عرف قطاع السكن والتعمير ببني ملال ارتفاعا مهولا في الأثمنة، كما سجل فوضى في هيكلية تتعلق بالتدبير المجالي للعمران، إذ أجهز التوسع العمراني للمدينة على المناطق الخضراء وحقول الزيتون والأراضي الفلاحية، التي كانت تزخر بها. ومن المفارقات الغريبة التي تعيشها مدينة بني ملال هو ارتفاع أثمنة العقار بها، التي أصبحت تفوق مدينة الدارالبيضاء ومراكش بالرغم من قلة ساكنتها التي لا تتعدى 180 ألف نسمة على مساحة أزيد من 64 كلم مربع، دون احتساب المنطقة الجبلية المطلة على المدينة.إذ أصبح المتر مربع لأرض غير مجهزة يتراوح بين 700 ردهم و3000 درهم، فيما يصل ثمن المتر المربع في الأراضي المجهزة بين 3000 و10 آلاف درهم. ولرصد بعض معالم واقع العمران بعاصمة جهة تادلا أزيلال، اتصلت التجديد بعينة ممن يهمهم الأمر وأنجزت الربورطاج الآتي أزمة عابرة قلل مدير الإسكان ببني ملال المعطي المكوف من أزمة ارتفاع أثمنة السكن ، معتبرا هذا الصعود مسألة عابرة ستحل مع إنجاز أكبر مشروع سكني ستعرفه المدينة، وهو مشروع بني ملالالجديدة على مساحة 360 هكتار بمنطقة امغيلة شرق المدينة بتكلفة تناهز مليار درهم. وعن إعادة إسكان قاطني المدينة القديمة التي تتهددها الانهيارات بسبب الكهوف الممتدة تحت المباني، أكد المعطي أن الوزارة خصصت مبلغ مليوني درهم قصد إنجاز الدراسة الجيوفيزيائية، مضيفا أن خريطة كهوف المدينة جاهزة، وأن التقنيين يضعون الآن اللمسات الأخيرة لإنهاء هذه الدراسات. كما أن الوزارة الوصية خصصت مبلغ 4 ملايين درهم لاقتناء 423 بقعة أرضية بتجزئة النور آيت عطا لإعادة إيواء سكان المدينة القديمة، بالإضافة إلى انجاز مشروع بناء 120 مسكنا نموذجيا لتحفيز ساكنة المدينة القديمة على مغادرة مناطق الخطر، وأفرد مبلغ 6 ملايين درهم حسب المسؤول ذاته لإنجاز شبكة الصرف الصحي للمساكن الذي لا تتوفر عليه في المدينة القديمة. ويرتقب وفقا لإفادات مدير الوكالة الحضرية ببني ملال عبد اللطبف مالي أن تسترجع المدينة القديمة رونقها بإحياء مباني الزوايا والمنازل، التي ما زالت تحافظ على الهندسة القديمة، إلا أن بلوغ هذه الهدف تتطلب الصبر، لأن 80 % من جهود الوكالة منصبة نحو قضايا التدبير، و20 % فقط متوجه نحو التهيئة على حد قوله المدير. واقع لا يرتفع تصريحات مسؤولي قطاع السكن تتكسر على صخرة الواقع، فلا أثمنة انخفضت، ولا تمت إعادة إسكان قاطني المدينة القديمة، الذين توجد أرواحهم على أيديهم بسبب خطورة المساكن التي يقطنونها، فهي أما مهترئة بفعل الزمن (بعضها يرجع للقرن 15 ميلادي)، أو أنها مشيدة فوق كهوف، وقد تهوي في أي لحظة من اللحظات، خاصة في فصل الأمطار. احتكار أنا مواطن بسيط اشتغل سائق طاكسي دخلي محدود، وأنا من المستفيدين من سلف السكن المضمون فوكاريم، إلا أنني اصطدم بواقع مر، وهو أن ثمن الشقق بمدينة بني ملال يساوي تقريبا ضعف الذي يمكن أن يعطيه لي أحد البنوك يعبر أحد