الأمم المتحدة.. تعيين عمر هلال رئيسا مشاركا لمنتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول العلوم والتكنولوجيا والابتكار    السكوري: الحكومة تخلق فرص الشغل    توافق وزارة العدل وجمعية المحامين    مغاربة يتضامنون مع فلسطين ويطالبون ترامب بوقف الغطرسة الإسرائيلية    إقصائيات كأس إفريقيا 2025.. المنتخب المغربي يحقق فوزا عريضا على مضيفه الغابوني (5-1)    حملات تستهدف ظواهر سلبية بسطات    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    السكوري يبرز مجهودات الحكومة لخلق فرص الشغل بالعالم القروي ودعم المقاولات الصغرى    المنتخب المغربي يقلب الطاولة على الغابون ويفوز بخماسية خارج الديار    مقابلة مثالية للنجم ابراهيم دياز …    فيضانات فالنسيا.. المديرة العامة للوقاية المدنية الإسبانية تعرب عن امتنانها لجلالة الملك على دعم المغرب لإسبانيا    "طاقة المغرب" تحقق نتيجة صافية لحصة المجموعة ب 756 مليون درهم متم شتنبر    حماس "مستعدة" لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب "للضغط" على إسرائيل    لقجع يهنئ سيدات الجيش الملكي    سانشيز يشكر المغرب على دعمه لجهود الإغاثة في فالنسيا    لقجع: في أجواء التوترات الجيوستراتيجية التي تطبع العالم مافتئ المغرب يؤكد قدرته على التعاطي مع الظروف المتقلبة    جثة متحللة عالقة في شباك قارب صيد بسواحل الحسيمة    وزيرة مغربية تستقيل من الحكومة الهولندية بسبب أحداث أمستردام    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2025    زخات مطرية مصحوبة بتساقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية بعدد من أقاليم المملكة    جائزة المغرب للشباب.. احتفاء بالإبداع والابتكار لبناء مستقبل مشرق (صور)    شراكة مؤسسة "المدى" ووزارة التربية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    الصحراوي يغادر معسكر المنتخب…والركراكي يواجه التحدي بقائمة غير مكتملة    جورج عبد الله.. مقاتل من أجل فلسطين قضى أكثر من نصف عمره في السجن    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت" (فيديو)    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج 'حوارات'    خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    المغرب: زخات مطرية وتياقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة :جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده    إجلاء 3 مهاجرين وصلوا الى جزيرة البوران في المتوسط    حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل    مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"    قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا        هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة        تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ربورتاج // الكلمات المستحدثة في لغتنا العامية بين حب الإعتراف وفرض الذات وتحقيق هوية مشفرة *مجموعات تتمرد
نشر في العلم يوم 18 - 09 - 2014

"مستوني، مريغل، الحطة، مهيص، مقرطس، دمدومة، تيتيز، تويتة، قلقلو، محنسر، خاطيني، مزعوط، نايضة، قرطاسة، كيليميني، بوزبال، السلوكية، تويشية، مكستر..." وغيرها مصطلحات باتت تتداول في المعاش اليومي بين الشباب، لتصبح كلمات مشفرة لا يفك ألغازها إلا من احتك بشباب يمتهن لعبة التلاعب بالكلمات، بين المدح والذم والتصنيفات الاجتماعية، بين الذكاء والبلادة، بين معايير الجمال والقبح، بين النشوة والإحباط، تتسلل هذه المصطلحات لتجد لها مرتعاً خصباً في أفواه شباب ثار في وجه المألوف، وركب طبق الجنون اللفظي، في أسمى صوره، مقتبسا من قواميس الغرب، ومن لغة "الشات"، ومن لقفات مغنوا الراب.
لغتنا مرآتنا
تطورت اللهجة المغربية على مرور الزمن غير أن العقدين الأخيرين شكلا طفرة نوعية قطع معها المغاربة سنوات ضوئية مقارنة مع قبل، ولأسباب عديدة وموجات محلية وغربية قفزت اللهجة بأميال لدرجة وقف عندها المهاجر المغربي مشدوها كأنه يسمع لهجة ليست بالمغربية.
