كانت لعنة النفط والطّائفية سببا في السابق لغزو بلاد الرافدين، وهي تُستغلّ من جديد لشرذمتها وفق أجندات جديدة من حيث الأساليب، قديمة من حيث الغايات. ففي ظلّ الأحداث الأخيرة التي يشهدها العراق عادت مسألة تقسيمه لتطفو إلى السطح من جديد وفق خارطة "قديمة – جديدة"، وسيناريوهات متعدّدة لكنّها تسير كالعادة وفق أجندات المتربصين والطامعين في ثروات العراق. فمع احتدام المعارك التي رسمت خطوط ثلاثة لتقسيم العراق بطريقة جغرافية ومذهبية، وحتى نفطية، يتداول المشهد السياسي سلسلة سيناريوهات لتقسيم المنطقة كمشروع أمريكي جديد يقضي بتصحيح خطوط اتفاقية "سايكس بيكو" المبرمة سابقا مع الانتداب البريطاني. ومن بين الوثائق المتداولة، وثيقة سبق أن وضعها الباحث الأمريكي البريطاني، برنارد لويس، بتكليف من وزارة الدفاع الأمريكية ومستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر الذي نقل عنه، أن المطلوب إشعال حرب خليجية ثانية تقوم على هامش حرب العراق–إيران، تستطيع الولاياتالمتحدة توظيفها لتصحيح حدود اتفاقية "سايكس بيكو"، وتنفيذ خطة برنارد لويس القاضية بتقسيم 18 دولة عربية إلى مجموعة دويلات صغيرة، وقد تكرر الحديث عن إعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط عقب الغزو الأميركي للعراق سنة 2003. في هذا الصدد، ذكر ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، في كتاب له تحت عنوان "حرب الضرورة أم حرب الاختيار" أنّ قرار الرئيس جورج بوش الابن القاضي باحتلال العراق سنة 2003، كان بمثابة الشرارة التي أشعلت حرب المقاومة، وما رافقها من تأثيرات عميقة في سوريا ولبنان وإيران ومختلف دول الجوار. وتوقع هاس تفكك العراق إلى ثلاث دويلات مع هيمنة إيرانية مباشرة على محافظاتالجنوب، وانفصال منطقة كردستان بالشمال العراق، بعد إعلان استقلالها، أما الشمال الغربي، فيبقى من حصة المتشددين السنة الطامحين إلى إنشاء دولة سنية في محافظات غربي العراق، بما فيها الموصل الممتدة إلى مدن شرق سوريا. شبح التقسيم في محاولة لإبعاد شبهة التدخل عن واشنطن، أعلن وزير الخارجي، الأمريكي جون كيري، أن بلاده ملتزمة بوحدة العراق، ولكن على الرغم من أن إدارة أوباما تدرك تماما أن استمرار رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نوري المالكي، في الحكم، هو عامل تقسيم، فقد راهنت عليه وعلى الدعم الذي تقدمه له كلّ من إيران وروسيا. أما المراقبون الأوروبيون، فيرون أن وحدة العراق قد تعرضت للاهتزاز والتمزق، فالشمال الكردي قطع ارتباطه بمركزية بغداد واتجه إلى تركيا لبناء علاقات اقتصادية بديلة، بعد أن ضم منطقة كركوك الغنية بالنفط إلى إقليم كردستان. وفي وسط العراقوجنوبه استمرت حكومة الأمر الواقع التي تسيطر عليها قرارات شيعة من إيران، في حين أعلن تنظيم "داعش" قيام "الدولة الإسلامية" التي انطلقت من مساحة جغرافية معينة محصورة في العراق وبلاد الشام، وهي تدّعي أنها "ستضمّ سوريا ولبنان والأردن وفلسطين". وإذا كانت أغلب كل السيناريوهات تتحدث عن تقسيم العراق، حتى أن بعض المراقبين يؤكدون أنه أصبح واقعا على الأرض من خلال تطور المعارك التي تشير إلى رسم حدود هذا التقسيم بالدم، فإنّ السؤال المطروح هو: ما هي مقومات الكيانات الجديدة؟ وهل تستطيع الحياة مع التطورات المرتقبة إقليميا ودوليا؟ لا شك في أنه بالموازاة مع أي عملية تقسيم للعراق في ضوء السيناريوهات المتداولة، لابد من أن تؤخذ في الاعتبار ثلاثة عوامل رئيسية: التوزيع الجغرافي والديمغرافي والطائفي للسكان، مقومات الاقتصاد وخصوصا إنتاج النفط وإمكانات تصديره، وأخيرا الدعم الخارجي الذي يمكن أن تتلقاه كل مجموعة سكانية إقليميا من الدول المجاورة، ودوليا من الدول الكبرى والمنظمات الدولية. التوزيع الطائفي تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية، تشير إلى أن عدد سكان العراق يبلغ نحو 28 مليون نسمة (وقد يكون الآن تجاوز ال 29 مليون نسمة). ويتألف العراق من قوميتين رئيسيتين: العربية والكردية ومع وجود أقليات مثل التركمان والسريان وغيرهم، ونظرا لعد توفر أي إحصاءات رسمية عن التقسيم الطائفي للسكان، فإن هناك تفاوتا في تقدير الأرقام التي تختلف وفق مصادرها، وتشير تقديرات موقع الاستخبارات الأمريكية (FACTBOOK) ، إلى أن العرب الشيعة يمثلون 60 في المائة من السكان، مقابل 37 في المئة من العرب السنة. ولكن إحصاءات غير رسمية للمنظمة الإنسانية الدولية "هيومانيتارين كوردينيو ترفور ايراك" لعام 1997، أشارت إلى أن تعداد السنة يزيد نحو 920 ألف نسمة على تعداد الشيعة، في حين تبين من خلال دراسة أعدها الأكاديمي العراقي الدكتور سليمان الظفري، بالاستناد إلى معطيات التقرير السنوي للجهاز المركزي للإحصاء، أنّ نسبة السنة من أبناء العراق المسلمين 53 في المئة، مقابل 47 في المائة للشيعة. ومن خلال إحصاء يقوم على قاعدة اعتبار سكان المحافظات الواقعة شمال العاصمة بغداد وغربها من أهل السنة، والمحافظات الواقعة جنوببغداد من أبناء الطائفة الشيعية، مع اعتبار بغداد مناصفة بين الطائفتين، يمكن التوصل إلى النتيجة التالية: - أولا: أبناء السنة ينتشرون في ثماني محافظات هي: دهوك، نينوى، اربيل، التأميم، السليمانية، صلاح الدين، ديالى، والأنبار (مع وجود شيعي قليل). - ثانيا: أبناء الشيعة ينتشرون في تسع محافظات هي: كربلاء، بابل، واسط، القادسية، النجف، المثنى، ذي قار، ميسان، والبصرة (مع وجود سني قليل). - أما الأكراد فإن نسبتهم تصل إلى 17 في المائة من عدد السكان، أي أكثر من خمسة ملايين نسمة، وينتشرون في شمال وشمال شرق العراق، مع وجودهم بصورة أقل في محافظاتبغداد وواسط وصلاح الدين. إنتاج النفط نجح العراق في رفع احتياطياته النفطية من 115 مليار برميل إلى 141 مليارا، ليصبح بذلك خامس أكبر دولة في العالم لجهة الاحتياطي النفطي بعد السعودية وفنزويلا وكندا وإيران، وقد تجاوز إنتاجه الثلاثة ملايين برميل قبل الأحداث الأخيرة، ليحتل المرتبة الثانية داخل "أوبك" بعد المملكة العربية السعودية. أما موازنة العراق لعام 2014 والمجمدة حاليا بسبب خلاف حكومة بغداد مع حكومة اربيل حول صادرات إقليم كردستان من النفط، فقد بلغت نحو 150 مليار دولار بزيادة 30 مليار دولار وبنسبة 20 في المائة عن أرقام موازنة العام 2013، وهي أعلى موازنة في تاريخ العراق، وتستند بنسبة 93 في المائة على إيرادات النفط، وعلى أساس احتساب 90 دولارا لسعر البرميل، وإنتاج 3.4 ملايين برميل يوميا، وعلى الرغم من ذلك، حمل مشروع الموازنة عجزا بلغ 35 تريليون دينار عراقيّ، أو ما يعادل نحو 29 مليار دولار، ولكن وزير المال صفاء الدين الصافي أعدّ مسودة مشروع مرفق للموازنة، يتضمن خفضا لهذا العجز بمقدار 5.3 مليارات دولار إلى 23.7 مليار دولار. ومن أجل تمويل الخطة الوطنية للتنمية، يخطط العراق لزيادة إنتاجه من النفط بشكل تدريجي إلى تسعة ملايين برميل في العام 2020. لكن مع احتدام المعارك واتساع أعمال الإرهاب وزيادة عمليات التفجير التي أصبحت تشمل معظم مناطق العراق، وتعرض بعض الشركات العاملة هناك، ولا سيما شركات النفط لسلسة اعتداءات متكررة، فقد حذرت الوكالة الدولية للطاقة من المخاطر المتزايدة في إنتاج النفط العراقي، خصوصا لجهة المخاوف من عدم الاستقرار الأمني والسياسي. وكانت وكالة الطاقة الدولية حذرت من مخاطر كبرى تهدد الإنتاج النفطي العراقي في وقت يفترض بهذا البلد أن يوفر قسما كبيرا من العرض الإضافي المرتقب في السوق بحلول 2019.