الدمار يجتاح سوريا إثر استمرار القصف على مناطق المعارضة تواصل قوات النظام السوري قصف مناطق سيطرة المعارضة بمدينة حلب في شمال سوريا بالبراميل المتفجرة، وهو الأكثر دموية منذ بدء النزاع، ويعدّ هذا القصف واحدا من مختلف أنواع الاعتداءات التي أحدثت دمارا واسعا في شتى أنحاء سوريا، طال مؤسسات الدولة والممتلكات الشخصية على حدّ سواء. ويجري الحديث اليوم عن أرقام خيالية سببها عنف النظام، الذي خلف دمارا يحتاج إلى جهود دول لتعيد إعمار المناطق المتضررة في سوريا، في حين يؤكد خبراء بأن الدول المجاورة غير قادرة على المساهمة الفعلية في إعادة إعمار البلاد باستثناء تركيا التي تملك اقتصادا جيدا، وإذا ما اعتبرنا أن القصف المسبب للدمار لم يتوقف. ونتحدث هنا عن طائرات حربية وبراميل متفجرة وأسلحة أخرى متنوعة يستخدمها كل أطراف النزاع، فإن حجم الخسائر جراء الأزمة لم يصل إلى حدّه الأقصى، إذ يؤكد نشطاء ومنهم رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان عبدالكريم ريحاوي ل"أنا برس": "إن أكثر من 70 بالمئة من البلاد مدمر، وأنه تم استهداف 700 منشأة صناعية في سوريا، و7 ملايين وحدة سكنية"، ويُعتبر هذا رقما هائلا قياسا بمساحة البلاد وعدد سكانها. وفقا لخبراء لا تُعتبر البنية التحتية لسوريا متينة ونوعية إذا ما قورنت بمثيلاتها بدول عدة، ويقول عماد غليون عضو لجنة التخطيط والإنتاج في مجلس الشعب السوري سابقا، "البنية التحتية في سوريا هشة وغير متطابقة كمنظومة الطرقات مثلا وشبكة الاتصالات والمطارات وهذا يشمل قطاعا واسعا من الأرياف". وقد أصبح الدمار بسوريا عامّا وشاملا، ويمتدّ على مساحة الأرض السورية فهذا يعني أن النظام يقوم بتدمير البنية التحتية بغية استخدامها كورقة سياسية في مفاوضات معينة متذرعا بوجود عصابات إرهابية يعتبرها الدافع الأساس للتدمير، أو ربما لنزعة سادية انتقامية عند النظام لترويع الشعب وتجويعه، ويضيف غليون "إن النظام دمّر محطات الكهرباء وقام بإعادة بنائها من أجل حياكة مصالح مختلفة، والنظام يعتبر سوريا مزرعة لآل الأسد ولطبقة التجار المتواطئة معه والتي تريد الحفاظ على مصالحها في حال انهيار النظام وهذا يمثل تهديدا للبلاد كلها". وقد بات الحديث عن الفساد في سوريا عميق الغور وممنهجا وجزءا من الثقافة الحياتية اليومية السورية، إذ عبر السنوات الأربعين من حكم عائلة الأسد تمّت استباحة العمل المؤسساتي بسوريا لتأتي الأزمة وتقضي على ما تبقى من مقدرات الدولة، يقول غليون "قام النظام برهن النفط السوري لروسيا، وهناك منطقة تجارة حرة مفتوحة مع إيران، مؤكدا أن موضوع الإعمار سيحل من خلال مؤتمر دولي كبير، والاتفاق السياسي سيترافق مع انفراج اقتصادي". وإذا أردنا الخوض في غمار أرقام تسببت فيها الأزمة السورية من حيث ما لحق بالمدارس والمشافي على سبيل المثال فسنجد أنفسنا أمام أرقام مرتفعة جدا وقابلة للمزيد مع استمرار الحرب فآخر إحصائية صادرة عن منظمات معروفة بمصداقيتها وحرفيتها المهنية، حيث ذكرت منظمة ميركادو ضمن إحصائيات عام 2013 بأن