ما دام هناك تحول جيلي، لا يمكننا الجزم بتعريف القضية بالظاهرة الجديدة، فهي أقرب إلى ذلك داخل المتعارف بين الأجيال السابقة، في علاقتهم بما يمكن تسميتهم بالجيل الثاني الشباب خصوصا، فبالنظر إلى اللغة باعتبارها الوجه الثقافي الأساسي الدال على هوية الفرد، وهوية المجتمع، ناهيك عن كونها أداة الاتصال الأساسية بين أفراد المجتمع، تبقى هذه الهوية اللغوية أمرا مثيرا للانتباه، فلا نجد هوية لغوية واحدة بقدر ما نجد هويات لغوية فئوية، خاصة عندما يتم الحديث عن لغة شبابية كلغة مستقلة لها قواعد ومعالم غير واضحة، وتصبح أمامها اللغة قالبا غير متجانسا تعبيرا عن انعزال أفراد و زمر بعضهم عن بعض، وتصبح بالتالي هذه اللغة الشبابية تجسيدا لذلك الجزء الزئبقي عند شريحة اجتماعية مثمتلة في الآباء ومن هم في سن متقدمة.
بلغة الرموز التي تستوجب التشفير، بحرقة الدفاع عن شباب جيله يرفع أحمد (في عقده الثاني) يداه تنديدا بالمعاملة التي يعامل بها الشباب من طرف كبار السن، و يصرخ "الكبار عاشو حياتهم وكانو "مستونيين" لذا وجب عليهم تركنا نعيش حياتنا كما نشاء".
الرغبة في الاعتراف
اللغة الجديدة لشباب الجيل الحالي، مليئة بالألفاظ الغريبة والمشفرة أحيانا، تترجم الكم الهائل من التحولات التي يعيشها الشباب في داخلهم، فيعبرون عنها بلغتهم الخاصة التي لا يكاد يفهمها غيرهم، لخلق "حماية" ذاتية لهم ولرؤيتهم للعالم كما يريدون.
ابتعاد الشباب عن عالم الكبار وعدم انسجامهم معه يجعلهم يؤسسون مملكتهم الخاصة حيث يتعاملون بثقافتهم ولغتهم وقيمهم ومعاييرهم، كما أن السرعة الحاصلة في اتساع الاختلاف بين جيلي الشباب والكبار تفرض أسلوبا جديدا في التعامل معها حتى لا يصبح الشباب هم وحدهم الذين يطالبون بالتغيير والتجديد، في حين يقف الكبار موقف المعارض لعملية التغيير أو يقف منها موقف المتفرج، كما يجد عامل الشعور بالقبول والانتماء طريقه كرغبة تفرض على الشباب تكييف مواقفه وأفكاره لتنسجم مع مواقف وأفكار رفاقه.
فكلما تحقق هذا الانسجام بين الشاب وبين جماعة الرفاق كلما شعر بأنه مقبول ومرغوب فيه من طرفهم، وبذلك يشبع رغبته في الانتماء إلى الجماعة مما يمنحه شعورا بالاطمئنان والأمن الضروريين لنمو شخصيته وفضلا عن عاملي التنافر بين جيلي الشباب والكبار والرغبة في الانتماء، يمكن تفسير انتشار هذه اللغة الشبابية البديلة أيضا بحرص بعض الشباب على إثارة انتباه المجتمع إليهم بكونهم أكثر تميزا.
وهو ما أكده أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك الدار البيضاء عبد المجيد جهاد ل"العلم" " ترسيخ المكانة الاجتماعية والاعتبارية للشاب داخل جماعة الأقران، رهين بتأكيد انتمائه إلى هذه المجموعة، من خلال التحدث بلغتها، حتى يصبح شخصا مقبولا ومرغوبا فيه، وإلا تعرض للنبذ والإقصاء من قبلها".
