مدينة الصويرة التي تحتاج إلى تعاقد سياسي جديد يصالح السياسيين مع السياسة ، والمؤسسات الحزبية مع المواطنين، والمواطنين مع مؤسساتهم المنتخبة، ويؤسس لخطاب جديد يمتح من الحداثة والعقلنة، تحتاج إلى قطيعة نهائية مع ثقافة الولاءات لتنتقل إلى مرحلة التدبير المؤسساتي التعاقدي الذي يعبئ ولا يقصي، وينصرف للمعالجة الشمولية والمندمجة لمختلف القضايا والإشكالات المحلية وفق مخطط واضح المعالم لا هامش فيه لمنتخبي» التيليكوموند» المرتهنين ومعهم مصالح المواطنين إلى إشارات مجموعات الضغط ومراكز النفوذ واللوبيات. سؤال الموارد الذاتية لعل أول سؤال يتعين الإجابة عليه هو تنمية الموارد المالية الذاتية لبلدية الصويرة التي تزخر بإمكانات مهمة لا زالت تعيقها مجموعة من الإشكالات التي تعوزها الإرادات المستقلة لتجاوزها، بداية بضعف تحصيل الموارد الجبائية ذات الصلة بالاحتلالات المؤقتة والضريبة على المشروبات... ،والتدبير المتخلف والمشبوه للممتلكات الجماعية التي صارت مصدر ريع بالنسبة لعدد محدود من المنتفعين والمفسدين ، فمجرد التفكير في السومة الكرائية للدكاكين ومئات الشقق والفيلات التي تقع في ملك البلدية تدفع إلى الواجهة بسؤال إعادة النظر في السياسة الحالية لتدبير الملك الجماعي الذي يحتاج إلى عملية تثمين تراعي مصالح المواطنين والمستفيدين وتمكن في المقابل من توفير دعم مالي حقيقي للموارد المالية الذاتية للجماعة الحضرية مما سيسمح في الآن ذاته بالإقفال النهائي « لبزبوز» الرشوة الذي اغتنى منه مجموعة من المنتخبين والسماسرة. فالمطلوب إذن هو التدبير المعقلن والصارم للممتلكات الجماعية ، انتهاج سياسة جبائية أكثر فعالية،تنويع مصادر التمويل والدعم مع الانفتاح على شركاء جدد. سؤال البنيات التحتية والخدمات يبقى سؤال البنيات التحتية و الخدمات الأساسية نقطة سوداء في حصيلة التجربة الجماعية السابقة التي شرحتها تقارير المجلس الجهوي للحسابات والمفتشية العامة لوزارة الداخلية التي أرعدت في الصويرة وأمطرت في مدن أخرى، بداية بالطرق والممرات والأرصفة المنكوبة بامتياز والتي تبقى كل إمكانية لإعادة تهيئتها مرهونة باستكمال أشغال إعادة تهيئة شبكة التطهير السائل . فالتدبير المفوض لمجموعة من الخدمات الأساسية راكم مجموعة من الايجابيات خصوصا بالنسبة لخدمة لتدبير النفايات الصلبة الذي تقع على المجلس المقبل مسؤولية الرفع من جودتها وتعميمها على باقي أحياء ومناطق المدار الحضري للمدينة، أما بالنسبة للإنارة العمومية فالحصيلة كارثية بامتياز اعتبارا للإقصاء الذي بقيت تعانيه مجموعة من الأحياء السكنية الحديثة لعدم شمولها بالاتفاقية الموقعة مع المكتب الوطني للكهرباء مما جر عليها واقعا امنيا مظلما دفعت فاتورته الأسر المغلوبة التي وجدت نفسها بين سندان المنحرفين ومطرقة غياب المخاطب داخل المجلس البلدي . كما تسبب ضعف وتيرة صيانة شبكة الإنارة العمومية في بقاء الأغلبية الساحقة لأحياء وأزقة وشوارع المدينة رهينة الظلام الشيء الذي يفرض مراجعة شاملة للاتفاقية المبرمة مع المكتب الوطني للكهرباء درءا لتكرار تجربة المرحلة السابقة،ناهيك عن تقاعس المصالح البلدية عن تتبع أداء الشركة المفوضة . وفيما يتعلق بتوزيع الماء الصالح