مجلس الحكومة يعفي استيراد الأبقار والأغنام من الضرائب والرسوم الجمركية    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان        إسرائيل: محكمة لاهاي فقدت "الشرعية"    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله        ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب        بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أجل مقاربة شمولية


لماذا راهنية الإصلاحات السياسية؟
شكل المؤتمر الثامن للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لحظة مناسبة لإعادة التأكيد على مواصلة الإصلاحات السياسية كإحدى ضرورات المرحلة.
وعلى الرغم من أن اعتبارات ذاتية مرتبطة بالسباق نحو قيادة الحزب كانت لها آثار سلبية على هذا النقاش، فإن مسألة إصلاح الدولة تكتسي راهنية كبرى.
ونعتقد أنه من المناسب اليوم إعادة إطلاق نقاش هادئ حول الإصلاحات السياسية التي يعتبر تحديد مضمونها ووضع الجدول الزمني لتنفيذها أمرا منطقيا لمنهجية حزب لعب دورا مركزيا في مسلسل الإصلاحات التي انطلقت منذ 1998 .
وبالعودة إلى هذه السنة الحاسمة في تاريخ المغرب، يجب التأكيد على أن الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي اعتمدتها البلاد منذ تشكيل حكومة التناوب، قد أطلقت دينامية حقيقية. ولكن المفارقة تكمن في أن الآثار الاجتماعية لهذه الدينامية الإصلاحية ظلت، وما تزال، محدودة ولم يلمسها المواطنون بشكل كبير.
فسواء تعلق الأمر بتحسين تدبير المالية العمومية (زيادة واضحة ومتواصلة في المداخيل العمومية) الذي مكن من توسيع وتسريع وتيرة الاستثمارات العمومية (إنجاز أوراش كبرى اقتصادية واجتماعية وفي مجال التجهيزات الأساسية وما يرتبط بها من زيادة في الاستثمارات الخاصة(يحتل المغرب المرتبة الثالثة إفريقيا من حيث الاستثمارات الأجنبية) أو تعلق الأمر بتوسيع مجال الحريات العامة وتعزيز حقوق الإنسان، فإن المكاسب المحققة تعتبر بالتأكيد مكتسبات ذات أبعاد تنموية حقيقية.
وعلى الرغم من التقدم الحاصل في جميع هذه المجالات فإن تلمس هذه المكاسب المحققة من طرف المواطنين يبدو ضعيفا. ومرد ذلك في المقام الأول إلى كون النمو الاقتصادي لم يمكن من التغلب على ظاهرة البطالة (حتى لا نقول القضاء عليها). وبالإضافة إلى ذلك فإن الطفرة المسجلة في الاستثمارات الخاصة همت بالأساس توسيع وتأهيل المقاولات الصناعية والفلاحية أكثر مما همت تحولا حقيقيا في النسيج الإنتاجي. وقد كان إحداث مقاولات جديدة محصورا بالأساس على قطاع البناء والأشغال العمومية والخدمات.
وأما السبب الثالث لعدم تلمس المواطنين لآثار الإصلاح فيتمثل في غياب دور الوساطة للأجهزة المؤسساتية بين السياسة العمومية المخطط لها مركزيا والمعيش الحقيقي للسكان. وإذا كانت الدولة أكثر حضورا من حيث هي كامتداد مجالي، فإن قدراتها المؤسساتية تبقى ضعيفة، حيث يبدو أن مسلسل التحرير الذي تم إطلاقه لا ييسر بلوغ الهدف المتوخى والمتمثل في نجاعة الدولة.
وفي هذا السياق ما تزال اللامركزية محدودة، حيث لا تمثل الوسائل المالية العمومية المرصودة لإعمالها سوى 10%، كما أنها لم تيسر بعد انبثاق مؤسسات محلية للوساطة ناجعة ومكملة للدولة المركزية.
ويدفع هذا الاختلال في النسق المؤسساتي السلطات العمومية إلى اللجوء إلى إحداث مؤسسات موازية (صناديق - وكالات - مكاتب- الخ ) مما يزيد من غموض النسق المؤسساتي المغربي الذي يعرف تطورا فريدا من نوعه.
وإذا كانت المؤسسة الملكية قد اكتسبت موقعا تصاعديا بفضل تنوع مصادر شرعيتها وأيضا بفضل المبادرات الاقتصادية والاجتماعية للملك ، فإن المؤسسات الأخرى (الحكومة والبرلمان والجماعات المحلية الخ...) تعرف تراجعا ملحوظا.
ومن شأن هذا التطور المؤسساتي غير المتكافئ أن يشكل تهديدا حقيقيا لمسلسل الدمقرطة الذي اعتمده المغرب على الرغم من مظاهر النجاعة السياسية في المدى القريب التي أبان عنها النظام السياسي.
ويستفاد من مختلف التحاليل حول المغرب خلاصة أساسية مفادها ان التطور السياسي والاقتصادي تميز دوما بازدواجية الدولة، حيث يتعايش الاختيار الرأسمالي والنظام السياسي المبني على الوراثة المجددة مما يحد من التطور السياسي والاقتصادي للبلاد (انظر جون واتربوري وريمي لوفو) .
أما على المستوى المؤسساتي، فإن من النتائج السياسية البارزة لنظام سياسي من هذا القبيل هو تميزه بمفارقة كبرى. فمن جهة ثمة تعزيز مركزية المؤسسة الملكية ومن جهة أخرى ثمة إضعاف متزايد للقدرات المؤسساتية للدولة.
ويستند هذا النوع من النظام السياسي دائما على شرعية غير مادية أساسها الدين والتاريخ.