مضيفا " أن اللغة المستحدثة المحشوة بالألفاظ الغريبة والتعابير المرموزة ، تترجم في حد ذاتها التحولات القيمية التي يعيشها هذا الشباب في داخله، فضلا عن أن هذه اللغة الفرعية، تعزز الشعور بالانتماء بين الأفراد المنتمين لمجموعة لغوية أو ثقافية محددة، حيث إن هذا الإحساس يفرض على المنتمين لهذه المجموعة، وخاصة لدى فئة الشباب، ملائمة مواقفها وقناعاتها، والتماهي مع مواقف وقناعات باقي أفراد المجموعة، مما يمنحها شعورا بالاطمئنان والأمن الضروريين لنمو شخصيتها واكتمالها".
"حنا أولاد اليوم"
يسعى الشباب إلى لفت الأنظار بإضفاء جو من المرح وكثرة التهكم والسخرية وإظهار القوة وابتكار كل ما هو غريب وجديد ودخيل على ثقافتنا، ويسعى إلى الثقة في النفس والتأثير في الآخرين بكثرة الكلام وإثبات خفة الظل والكفاءة الكلامية، فاللغة ظاهرة اجتماعية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالبناء الاجتماعي ونسق القيم في المجتمع متمثلاً في ظاهرة المحرمات أو الطابو، ومجتمع الشباب أوجد لنفسه قيما خاصة به ومن ثم محرمات خاصة.
"عرفت هذه اللغة من أصدقائي، وعندما أسمع أي كلمة تتردد من حولي ألتقطها فوراً، رغم أنها ليست هامة بالنسبة لي حيث يقتصر استخدامي لها مع الأصدقاء فقط، ولا أستخدمها عندما أتحدث إلى أستاذ مثلاً أو أثناء ندوة أو في التحدث داخل المنزل مع والدي أو والدتي". يصرح رشيد ل"العلم".
أما إلياس الشاب التازي الأصل، والبيضاوي النشئ، والفاسيفي تمدرسه الجامعي، نهل من مدن مغربية كثيرة وتشبع في تنشئته بحقول معرفية متنوعة ومختلفة، فعصارة كلمات لا يتقنها إلا هو والتي لا تظل حكرا على الأصدقاء، فسخاءه الكلامي يطال آذان الأساتذة والمدرسين، بعفوية وطلاقة يتحدث إليهم كجماعة رفاق الدرب.
"هذه لغتنا ونحن أحرار ولا تجبرونا على التحدث بلغتكم، وما ترونه أنتم غريبا نعتبره نحن عاديا، حنا أولاد الوقت" بتمرد صارخ يعبر حسن. وفي إفادتها تقول زينب "أستخدم هذه اللغة في التعامل لأن الجميع أصبح يتحدث بها، وقد تعلمتها من أصدقائي في الجامعة، وتمثل هذه اللغة اختصاراً لبعض الجمل المطولة فهي سهلة وبسيطة، وأستعملها فقط مع الأصدقاء، أستخدمها على حسب الشخص الذي أمامي".
لكل مقام مقال
توسعت الفجوة الجيلية، بالصورة التي يرفض فيها الآباء أفعال أبنائهم من دون نظر أو مناقشة، نتيجة لضيق أوقاتهم و لانشغالهم بجلب قوت العيش، وهو ما يخلق فجوة تواصل مع الأبناء الذين يحاولون مواكبة عصرهم ، وهو ما يعمق من الفجوة ويقود إلى التمرد الذي يتجلى في صورته الأولى في لغة تشبه اللغات السرية، لغة توضح انغلاق مجتمع الشباب على نفسه بعيدا عن سلطة الآباء والمؤسسات.
"لا يمكنني التحدث إلى والداي أو أمام الأهل بهذه المصطلحات لأنهم سيفهمونها بشكل خاطئ، فهم يعتبرونها لغة الشارع، ويفسرونها بطريقة سلبية ويتهموننا بأننا جيل غير مسؤول وجاهل، أما بيننا نحن الشباب فيسهل أن يتحدث بها مع بعضنا فهي تعبير عن حياتنا العملية، وفي النهاية لكل جيل سماته وبصماته التي تبقى من بعده" يفيد عبد المنصف في تشبث وقبول بهذه المصطلحات.