للشرب والتطهير فتبقى النقطة السوداء هي خدمة التطهير السائل التي لا زالت مصدر معاناة ساكنة المدينة بمختلف أحيائها حتى الحديثة والمترفة منها، ففي الوقت الذي يحرص فيه المكتب الوطني للماء الصالح للشرب على الاستخلاص المنتظم لواجبات خدمة التطهير يعاني السكان منذ سنوات من ضعف هذه الخدمة بل ومن غيابها في مجموعة من النقط والأحياء السكنية التي اكتشفت ساكنتها بعد عدة سنوات أن منازلها غير مرتبطة بأي قنوات للصرف الصحي وبالتالي فهي عائمة فرق احواض الواد الحار الذي ينخر أسسها في هدوء. كما زاد تعثر أشغال مشروع إعادة تهيئة شبكة التطهير السائل من معاناة ومشاعر إحباط الساكنة التي تحملت تحول أزقة المدينة إلى ركام على أمل المعالجة النهائية لمشكل الواد الحار الذي لا زال يراوح مكانه في العديد من الأحياء السكنية ، ولتنتقل تداعياته إلى غابة المدينة في محيط محطة معالجة المياه العادمة التي جعلت من محيطها الغابوي مساحة للتنفيس عن حمولة مياهها الملوثة إلا قليلا، وهنا مشهد آخر من مشاهد التقصير الذي يعرفه انجاز المشروع لان المفروض هو ربط محطة المعالجة بقناة لتصريف المياه المعالجة إلى البحر ،الشيء الذي لم يتم احترامه وبالتالي تحولت المياه بالتدريح إلى المجال الغابوي الذي تضرر إلى حد كبير بسبب المياه الملوثة. كما تعرف المياه الصالحة للشرب المشهود لها بضعف جودتها عملية إهدار بشعة بفعل استهلاكها اليومي الكبير في سقي ملاعب الكولف الخاصة بالمحطة السياحية موكادور، الشيء الذي كان من الممكن تفاديه عبر استكمال مكونات مشروع إعادة تهيئة شبكة التطهير السائل الذي يقتضي ربط المحطة السياحية بمحطة المعاجلة قصد إعادة استغلال المياه المصفاة في سقي ملاعب الكولف مما سيمكن بالتالي من تفادي الإجهاز اليومي على مصادر المياه على محدوديتها. في المقابل لا زالت ساكنة بعض المناطق المحسوبة ظلما وعدوانا على المدار الحضري كدوار العرب والغزوة وواسن محرومة من خدمة الربط بشبكة الماء الصالح للشرب مما يترجم بالملموس التنمية المجالية العرجاء لمدينة الصويرة . كما يبقى التدبير المفوض لمواقف السيارات من علامات التسيب الذي يعرفه تعامل بعض المتعاقدين مع التزاماتهم المدرجة في دفاتر التحملات، فغياب المراقبة والتتبع المستمر لأداء الشركة المستفيدة من صفقة تدبير مواقف السيارات ترك المجال مفتوحا أمام تناسل الخروقات وابتزاز المواطنين الذين أصبحوا تحت رحمة الارتفاع الصاروخي والمزاجي لاثمان مواقف السيارات في تناقض مع ما ينص عليه دفتر التحملات. والحال أن مواقف السيارات تعرف بدل عملية الكراء الأصلية صفقات تولية كراء غير قانونية يلجأ إليها المستفيد من العقدة مباشرة بعد الفوز بالصفقة، حيث يقوم بتقسيم المواقف وكراء كل موقف على حدة ثم يرحل إلى حال سبيله لا يلوي على شيء. من هنا يبدأ مسلسل الدوس على القوانين وبهدلة دفتر التحملات والتعسف على المواطنين والسياح الأجانب الذين يدفع بعضهم ثمن 40 درهما في الكثير من الأحيان لقاء خدمة ثمنها 5 دراهم تبعا لدفتر التحملات. سؤال الالتزامات الاجتماعية الحديث عن الاجتماعي ينداح بتفكير الأغلبية الساحقة إلى الصدقات والإعانات وقفة رمضان « المخضرة» بحسابات الانتخابات، غير أن مقاربة