وقد تميز عهد جلالة الملك محمد السادس خاصة في بدايته بالبحث عن أسس جديدة مادية للشرعية. وتمثل ذلك على الخصوص في مصالحة النظام السياسي مع ماضي البلاد وتعزيز وتوسيع فضاءات الحرية واعتماد مدونة الأسرة وتحديث الحقل الديني، وإنجاز أوراش كبرى للتنمية ومحاولة تحديث المؤسسة الملكية الخ.
ولكن مبادرات من هذا القبيل أفرزت آثارا محدودة لأنها ظلت من الإنجازات الخاصة للملك ولم تشكل مدخلا لإصلاح مجتمعي يدمج مجموع الفاعلين السياسيين الحقيقيين والمتجذرين على اختلاف اتجاهاتهم. وهكذا ظل مسلسل تشكيل قاعدة مادية للشرعية هشا وتم اللجوء أكثر فأكثر إلى مصادر الشرعية التقليدية.
والنتيجة هي أنه في مجموع مناحي الحياة الاجتماعية تعرف الإدارة تراجعا على مستوى الأداء والنتائج المحققة سواء في مجالات الصحة أو التعليم أو الفلاحة أو العدل أو غيرها من القطاعات.
وبالفعل عانت مختلف الحكومات المتعاقبة من إدارة سيادية موازية وغير ناجعة لم تكن للحكومات أية سلطة عليها.
إلى جانب ذلك، فإن البرلمان الذي تم تلغيمه بنخبة فاقدة لهذه الصفة كنتيجة موضوعية لنمط الاقتراع ولطبيعة الأحزاب السياسية، لا يمارس اختصاصاته الطبيعية في مجال التشريع والمراقبة. وفي سياقات من هذا القبيل، تبقى الأحزاب السياسية الخاسر الأكبر من التحول الديموغرافي بالمغرب
وهكذا لم تتمكن هذه الأحزاب من التكيف مع مجتمع يعتمد تحولا ديموغرافيا متسارعا، وذلك على الخصوص بسبب الاستياء المتزايد للسكان الناجم عن كثرة المطالب والانتظارات الاجتماعية. وينضاف إلى ذلك أن التحول الديموغرافي يولد أزمات انتقال يؤدي في خلالها التحديث إلى ارتباك في التوجه الفكري الإيديولوجي للسكان وإلى اهتزاز الأنظمة السياسية.
وفي المغرب، فإن علامات حمى الأزمة المواكبة لهذا التحول تبدو ظاهرة وتتمثل خاصة في إظهار اكبر للممارسات المجتمعية المتناقضة.
ويعتبر هذا الالتباس في السلوكات أحد الانعكاسات الأساسية لفقدان التوجه الفكري والإيديولوجي الناجم بدوره عن التحول الديموغرافي بالمغرب.
ويبقى عقم النخب المدنية أحد أوجه هذا الارتباك في التوجه الأيديولوجي. فقد أصبح جزء من هذه النخب يتبنى خطابا عدميا غير قادر على الالتزام عمليا بالدفاع حتى عن نسق تحديثي تعتبر هي أي النخب المستفيد الأول منه (مقاطعة السياسة امتعاض النخب الاقتصادية من نظام اقتصادي يعتبر مصدر إثراء بالنسبة إليها ).
وهكذا فإن الهشاشة المؤسساتية بالمغرب والمرتبطة بفقدان البوصلة الإيديولوجية لدى المواطنين تشكل خطرا حقيقيا على الاستقرار وتجعل آفاق تطور المجتمع والنظام السياسي غير واضحة وغير مضمونة.
وتعكس هذه الهشاشة المؤسساتية غيابا لقوى سياسية قادرة على تجميع طاقات المجتمع في اتجاه مستقبل واعد.
ويضع هذا التيه الإيديولوجي للمواطنين المجتمع في وضعية سلبية تجعله يتلقى التغيير عوض أن يكون متحكما فيه.
وعلى النقيض من ذلك، فإن تاريخ البشرية يحفل بمخارج لأزمات التحول، وهي تختلف من نموذج الثورة الفرنسية ذات الطابع الليبرالي إلى الثورة الإيرانية ذات الجوهر الديني مرورا بالثورة الروسية ذات الطابع الكلياني والشمولي.
وتزيد وضعية النسق المؤسساتي، كما تم تحليله سابقا، من التيه الإيديولوجي ومن ضبابية آفاق تطور المغرب.
ونعتقد أنه في إطار هذه القراءة لتطور المغرب يتعين إدراج الجهود الضرورية لتوضيح السلوكات.
وفي المقابل، فإن الأحزاب السياسية التي ناضلت تاريخيا من أجل التقدم تفتقد اليوم لمنظور سياسي واقع نتيجة مشاركتها في تدبير للشأن العام لم يسفر عن النتائج التي كان يتطلع إليها المواطنون الذين تزداد مطالبهم يوما بعد يوم.
وقد أدى انهيار جدار برلين والانتصار الكلي للرأسمالية العالمية والطابع الانتهازي وغير المنسجم للتحالفات بين الأحزاب السياسية إلى نوع من الانحراف الإيديولوجي.
وهكذا، فإن أحزاب سياسية من قبيل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتي تلعب أدوارا مركزية في التطور السياسي للبلاد بفعل حمولتها الإيديولوجية وشرعيتها العالمية، تعطي الانطباع اليوم بأنها فقدت المرجعية الإيديولوجية بل والسياسية التي حكمت دوما عملها السياسي. وما التحالفات السياسية غير الطبيعية خلال الانتخابات الأخيرة سوى إحدى تمظهرات التيه الإيديولوجي الذي يبدو أنه أصبح يمس حتى المؤسسات السياسية التي يعول عليها في قيادة المجتمع نحو توجه إيديولوجي واضح.
لهذه الاعتبارات كلها الاتحاد الاشتراكي مدعو في هذه المرحلة أن يقوم بوقفة تأملية تمكنه من توضيح وتقويم خطه السياسي وأن يسترجع المبادرة في الحث على فتح نقاش وطني مع جميع الفرقاء حول محتوى الإصلاحات السياسية الجوهرية وبرمجتها الزمنية.
وفي هذا السياق يجسد إصلاح قانون الأحزاب ومدونة الانتخابات والجهوية الموسعة جزءا مهما من هذه الإصلاحات.
إشكالية نمط الاقتراع
في التجربة المغربية