مليونين اثنين من السوريين تركوا التعليم، فيما تخلّف أكثر من 3 ملايين طفل عن الدراسة نتيجة الحرب الدائرة وصعوبة التنقل بين الأحياء. من جهتها أكدت اليونيسف بأن أكثر من 3 آلاف مدرسة تعرضت للتدمير خلال العام الفائت، ومن باب رمي التهمة على المجموعات الإرهابية حسب وصفها لم تكذب الحكومة السورية حجم الخسائر الحاصلة في البلاد، إذ ذكرت تقديرات لجنة الإعمار الحكومية بأن الأضرار الناتجة عن "أعمال التخريب" -كما وصفتها- حتى 10 يناير وصلت إلى أكثر من ألف مليار ليرة سورية، أي 11 مليار دولار تقريبا، فيما يؤكد مدير المكتب الاقتصادي في المجلس الوطني السوري المعارض الدكتور أسامة قاضي بأن التقديرات الأولية لتكلفة الأضرار المادية للبنى التحتية والناجمة عن الحرب في سوريا قد بلغت 50 مليون دولار محمّلا النظام السوري مسؤولية تعطيل الدعم الإغاثي. وفي الوضع السوري يبدو من الطبيعي عمليا أن يلحق بالصحفيين أذى في خضم أحداث دموية لم تشهدها المنطقة منذ عقود، خاصة مع تزايد أعداد الصحفيين المخطوفين وآخرهم من السوريين في 2013 كانت الصحفية رزان زيتونة التي اختطفت في مناطق تسيطر عليها فصائل مُعارضة في صدمة كبيرة لمعارضي النظام السوري، وفي آخر إحصائية لمنظمات أممية عُدّت سوريا البلد الأخطر على الصحفيين في العالم إذ أن 271 صحفيا لقوا حتفهم في 2013 ناهيك عن أن عدد النازحين بالداخل السوري فاق 6 ملايين نازح، ومع بداية العام الجديد يزداد انهيار البنى التحتية بسوريا في ظل تدهور الحالة الأمنية وانعدام كافة سبل العيش، وانقطاع أدنى مقومات الحياة ومعه يصبح البقاء داخل الأراضي السورية عملا لا يقوم به إلا شعب لا يملك خيارا آخر إلا البقاء تحت القصف والدمار والجوع. وفي آخر التطورات الميدانية قال مدير المرصد السوري رامي عبدالرحمن "استشهد 85 شخصا على الأقل في قصف الطيران المروحي بالبراميل المتفجرة السبت على أحياء في شرق حلب". وأوضح أن 34 شخصا بينهم ستة أطفال وسيدتان قتلوا في قصف على حي طريق الباب، وقضى 31 شخصا آخرون بينهم سبعة أطفال وست سيدات في قصف على أحياء عدة، منها الصالحين والأنصاري والمرجة. وقد دفع فشل مؤتمر جنيف 2 في الخروج بأية نتيجة إيجابية، أطرافا عدة لتحويل وجهة الحل باتجاه مجلس الأمن لدفع الأسد إلى الخضوع إلى المطالب الدولية خاصة ما تعلق بفتح ممرات إنسانية لإيصال المساعدات إلى المحاصرين في المدن. وجاءت تصريحات مسؤولين في دول مؤثرة على علاقة بالقضية لتزيد من الضغوط على نظام دمشق، وصدرت تلك التصريحات خاصة من واشنطن ولندن وأنقرة والرياض. فقد طالب وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو مجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءات أشد إزاء سوريا. وقال "نعاني كدول جوار (لسوريا)، إذ يوجد في تركيا حاليا 700 ألف لاجئ، لا نعلم متى يعودون لوطنهم، أنفقنا ثلاثة مليارات دولار، بينما مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يعقد اجتماعات مطولة دون أن يصدر قرارا واحدا على مدى السنوات الثلاث الماضية". وتركيا