المسالة الاجتماعية يجب أن تتخذ منحى تنمويا يراهن على الاستثمار في المكون البشري من خلال معركة ترسيخ مجموعة من القيم الأساسية تؤطرها ثنائية الحق والواجب التي لا مكان فيها لقيم التسول والمسكنة. وتبقى مؤشرات الأمية بمدينة الصويرة في أوساط النساء والفتيات على وجه الخصوص ذات دلالة عميقة، مما يحتم تبني مقاربة جديدة لأجل دعم برامج محاربة هذا العطب البنيوي الذي نصطدم به عند كل محطة ذات دلالة، في المقابل يسجل ارتفاع مستوى الفقر في مجموعة من النقط والأحياء السكنية بالمدينة التي تعيش ساكنتها على الكفاف في ظل ضعف الأنشطة الاقتصادية، فعند كل دخول مدرسي تغرق الأسر الفقيرة في هم اللوازم المدرسية خصوصا بالنسبة للملتحقين الجدد، ناهيك عن الهدر المدرسي الذي تدفع فاتورته الفتيات المنحدرات من أوساط فقيرة على وجه الخصوص، وبالتالي فالمطلوب هو مبادرات اجتماعية تستثمر في المستقبل. المطلوب هو أن يلعب المجلس البلدي دوره كاملا في المسالة التعليمية من خلال دعم التلاميذ المعوزين وتحفيز المتفوقين ، والانخراط بقوة في البرامج التعليمية التي تعمل على اذماج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في إطار مقاربة تدبيرية تأخذ بعين الاعتبار احتياجات جميع الفئات والأنواع الاجتماعية. الحديث عن الاجتماعي يجرنا إلى حالة الأطفال الذين يفترشون العراء ويستوطنون الشوارع، إلى فلول المتشردين والمتخلفين ذهنيا الذين يتحولون بالتدريج إلى أخطار عمومية في مدينة سياحية تقتات من استقرارها الأمني بالدرجة الأولى، وإلى النساء في وضعية صعبة يعشن على هامش الدينامية الاقتصادية والاجتماعية. الحديث عن الاجتماعي يحيل إلى الصحة العمومية خصوصا بالنسبة للتخصصات ذات الخصوصية الاجتماعية والإنسانية، كما هو الحال لمرضى القصور الكلوي الذين لا يجدون مكان ولا وسائل التطبيب في مركز مرضى القصور الكلوي الذي تختنق طاقته الاستيعابية بفعل محدودية فضاءاته وموارده المالية، وسيبقى مستودع الأموات بمدينة الصويرة وصمة عار على جبين المجالس البلدية المتعاقبة التي لم تستطع إلى حد الآن إيجاد حل لمعضلة الأعطاب المتكررة لأجهزة التبريد وحفظ جثت المسلمين التي تتعفن في انتظار دفنها. الحديث عن الملفات الاجتماعية يجرنا إلى ملف السكن الذي انفلت زمامه من أيدي سكان مدينة الصويرة ليستقر في أيدي شرذمة صغيرة من المضاربين والسماسرة الذين عرفوا كيف يأكلون من كتف الزخم الذي عرفه قطاع العقار أواخر التسعينات. ففي مقابل انحصار الوعاء العقاري داخل المدار الحضري لمدينة الصويرة، ارتفعت اثمنة الأراضي ومعها الشقق والسومة الكرائية ارتفاعا صاروخيا لا طائل للمواطنين محدودي الدخل به.المجلس البلدي الذي منح أراضي باثمنة رمزية للشركات العقارية إضافة إلى إعفاءات ضريبية لقاء برامج السكن الاجتماعي لم يستطع حماية المواطنين من نهم المضاربين والسماسرة الذين فرضوا قوانينهم على سوق العقار بمدينة الصويرة التي ارتبطت بواحدة من أسوا الفضائح العقارية في المغرب. السؤال الاجتماعي يعيد إلى الواجهة فضيحة إغلاق السوق الأسبوعي الوحيد لمدينة الصويرة، مما اعتبر إجهازا على القدرة الشرائية للمواطنين بجميع فئاتهم ، وجدوا أنفسهم تحت رحمة حفنة من