يرى محمد محب عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي أن الضرورة الوطنية و السياسية تقتضي العمل على رد الاعتبار للسياسة بمباشرة الإصلاحات الاستراتيجية ، و يدخل نمط الاقتراع ضمن هذه الأجندة . و يؤكد في حواره مع الجريدة أن النقاش مازال مفتوحا من أجل التوصل لصيغة ملائمة تجيب عن اختلالات السياسة الانتخابية بالبلاد ، مضيفا أن الإرادة السياسية الصادقة و الرصينة هي الكفيلة وحدها بتجاوز هذه المطبات الانتخابية التي تواجه الاستحقاقات .. أمام تدني الفكر السياسي لدى النماذج القديمة و الجديدة الوافدة على السياسة و المعتقدة أنها مجال لتحصيل المكاسب و الدفاع عن المصالح.. هل يصمد نمط الاقتراع سواء اللائحي أو الاسمي الأحادي أمام هذا الواقع المزري للممارسة السياسية ؟ من المؤكد أن لنمط الاقتراع أهميته من اجل تحسين نوعية المنتخبين وضمان الفعالية والاستقرار، لكن يبقى غير كاف اذ لا يمكن تجاهل أن تغيير التشريع وحده لا يؤدى حتما إلى تغيير السلوك. ذلك أن أي قانون للانتخابات مهما بلغت دقة مقتضياته وحجم الضمانات التي تحاط بها العملية الانتخابية لا يستطيع ضمان انتخابات نزيهة ذات مصداقية، إذا لم يقترن بإرادة سياسية واضحة من طرف جميع المتدخلين في العملية الانتخابية تروم تجاوز سلبيات الاستحقاقات السابقة. في نفس الاتجاه، نمط الاقتراع بالتمثيل النسبي اعتمادا على أكبر البقايا أبرز هشاشة و عدم انسجام على مستوى الأغلبية البرلمانية و هذا ما يؤثر بالسلب على الاستقرار الحكومي .. مظاهر ذلك تبدت في التصويت على البرامج الحكومية القوانين التي تأتي بها الحكومة ..؟ صحيح أن إعمال نمط الاقتراع باللائحة وبالتمثيل النسبي على أساس أكبر بقية يؤدى حتما إلى تشتيت الأصوات وبلقنة الخريطة السياسية، وعدم إفراز أغلبية منسجمة غداة الاقتراع، مما يستوجب معه إجراء مفاوضات عسيرة لإبرام تحالفات بين الأحزاب السياسية بعد الانتخابات من أجل تشكيل الحكومة أو الأجهزة التنفيذية للمجالس الجماعية. وللتخفيف من سلبيات هذا النظام، كان اقتراح حزبنا هو إعمال هذا النمط على أساس أقوى المعدلات ورفع العتبة إلى حدود 100/10، واحترام المبادئ والمعايير التي يقوم عليها التقسيم الترابي للدوائر الانتخابية، مع توسيعها للحد من البلقنة وعقلنة المشهد السياسي. وما يزال النقاش والبحث عن أسلوب الاقتراع الأكثر ملاءمة للواقع المغربي وطبيعة المجتمع فيه، مسألة قائمة في بلادنا. الاستعمال غير المشروع للمال السياسي في العمليات الانتخابية هو أردء الكوارث السياسية التي تتهدد ديمقراطية ناشئة مثل «الديمقراطية المغربية» المدموغة بالخصوصية المحلية .هل يستطيع أي نمط اقتراع مهما تطور أن يوقف هذه الكارثة التي أصبحت ملتصقة بالنظام الانتخابي ؟ على الرغم من أن القانون الانتخابي يُجَِرمُ كل الأفعال التي تستهدف شراء أصوات الناخبين، فإن ذلك لم يَحُلْ دون استفحال ظاهرة استعمال المال السياسي وتقديم رشاوي وإقامة الولائم لاستمالة أصوات الناخبين بطرق غير مشروعة. وإذا كانت الغاية من إصلاح نظام الانتخابات هو تحسين نوعية المنتخبين ومحاربة كل الأساليب غير المشروعة في الحصول على أصوات الناخبين كالرشوة والضغط والإكراه والتزوير، إضافة إلى تقوية دور الأحزاب السياسية، وإعطاء المرأة المكانة التي تستحقها في تمثيل المواطنين وتحمل المسؤوليات الانتخابية وضمان الاستقرار والفعالية في تدبير الشأن العام والمحلي. وبالنظر إلى تعدد هذه الأهداف وتناقضها، يمكن القول أنه يصعب إيجاد نمط اقتراع يحقق الأهداف كلها، خاصة مع تراجع في الاهتمام بالسياسة واختلال سير المؤسسات وضعف مردوديتها، والعودة إلى الوحدات الصغيرة: الأسرة، العائلة، القبيلة، الفرد التي تعوض الانتماء إلى الحزب، إضافة كذلك إلى غض الطرف من قبل الإدارة عن استعمال المال لشراء الأصوات باستغلال فقر المحتاجين، وإحجامها عن تطبيق القوانين التي تحظر هذه الأفعال، لكن، هل السبب هو بنية الإدارة وإرادتها فقط؟ أم أيضا قصور اجتهادنا كأحزاب سياسية والتردد والاضطراب الذي يطبع بعض مواقفنا، مما سهل مهمة ذوي السلطة المالية في السيطرة المطلقة في الانتخابات التشريعية والجماعية، لذا وجب علينا ترتيب أولوياتنا وإعطاء الأسبقية لما نعتبره استراتيجيا بالنسبة لمستقبل بلادنا. نمط الاقتراع الذي اعتمد في 2002 أو 2007 كانت له آثاره السياسية الواضحة سواء على مستوى الكتلة الناخبة أو الأحزاب أو البرلمان و الحكومة . نسبة متدنية للمشاركة ، تضخم نسبة العزوف ، أوراق ملغاة بالجملة ، ألا ترون أن ذلك مرتبط بشكلانية المؤسسة خاصة مؤسستي البرلمان و الحكومة ؟ و بالتالي فإن إحدى الرسائل القوية للمجتمع السياسي من قبل المغاربة هو الاحتجاج على هذه الديمقراطية الإسمية التي تعددت فيها أنماط الاقتراع و لم يتغير أي شيء ؟ إذا أضفنا إلى نسبة عدم المشاركة المرتفعة (حوالي 70%، الأصوات الملغاة ، والأفراد الذين صوتوا بفعل عنصر المال، وإذا أضفنا الأفراد غير المسجلين أصلا في اللوائح الانتخابية نجد أنفسنا أمام حقيقة مريرة، إن في هذا تدهور متواصل في رأسمال الثقة مما يطرح قضية المصداقية وصورة المؤسسات نصب أعيننا. أما بالنسبة لنمط الاقتراع، فعلى العموم هناك ثلاث أنظمة انتخابية رئيسية وهي: - نظام الأغلية الذي يتضمن عدة صيغ. - نظام التمثيل النسبي على أساس أكبر بقية أو أقوى المعدلات. - النظام المختلط الذي يحاول المزج بين النظامين. والمعروف ان الانتخاب الفردي يسهل مهمة الناخب في اختيار مرشح واحد من بين المرشحين في الدائرة الانتخابية، إذ يمكن الناخب من معرفة المرشح الذي يصوت لفائدته مما يوطد العلاقة بينهما. على خلاف الانتخاب باللائحة الذي يتعين فيه اختيار عدد من المرشحين، قد لا تتوفر معرفة بهم جميعا، وفي نفس الوقت فإن الانتخاب باللائحة يقلص من إمكانيات التدخل السلبي اتجاه الناخبين، ويجعل من عملية الانتخاب صراعا بين برامج وأفكار وليس بين أشخاص. وسوف يظل النقاش في الاختيار أيضا بين نظام التمثيل النسبي والنظام الأغلبي، فالأول يسمح بتوزيع المقاعد بشكل يتناسب ونسبة الأصوات المحصل عليها ويسمح بتمثيلية مختلف الأحزاب ومختلف الاتجاهات السياسية، إلا أنه قد يؤدي إلى خلق الأزمات وعدم الاستقرار، بينما يتميز الثاني النظام الأغلبي ببساطته ويسمح بتكوين أغلبية قوية ومتماسكة، لكنه قد يؤدي إلى استبداد الأغلبية وتهميش الأقلية. نمط الاقتراع في الدول الديمقراطية يكون متوافقا عليه و نتاجا لتراكمات سياسية تحترم فيها اللعبة الديمقراطية و تكون الانتخابات فيها ميزانا لإفراز قوة سياسية نالت ثقتها من المواطنين ، و هذا النمط لا يكون إلا تتويجا و خريطة طريق منظمة للاصطفافات الحزبية ، هل تعتقدون أن البلد اليوم محتاج فقط للحديث عن أنماط الاقتراع أم أن الأمر يجب أن يمتد لإصلاحات استراتيجية تستهدف المجتمع و الدولة ، و أساسا هندسة السلطة في المغرب ؟ بالنسبة لنا في الاتحاد الاشتراكي نعتبر أن إصلاح مدونة الانتخابات، ليس مسألة تقنية فقط تهم نمط الاقتراع، بل هو جزء لا يتجزأ من إصلاح سياسي شامل يوفر كل الشروط القانونية والإدارية والتنظيمية والسياسية لضمان مصداقية الانتخابات ولإرساء دعائم ومقومات الديمقراطية الحقة. إن طغيان التفكير والاهتمام في تحليلنا بالجوانب المسطرية فقط، أي كيف تقام المؤسسات -نمط الاقتراع- على الجوهر أي ماذا يجب أن تقوم به هذه المؤسسات وأية علائق تربطها، وأية حلول تقتضيها تنمية المجتمع وتطوير السياسة والسلوك السياسي في المغرب . وأعتقد أن دور الأحزاب السياسية أن تُعْمِلَ فكرها وإبداعها في مجال إيجاد الحلول في القضايا الجوهرية التي تهم المواطن والمجتمع والمؤسسات بدل الاشتغال كلية بالجوانب المسطرية العقيمة، وهاجس التحكم في الخريطة السياسية. علينا أن ننتشل المواطن المغربي من الخصاص الذي يعانيه، وأن ننتشل الجمهور من انعدام الثقة في المؤسسات والارتقاء بمستوى نضجه ووعيه السياسي لكي يدخل إلى ساحة الممارسة السياسية في ظل المؤسسات. إن مهمة الجميع اليوم، دولة وأحزابا ومجتمعا مدنيا العمل على إعادة الاعتبار للسياسة وللمؤسسات، ولحرمة الاقتراع لمواجهة ظاهرة العزوف وعوامل اليأس والإحباط التي تغذيها والمخاطر التي أصبحت اليوم تهدد التطور الديمقراطي في المغرب.