عاد موضوع الإصلاحات السياسية إلى الواجهة السياسية المغربية، بعد أن تعالت هذه الأيام أصوات سياسية من مواقع مختلفة تطالب بفتح ورش ما بات يعرف اليوم بجيل جديد من الإصلاحات السياسية. وبدا واضحا أن هناك إجماعا بين مكونات المشهد السياسي، على اختلاف دوافعها ومواقعها السياسية، على حاجة البلاد الآنية إلى تلك الإصلاحات لتجاوز الاختلالات التي شهدتها الاستحقاقات السابقة والاستعداد لخوض محطة 2012. وفي هذا الصدد، تعهدت الحكومة الحالية، على لسان رئيسها عباس الفاسي، خلال تعقيبه الأسبوع المنصرم على تدخلات الفرق البرلمانية بخصوص التصريح الحكومي، بجعل الانتخابات التشريعية القادمة عنوانا بارزا للجيل الجديد من الإصلاحات السياسية، بغية «تعزيز الصرح الديمقراطي وتقوية المؤسسات وتخليق المشهد السياسي والشأن الانتخابي وتنقيته من بعض المظاهر السلبية التي تضر بالعملية الانتخابية ووضع حد لاستعمال المال في الانتخابات.. وذلك ليكون المغرب هو الفائز في الانتخابات التشريعية لسنة 2012». وفي الوقت الذي أعلن الوزير الأول أمام ممثلي الأمة عزم حكومته الشروع خلال الأشهر المقبلة في دراسة ومراجعة التقطيع الانتخابي، وفتح حوار حول نمط الاقتراع، وكذا دراسة إمكانية الرفع من المقاعد المخصصة للائحة الوطنية، ومراجعة قانون الأحزاب، ومعالجة ظاهرة الترحال السياسي، كلف حزب الأصالة والمعاصرة المعارض اللجنة السياسية المنبثقة عن مكتبه الوطني بفتح ملف الإصلاحات السياسية والمؤسساتية، خاصة ما يتعلق منها بمدونة الانتخابات وقانون الأحزاب السياسية، انسجاما مع أدبيات الحزب المشددة على حاجة البلاد إلى جيل جديد من الإصلاحات المؤسساتية القادرة على دعم المسار الديمقراطي وتأهيل الأحزاب وتخليق الحياة السياسية. أجندة الأحزاب الجيل الجديد من الإصلاحات حاضر بقوة في أجندة قيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حيث سارع عشية الانتخابات الجماعية ليونيو 2009 إلى تقديم مذكرة الإصلاحات الدستورية منفردا إلى الديوان الملكي تنفيذا لمقررات الشوط الثاني من المؤتمر الثامن، وكذلك خلال اللقاءات التي عقدها كاتبه الأول عبد الواحد الراضي، في الأسابيع الفارطة، مع قيادات أحزاب الكتلة الديمقراطية والعدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار. وإن كان حزب الوزير الأول قد أفلح في التخلص من عقدة عدم المطالبة بالإصلاحات، بعد أن شكل المجلس الوطني الأخير للحزب لجنة للانكباب على تحديد أهم الإصلاحات السياسية، التي يمكن العمل عليها في المستقبل، فإن رفاق إسماعيل العلوي وضعوا ملف الإصلاحات على رأس أولوياتهم في المرحلة المقبلة، حيث تشير الوثيقة السياسية المقدمة للمؤتمر الثامن، المنظم تحت شعار «جيل جديد من الإصلاحات لمغرب الديمقراطية»، إلى أن من المداخل الضرورية لتحقيق مزيد من المناعة والفعالية للمؤسسات الدستورية ضبط اختصاصات كل من المؤسسة الملكية والحكومة والبرلمان واستقلالية القضاء. ويرى حزب التقدم والاشتراكية أن الإصلاح السياسي يقتضي إرساء قواعد تنظيم تمثيلي أكثر مصداقية ونجاعة ومراجعة الأنظمة الانتخابية، لتكون أكثر ضمانا للتعددية وتعكس حقيقة القوى السياسية الفاعلة. من جهتهم ، لا يبدي إخوان بنكيران، اعتراضهم على فتح ملف الإصلاحات السياسية والدستورية، عبر تعبيرهم خلال اللقاءات، التي جمعتهم في الأسابيع الماضية بحزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاستقلال، عن استعدادهم للعمل المشترك فيما يخص تلك الإصلاحات، انسجاما مع ما تنادي به وثيقة «النضال الديمقراطي مدخلنا إلى الإصلاح»، التي تشكل أطروحة الحزب في الفترة 2008 إلى 2012 من إقرار لإصلاحات