يقدر عدد من المراقبين ومصادر الرصد أن غالبية وسائل الاعلام وخاصة في الغرب تقدم صورة غير دقيقة لما يجري على أرض العراق من صراع منذ بداية النصف الثاني من سنة 2014، حيث تنسب كل العمليات العسكرية التي تجري لإسقاط النظام الذي جاء بعد الغزو الأمريكي لتنظيم دولة العراق والشام الاسلامية "داعش". بعض من هؤلاء المراقبين يشيرون أنه يكفي بمجرد النظر إلى التقدم الكاسح الذي حققته وتحققه القوات المعادية للنظام في بغداد، الإدراك أن القوى الثائرة ذات تجربة قتالية كبيرة لا تتوفر "لداعش" وأن الجزء الأعظم من المقاتلين الذين تذهب بعض مصادر الرصد إلى تقدير تعدادهم بأكثر من 70 الف مسلح ينتمون إلى وحدات الجيش العراقي الذي تم حله بعد الاحتلال الأمريكي سنة 2003 أو إلى العشائر التي قاتلت ضد القوات الأمريكية من سنة 2003 حتى 2011 بالإضافة إلى أن التقديرات الأمريكية الصادرة بداية شهر يونيو لقوات "داعش" لم تكن تتجاوز 3000 فرد، زد على ذلك أن مصادر المقاومة العراقية المحسوبة على حزب البعث تتبنى غالبية العمليات العسكرية وتتابعها بالتفصيل الدقيق والكامل على مواقعها الإعلامية وهو ما يعني أن لها وجود كثيف على الساحة. مصادر رصد أمريكية ذكرت يوم الأحد 22 يونيو أن ساحات العمليات المسلحة في العراق تشهد منذ الساعات الأخيرة اشتباكات وعمليات إعدام واختطاف بين مسلحي تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية "داعش" وتنظيم جيش النقشبندية بزعامة نائب الرئيس العراقي السابق عزة الدوري والجيش الإسلامي في العراق وجيش أنصار السنة بسبب محاولات "داعش" الهيمنة على المشهد العسكري وفرض سيطرته الكاملة على ساحات المواجهات العسكرية وإخضاع الجماعات المسلحة الأخرى لإرادته وممارساته على الأرض. تقارير سطحية ومليئة بالتناقضات يوم 20 يونيو 2014 نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا يرصد الآراء والأصوات التي تنقل واقع الأمور في العراق وتحللها منتقدا لاستمرار نفس الأصوات عند حدوث أي أزمة في العراق، أصوات حسب التقرير لا تقدم أي جديد سوى حل عسكري سريع لا يزيد الأمور إلا تعقيدا ولا تمتلك نظرة عميقة لما يدور في المجتمع العراقي. يرى التقرير أن مراكز الأبحاث المنتشرة فى العالم الغربي والمراسلين الأجانب في العراق يحظون بثقة من قبل صانعي القرار والجمهور الغربي رغم عدم جدارتهم بهذه الثقة عندما يدور الشأن حول العراق، فمراكز الأبحاث وفقا للتقرير سرعان ما ترسل تقاريرها التي تدعو إلى إرسال القاذفات دون أي مبالاة بالمعاناة التي يسببها ذلك لجموع الشعب العراقي، والمراسلون الأجانب لا يمتلكون الرؤية الكاملة والمتكاملة لحقيقة الأمور في العراق مما يجعلهم يرسلون تقارير أقرب إلى السطحية. يرصد التقرير الكثير من الشهادات التي يضعها مراسلون عراقيون محليون في حساباتهم الشخصية بمواقع التواصل الإجتماعي، ويتابع أيضا التحليلات والآراء التي يضعها سكان عراقيون ضاق بهم الحال في العراق وباتوا أسرى لشبح الحرب المهيمن على البلاد لأكثر من عقد حتى الآن. ويقدم التقرير مجموعة من الشهادات والتقارير منشورة في موقع "نقاش" العراقي الذي ينشر شهادات الصحفيين العراقيين باللغة العربية والكردية والإنجليزية، وتقدم