تشكل حرية ونزاهة الانتخابات أساس الشرعية الديمقراطية التي تضمن نجاعة وتقدم تدبير الشأن العام.
لكن تنظيم الانتخابات في التجارب الديمقراطية يتم بطرق مختلفة حسب نمط الاقتراع المعتمد .
ويمكن التمييز بين نمطين أساسيين للاقتراع :
الاقتراع المباشر (الأحادي الاسمي أو باللائحة) الاقتراع غير المباشر (الأحادي الاسمي أو باللائحة) ، وقد يتم الانتخاب عبر هذين النمطين إما عن طريق الأغلبية أو عبر التمثيل النسبي .
رغم أن تراكمات التجارب الديمقراطية في العالم قد أثبتت أن نمط الاقتراع العام المباشر يضمن أكثر شرعية في انتخاب المؤسسات التمثيلية، لازالت هناك دول تتمسك بتطبيق نظام الاقتراع غير المباشر على الأقل في جزء من مؤسساتها المنتخبة ، كمجلس الشيوخ في فرنسا، ومجلس المستشارين والجهات والعمالات والأقاليم ومجالس الجماعات القروية بالمغرب .
فبعد اعتماد الاقتراع الاسمي في دورة واحدة مدة طويلة استغرقت 40 سنة (1960 2002 ) لجأ المغرب إلى نهج نمط اقتراع باللائحة مخضرم مباشر وغير مباشر، حقق تقدما نسبيا للعملية الانتخابية في بعض جوانبها ولكن لازالت تشوبه نواقص متعددة تحد من فعاليته .
إن كل تقييم موضوعي للتجربة المغربية يفترض الأخذ بعين الاعتبار أن اللجوء لنمط الاقتراع باللائحة هو نتيجة لإخفاق تطبيق الاقتراع الأحادي الاسمي في دورة واحدة وعدم تمكنه من بناء شرعية ديمقراطية حقيقية للمؤسسات التمثيلية .