المضاربين الذين سيجوا مداخل سوق الجملة وفرضوا اثمنتهم على صغار التجار ومعهم باقي ساكنة المدينة، قرار إغلاق السوق الأسبوعي الذي جاء مشفوعا بمبررات مشهدية واهية،سيبقى وصمة عار على جبين التجربة الجماعية السابقة بفعل تداعياته السلبية على القدرة الشرائية للمواطنين وعجز المجلس البلدي فيما بعد عن تصحيح انزلاقه. سؤال الطفولة والشباب تعيش مدينة الصويرة على موروثها الثقافي الذي جعلت منه قاطرة لتنميتها الاقتصادية والسياحية، فالسياحة الثقافية من أهم المنتوجات التي يراهن عليها المتدخلون في القطاع السياحي بالمدينة،الشيء الذي يبرر دينامية المهرجانات الثقافية والفنية التي منحت المدينة كثيرا من الإشعاع وأصبحت علاقتها بها كعلاقة الدال بالمدلول، لكن المخجل في علاقة المجلس البلدي بالمهرجانات الثقافية هو وضعه الاعتباري الضعيف الذي يجعله خارج القدرة على التأثير في تطوير الفكرة أو بناء التصور أو الخوض في مسالة التمويل والتدبير، هذا الغياب أو التغييب الذي استفاد منه البعض حول مدينة الصويرة إلى دار العرس، وأصبحت المهرجانات تأتي جاهزة « مكرطنة» قابلة للاستهلاك، ليمر صخبها خلال أيام وكان شيئا لم يكن. وبعد أكثر من عشر سنوات، نكتشف أن كل الحركية الثقافية الفنية العابرة التي تعرفها المدينة لم تخلف وراءها ولا مركبا ثقافيا واحدا، أو دار عرض أو مسرحا يحتضن آلاف الأطفال والشباب الذين لا يملكون من فضاءات الطفولة والشباب سوى دار شباب يتيمة باعد التوسع العمراني بينها وبين أحياء المدينة المحدثة. والى جانب سؤال البنيات التحتية التي تعيق الرياضي بقدرما تعيق الثقافي والتربوي، فالعلاقة مع مسالة الدعم وتمويل برامج ومشاريع الجمعيات في حاجة الى وقفة تأمل لأجل الانتقال إلى بناء علاقات شراكة حقيقية بين المجلس البلدي وبين الجمعيات بمختلق تدخلاتها وتخصصاتها، فالمجلس البلدي الذي يفتقد لرؤية واضحة لبرامج التربية والثقافة والتاطير يبقى عاجزا عن مجاراة أو تقييم مدى نجاعة برامج وأنشطة الجمعيات العاملة. وما يجوز على الثقافي يجوز كذلك على الرياضي، حيث لا زال مشروع القاعة المغطاة يراوح مكانه بعد عدة سنوات من النكبة، في ظل النقص الكبير الذي تعرفه البنيات التحتية الرياضية بالمدينة. سؤل البيئة والفضاءات الخضراء مورست جرائم بشعة على المحيط البيئي لمدينة الصويرة خلال السنوات الأخيرة، بداية بإطلاق العنان لموجة الاسمنت التي غزت الشريط الساحلي الذي تحول بفعل التطاول في البنيان الى منطقة تعرية سيدفع ثمنها خلال السنوات القادمة. كما تم الإجهاز بشكل فاضح على جزء كبير من الكثبان الرملية التي استغرق تثبيتها عشرات السنين لغرض فتح مناطقها أمام التعمير فيما هربت الرمال الى وجهات وأرصدة بنكية مجهولة. في المقابل مورس إعدام ممنهج على عدد كبير من المساحات الخضراء بمدينة الصويرة التي كانت في السابق عبارة عن منتزه طبيعي جميل يأخذك من فضاء اخضر إلى آخر ، من المنزه إلى بين العراصي... بالتدريح اجتثت أشجار النخيل الباسقة وزحف الاسمنت على الحدائق الرائعة لتنزل مدينة الصويرة الى أدنى من المعدل الدولي. من أسئلة الى أخرى يأخذنا الخوض في عناوين القلق بمدينة الصويرة التي تحتاج الى كل شيء، إلا الى مجلس بلدي مبلقن.