المواطنين المكتوين بنار الأسعار، بحيث إن قيمة القرض تساوي 200 ألف درهم، وثمن الشقة يساوي أكثر من 300 ألف درهم وهذا ما يجعل استفادتي من السكن مستحيلة، لأنني متزوج وأب لثلاثة أطفال، ولا يمكن أن أسدد الفرق بينهما. وأضاف المتحدث قائلا السبب في هذا النار هو احتكار مجال العقار من لدن ثلاثة أو أربعة مستثمرين عقاريين بهذه المنطقة، مما ترك المجال مفتوحا أمام المضاربين العقاريين في هذا القطاع لاستغلال حاجة الناس المستضعفين، ورغبتهم في سكن لائق يحفظ كرامتهم. واشتكى (ب.ح)، أحد ساكني المدينة القديمة، أصبحنا سلعة انتخابية فقط، كلما أراد مرشح ما رفع نقطه للنجاح إلى البرلمان، والى المجلس البلدي إلا ويبدى حرقته علينا، وغيرته على أوضاعنا المزرية، لا يدري أننا ننام وقلوبنا على أكفنا، كلما سمعنا صوتاً ما ضننا أنها نهاية حياتنا. منذ أزيد من 5 سنوات ونحن نسمع عن الدراسة التقنية والدراسة الجيو فيزيائية، والآن نسمع عن دراسة حول موضوع التطهير دون أن نرى شيئا ملموسا، وننتظر إلى يقع لنا ما وقع للسيدة التي فارقت الحياة تحت الأنقاض هي وابنتها.وكل ما يكلف المسؤولون أنفسهم به ـ حسب المواطن نفسه ـ هو إرسال ورقة اسمها إشعار بالإفراغ، فقط لحماية أنفسهم لكن لا يفكرون أين سنذهب فتجزئة آيت عطا بفم اودي (120 بقعة) كانت مجرد ذر للرماد على الأعين، والدليل ـ حسب المصدر نفسه ـ أن لا أحد من سكان المدينة القديمة قبل هذا العرض المراد به، والذي نظر إليه بأنه ضحك على الذقون وإبعاد وليس إعادة إسكان لغالبية سكان المدينة القديمة، بالنظر إلى وضعهم المادي الهزيل. خصاص رد مدير الوكالة الحضرية ببني ملال على ظاهرة تناسل تعاونيات السكن، التي أصبحت تتنامى بشكل كبير وصارت منافسا للمقاولين المحتكرين للعقار من جهة، كما أنها ساهمت بشكل مباشر في رفع أثمنة العقار من جهة ثانية، وذلك بفعل كثرة الطلب على البقع الأرضية غير المجهزة، إلى درجة صار العقار شبه منعدم في المدينة. الطبيعة لا تقبل الفراغ عندما تغيب المؤسسات المختصة، تخلق آليات وأدوات أخرى لتغطية الخصاص بأي شكل من الأشكال، فالتعاونيات أتت أصلا بعد غياب المؤسسات المختصة في توفير سكن اقتصادي للمواطنين ذوي الدخل البسيط أو المحدود، فيجتمع العشرات من الحرفيين أو المنتسبين لشريحة مهنية واحدة، في التعليم أو الصحة أو العدل فيؤسسوا تعاونية يضعون فيها تعب عمرهم للظفر بسكن يحميهم من نار الكراء ويؤمن استقرار أسرهم. لكن انعدام الخبرة لدى هذه التعاونيات يوقعهم في منزلقات قانونية، قد تحول حلمهم إلى كابوس يحصد كل ما وفروه من جهد ومال لاقتناء هذا السكن، خاصة ما يتعلق بملكية الأرض كما وقع في العديد من التعاونيات، للأن أصحابها اشتروا عن طريق القضاء وهو طريق صعب ومعقد.