حصيلة تجربة الاقتراع الأحادي الاسمي في دورة واحدة
- تم تجريب الاقتراع الأحادي الاسمي مدة 40 سنة بالمغرب (1960 - 2002) كانت خلالها عملية الانتخابات تخضع لتوجيه إداري يستهدف تحقيق توازنات سياسية تمكن الدولة من التحكم في تطور النظام السياسي. لذلك كانت لهذه التجربة نواقص متعددة أثرت سلبا على تطور الشرعية الديمقراطية يمكن إبرازها في بعض السمات لهذا النظام الانتخابي:
إذ أنه نظام يمكن من التحكم في العملية الانتخابية والتأثير على نتائجها عبر عملية التسجيل ( اللوائح الانتخابية ) ، وعبر الضغط على الناخبين أو شراء أصواتهم .
حيث أنه نظام يؤدي إلى عزوف الكفاءات عن الترشح أو فشل أغلبها عندما تتقدم للترشيح وإضعاف مردودية المؤسسات المنتخبة .
إنه نمط يساهم في إبراز مجالس غير متجانسة وغير ملتزمة تتحكم فيها ثقافة الزبونية والفساد سواء أثناء تكوين المكاتب أو خلال الدورات .
إنه نظام أفرز نخبا لا تتوفر على الكفاءات والأخلاقيات بل كرس دور «الأعيان» على مستوى الجماعات والبرلمان .
ونظرا لهذه النواقص الواضحة يلجأ المدافعون عن هذا النمط إلى محاولة تحيينه لتمريره عبر اقتراح دورتين في عملية الانتخاب بدل دورة واحدة .
والجدير بالذكر في هذا الإطار هو أن اعتماد الدورتين لا يحل إشكال صغر الدائرة الانتخابية وتأثير الضغط على الناخبين وشراء الأصوات ، بل يضفي على هذا النمط تعقيدات ونواقص جديدة :
- صعوبة التزام الناخبين بالتحالفات التي قد تقع بين المرشحين أو أحزابهم نظرا لتشبت الناخب المغربي بالشخص الذي ترشح وليس بالحزب الذي يفتقر لقدرة تأطير الناخبين نحو مرشح معين.
- الصعوبات اللوجستيكية المترتبة عن دورتين (النقل في الوسط القروي) قد تضعف نسبة المشاركة في الدورة الثانية ولاسيما وأن الناخبين متشبتين بالأشخاص المرشحة وليس بالأحزاب.

علاقة نمط الاقتراع
بالإصلاح السياسي
ولهذه الاعتبارات كلها دافع الاتحاد الاشتراكي سنة 2002 على نمط الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي تماشيا مع مستلزمات مرحلة الانتقال الديمقراطي التي تفرض تقوية المشاركة السياسية عبر إشراك كافة التعبيرات السياسية وتأمين التمثيلية السياسية للنساء.
إلا أن تجريب هذا النمط للاقتراع لم يحل الإشكالات الأساسية للعملية الانتخابية كاستعمال المال والضغط على الناخبين رغم التحسن الملموس على مستوى التمثيلية السياسية. فكانت انتخابات 2007 و 2009 دلالة واضحة على أن نمط الاقتراع المعتمد لم يؤدي إلى عقلنة المشهد السياسي وتمتين الشرعية الديمقراطية للمؤسسات التمثيلية. بل أفرزت هذه الانتخابات تفاقما لا سبيق له في استعمال المال وتدخل أجهزة الدولة في العملية الانتخابية بأشكال متنوعة.
وتفضي هذه القراءة للحصيلة السياسية للمغرب إلى ضرورة إدراج أي حديث حول تقنيات الاقتراع والقوانين الانتخابية داخل مقاربة شمولية لإصلاح النظام السياسي في المغرب في جوانبه الأساسية المتعلقة بالثقافة السياسية للناخب، والتنمية السياسية للمجتمع، وإفراز نخبة سياسية مؤمنة بالقيم الكونية للتطور الديمقراطي، وإعادة بناء أحزاب تمارس الديمقراطية في داخلها وتحافظ على استقلالية رؤيتها وقراراتها، وإصلاح مؤسسات الدولة وارتكاز وظائفها على الشرعية الديمقراطية.
إن اقتراحات الاتحاد الاشتراكي حول قانون الأحزاب ومدونة الانتخابات والجهوية الموسعة تستمد عمقها وقوتها من مقاربتها الشمولية للإصلاحات السياسية والمؤسساتية وضرورة تزامنها لبناء شرعية ديمقراطية حقيقية للنظام السياسي المغربي. في هذا السياق نفسه يجب أن نفهم أن التركيز المنهجي على نمط الاقتراع أو قانون الأحزاب أو الجهوية لا يتنافى مع منظورنا الشمولي لضرورة تزامن كل الإصلاحات السياسية والمؤسساتية لبلوغ الأهداف المتوخاة.