تلك الشهادات نظرة أعمق لحقيقة الأمور عما يجرى فى مدينة الموصل الواقعة تحت سيطرة الثوار. ويفيد تقرير الغارديان، أن شهادات هؤلاء الصحفيين هي أقرب إلى واقع الأمور، فهناك شهادات تفيد بأن انسحاب وحدات الجيش العراقي من الشمال كان بناء على أوامر عليا وليس مجرد هروب، وهناك من يقدم تحليل حول وجود الكثير من أفراد الجيش البعثي الذي تم تسريحه بين صفوف "داعش". ووفقا للتقرير فإن الأمور في العراق وصلت إلى درجة من التعقيد يصعب حلها بمجرد ضربة عسكرية أو استخدام القوة، فهذا الأمر في نهاية الأمر لا يضر سوى المدنيين، ما يجب أن يقوم به العالم هو الاستماع إلى العراقيين بعيدا عن ساسة المصالح. وكانت الصحيفة البريطانية نفسها قد قدمت قبل ذلك ويوم 17 يونيو نموذجا للتقارير التي وصفتها بالسطحية والمليئة بالتناقضات. "حسب معهد بروكينغز الأمريكي فإن التقديرات الغربية تشير إلى أن عدد أفراد تنظيم "داعش" يتراوح ما بين سبعة إلى عشرة آلاف، ومن بين أعضائه مقاتلون كانوا يحاربون سابقا مع القاعدة، وبعض البعثيين السابقين وجنود جيش صدام حسين، المعهد ذكر أن الأمر الذي توجد صعوبة أكبر في تحديده، ولا يزال سؤال مهما للغاية، هو مدى الدعم الذي يحظى به تنظيم "داعش" بين سنة العراق الذين فقدوا سلطتهم ونفوذهم بعد الإطاحة بصدام حسين. ويقول تشارلز ليستر، من معهد بروكينغز أن "داعش" يقدم نفسه كبديل عقائدي للقاعدة داخل الجماعات الإرهابية، ويصبح التنظيم عابرا للدول بشكل متزايد وله أهداف تتجاوز العراقوسوريا. وعن مصدر تمويله، قال المعهد إنه منذ نهاية عام 2011، بدأت الجمعيات الخيرية الإسلامية والأثرياء فى الخليج في تمويل جماعات المعارضة في سوريا، ومع تنامي دور الجماعات داخل جبهة النصرة وداعش أو تلك التي ترتبط بهما، فإن الكثير من هؤلاء المانحين قدموا الأموال بشكل مباشر أو غير مباشر لتصل إلى التنظيمات الإرهابية، ووفقا لدراسة لمعهد بروكينغز شهر مايو 2014، فإن الكثير من الأنشطة الخيرية وجمع الأموال للمعارضة في سوريا تركز على مناطق محددة في البلاد أغلبها يتواجد فيه الإرهابيون. واستطاع داعش أن يؤمن تدفق الأموال النقدية من حقول النفط في شرق سوريا، والتي سيطر عليها في أواخر عام 2012، وبعضها يتم بيعه مرة أخرى إلى النظام السوري. كما حصل التنظيم أموالا من عمليات تهريب آثار من البلاد، وقال أحد مسئولي المخابرات أن داعش حصل على 36 مليون دولار من حفريات جرت في منطقة النبوك الواقعة غرب دمشق، واستولى على آثار عمرها 8 آلاف عام. من ناحية أخرى، أشار بروكينغز إلى أن داعش لجأ لاستخدام التكنولوجيا. وكانت الحركات الإرهابية قد عمدت على استخدام الإنترنت في فترة ما بعد 11 سبتمبر 2001 من أجل نشر المعلومات وخلق الروايات الخاصة بها وتحريض المؤيدين. ويضيف معهد بروكينغز وبعد النشاط الكبير على المنتديات، أصبح الاهتمام مركزا على مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر وفيس بوك وإنستغرام. واستطاع داعش تسخير تلك المواقع أفضل من أي جماعة إرهابية أخرى. وأنشأ التنظيم علامة تجارية له ووظف الصور، وكانت تلك الإستراتجية مسئولة عن التأثير على آلاف الرجال حول العالم للانضمام إلى داعش". عقلية الهيمنة لم