ان فساد الانتخابات لا يمكن تجنبه لهذه الاسباب. فتحذير جلالة الملك جاء بعد نقاش حاد في البرلمان على من سيسهر على إدارة الانتخابات: هل وزير الداخلية أم رئيس الحكومة؟ وهو اختزال يبرر هشاشة التركيبة الحكومية... لأن وزير الداخلية، عضو في الحكومة تحت إمرأة رئيس الحكومة... وبالتالي لا أتصور منطقيا صراعا بينهما حول من سيشرف على الانتخابات؟ ولكن التهم التي يكيلها أعضاء من الحزب الأغلبي، لوزارة الداخلية، يوحي بأن الثقة مفقودة بينهما... لذلك يقترح البعض إحداث لجنة وطنية محايدة، هي التي يكون لها دور الإشراف على الانتخابات.... هذا في اعتقادي، مجرد نقاش سياسي لا يستقيم، لأنه في جل دول العالم، وزير الداخلية هو الذي يسهر على تنظيم الانتخابات، حتى ولو كان هو نفسه مرشحا... ولذك إذا كنا نخشى من الفساد الانتخابي، فينبغي أن نبحث عنه خارج هذا الإطار... إن هذا الفساد مؤسسة وسيستمر مع استمرار القوانين الانتخابية التي لم تتغير... فالفساد ينبغي استئصاله من القوانين الانتخابية الحالية. ان قوانين الانتخابات الحالية هى التي تحمي وتكرس هذا الفساد في الانتخابات في البرلمان وفي المجالس الجماعية. فمنذ إحداث مجلس المستشارين كغرفة ثانية في البرلمان تفتقت عبقرية المرحوم ادريس البصري حول الطريقة التي ينبغي بها إحداث هذا المجلس، كي يتم التحكم فيه مطلقا، وابتدع لذلك الاقتراع باللائحة... وبالتالي، لم يعد لأي مرشح كان، أن يجمع أصوات ناخبي الجهة إلا عن طريق المال. إذ كيف مثلا، لمرشح في الصويرة أن يحصل على أصوات الناخبين في قلعة السراغنة، الذين لا علاقة له بهم، فلا يعرفونه، ولا هو يعرفهم، وكمثال بسيط: إن مرشحا لم يحصل حزبه إلا على صوت واحد في الجهة كلها، ومع ذلك تمكن هذا المرشح من الفوز بأكثر من ثلاتمائة صوت... وهكذا بدأنا نعرف مسبقا من هم المرشحون للفوز. ثم بعد ذلك اعتمد مجلس النواب بدوره الاقتراع باللائحة ففتح هذا النمط من الاقتراع ثلاثة أبواب للفساد الانتخابي. _ باب استعمال المال _ باب العزوف عن التصويت _ باب التزوير. بالنسبة لباب الفساد المالي فإن الإقليم الذي توجد فيه أربعة مقاعد يتكون على الأقل من عشرة قبائل، والمرشح لا يمكنه الحصول إلا على أصوات قبيلته التي ينتمي إليها، فإذا أراد استمالة أصوات القبائل الأخرى، عليه ان يلجأ تلقائيا إلى الإغراء المادي، وقد تضخم الأمر، لدرجة أن أفراد قبيلة المرشح نفسه، بدأوا يطلبون منه المال إسوة بالآخرين، لأنه في نظرهم لم يعد مرشحا للقبيلة فقط، بل أصبح مرشحا على الإقليم كله، وهكذا كرس هذا النمط من الاقتراع ثقافة الإغراء المالي. كما كرس العزوف الانتخابي لدى المواطنين، وعن المشاركة في هذه الانتخابات، طالما أن الناخب، لم يبق له وازع التواصل المباشر مع المرشح، ولا القرابة، فيبقى المال وحده هو الحافز... وفي غياب هذا المال يغيب وازع المشاركة... اما عن باب التزوير فلا يحتاج منا الأمر إلى كثير من الذكاء، لكي نبرهن على ذلك... لقد فتح هذا النمط من الاقتراع المجال الواسع أمام التزوير، وبالخصوص في البوادي، ذلك أنه أفي صغر إقليم، يتوفر على ستمائة مكتب للتصويت، لن يتسنى للمترشح أن يغطي جميع مكاتب التصويت بالمراقبين في قبائل متفرقة، وأحيانا أخرى، في بيئة صعبة. فهل بمقدور المترشح أن يوفر سيارة لمكتبين اي تلاثمائة سيارة على الأقل؟ وأن يوفر لهؤلاء المراقبين، ظروف السفر، والإيواء، والاطعام بيوم قبل الاقتراع. بالطبع لا يمكن لمرشح أن يوفر كل هذه الإمكانيات، حتى الأحزاب لا يمكنها أن تضطلع بذلك، ومعنى ذلك، أن جل المكاتب تظل بدون مراقب، وتزوير النتائج يبقى بين أيدي رؤساء المكاتب، كي يوجهونها إلى الجهة التي ينبغي أن تكون فائزة. وقد عاينا هذه التلاعبات، في محاضر التصويت، فنجد نسبة البطائق الملغاة في المدن 20 % وفي المكاتب البعيدة، في جبال البوادي، حيث الأمية متفشية، وحيث المرأة لا تكتب، بل ولا تصوت، تصل نسبة المشاركة 90 % والملغاة 5 % ...... إذن فاللائحة جاءت، وجاء معها الفساد، والعزوف، والتزوير. وبنفس الطريقة، يمكن أن نوضح خراب الانتخابات في المجالس الجماعية، ذلك أن مجلسا للجماعة يتكون من 120 عضو ينتخبون باللائحة، فيقدم كل حزب لائحته في خمس مقاطعات، وعدد الأحزاب المشاركة في حدود ثلاثين حزبا، وبالتالي فالمحظوظ من هذه الأحزاب، سيحصل على عشرة مقاعد، فإذا ما أراد حزب ان يشكل المكتب عليه أن يجمع عدة أحزاب أخري وبأية وسيلة، وحتى بعد تشكيل هذا المكتب بالمال، والتنازلات، يظل محكوما بالضعف، والهشاشة، في التسيير. فما هو البديل اذن إذا كانت الأحزاب والحكومة تسعى حقيقة إلى إيجاد نمط اقتراع، يقي أبواب الفساد فما عليه، سوى الرجوع إلى نمط الاقتراع الفردي، فيستقر البرلمان، والمجالس الجماعية. كما يمكن الاحتفاظ بنظام المقاطعات في المدن الكبرى تحت التصويت الفردي وكي أطمئن الجميع، إنه في نمط الاقتراع الفردي، لن يكون هناك حزب مسيطر على الأغلبية المطلقة، في أي مجال انتخابي، طالما أن المغاربة، ألفوا التصويت، على الفرد الذي يثقون فيه، لا للأحزاب كما هو سائد الاعتقاد.