويسرا، هذا البلد الجميل والنظيف لم يزكي المحيط الذي يترعرع فيه هؤلاء الاطفال، فأسفنا كيف صودرت حقوقهم في العيش الكريم في مهدها، ليبدوا الافق ملوحا بجيل قادم حاقد منذ النشأة قابل ليكون طعما للتطرف أو أي تيار معاد لأمن واستقرار هذا البلد. كشف بلال أن "المشكل الحقيقي هو أن تتحول الشركة الوصية على مشروع الترحيل لوسيط بين المضربين العقاريين، فلا يعقل ان يستفيد البعض بشقق اثمنة رمزية لم تتعدى 70 الف درهم ويستفيد مرحلوا الدفعة الثانية بمبادرة الادماج التي حدد من خلالها ثمن الشقة ب100 الف دهم ، لترفع الشركة اليوم ثمن الشقة الى 200 الف درهم دون دفع تعويضات عن البيوت المهدمة أو حتى ادماجها في اتعاب الموتق التي بلغت 20 الف درهم، حتى إن "التريتة" أو الاقتطاعات الشهرية في حالة قبول البنك للقرض يتراوح بين 1500 و 1400 درهم ناهيك عن الفوائد البنكية و فواتير الماء والكهرباء، فلا يعقل أن يتحول مشروع ترحيل ساكنة المحج الى مصيدة لإصطياد زبناء مضمونين بل مكرهين لاقتناء السكن الاقتصادي..". ( تفاصيل أخرى لقصة خديجة وزوجها و حقائق اخرى تجدونها ضمن هذا الرابط للفديو الذي اعدته العلم). https://www.youtube.com/watch?v=K2kXDXXElgo&feature=youtu.be بعد الخيام سيكون العراء مأوانا ان لم تخفض الشركة ثمن الشقق نجاة سيدة تعيش حالة اجتماعية مضاعفة، فهي تعيش قاب قوسين بين ايجاد أي طريقة لاقناع البنك بقرض غير قادرة على تسديده أو العيش في الشارع دون مأوى ان هم ارغموها على ترك الخيام أيضا، أم لطفلة تبلغ 14 سنة و شاب اسمه جواد سرقه الموت منها قبل ثلاث سنوات عن عمر يناهز 23 سنة بعد ان أصيب بمرض فتك بأمعائه بسبب التلوث الاجواء وانعدام شروط الصحة والنظافة بالحجرة التي كانت تضمهم والتي لم تكن تتجاوز ثلاثة امثار في مساحتها الاجمالية، تركت نجاة هذه الحجرة لتعيش بدورها في براكة يتحول سقفها ايام الشتاء لغربال يمرر قطرات المطر كي تؤئنس أرق زوجها المريض بالقصور القلب والذي يقضي جل ليله مستيقظا باحثا عن أوكسجين نظيف يرحمه من عسر التنفس ليلا. تقول نجاة "تراجعنا عن قرار أخذ قرض بعد وفاة ابني كنت سأجعل القرض باسمه لان البنك رفضت زوجي لكبر سنه وملفه الصحي العليل، وانا لا املك 20 مليون سنتيم ، وها نحن نتظر الحل من العلي القدير عسى أن يفرجها من حيث لا ندري، تم ان عملية اجلائنا قبل ثلاث سنوات من المنازل الآيلة للسقوط جاءت بعد مرور 18 سنة بعد أول عملية ترحيل ، ولا يعقل ان تطلب الشركة من الناس اخلاء منازلهم دون ان توفر لهم بيوتا جاهزة، فالسلطات طلبت منا الخروج من املاكنا لترمي بنا الى الشارع، فلم نجد غير البراريك تأوينا من عراء الخلاء، ثم ان الشركة مطالبة بتعويضنا على الاضرار التي سببت لنا فيها بعد رمينا في قارعة الطريق قبل ان تجهز ملفاتنا للإستفادة...". عبد الله ، سمية ، فاطمة، مصطفى وعائلة بيروك وآخرون زرنا براريكهم وبيوتهم التي أصبحت نصف