تتبدل مصادر رصد روسية أشارت إلى أن الإدارة الأمريكية تتخبط في جهود لملمة خسائرها في العراق، وهي تحاول أن تقنع العالم أن الصراع الدائر على أرض بلاد ما بين النهرين هو في أساسه نتيجة هجوم جماعات إرهابية مشابهة للقاعدة وأنه يجب حشد الجهد الدولي والعربي لمواجهته. يذكر أنه قبل غزو العراق سنة 2003 فرضت واشنطن على العالم أكذوبة مفادها أن الرئيس صدام حسين يملك أسلحة دمار شامل وأنه يتعامل ويساند تنظيم القاعدة. في الولاياتالمتحدة ورغم ما يقال عن تقلص نفوذ الداعين إلى استخدام القوة الأمريكية على نطاق واسع في العالم تبقى عقلية التدخل متغلبة. فقد قدرت الصحف الأمريكية أن العراق يمثل تحديا كبيرا لأوباما في منتصف ولايته الثانية يوم الجمعة 20 يونيو نفلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسئولين عراقيين قولهم، إن القادة السياسيين قد بدأوا مناورات مكثفة من أجل تغيير رئيس الحكومة نورى المالكي وتشكيل حكومة جديدة لمواجهة الانقسامات الطائفية والإثنية المتعمقة في البلاد، مدعومة باجتماعات مع مسئوليين أمريكيين أبدوا دعمهم لتغيير القيادة العراقية. وضم أوباما صوته ضمنا يوم الخميس للدعوة للتغيير، وقال إن أي قائد عراقي يجب أن يكون موحِدا، ورفض أن يدعم المالكي. وقد بدأت المناورات مع إجراء سلسلة من اللقاءات مع المسئولين الأمريكيين، رأى العراقيون فيها، حسبما أفاد اثنين من المشاركين، أن الأمريكيين يرغبون في تغيير المالكي الذي أدى تهميشه لغير الشيعة منذ انسحاب القوات الأمريكية في 2011 إلى جعله شخصية مثيرة للانقسام. وأوضحت الصحيفة أن ثلاث أشخاص على الأقل ينتمون للطائفة الشيعية مثل المالكي، قد ظهروا كمرشحين محتملين لتولى منصب رئيس الحكومة. ويجب على أي قائد قادم أن يقنع السنة الأكراد أن باستطاعته أن يحافظ على تماسك البلاد في الوقت الذي يهدد فيه التمرد بقيادة جماعات سنية بتقسيم البلاد. فضلا عن ذلك، فإن أي قائد جديد يجب أن يجد وسيلة لتهدئة كثير من مطالب السنة والأكراد الذين شكا كثير من أنهم شركاء غير متكافئين في البلاد، ويرون المفاوضات لاختيار رئيس جديد للحكومة والشخصيات المهمة الأخرى كلحظة نادرة يكون لهم فيها نفوذ لتعزيز سلطتهم. من جانبهم، يريد الأكراد من الحكومة المركزية في بغداد أن تعترف بمدينة كركوك النفطية المتنازع عليها جزء من إقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي. كما يريدون ضمانات بأن باستطاعتهم بيع النفط من كردستان دون رقابة من الحكومة المركزية. من جانبها ذكرت صحيفة الواشنطن بوست أن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وجد نفسه في منتصف ولايته الثانية في مواجهة كارثة في السياسة الخارجية، كانت من صنعه إلى حد كبير, فقد أمر بغزو العراق دون قوة كبيرة كافية لاحتلال البلاد ودون خطة مدروسة جيدا لإعادة إعمارها. وتحت توجيهاته، تم حل الجيش والحكومة العراقيين دون أن يحل أحد مكانهما، وبحلول عام 2006 كانت العراق على شفا حرب شاملة. وتتابع الصحيفة قائلة إن بوش، ودون أن يعترف صراحة بسياساته الخاطئة بتغيير المسار، فاكتفى بأن جعل وزير دفاعه يبدل قادة الجيش الميدانيين. وتجاهل نصيحة لجنة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بقبول