نمط الاقتراع اللائحي
بالتمثيل النسبي
قام الفريق الاشتراكي في البرلمان باستطلاع للرأي بين أعضائه حول التكهنات لإعادة انتخاب أعضاء البرلمان في الدوائر الذي يوجد فيها الاتحاد الاشتراكي حسب نمط الاقتراع : الأحادي الاسمي أو اللائحة . وقد أفرز تحليل 33 استمارة على أن في 32 دائرة يوفر نظام اللائحي حظوظ أوفر لإعادة انتخاب مرشح الاتحاد الاشتراكي سنة 2012 ، وفي 19 منها توجد نفس الحظوظ بالنسبة للأحادي الاسمي، غير أن نائبين من الفريق لهما رأي مخالف بخصوص حالتين تتعلقان بالرباط والدار البيضاء، إذ يجسد الاقتراع الأحادي الاسمي في نظرهما الآلية لإعادة انتخاب مرشح الاتحاد الاشتراكي .
فيما يخص الملاحظات التي تتعلق بحظوظ الأحزاب الأخرى حسب نمط الاقتراع، يتجلى أن الفردي يعطي امتيازا كبيرا لحزب الأصالة والمعاصرة ، العدالة والتنمية وحزب الاستقلال .
لقد أدت أنماط الاقتراع وظائف محددة في المرحلة الديمقراطية في تاريخ المجتمعات الغربية، وظائف تتعلق بسن المنظومة الحزبية التي اختارها المجتمع.
- فاعتماد منظومة الثنائية الحزبية يفرض الارتكاز على نمط الاقتراع الأحادي الاسمي في دورة واحدة أو العمل بنمط الاقتراع اللائحي بالأغلبية في دورة واحدة.
- وإذا استهدفنا بناء منظومة حزبية تؤدي إلى القطبية، فالوسيلة هي تبني نمط الاقتراع الأحادي الاسمي في دورتين أو نمط الاقتراع اللائحي بالأغلبية في دورتين.
أما في مرحلة انتقال ديمقراطي تحضر إلى مرحلة ديمقراطية، فإن تقوية المشاركة السياسية لجميع الأحزاب تعتبر الهدف الجوهري لبناء منظومة حزبية تعددية عبر الارتكاز على نمط اقتراع لائحي بالتمثيل النسبي.
إذن من الأنجح الإبقاء على نظام اللائحة، لما فيه من تحصين مبدئي ضد استعمال المال من جهة، وحث الناخب على الاهتمام بالمجموعات السياسية، بدل الارتباط بالأشخاص من جهة أخرى .
غير أن التجربة أبانت على قيام البعض بتجريد نمط الاقتراع باللائحة من طابعه الجماعي وإخضاعه لمنطق الفرد.
لذا، فإن العلاج لهذه الإشكالية لا يكمن في إلغاء نظام الاقتراع باللائحة لأن إلغاءه هو رضوخ لمستعملي المال في الانتخابات بتمكينهم من السيطرة على الدائرة الصغيرة بكل سهولة. بواسطة الاعتماد على حي صغير فيها للفوز .
وإنما العلاج يكمن فيما يخص انتخاب أعضاء مجلس النواب في خيار أساسي:
الاحتفاظ بنمط الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي على مستوى العمالات .
فهذا الخيار سيمكن من جهة توسيع الدوائر على مستوى العمالات والحد من إمكانيات استعمال المال والضغط الإداري واعتماد قاعدة ترابية ( العمالة ) مؤسساتية من جهة أخرى.
إلا أنه يجب التأكيد لضمان فعالية هذا النمط للاقتراع على ضرورة تعديل مواد متعددة من مدونة الانتخابات سيكون لها وقع إيجابي على نجاعة هذا النمط للاقتراع .
إصلاح القانون رقم 97.9 المتعلق بمدونة الانتخابات
إن نجاعة نمط الاقتراع رغم إصلاحه ترتكز بالأساس على إصلاح مواد متعددة تضمن فعالية ونزاهة العملية الانتخابية في مختلف مكوناتها.