وعلمت التجديد من المسؤول عن مصلحة التدبير الحضري بالوكالة الحضرية أن مجموع التجزئات المتوفرة ببني ملال من فاتح يناير إلى غاية 30 نونبر 2007 هو 43 تجزئة، 3 منها أدرجتها مؤسسة العمران، ويصل مجموع القطع الأرضية الناتجة عن هذه التجزئات 4439 قطعة، منها 1443 فقط مبرمجة من لدن الدولة، أي بنسبة 32,5 %، فيما يبلغ مجموع الوحدات السكنية 9674 منها 2797 وحدة سكنية للدولة فقط أي 30 %.من براريك إلى سكن غير لائق سكان براريك بنضريوة المستفيدون من البقع التي تسلموها فيما سمي البرنامج الوطني مدن دون صفيح انتقلوا من دور الصفيحي، ولكن إلى السكن غير اللائق في بيوت مبنية ببعض الياجور، وكثير من الأغطية البلاستيكية. تقدمت سيدة طاعنة في السن وكل ملامحها تصرخ بأنها عاشت سنين طويلة في ظروف مزرية تركت آثارا عميقة في جسمها ونفسها، وأشارت بأصبعها إلى مسكنها الجديد، وقالت انظر إلى حالنا، لم نعش أياما أقبح مما عشناه بالأمس، موضحة نبيت وأيدينا على قلوبنا من شدة الخوف على أطفالنا الصغار، وعلى أنفسنا من الفيض الذي يغمر بيوتنا.وخلصت العجوز إلى أن السلطات تريد التخلص من الدور الصفيحية، لقد تخلصوا منا لما كنا في البراريك ورمونا هنا لا حول ولا قوة لنا، بحيث لم يتمكن معظم السكان من بناء بقعهم نظرا لعوزهم الشديد، ثم أشارت إلى 3 مبان هؤلاء وحدهم تمكنوا من البناء من أصل 100 أسرة تقريبا وهناك من باع بقعته لأنه لم يتمكن من بنائها اكترى في جهة أخرى. واستطردت أخرى يبدو أن غرضهم من ترحيلنا كان هدم براريكنا وليس إعادة إسكاننا وإلا ما الفائدة من إلقائنا بهذا الخلاء دون أدنى شروط العيش؟. نعم كل شيء قاس في هذه البقعة الأرضية التي تنعدم فيها شروط الكرامة اللائقة. وعكس ما أعلنه وزير الإسكان بعد إعلانه مدينة بني ملال مدينة دون صفيح، فما تزال العديد من الأسر تعيش بين البراكة والسكن غير اللا ئق في بلاد العافية، إذ هناك 6 براريك مازالت شاهدة على ذلك و4 براريك أخرى في فندق البوهراوي، و5 إلى 6 براريك في السوق القديم لم ترها عين البرنامج الوطني لمحاربة دور الصفيح.فيما خرجت مجموعة من النسوة تتوسطهن سيدة في الخمسين من عمرها في منطقة مجاورة للمحطة الطرقية، وقالت تنكر لنا المسؤولين، وقالوا لنا إننا غير مستحقين وكأننا في بيوت كريمة كباقي خلق الله، في حين أنها تعيش في سكن صفيحي منذ أزيد من 15 سنة، وقاطعتها سيدة في مقتبل العمر موضحة أن طلب منها هدم براكتها كشرط للاستفادة، ولما فعلت تنكرت لها المسؤولية، وهي الآن تعيش هنا وهناك منتقلة بين إخوتها. وتجدر الإشارة إلى أن سكان تجزئة لالة عائشة (100 أسرة تقريبا ) كانوا يقطنون في براريك بنضريوة ببني ملال، وتم تعويضهم ببقع أرضية مساحتها 70 متر مربعا سنة 2005 بجانب لافيراي شمال المدينة، إلا أن أغلب المستفيدين لم يتمكنوا من بناء بقعهم نظرا لظروفهم الاجتماعية الصعبة، واضطر العديد منهم لبيعها، ولم يلبث في هذه التجزئة سوى 10 أسر، تمكنت من بناء ما يشبه مساكن، جدرانها من الآجور، وأسقفها من القصدير والبلاستيك، وهي لا يتوفر فيها الحد الأدنى من السكن اللائق.