الهزيمة، وقرر أن الأمن القومي الأمريكي سيلحق به الضرر بسبب انقسام العراق، وأمر بزيادة في القوات واستراتيجية جديدة على أمل إستعادة الاستقرار. وها هو أوباما يواجه أيضا في منتصف فترة ولايته الثانية تحديا مشابها، وفى مؤتمر صحفي يوم الخميس عرض الرئيس الأمريكي بعض المؤشرات التي توحي باستعداد مشابه لإعادة التفكير. فقد راهن أوباما على أن بإمكان الولاياتالمتحدة أن تسحب قواتها من العراق، وتنسحب أيضا من أفغانستان بحلول عام 2016، مع البقاء بمعزل عن الحرب في سوريا. وكانت النتيجة اضطرابا متزايدا لم يعد قادرا على تجاهله: كوارث الإنسانية في كل من العراقوسوريا، واتساع الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات التابعة للقاعدة بهدف إرسال مهاجمين إلى الولاياتالمتحدة، والتفكك الدموي المحتمل مرة أخرى للعراق. وتابعت الافتتاحية قائلة، إن على أوباما أن يكون حريصا على ألا تطغى الأحداث التي تفاجئ المسئولين الأمريكيين مرارا على حكمته، وعليه أن يفسر للشعب الأمريكي أنه لن تكون هناك نتيجة آمنة دون مشاركة أمريكية تستمر لسنوات وليس لعدة أشهر. وشددت الصحيفة على أن الإعلان القوى عن المصالح الأمريكية هو بداية مهمة، ومثل بوش، ربما يواجه أوباما فترة ولاية ثانية مختلفة تماما عن تلك التي كان يأملها. وسينسب له التاريخ الفضل بأنه استطاع يرد على المخاطر التي كان يأمل أن تكون قد تراجعت. واشنطن والصراع السني الشيعي في نطاق التخبط الأمريكي في التعامل مع الوضع في العراق يشير المراقبون إلى التركيز في واشنطن على الأبعاد السياسية للخلافات والصراعات الطائفية والعرقية متناسية أنه في عراق ما قبل الغزو لم يكن هناك تمييز بين السنة والشيعة، بل أن الشيعة كانوا أغلبية في تنظيمات قيادية لحزب البعث. في إطار هذا التصور أشار مدير مستشاري وزارة الخارجية الأمريكية السابق، فالي نصر، خلال مقابلة مع كريستيان أمانبور يوم الخميس 19 يونيو، إلى أن على الرئيس الأمريكي أن يسير على "خط رفيع للغاية" من خلال تحالفه العملي مع الحكم الطائفي بإرسال 300 مستشار عسكري إلى العراق. وقد أكد الرجل الذي كان مسئولا عن الهجوم الأمريكي في العراق، ديفيد بتريوس، في وقت سابق، على أنه يتوجب على الولاياتالمتحدة أن تحذر من الظهور على شكل "القوات الجوية للمليشيات الشيعية."، إلا أن نصر، الذي يملك خبرة واسعة في القضايا الطائفية، أضاف بأنه يوجد خوف من جميع النواحي. وذكر نصر في مقابلته مع شبكة "سي إن إن" إن: "الوضع الحالي يمثل طرفا حادا لإعادة انتعاش السنة في المنطقة"، مضيفا: "والبلدان السنية في المنطقة لا تفرق بين داعش وبين القوات السنية الأخرى، مشيرا إلى أن "هذا كله يعطي انطباعا بأن الجميع تقبلوا وإقتنعوا بأن تنظيم داعش أصبح صوتا للسنيين، وهذا بالضبط ما سيسبب قلقا لدى الشيعة تجاه تقديم أي تنازل للسنة". وأضاف نصر بأنه "يجب على أوباما توخي الحذر أيضا بأن لا يمثل نفسه بكونه القوى المسلحة للسنة أو الداعم لهم في نظر الشيعة بالعراق.. عليه أن يمشي على خط رفيع للغاية". وأشار نصر إلى أنه على الغرب أن يفهم منطلق الأمور التي تمر بالمنطقة، خاصة بعد الانتقادات التي وجهت نحو رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي بتسببه في الحالة التي تمر بها الدولة، قائلا: "رغب الغرب بأن يتخلى السوريون عن بشار الأسد، لكنه لا يزال في مكانه، أعتقد بأن أنصار المالكي قلقون بشأن مستقبلهم، فالناس خائفون من أن يتم ذبحهم، وهم قلقون تجاه تهديدات داعش لتدمير أضرحتهم، أعتقد بأنهم يرغبون بأن يتعامل المالكي مع داعش، وليس بالضرورة أن يكون هذا بالتنازل الكلي عن منصبه". وفيما يخص إيران، التي تعتبر أقوى قوة شيعية في المنطقة والتي تدعم حكومة المالكي، فقد قال نصر: "أعتقد بأن إيران ستلعب دورا بناء في الدعوة لحكومة شاملة، لكن السؤال يكمن حول ماهية الشروط التي سيتضمنها تكوين هذه الحكومة الشاملة". وأضاف: "لا أعتقد بأن إيران ستتقبل فكرة تخلي الشيعة عن السلطة"، "أعتقد بأن إيران تشعر بالخوف بصورة عامة من داعش، وأنها تريد أن تحل هذه الأزمة بشكل عام، وتشترك بهذا الموقف أمريكا، لكن لا أعتقد أن إيران مستعدة لأن تحل الوضع بالشكل الذي تراه أمريكا، وذلك بضم السنة في البنية السلطوية". نحصد ما زرعناه في العراق عام 2003 في بريطانيا التي تبقى حتى الأن بعيدة عن مساندة واشنطن في العراق، يواجه رئيس الوزراء السابق تونى بلير، انتقادات واسعة لإلقائه لوم تجدد الصراع في العراق على الجيل الحالي من القادة السياسيين في المملكة المتحدة، نافيا أن يكون الغزو الأنغلو أمريكي عام 2003 لإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، سببا في الفوضى والعنف الحالي قي كل منطقة الشرق الأوسط. وكان بلير قد ذكر في تصريحات لراديو "بى.بى.سي"، يوم الأحد 15 يونيو إن رفض القادة السياسيين الحاليين التدخل في الحرب في سوريا خلق ظروفا ملائمة لازدهار تنظيم "داعش"، التابعة لتنظيم القاعدة. وأصر رئيس الوزراء السابق على أن قراره بالتدخل فى العراق عام 2003 لم يكن سببا في الموجة الجديدة من سفك الدماء. ودعا إلى شن ضربات جوية أو هجمات لطائرات بدون طيار، قائلا إن داعش تشكل تهديدا للأمن القومي البريطاني، وقال "إنهم ذاهبون لجرنا في هذا، قبلنا أو أبينا". صحيفة "الديلى تليغراف"، أكدت إن تصريحات بلير تسببت في موجة واسعة من الغضب والسخرية من قبل حلفائه السابقين والنواب الذين صوتوا ضد الضربات المقترحة على نظام الرئيس السوري بشار الأسد، عام 2013. وقال جون بارون، النائب الذي قاد المعارضة ضد شن هجوم على سوريا، إن تحليل بلير للأزمة كان خطأ، مضيفا بسخرية: "العادات القديمة لا تموت بسهولة". وتابع إن تسليح المتمردين أو التدخل العسكري في سوريا من شأنه أن يساعد الفصائل المتطرفة التي على صلة بتنظيم القاعدة. كنا على حق بعدم التدخل". وسخر اللورد بريسكوت، النائب السابق بلير، من تصريحات رئيسه السابق قائلا: "هل نعود للحروب الصليبية. الأمر كله يتخلص في الدين، فهذه البلاد على مسار العودة ألف سنة إلى الوراء". وأشار السير مالكوم ريفكند، رئيس لجنة الاستخبارات البرلمانية، إلى أن بريطانيا والولاياتالمتحدة ليس لديهما الكثير الذي يمكن أن تفعلاه لحل الأزمة في العراق، والتي باتت على نحو أعمق وأكثر تعقيدا كثيرا مما قبل. وأكد السفير كريستوفر ماير، سفير بريطانيا السابق لدى الولاياتالمتحدة، إن غزو العراق وإسقاط صدام حسين كان