المادة 55
إعادة النظر في حرية وإجبارية المشاركة في الاقتراع من أجل التحسيس بكون الاقتراع ليس عملا عاديا، وإنما هو واجب وطني وله تأثير مباشر على الحياة اليومية لجميع المواطنين ، تأكيدا لما تنص عليه المادة 55 نفسها .
تحديد يوم الاقتراع في يوم الاثنين أو الأربعاء مع جعله يوم عطلة.

المادة 56
العمل على وضع ضابط قانوني يكون معروفا مسبقا لتحديد عدد مكاتب التصويت حتى لا توزع الدائرة على عدد كبير من مكاتب التصويت داخل مكتب التصويت الواحد، مما يعقد عملية تعيين أعضاء مكاتب التصويت من جهة وتعيين ممثلي المرشحين من جهة ثانية ، الشيء الذي يخل بإمكانية المراقبة النزيهة لعملية الاقتراع .

المادة 57
1 الاحتفاظ للعامل بتعيين أعضاء مكتب التصويت لكن خارج موظفي الجماعات ، لما للمرشحين سواء كانوا مسؤولين في الجماعة أو أعضاء فيها من تأثير على رؤساء مكاتب التصويت هو ما تأكد في الانتخابات 2007 و 2009 علما أن الإدارات العمومية تتوفر على عدد كبير من الموظفين من مختلف الوزارات . مؤهلين للقيام بهذا العمل الوطني .
تحديد توزيع أعضاء المكاتب بالقرعة يوما واحدا قبل الاقتراع على المكاتب بحضور المرشحين للانتخابات ولجنة مراقبة نزاهة الانتخابات.
2 عندما يسلم العامل لرئيس مكتب التصويت لوائح الناخبين التابعين للمكتب ولائحة الترشيحات المسجلة في الدائرة والمطبوع الخاص بتحرير العمليات الانتخابية وأوراق إحصاء الأصوات يجب أن يسلمه كذلك أوراق التصويت مرقمة تسلسليا ، مقابل وصل موقع من طرف رئيس المكتب مشار فيه إلى عددها والأرقام التسلسلية لها .
3 تحديد مسؤولية رئيس المكتب الجنائية على ضياع أو إخراج أي ورقة من مكتب التصويت .

المادة 58
يجب أن ينص على إلزامية تضمين ملاحظات ممثلي المرشحين تحت طائلة معاقبة لرئيس مكتب التصويت .

المادة 60
يجب أن يضاف إلى هذه المادة ، جملة (والحاملة للرقم الترتيبي الخاص بمكتب التصويت).

المادة 63
يتولى جميع أعضاء المكتب وكذا ممثلي المرشحين عملية فرز الأصوات تحت رئاسة رئيس مكتب التصويت .
إلغاء الفقرة الثانية من المادة .
الفقرة الثالثة يضاف لها إلزام رئيس مكتب التصويت بالتحقق من بطائق التصويت بمقارنتها مع عدد من المصوتين المذكورين في المادة 62 وكذا بمقارنتها مع باقي البطائق غير المستعملة إن بقيت.

المادة 64
تعتبر ملغاة
الأوراق التي لا تحمل رقما من الأرقام الترتيبية التي وقع عليها رئيس مكتب التصويت عند تسلمه لها من العامل الذي عينه .
- ألا تعتبر ملغاة الأوراق التي تحمل علامة X التي تتجاوز إطار الرمز الذي وضعت عليه وتحسب لفائدة المرشح الذي يتقاطع الخطان في الخانة المخصصة له.
الأوراق المعترف بصحتها توضع هي كذلك في ظرف خاص وتضاف للمحضر. ولا يتم إحراقها .

القانون التنظيمي
المتعلق بمجلس النواب
يجب تعديل المواد 65 و 66 و 67 و 68 و 69 و 70 و71 و 72 و 73 وفق نفس الضوابط المشار إليها في المواد المتعلقة بمدونة الانتخابات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.