كيف سيدبر الحزب الجديد هذا الخليط العجيب من الرؤى والإيديولوجيات التي تتضارب وسطه من يسار متطرف «قديم» ونخب نيومخزنية وليبراليين وجمعويين ونخبة اقتصادية وفكرية وبارونات الإفساد الانتخابي إلخ أن ينضاف حزب جديد إلى الساحة السياسية، ليس في الأمر ما يزعج. أن يكون من أهدافه تقريب السياسة من المواطنين، فهذا شيء محبوب ومرغوب فيه. أن يتوخى تعبئة المواطنين لتحقيق مشروع المغرب الديمقراطي الحداثي، فلا يمكن للمرء إلا أن يصفق له. كل هذه أهداف نبيلة يجب أن يسعى إلى تحقيقها الجميع. لكن الوسائل التي استعملت من أجل الوصول إلى هذه الأهداف تدعو إلى كثير من التساؤل والقلق، وبعضها يتعارض مع الأهداف المسطرة لهذا الوافد الجديد على الحقل السياسي المغربي. لهذا فكرت في طرح أربعة أسئلة على الحزب الجديد في أفق خلق نقاش سياسي صريح حول مدى قدرته على الدفع بعجلة التاريخ إلى الأمام كما يطمح إليه من كانوا وراء وضع الحجر الأساس لتشييد صرحه. السؤال الأول يتعلق بمدى قدرة الحزب على تحقيق أهداف الإصلاح والخلقنة ومصالحة المواطن مع السياسة وقد سمح أن تنضم إلى صفوفه مجموعة لا يستهان بها من المفسدين الانتخابيين، البعض منهم إما أعضاء في مجلس المستشارين أو منتخبون محليون أو إقليميون أو جهويون. بالنسبة إلى الكثير على المستوى المحلي وحتى على المستوى الوطني، فإن حزبا قريبا من المخزن وتسانده شخصيات من رجال الأعمال وبعض المعارضين القدامى مناسبة لاكتساب بكارة سياسية جديدة والاستثمار مجددا في العمل السياسي (أي الفساد الانتخابي). السؤال الذي يطرحه الكثير على حزب الأصالة والمعاصرة هو كالتالي: هل بوجوه الفساد القديمة المعروفة عند الكل يمكن الإصلاح وتعبئة المواطن وراء برامج قابلة للإنجاز؟ في وقت معين، نحا مؤسسو الحزب نهجا سليما حين صدّوا الأبواب في وجه الأعيان وسماسرة الانتخاب ومحترفي الفساد السياسي، لكن بعد الإحباط الذي رافق الانتخابات الجزئية، وخصوصا ما أصبح يعرف ب«ظاهرة ولد العروسية»، تراجع الحزب عن موقفه الرافض للمفسدين وفتح ذراعيه لهم آملا، ربما، أن يتم صهرهم وإعادة إنتاجهم داخل التوجه العام للحزب وحرص قياديوه على العمل السياسي بطريقة أخرى. أليست هذه المفارقة محفوفة بالمخاطر؟ هل هذا يعني تطبيع علاقة الحزب مع واقع السياسة والانتخابات الذي ينخر الفساد جسمه منذ زمان؟ السؤال الثاني يتعلق بمساندة الحزب لحكومة ضعيفة حتى النخاع، ووزير أول وصلت لا شعبيته مستوى خطيرا وقياسيا. كيف للحزب أن يعبّئ المواطنين وراء سياسته وهو طرف في حكومة لا تحسن التدبير ولا التواصل ولا الإنجاز ولا تنصت للشعب ولصحافته؟ كيف لحزب يريد أن يصالح المواطن مع السياسة ومع ذلك يساند وزيرا أول يفتقد رؤية واضحة للعمل الحكومي ولحكومة تزيد من يأس المواطن بعجزها عن التدبير المعقلن وإتقانها للغة الخشب وعزلتها عن الرأي العام وعن الشعب؟ إن حزبا يريد أن يصالح المواطن مع السياسة لا يجب أن يساند حكومة ولدت ضعيفة وبقيت هكذا تساهم في إضعاف مؤسسات الوزير الأول والبرلمان وتزيد من يأس المواطنين وستساهم أكثر في ابتعاد المواطنين عن السياسة والعمل السياسي. أتمنى من الحزب أن ينوّر الرأي العام بشأن هذه المفارقة التي يجد نفسه فيها. السؤال الثالث يرتبط بالنقطة السابقة، وهو أن الرأي العام مقتنع بأن فؤاد عالي الهمة كان من مهندسي الحكومة الحالية والكل يعرف أنه من نقط ضعف هذه الحكومة هو أن التكنوقراط يشكلون أكثر من ثلثها، وأغلبهم فُرض على الأحزاب فرضا، وجلّ الأحزاب قبلتهم رغما عن أنفها. الإرسالية التي تلقفها الكثيرون هي أنه لا داعي للانخراط في الأحزاب بل الواجب البقاء بعيدا عنها، وحين يأتي وقت تشكيل الحكومة ستُفرض الأسماء على الأحزاب. هكذا، فالأحزاب من هذا المنظور ليست إلا وعاء أو غطاء يتم استعماله فقط لتمرير أشخاص معينين نحو الاستوزار، وبعدها يتم سحبهم لفرضهم على أحزاب أخرى. هل بهذا التلاعب يمكن أن نسترجع ثقة المواطنين في الأحزاب؟ هل بهذا نضمن انخراط النخب في الأحزاب؟ كيف نشرح للمواطنين كذلك كون العديد من المستشارين وأعضاء البرلمان هم أعضاء في أحزاب أخرى وتم السماح لهم بالدخول إلى الحزب الجديد، مما يعتبر خرقا سافرا لقانون الأحزاب؟ فؤاد عالي الهمة ساهم في إضعاف الأحزاب حين ساعد على تشكيل الحكومة بالطريقة التي شّكلت بها ويأتي الآن ليقول إن الأحزاب ضعيفة وغير قادرة على تعبئة المواطنين وراء الإصلاحات التي دشنها صاحب الجلالة. هناك مقولة باللغة اليديشية تسمى «الخوتسباه» حول الذي قتل أبويه، ثم بعد ذلك طلب من المحكمة أن تخفّف الحكم عليه لأنه دون سن الرشد. هذا يشبه المثل المغربي: «ضربني وشكا وسبقني أوبكا». ساهم الهمة في إضعاف الأحزاب وهو الآن يخلق حزبا لتجاوز ضعف الأحزاب. السؤال الرابع والأخير، هو كيف سيدبر الحزب الجديد هذا الخليط العجيب من الرؤى والإيديولوجيات التي تتضارب وسطه من يسار متطرف «قديم» ونخب نيومخزنية وليبراليين وجمعويين ونخبة اقتصادية وفكرية وبارونات الإفساد الانتخابي إلخ. ما هي ميكانيزمات فض النزاعات التي وضعها لتدبير تضارب الأفكار والرؤى والمصالح؟ كيف سيدبر التنظيم الداخلي لدمقرطة النزوع نحو الزعامات الذي غالبا ما يهدم الأحزاب المغربية من الداخل؟ وكيف سيتم فعلا تدبير الانفصام الموجود بين السلطة الكاريزمية لفؤاد عالي الهمة والذي يعتبر الدينامو المحرك لجاذبية الحزب والسلطة الشرعية المعبر عنها عبر أصوات القواعد؟ تلكم جملة من الأسئلة الحقيقية التي يطرحها الرأي العام ويريد إجابة صريحة عنها من طرف قادة الحزب الجديد. هناك من يتحامل على الحزب، ولا أظن أن ذلك موقف صحي، ولكن لكي ينال الحزب احترام الجميع عليه أن يباشر نقاشا عريضا مع الرأي العام ويجيب عن الأسئلة الصعبة المتعلقة بوجوده داخل الحكومة وعن دور قادته في إضعاف الأحزاب وعن كيفية وصوله إلى أهدافه بتركيبة أعضائه الحاليين.