مهجورة، تشهد حجارتها على غدر الزمن بقاطنيها وعلى أن الوعود ليست دائما وفية، تعددت قصصهم و ورواياتهم لكن يبقى انتظار الترحيل القاسم المشترك، وتبقى شركة صوناداك خصمهم المشترك، بعد ان اجمعوا على انها لم تصن الأمانة، وكان مدير عام الشركة الوطنية للتجهيز الجماعي (صوناداك) سعد العشفوبي، بطل هذه الجولة الصحفية لموقع الحادث، إذ صبت كل التصريحات على ان الرجل اتخذ شعار " ما عندي ماندير ليكم " وسلوك "مامسوقش"، منهجا لحل معضلة مشروع المحج الملكي، كما أن الكل يرفض أن يطرد من بيته ويسكن قارعة الطريق لمد ثلاث سنوات، لتباع له شقة بثمن السكن الاقتصادي ويرغم على قروض هو غير قادر على تسديد فواتيرها، ودون ان تؤدي الشركة تعويضات عن بيوتهم التي تهدم و تتماطل في أدائها، في حين يجبرون هم على أداء تعويضات الموثق في الوقت المحدد. مدير صوناداك يحب الظهور مع المستفيدين عوض المنكوبين في ذات السياق علق مصطفى بيروك، أحد المنتظرين للإستفادة، أن المدير تحمس كثيرا لتصوير ربورتاج مع المستفيدين أمام الكامرات كي يقول " العام زين وكلشي استافد والناس فرحانيين"، كي ينقذ الموقف ويداري على فشل تدبيره لملف الترحيل،(حسب تصريحه)، وتسائل لماذا لا يقدم السيد المدير ندوة مفتوحة تحضرها الصحافة وساكنة العرصة بنسلامة وحي التازارين ودرب بنحمان وزنقة كلميمة والملاح وجامع الشلوح والسيونية ودرب الكلب ودرب الفصة ودرب باشكو وزنقة مراكش وأحياء أخرى، كي يجيب على اسئلة المنكوبين أماء أضواء الكامرات والصحافة الوطنية كذلك، عوض ان يفضل الظهور مع المسفيدين كي يروج لشعار "قولوا العام زين"ّ. وتجدر الأشارة الى ان الشاب الذي هدد بالقاء نفسه من فوق بيته رفقة طفله، قامت الشركة بتسوية مشكلته في نفس الليلة بعد ان تم احضار شاحنة نقلت أثاثه للبيت الجديد ليلا وسددت له الشركة تعويضات الموثق بعد ما صرفتها كتعويض له على المنزل الذي سيهدم. نترك موقع الحادث على صوت التكبير وأجواء تشييع جنازة ضحايا سوء تدبير ملف المحج الملكي، وكلمات تصريح السيد سعد العشفوبي للإعلام الوطني، تنبش مفكرتي، حين اعتبر" أن برنامج ترحيل السكان يتم وفق أولويات محددة سلفا، مؤكدا أن الترحيل سيشمل نحو 4484 أسرة، وسيتم الانتهاء من العملية قبل نهاية 2016". عبثا تحاول هذه الوعود إزالة حجم البؤس والمعاناة التي تعيشها هذه الشريحة من المجتمع المغربي بقلب العاصمة الاقتصادية، من مخيلتي، عبثا تحاول ارغامي على تصديق أن ما فشلت في هذه الشركة زهاء ربع قرن من الزمن ستحله في أجل سنتين، وعبثا أحاول أن أتفاءل أن الغد سيكون أفضل إذا لم يستطع بلدي أن يعقد العزم و يحاسب كل المفسدين في أرضه، وهو الذي يحاول جاهدا الالتحاق بموكب حماة حقوق الانسان والسير بقافلة الحداثة والديمقراطية والنهوض بموارده المادية والمعنوية وركوب قاطرة التنمية، والقائمة طويلة .. حينها فقط سيستطيع وطني ضمان العيش الكريم لشعب كريم فعلا ودون منازع.