هناك من يلوم الولاياتالمتحدة لغزوها العراق واحتلاله ويلقي على عاتقها مسؤولية الكارثة التي حلت به، وهناك من يحمل العراقيين المسؤولية لأنهم لم يحسنوا إدارة دفة الحكم وغرقوا في مستنقع الطائفية والفساد وعدم الكفاءة. ولكن رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو كشف حقيقة الكارثة العراقية التي جرت على نحو مماثل في سوريا وليبيا والسودان وأماكن أخرى، حيث زُعزع استقرار هذه البلدان في نطاق خطة وضعها الدبلوماسي الإسرائيلي عوديد ينون لبلقنة الشرق الأوسط. وأعلن نتنياهو، خلال حديث له الأحد الماضي في جامعة تل أبيب، عن دعم إسرائيل لتدمير العراق وافساح الطريق أمام اقامة دولة كردية مستقلة. وقال: "ينبغي أن تدعم اسرائيل التطلعات الكردية من أجل الاستقلال"، كما أعلن نتنياهو عن ابتهاجه بنجاح الخطة الإسرائيلية لإشعال الفتنة الطائفية في الدول الرئيسة في الشرق الأوسط والتمهيد لتفككها.
ومن الواضح ان تدمير العراق سيكون مصدرا ثمينا لإسرائيل لأن مثل هذه الخطوة لا تقضي فقط على التهديد الجيوستراتيجي للعراق الموحد، إذ من شأنها أيضا أن تحصل إسرائيل على حصة الأسد من نفط كردستان المستقلة.
وتفيد تقارير متطابقة ان الدولة العبرية تسللت خلال السنوات الماضية إلى كردستان واستطاعت أن تخلق لها وضعا جيدا هناك أتاح لها الهيمنة على النفط، وهي تعمل الآن على تسويقه عبر خط أنابيب يربط كردستان بإسرائيل. لقد بات الحلم الصهيوني ممكنا باستخدام الأكراد، وفي حال ضم كركوك، وهي مركز إنتاج النفط الرئيس، إلى كردستان المستقلة، فإن العراق سيخسر الكثير من ايراداته النفطية في المستقبل، في حين أن كردستان التي تسيطر إسرائيل على نفطها ستتمكن من توجيه ثروتها النفطية الهائلة إلى تل أبيب، وذلك من خلال تكثيف زعزعة استقرار دول الشرق الأوسط الأخرى. والنتيجة المحتملة: سلسلة مترابطة من الحروب الأهلية التي قد تنفجر الى حرب اقليمية.
وهذا هو بالضبط ما يريده نتنياهو والمتطرفون الصهاينة الذين يبحثون دون يأس عن برميل بارود وشرارة لإشعال حرب في الشرق الأوسط تغطي على عمليات التطهير العرقي للفلسطينيين تحت "ضباب الحرب".
رسميا، الولاياتالمتحدة تعارض خطة نتنياهو لسحق العراق وتمزيقه إربا إربا، ففي يوم الثلاثاء الماضي، زار وزير الخارجية الامريكي جون كيري المنطقة الكردية في العراق وتحدث مع القادة الأكراد. وقال على الأكراد أن يبقوا جزءا من العراق، مؤكدا أن الولاياتالمتحدة تدعم العراق الموحد وتعارض تقطيع أوصاله. ولكن هل الولاياتالمتحدة تعارض السياسة الإسرائيلية حقا؟
تشير الوقائع إلى أن لدى إسرائيل من الوسائل ما يكفي لثني القوة العظمى لصالح أهوائها كما فعلت عام 1990، حين حركت وكلاءها في واشنطن بما في ذلك بول وولفويتز ودوغلاس فيث وريتشارد بيرل وسكوتر ليبي، وظلت تدفع بالولاياتالمتحدة لغزو العراق واحتلاله. خطة عوديد ينون وتفكيك الدول العربية والإسلامية، وهي خطة منشورة في فبراير 1982 على الصفحتين 50 و51 من مجلة "كيفونيم" التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية في القدسالمحتلة.
وجاء في نص الخطة الصهيونية:
أولاً، نظرة عامة على العالم العربي والإسلامي
1 إن العالم العربي الإسلامي هو بمثابة برج من الورق أقامه الأجانب -فرنسا وبريطانيا في العشرينيات- دون أن توضع فى الحسبان رغبات وتطلعات سكان هذا العالم.
2 لقد قُسم هذا العالم إلى 19 دولة كلها تتكون من خليط من الأقليات والطوائف المختلفة، والتي تُعادي كل منها الأخرى، وعليه فإن كل دولة عربية إسلامية معرضة اليوم لخطر التفتت العرقي والاجتماعي في الداخل إلى حد الحرب الداخلية كما هو الحال في بعض هذه الدول.
3 وإذا ما أضفنا إلى ذلك الوضع الاقتصادي يتبين لنا كيف أن المنطقة كلها، في الواقع، بناء مصطنع كبرج الورق، لا يُمكنه التصدي للمشكلات الخطيرة التي تواجهه.
4 في هذا العالم الضخم والمشتت، توجد جماعات قليلة من واسعي الثراء وجماهير غفيرة من الفقراء. إن معظم العرب متوسط دخلهم السنوي حوالي 300 دولار في العام.
5 إن هذه الصورة قائمة وعاصفة جداً للوضع من حول (إسرائيل)، وتُشكل بالنسبة (لإسرائيل) تحديات ومشكلات وأخطار، ولكنها تُشكل أيضاً فرصاً عظيمة.
وفي ما يخص العراق الذي حل سادسا بعد كل من مصر وليبيا والسودان ولبنانوسوريا، جاء في الخطة:
1 إن العراق لا يختلف كثيراً عن جارته (سوريا) ولكن الأغلبية فيه من الشيعة والأقلية من السنة، إن 65% من السكان ليس لهم أي تأثير على الدولة التي تُشكل الفئة الحاكمة فيها 20% إلى جانب الأقلية الكردية الكبيرة في الشمال.
2 ولولا القوة العسكرية للنظام الحاكم وأموال البترول، لما كان بالإمكان أن يختلف مستقبل العراق عن ماضي لبنان وحاضر سوريا.
3 إن بشائر الفرقة والحرب الأهلية تلوح فيها اليوم، خاصة بعد تولي الخميني الحكم في إيران، والذي يُعتبر في نظر الشيعة العراقيين زعيمهم الحقيقي وليس صدام حسين.
4 إن العراق الغنية بالبترول والتي تكثر فيها الفرقة والعداء الداخلي هي المرشح التالي لتحقيق أهداف إسرائيل.