السبب الأكبر في العنف الطائفي الذي يمزق العراق. وأضاف: "نحن نحصد ما زرعناه عام 2003. وهذا ليس مفاجأة، فلقد كنا نعرف أن الإطاحة بنظام صدام من شأنه أن يزعزع استقرار العراق بعد 24 عاما من الحكم بيد من حديد". تقسيم العراق شكل غزو العراق سنة 2003 بداية تطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وضعه المحافظون الجدد، والذي يستهدف تقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 و 56 دولة على أسس عرقية ودينية ومناطقية. ولا يخفي أصحاب القرار في البيت الأبيض دعمهم للفكرة خاصة وأنها تتيح للولايات المتحدة السيطرة على ثروات المنطقة وإقامة القواعد العسكرية بها وبالتالي الإبقاء على تربعها كرسي القوة الأولى في العالم. ويقول ملاحظون أن التصريحات التي تصدر من حين لآخر من جانب مسئولين أمريكيين عن حرصهم على وحدة العراق ليست سوى للإستهلاك المرحلي ونفاق. في ندوة مثيرة للجدل نظمها معهد "بروكينغز" في واشنطن منتصف شهر يونيو لبحث تطورات المشهد في العراق وقبيل إعلان الرئيس الأمريكي إرسال القوات الأمريكية الخاصة إلى العراق 300 عنصر من فرقة القبعات الخضر، اتفق ثلاثة من كبار الخبراء في الشأن العراقيبواشنطن وهم: كنيث كين بولاك، ومايكل أوهانلان وسوزان مالوني "ان العراق تجزأ فعليا إلى ثلاث دول، كردية في الشمال وشيعة في الجنوب، وسنية فقيرة في الغرب وأن هذا التقسيم رغم أنه لم يعلن رسميا بات واقعا ولا عودة عنه". وقال بولاك وهو محلل سابق في المخابرات الأمريكية وكان نشر كتابا عام 2002 بعنوان "العاصفة المهددة: دوافع غزو العراق" استعرض فيه مبررات وفوائد غزو العراق، "إن تقسيم العراق بحد ذاته أمر جيد ولكن يجب أن يتفق عليه العراقيون أنفسهم باعتباره الحل الأمثل، كما يجب على تركيا قبول دولة كردية على حدودها وأن تقتنع أن هذه الدولة الكردية لن تهدد مصالحها". يشار إلى أن معهد "بروكينغز" ومن القاعة نفسها التي تحدث فيها الخبراء الثلاث والمسماة "مسرح فولك" كان نظم ولمدة 17 عشر شهرا من شهر أكتوبر 2001 وإلى يوم 13 مارس 2003 أسبوع قبل شن الحرب على العراق، "ندوات أسبوعية خلال تلك الفترة أطلقوا عليها اسم "إيجاز العراق" وأدارها كين بولاك نفسه، حيث حرض خلال هذه الندوات على غزو العراق والخلاص من صدام "وهيمنة الأقلية السنية" "وتهيئة الظروف لديمقراطية على الطراز الغربي". ويرتبط معهد "بروكوينغز" بعلاقات حميمة مع قطروإقليم كردستان وكان خصص قسما لبحث القضايا الخاصة بالإقليم، لا سيما لجهة بحث سبل تخفيف قلق تركيا من قيام دولة كردية مستقلة بالكامل في الشمال العراقي. واتفق الخبراء الثلاثة على أن سيطرة تنظيم "داعش" على مدن وبلدات في شمال العراق هي "دلائل على تنامي تأثير هذا التنظيم المتشدد، وهو يهدد بنشر العنف وعدم الاستقرار على نطاق أوسع"، مشيرين إلى أن تراجع سيطرة الحكومة المركزية في بغداد يفتح المجال أمام الأكراد كي يدفعوا بقوة أكبر نحو إقامة دولة كردية مستقلة خاصة بعد سيطرتهم على كركوك. وبذلك يكون الأكراد، قد حققوا الفرصة التاريخية من أجل استعادة التحكم بالوصول إلى موارد نفطية مهمة، ووضع حد للخلاف المستمر منذ سنوات مع الحكومة المركزية حول تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي التي تنص على تطبيع الأوضاع في كركوك. كما ان من شأن ضم هذه المنطقة الغنية بالنفط إلى إقليم كردستان الغني أصلا بموارده أن يجعل كردستان من أقوى الدول وأكثرها قابلية للحياة والازدهار في المنطقة "وهو ما قد يعطي تركيا محفزات للقبول بهذا الوقع إلى جانب طمأنتها تركيا على أن استقلال كردستان لا يشكل خطراً عليها بل استخدام حكومة كردستان لتأثيرها مع أكراد تركيا لثنيهم عن ممارساتهم الانفصالية"، وذلك حسب خبراء "بروكينغز". من جهته، يقر سيروان كاغو، وهو محلل مستقل للشؤون الكردية بأن "الجانب المشرق بالنسبة للأكراد هو أن حلم إقامة الدولة الكردية بات فجأة أقرب إلى التحقق، لاسيما وأن تركيا لم تعد تعارض الفكرة في الظاهر". وهناك العشرات في واشنطن من الذين دعوا باستمرار إلى تجزئة العراق، ومن ابرز هؤلاء نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن الذي طالما دفع باتجاه استقلال كردستان، حيث تبنى هذا الموقف منذ ثمانينات القرن الماضي. ويعتبر هؤلاء أن الحل الأمثل يكمن في قيام دولتين في الشمال الكردي والجنوب الشيعي، على ان يمنح السنة أجزاء كبيرة من المناطق الغربية و"لكن بدون أي نفط، حيث ستكون هذه الدولة السنية فقيرة رغم مساعدات المملكة العربية السعودية ودول الخليج وهي دول كلها سنية، ما يستوجب أن يتفق العراقيون السنة مع دولة كردستان ودولة الشيعة في الجنوب على الحصول على نسبة معينة من ريع النفط لإسكات مشايخ العشائر السنية وعندها أعتقد بأن الانفصال سيكون من مصلحة الجميع" حسب قول لزلي غيلب، رئيس مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن. ليس من الصدف أنه في الوقت الذي يبدي فيه الساسة الأمريكيون اغتباطهم بتقدم مشروع الدولة الكردية، وصلت إلى ميناء عسقلان الإسرائيلي يوم الجمعة 20 يونيو الناقلة "اس.سي.اف ألتاي" محملة بنفط صدرته حكومة إقليم كردستان العراقي عبر تركيا إلى الكيان الصهيوني. وأحجمت سلطة ميناء عسقلان عن التعليق لوكالة رويترز، وذكرت مصادر صهيونية أن بيع أول شحنة من نفط كردستان المنقول عبر خط الأنابيب المستقل أمر حيوي لحكومة الإقليم في ظل سعيها لمزيد من الاستقلال، وأن نقل النفط عبر تركيا يشكل مؤشرا على العلاقات بين أنقرة وتل أبيب. ويضخ خط أنابيب كردستان حاليا نحو 120 ألف برميل يوميا إلى ميناء جيهان التركي. ويهدف وزير الموارد الطبيعية بالإقليم إلى تصدير 400 ألف برميل يوميا بنهاية العام. واشنطن دمرت الدولة يرى الخبراء أن جذور الوضع الراهن تعود إلى الاجتياح الأمريكي الذي أدى إلى الإطاحة بالرئيس السابق صدام حسين، تضاف إليه السياسة ذات الطبيعة المذهبية الذي اتبعها رئيس الوزراء نوري المالكي. وتقول الخبيرة في الشؤون العراقية ربى الحصري ان "الأمريكيين فككوا المؤسسات، لكن المالكي سيدخل التاريخ لكونه السياسي الذي فقد أجزاء من العراق. خلال عهده، فقد العراق سلامة اراضيه". وتضيف "ان المستقبل السياسي والاقتصادي والنفطي يتوقف على قدرة مختلف المكونات السياسية، على الحفاظ على وحدة أراضي هذا البلد قبل ان يغرق المركب بالجميع، لكن ثمة شكوك منطقية في ذلك". وقام بول بريمير الذي عينه الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش "رئيسا للادارة المدنية" في العراق بعد سقوط بغداد، بتوقيع مراسيم متعلقة باجتثاث البعث وحل الجيش العراقي في مايو 2003، مما أدى إلى هدم المؤسسات العراقية. الباحث في المعهد الفرنسي للشرق الأوسط آرثر كيزني، يرى ان الصراعات الموصوفة بالمذهبية لن تؤدي بالضرورة إلى انهيار كامل للدولة. ويقول "يمكن العراق أن يبقى على أساس قاعدة قومية، لكن وفق نظام فيدرالي او كونفيدرالي بعد مفاوضات وتوافق بين بغداد ومختلف اللاعبين. الدستور يجيز ذلك". ويضيف هذا الباحث الذي يعد اطروحة عن الصراعات الداخلية العراقية، ان "غالبية اللاعبين العرب السنة، بمن فيهم المشاركون في الأحداث الأخيرة، هم قوميون. يريدون تقاسما أكثر توازنا للسلطة، وحكما ذاتيا سياسيا وداخليا في مناطقهم". ويرى كيزني أن "الأمريكيين دمروا الدولة ونشطوا إعادة التكوين المذهبي للبلاد، وكل اللاعبين السياسيين لجأوا إلى الخطاب المذهبي او الإثني لفرض انفسهم على الساحة السياسية". ويضيف بان "نوري المالكي تصرف وفق اعتبارات مذهبية بتهميشه النخب السنية التي وجدت نفسها وظهرها ‘لى الحائط". المحلل في مجموعة "آي كاي إي" البريطانية جون درايك يرى من جانبه ان "عراقا موحدا ليس مستحيلا، لكنه أمر قليل الاحتمال. باتت الانقسامات شديدة العمق. الحدود الداخلية التي كانت موجودة بفعل الأمر الواقع تبدلت، وبات من المحتمل أن تصبح حدودا فعلية في السنوات المقبلة". تمزيق الحدود الجغرافية عكست وكالة الأسوشيتدبرس الفكرة الغالبة أو المرغوب فيها بدوائر القرار السياسي بالعاصمة الأمريكية حيث قالت: إن الحرب في العراقوسوريا والقيادة الفاشلة في دول الشرق الأوسط، تهدد جميعها بتمزيق الحدود الجغرافية إربا وتغيير ملامح خريطة المنطقة. وأشارت الوكالة الأمريكية يوم الأحد 22 يونيو، إلى أنه في العقود التي تلت استقلال العديد من البلدان العربية، أسست حكوماتها تركيبات حدودية بعضها فرضته بوضع اليد، على الرغم من أن جمع مزيج من الناس قابل للاشتعال أحيانا داخل هذه الحدود. لكن التاريخ الحديث، خاصة خلال السنوات الثلاث من اضطرابات "الربيع العربى"، قد أطلق العنان للولاءات والأحقاد القديمة العميقة عابرة الحدود. وتوضح بالقول إن أحد أعمق هذه الأحقاد هو العداء بين الشيعة والسنة. وتضيف أن الاضطرابات تعيد تشكيل الخرائط في سورياوالعراق ولبنان وليبيا، البلدان التي نشأت بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، حيث يجرى حاليا تشكيل شبه بلدان داخلها. ويشير الخبراء من أنصار المحافظين الجدد إلى أن الحدود الجديدة، التي يتم فرضها بقوة السلاح، لا يمكن الاعتراف بها رسميا، فليس من السهولة إنشاء دولة جديدة، لكن نظرا لضعف السلطة المركزية فربما ليس هناك فرق". العراق سينهض من جديد وستنتصر المقاومة الحقيقية، لا فرق بين مكونات الشعب هكذا كان دائما تاريخ البوابة الشرقية للأمة العربية على مدى آلاف السنين وقبل كل الديانات السماوية، وعلى الخصوم أن يحسبوا من الآن كم سيدفعون. إنها النهاية ومكابرة واشنطن لنفي هزيمة مشاريعها لن تنفع، الحرب الأمريكية ضد العراق التي بدأت فصولها الأكثر دموية في مارس 2003 تشرف الآن على نهايتها. عمر نجيب [email protected]