بعدم القبول والرضا وبغضب بادي على محياها تصرح وفاء الشابة الثلاثينية والمدرسة بالقطاع الخاص ل"العلم" "لا أحب التحدث باللغة التي تشيرون إليها، لكونها لا تليق بالفتاة، فهي غالبا ما يتحدث بها الشباب فقط، فغالبا ما تكون غير أخلاقية، تعبر عن انحلال خلقي وعن تشبع بمبادئ فاسدة، وعن غياب وعي مجتمعي يترك الفتاة خاصة على عواهنها تتلقف تنشئتها من الشارع".
كلمات تحتاج إلى قواميس
ساهمت التكنولوجيا في تغيير الكثير من مفردات التواصل بين الشباب المغربي، حتى نحت له لغة خاصة يستخدمها أثناء "الشات" وتبادل الرسائل الإلكترونية، وهذا ما أكده أستاذ علم الاجتماع عبد المجيد جهاد " أسباب موضوعية تقف وراء انتِشار مثل هذه الألفاظ والكلِمات، وفي مقدمتها الاجتياح الواسع والكاسح لوسائط التواصل الإلكترونية الجديدة، وخاصة الأنترنيت والهواتف الذكية والقنوات الفضائية، والتي جعلت المعلومة تتداول بسرعة قياسية بين الشباب، وبكيفية سهلة وسلسة بعيدا عن الحواجز التي كانت تفرضها الوسائل التقليدية في مجال التواصل. ولعل أفضل تعبير عن ذلك، هو اللغة المستخدمة في الدردشة الإلكترونية، أو "الشات"، وكذا تلك المستعملة في تبادل الرسائل الإلكترونية، لسرعتها الفائقة، وسهولة استخدامها وتداولها تقنياً ومرونتها".
في هذه "اللغة" ظهرت كلمات متآكلة، وحروف ناقصة وأخرى مكررة، وتراكيب مبهمة بين العربية والأجنبية، بين الفصحى والعامية، ومزيج من الحروف والرموز والرسوم الكاريكاتيرية، بل تم استبدال بعض الحروف العربية التي ليس لها مرادف في الإنجليزية بالأرقام حيث أصبحت الحاء 7، والهمزة 2، والعين 3 والخاء 5 والقاف 9 وغيرها...
وهناك اختصارات باللاتينية مثل: لول Laughing Out Loud= LOL / يضحك بصوت عال، وتيت TYT =Take Your Time / خذ وقتك، BTW= By The Way / على فكرة، وOMG= Oh My God / يا ربي،وBFF= Best Friend For Ever / صديقي الدائم، B8= BON NUIT/ ليلة سعيدة غيرها... وبعضهم يطوع الألفاظ الأجنبية للصياغة العربية مع احتفاظها بحروفها المعبرة عن أصلها الأجنبي، خاصة في التعامل مع الوسائط الإلكترونية.
للموسيقى كلمتها
لطالما عبرت الموسيقى عن مشاغل المغاربة، فبعد السبعينيات التي كانت زمنا خاصا استطاعت فيه فرقة ناس الغيوان كامتداد لظاهرة الهيبيزم العالمية أن تتماشى بشكل لافت مع هموم الشباب وتطلعاتهم ومطالبهم الاجتماعية والسياسية، وأن تترك صدى واسعا داخل المغرب وفي أوربا والعالم العربي، جاء زمن الراي في الثمانينيات، حيث كان هذا الأسلوب الغنائي القادم من الجزائر ومن شرق المغرب هو الأكثر حضورا وتأثيرا في أوساط الشباب الذين حفظوا أغاني الشاب خالد وتعلقوا بالشاب حسني، فقد كان الراي هو الأكثر تعبيرا بالنسبة لهم عن الفشل العاطفي والاجتماعي وانهيار الأحلام.