سياسية ودستورية متوافق عليها باعتبارها المدخل الأساس للإصلاح السياسي. وتتمثل الإصلاحات التي يطالب بها حزب العدالة والتنمية أساسا في إصلاح النظام الانتخابي بما يمكن من إقرار خريطة سياسية واضحة قائمة على أغلبيات منسجمة وحكومات أو مجالس محلية قوية، وتعزيز الضمانات القانونية لنزاهة الانتخابات، مرورا بالتقطيع الانتخابي الذي ينبغي أن يقوم على أسس موضوعية لا على هواجس التحكم في الخريطة الانتخابية ويصدر عن المؤسسة التشريعية، بالإشراف القضائي على تنظيم الانتخابات. الحاجة إلى نفس جديد من الإصلاحات ولئن كانت تصورات ومقاربات الأحزاب السياسية لورش الإصلاحات السياسية والدستورية متباينة، فإن حسن طارق، أستاذ العلوم السياسية وعضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يعتبر أن تعالي أصوات الطبقة السياسية، أحزابا وحكومة، المنادية بالإصلاحات السياسية والمؤسساتية، جاء نتيجة تقدير مشترك لمجموعة من الإطارات السياسية بأن المغرب يعيش مرحلة سياسية جديدة تحتاج إلى أجوبة جديدة، من ضمنها الإصلاحات السياسية والمؤسساتية والدستورية، كجواب عن الأزمة السياسية التي يمر منها المغرب، مشيرا إلى أن الحديث عن الإصلاحات السياسية من قبل الأحزاب السياسية يعد بمثابة إعادة الأزمة إلى موقعها الطبيعي كأزمة سياسة لا أزمة فاعل فقط، كما روج له طوال المرحلة التي تلت الانتخابات التشريعية لسنة 2007. ويرى طارق أن المغرب في مسيس الحاجة، اليوم، خاصة بعد مرحلة منتصف التسعينيات من القرن الماضي وبداية العهد الجديد، إلى نفس جديد من الإصلاحات السياسية والمؤسساتية والدستورية مرتبطة في شق منها بأجندة 2012 وما تقتضيه من مراجعة النظام الانتخابي وقانون الأحزاب وتخليق الحياة السياسية والانتخابية، وفي شق ثان بالإصلاحات الدستورية، مشيرا في تصريحات ل«المساء» إلى أن «المغرب يحتاج اليوم بخصوص الإصلاحات الدستورية إلى وقفة أكثر من الوقفة التي كانت في سنة 1996، وإلى تأطير دستوري جديد يقدم هندسة جديدة في العلاقات ما بين السلط، خاصة في ظل وجود مرجعيات جديدة وحديثة للإصلاح ممثلة في توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وتقرير الخمسينية والمستجدات التي عرفتها الساحة السياسية بعد مجيء الملك محمد السادس». وبينما يتوقع أن تلجأ حكومة عباس الفاسي خلال محاولتها اعتماد الجيل الجديد من الإصلاحات السياسية والمؤسساتية إلى آلية التوافق، حذر أستاذ العلوم السياسية مما أسماه «تعويم الإصلاحات في منطق الاستشارات والتوافقات والتراضي». وقال في تصريحات ل»المساء: «إذا كنا بصدد الحديث عن تطبيع الحياة والعمل السياسيين، فإني أعتقد أن تعويم الإصلاحات في منطق الاستشارات والتوافقات والتراضي لن يكون منتجا. إن الحكومة مطالبة بتقديم اقتراحات واضحة منسجمة حاملة لهوية سياسية حتى لو تعلق الأمر بقوانين تأسيسية للعبة الديمقراطية مثل قانون الانتخابات، وأن تذهب بتلك الاقتراحات مباشرة إلى البرلمان لكي تتم مناقشتها لأن جزءا من الأزمة السياسية التي نعيشها والإشكاليات التي ثارت بخصوص اللائحة تكمن في أن هذه الأخيرة كانت موضوع توافقات وتراضيات جعلتها بدون لون وطعم». وبالنسبة إلى طارق فإن الدخول في لعبة التوافقات فيما يخص الإصلاحات السياسية والمؤسساتية سيكون على حساب العمل الديمقراطي أولا والمؤسسات ثانيا، بل الأخطر من ذلك أنها ستكون مشوهة، مضيفا: «يتعين القول: كفى من التوافقات والتراضيات ولتقل لنا الحكومة ماذا تريده لإصلاح الحقلين السياسي والانتخابي، ولتذهب بعد ذلك بنصوصها إلى البرلمان لكي تناقش بمنطق الأغلبية والمعارضة كما هو الحال أثناء مناقشة أي سياسة عمومية أو نص تشريعي».