قبل أيام قليلة، دشنت رحى الحرب الطاحنة التي لا تبقي ولا تذر سنتها الرابعة في سوريا. سنة مثقلة بأزيد من 150 ألف قتيل، وملايين النازحين وما لا يعلم عدده إلا الله من المصابين والمشردين والمفقودين في قلب الشام الجريح، الذي ينزف على مرأى ومسمع من كبار العالم الذين طبعوا مع مشاهد التقتيل والتدمير وهي تبتلع البلاد منذ اندلاع شرارة الثورة الأولى منتصف مارس 2011. وعلى مدى ثلاث سنوات خلت، قدمت المنظمات الدولية والإقليمية من مختلف المشارب، للرأي العام العالمي صورة شمولية تعكس مظاهر العنف الهستيري المستشري على الأرض في سوريا. عنف وعنف مضاد يتفنن فيه النظام والجماعات الجهادية على حد سواء، خلف العدد الذي ذكرناه من الضحايا ونصفهم من المدنيين، برقم يقارب 74 ألفا حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، منهم أزيد من 7 آلاف طفل و5 آلاف امرأة و23 ألف مقاتل من كتائب المقاومة. وبلغ عدد اللاجئين السوريين أرقاما مهولة، بان أحصت المفوضية السامية للاجئين، أزيد من 9 ملايين لاجئ، و6 ملايين نازح، ومليونين ونصف الملون لاجئ في بلدان الجوار. وضع سيزداد أفقه انسدادا خلال السنة الجارية، باتساع رقعة التقتيل والتشريد في الحرب الدائرة رحاها إلى مناطق أخرى في سوريا، نظرا لغياب حلول سياسية ناجعة وحاسمة على الأرض، ما يجعل اللاجئين السوريين يتصدرون قمة الترتيب العالمي متفوقين على نظرائهم الأفغان. فثلاثُ سنواتٍ كاملة من الحرب المستعرة في بلاد الشام، كانت كفيلة بأن تُولّد دمار المباني والمساكن والحقول والمعالم الدينية والأثرية العريقة وغيرها، كما خلفت ندوبا غائرة في نفوس أبناء القطر السوري، الذين يتجرعون مرارة إحساس الخيانة الممزوج بتخاذل الدول الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة عن حقن دمائهم وصيانة أعراضهم. فَلِحَاجة في نفسها، ارتدت هذه الدول عن مشاريعها لردع نظام دمشق، مثلما تراجعت، عن إمداد فصائل المعارضة السورية بالسلاح اللازم والعتاد لتحقيق نوع من توازن القوى على الأرض. وخلافا لذلك، وجد نظام الأسد الدعم والغطاء على فظاعاته في موسكو المتواطئة معه في ما يقترفه من جرائم في حق شعبه يشهد عليها العالم صُبحا وعشيا. الامر الذي دفع جهات عدة في العالم، إلى التنديد بسياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها أوربا والولايات المتحدة، في تعاطيها مع كل من القضية السورية من جهة والقضية الأوكرانية الناشئة من أخرى. إذ رصد الأوروبيون مبلغ 11 مليار دولار كمساعدة لأوكرانيا، وأوصلوا مسألة شبه جزيرة القرم إلى أعلى المستويات لأسباب يربطها البعض بالعمق الإيديولوجي والتاريخي لأوروبا. أما سوريا، البلد العربي المسلم، فهو في السياسة الغربية بؤرة لحروب دينية ومذهبية تؤلّب رجات وخضّات متواصلة. ما يجعلها غير وازنة في الحسابات السياسية لهؤلاء، الذين يساهمون بسلوكهم هذا، في مزيدٍ من استفحالِ الأوضاع وترديها في المنطقة، وهو ما مهد الطريق للأسد بدعم من حليفه الروسي لنهج سياسة الأرض المحروقة التي يدفع وسيدفع الشعب السوري الأعزل ثمنها لسنوات قادمة.