ثم جاء زمن آخر بدأت فيه أغنية الراب أو"الهيب هوب" تزاحم أغاني الراي وتسحب جمهورها من الملاهي باتجاه ساحات المدينة ودروبها القديمة، حيث بدأ الراب ينمو وينتشر مثل نبتة غريبة ستصير مع مرور السنوات هي الأكثر ألفة وتداولا بين الشباب.
ركزت لغة الراب في البداية على الكلمات البذيئة وشتائم مقرونة في الغالب بمفردات جنسية فكانت بذلك نقلا للغة الشارع، فمعظم المجموعات تحدثت بمفردات ما تحت الحزام كلغة وسيطة لفرض وجودها بين أوساط الشباب، لتتحول بالتدريج مع تحقيق الشهرة والنجاح إلى رفع إيقاع الجرأة على مستوى المضامين والموضوعات، والتخفيف من البذاءة ضمانا للوصول إلى شريحة أوسع والدخول بالتالي إلى فضاءات الإعلام. وقد ساهم هذا اللون الغنائي بشكل أو بآخر في إدخال مصطلحات جديدة على القاموس المغربي، فقنن لبعضها وشرعن لأخرى وجعلها متداولة ومقبولة.
تأصيل
عبد المجيد الجهاد أستاذ علم الاجتماع في تصريح ل"العلم" "تعتبر كلمة مستحدث مشتقة من الفعل أحدث، التي تعني ابتدع وابتكر، والمستحدث في اللغة هو اللفظ الجديد الذي لم يدخل في العرف، وهو ما عرفته الثقافة العربية خلال مختلف مراحل تطورها، من دخول كلمات أعجمية بحكم الاحتكاك مع حضارات وثقافات أخرى، فتمت تبيئتها ما جعلها تستقيم مع اللغة العربية معنى ومبنى، وهو ما كان يعرف بالألفاظ المولدة.. ومنها أيضا الدخيلة التي تعني تبني اللفظ الأجنبي ضمن النسق اللغوي العربي كما هو من دون أي تغيير".
وعن الكلمات والتعبيرات المستحدثة التي بات الشباب المغربي يتداولها في حياتنا اليوم، يضيف عبد المجيد الجهاد" هي أمر طبيعي، بحكم أن اللغة باعتبارها ظاهرة اجتماعية، ومكونا أساسيا من مكونات الثقافة، تسعى لتلبية حاجات الفرد ومتطلبات الجماعة، النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، وبالتالي فهي في تطور دائم ومستمر، وتتأثر من ثم، إما سلبيا أو إيجابيا بمختلف التغيرات التي تطرأ على المحيط الاجتماعي".
"من هنا يأتي هذا التعدد الذي يطبع حياتنا الثقافية، حيث نلاحظ وجود تعبيرات وأشكال ثقافية ولغوية فرعية تتعايش جنبا إلى جنب مع الثقافة الوطنية الجامعة، بل الملاحظ أن هذا التنوع والتعدد يطال حتى هذه اللغة المستحدثة ذاتها، بحكم الفوارق الطبقية والاجتماعية وأصول الشباب الاجتماعية، فلغة الأغنياء والطبقة الثرية تختلف عن اللغة التي يستخدمها الشباب من الطبقة المتوسطة أو الفقيرة" يضيف ذات الباحث.
وضع مضطرب أم أزمة قيم
"أول هذه الأسباب ذاتي مرتبط بطبيعة وخصوصية الناطقين بهذه اللغة، وهي فئة الشباب التي تشكل أهم شريحة داخل المجتمع، بحكم حيويتها وقدرتها على الخلق والإبداع دون حواجز، وبالتالي فهي تعبر عن خصوصية مرحلة الشباب والمراهقة، بما فيها من سلوكيات وصفات خاصة تهدف إلى البحث عن التميز، وخرق الأعراف والعادات السائرة، والبحث عن الأشياء غير المألوفة" حسب عبد المجيد جهاد.
مضيفا "ومن ثم تبدو هذه اللغة تعبيرا طبيعيا عن معطيات ومستجدات العصر التي يعيشها هؤلاء الشباب، والأكثر قدرة على التعبير عن حاجياته النفسية والاجتماعية، فكل جيل يصنع تعابيره الخاصة به ومفرداته اللغوية، وهي سوف تندثر وتنتفي في يوم من الأيام، بانتفاء الشروط الاجتماعية والثقافية والنفسية التي حتمتها وكانت من وراء إنتاجها".
"ولعل من بين العوامل الموضوعية الأخرى ما يعرفه العالم من تحولات كبرى، جعلت منه عبارة عن قرية صغيرة، وهو ما يجعل من الصعب بمكان، وضع حواجز أمام الثقافات الدخيلة، وما تنقله من مفاهيم وقِيَم تفرضها مجموعات الضغط في المجتمعات المصدرة لها، والتي تسعى بكل ما لديها من إمكانيات تكنولوجية إلى فرض سياساتها الثقافية وتصدير قيمها، ومحاولة فرضها بالقوة على المجتمعات المتلقية".
وبهذا لا يمكن اعتبار الألفاظ المستحدثة وسط الشباب تجسيدا لواقع مضطرب يعيشه الشباب فلا أظن أن هذه التعبيرات الطارئة في تداولنا اليومي هي تعبير عن وضع مختل يعيشه الشباب، أو عن أزمة قيم، بل على العكس من ذلك، هي ظاهرة صحية تعبر عن حيوية المجتمع، وعن قابلية لغتنا وقدرتها على التكيف مع المستجدات الطارئة في مختلف مجالات الحياة. كما أنها تعبير عن أهلية هذه اللغة للتماشي مع روح العصر، ما دام أن لكل عصر لغته وطريقته في التعبير عن احتياجاته، وهو ما يفرض بالتالي أن نتعامل معها كواقع لا يرتفع.
لغة مواكبة للعصر
من وجهة نظر علم النفس تقول الدكتورة خلود السباعي "طبيبة نفسية" في تصريح ل"العلم" لا يمكن اعتبار الكلمات المستحدثة ظاهرة حديثة العهد لأنها ظاهرة مواكبة لكل جيل جديد، بغية فرض الذات في المجتمع وهي مصاحبة للتاريخ، فهذا التحديث موجود دائما إلا أنه اليوم بفضل التغير الجذري لمجموعة من العادات المجتمعية، أصبحت الظاهرة اليوم أعمق، لأننا نعيش في مجتمع يتغير بسرعة فبالمقارنة مع الأجيال السابقة كان التحديث في المصطلحات طفيفا عكس جيل اليوم الذي أصبح جد مبتكر في الكلمات والمصطلحات.
وهذا التحديث مفروض على الشباب، نظراً لما يشهده عصرهم من ثورة معلوماتية فمثلا ظهور الهاتف النقال بتقنيات حديثة مبتكرة تجعل المصطلحات تختلف بشكل كبير عكس الأجيال السابقة، التي لم تشهد أية ثورة معلوماتية.
وترى الدكتورة أنه وجب النظر إلى الواقع كما هو، إذ وجب دراسة مدى تطابق الكلمات مع واقع الشباب، لأنها مؤشر على توافقهم واندماجهم في المجتمع على المستوى السيكولوجي، فالانسجام التام بين الشاب ومحيطه، دليل على سلامة صحته النفسية، عكس ما يروج أن الشاب إذا كان يتكلم بمصطلحات مرمزة فهذا دليل على خلل ما يعاني منه".
المغرب فضاء للتلاقح اللغوي
الدكتور جمال بندحمان أستاذ جامعي في تحليل الخطاب في تصريح ل"العلم" " الكلمات المستحدثة في الوسط الشبابي مظهر من مظاهر التغيير التي يعرفها مجتمعنا، فبما أن جزءاً من وسائل التعبير عن الأفكار يتم بالألفاظ فان الشباب المغربي يعبر عن أفكاره بمعجم يعتبره الأكثر قدرة على عكس ما يجول في ذهنه، وما يتمثله من تصورات واقتناعات ومواقف وآراء".
"رغم أن هذا المعجم يبدو غريبا ومستغرباً إلا أنه أمر طبيعي إذا نظرنا إليه من زاوية تاريخية، فقد كان المغرب دوماً فضاء للتلاقح اللغوي، دليل ذلك التنوع الذي تعرفه اللهجات المغربية من خلال اشتمالها على ألفاظ فرنسية، اسبانية وانجليزية، بنطق مخالف لاستعمالها الأصلي، وهي ألفاظ لاقت استهجاناً كبيرا من قبل الجيل السابق، وفي هذا الإطار لابد من إعادة قراءة تاريخ المعجم الشفوي المغربي. وأعتقد أن بعض المجالات ستكون مفيدة في هذا الباب، ويمكنني هنا ضرب مثال واحد قدمته أغاني الحسين السلاوي، والتي بالعودة اليها سنلاحظ كيف كان المجتمع يتلقى الكلمات الجديدة وكيف كان يستهجنها، غير أن هذا الاستهجان ما يلبث أن يصبح متجاوزاً ليستقر الوضع المعجمي، وتصبح تلك الكلمات جزءا من نسيجه اللغوي المتداول". مضيفا ذات المتحدث ل"العلم".
"ويمكن إيعاز أسباب انتشار هذه الكلمات المستحدثة إلى تفسيران ممكنان، التفسير الأول موسوم بالانفعال والحكم المسبق وإسقاط الصفات السلبية على سلوكات الشباب واختياراتهم اللغوية، أما التفسير الثاني فإنه يجعل من الظاهرة موضوعا للتأمل والبحث ولعل جزءا من نتائج هذه المقاربة يؤكد أننا لسنا أمام ظاهرة مغربية، فهي حاضرة في كل البلدان العربية مما دفع باحثين في مصر إلى تخصيص معجم الألفاظ، أي أنهم وفروا لأجيال المستقبل ما يسمح لهم بالحكم على التغييرات التي عرفها المعجم المتداول، ومعنى ذلك أن حصر الأسباب في حماس الشباب، وعدم وجود مرتكزات في حياته، وابتعاده عن هويته...كلها أحكام انفعالية"
ويضيف جمال بندحمان متسائلا "ولكي لا أكون متسرعا في تقديم أحكام أخرى فإنني أكتفي بتقديم ثلاث تفسيرات أولهما ارتباط سيولة الكلمات الجديدة بالعولمة الكاسحة، وتعدد وسائل التواصل الاجتماعي، ذلك أننا إذا قارنا بين عدد الكلمات المتداولة الآن ونسبة ما تم تداوله من قبل شباب الخمسينيات من القرن الماضي سجلنا تباينا كبيرا، بالإضافة إلى التجاء الشباب إلى هذه الكلمات تأكيد على أن المعجم المتداول في اللهجات المغربية لم يعد قادرا على إشباع حاجاتهم التعبيرية وأفكارهم ومواقفهم، كما أن عدم وجود بوصلة ومؤسسة مرجعية في المجال اللغوي، وهنا يكفي الاطلاع على لغة الإعلام والاستماع إلى البرامج الإذاعية حيث الفوضى اللغوية، والميوعة التعبيرية، والتفاهة الفكرية فما الذي ننتظره من الشباب ؟
هناك غموض في المستقبل، وتآكل في مستوى التعليم وتدهور معيشي، مثلما أن هناك حاجة ملحة لتطوير اللغة، فاللغة العربية كمثال أصبحت حالياً جامدة في قوالب ثابتة ميتة، ولا تلبي احتياجات التطور التقني الذي يتابعه الشباب، وقد خرج وزير التعليم العالي بتبرير استمرارها كلغة بارتباطها بالقرآن، ومن هنا تطورت اللغة العامية المغربية، وابتكر الشباب لغتهم الخاصة، كتمرد على القواعد الثابثة من جهة وكوسيلة لفرض الذات من جهة ثانية، فاضطراب الواقع المغربي بات حقيقة مؤكدة، لأننا نعيش مرحلة انتقال في القيم، وتحول عنيف على مستوى التصورات والتمثلات والمرجعيات، وارتباك دور الأسرة ومؤسسات التنشئة، وتذبذب الاختيارات اللغوية في التعليم...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.