واحدة من أشد منتقدي الأسد وهي تدعم خصومه وتؤوي مقاتلي المعارضة، لكن رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان بحث في الأسابيع الأخيرة عن فتح أبواب العودة إلى دمشق من بوابة موسكو وطهران اللتين زارهما مؤخرا. إلى ذلك، اتهم مدير المخابرات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل نظام الأسد بارتكاب أعمال إبادة جماعية ودعا إلى مزيد من الدعم للمعارضة السورية. جاء ذلك في اجتماع عن الشرق الأوسط بمؤتمر ميونيخ للأمن أمس، حيث ارتفعت وتيرة الضغوط على دمشق بعد إفشالها الجولة الأولى من مفاوضات جنيف وتصريحات وزرائها برفض الحل السياسي. وقال الفيصل "أتهم نظام بشار الأسد بارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. وأتهم إيران بالرضا ومساعدة بشار في ذلك". وأكد "أتهم كذلك روسيا بمواصلة تقديم السلاح والمشورة إلى بشار. وأتهم الصين باتباع روسيا في مجلس الأمن والاعتراض على أي جهد لإنهاء القتال في سوريا". وأضاف الأمير تركي الفيصل "أتهم الغرب عموما باستثناء فرنسا بالتحفظ في تقديم يد العون للشعب السوري". ولم تتحمس السعودية لمؤتمر جنيف 2 خاصة أن الجهات الداعية لعقده لم تحدد إلى الساعات الأخيرة الأجندة التي سيناقشها وخاصة تبني رحيل الأسد كعنوان رئيسي للمؤتمر. ولم تحضر الرياض إلى جنيف إلا بعد ضمانات أميركية روسية بأن المؤتمر سيناقش بالأساس قضية الهيئة الانتقالية التي ستتولى إدارة سوريا خلفا للأسد. وفي ظل التردد الدولي، ما زالت قوات الأسد تقصف الأحياء السكنية بالبراميل المتفجرة بشكل يومي ما يرفّع في أعداد الفارين من الحرب ومن ثمة أعداد اللاجئين إلى مدن داخل سوريا أو في دول الجوار. ويجري حاليا إعداد مشروع قرار في مجلس الأمن للمطالبة بإمكانية وصول المساعدات الإنسانية إلى ثلاثة ملايين مدني محاصرين في حمص (وسط) وفي مدن أخرى كما صرح دبلوماسيون غربيون. واعتبرت مسؤولة العمليات الإنسانية في الأممالمتحدة فاليري اموس أنه "من غير المقبول قطعا" أن يبقى 2500 مدني محاصرين منذ ستمئة يوم في مدينة حمص القديمة، وآخرون في الغوطة بريف دمشق فيما شاحنات الأممالمتحدة تستعد لإغاثتهم. وفي الأممالمتحدة قامت دول عربية من جهة وأستراليا ولوكسمبورغ من جهة أخرى بصياغة مشروعي قرار يمكن أن يجمعا في نص واحد لطرحه على مجلس الأمن الدولي. وأضافوا أنه لن يتخذ أي قرار قبل عقد اجتماع اليوم في روما حول الأزمة الإنسانية، مشيرين إلى ضرورة التريث لرؤية ما إذا كان بإمكان موسكو أن تقنع حليفها السوري بفتح حمص أمام القوافل الإنسانية. وصرح وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ "هناك أسباب ملحة لاستئناف النقاش حول الأزمة الإنسانية في مجلس الأمن". ويشكل برنامج تدمير الأسلحة الكيميائية وسيلة ضغط أخرى على الأسد الذي تعهد بإزالة كل ترسانته مع نهاية يونيو تحت طائلة العقوبات، أو حتى اللجوء إلى القوة. وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد هدد الجمعة الأسد بعقوبات من مجلس الأمن إن لم يحترم التزاماته بتدمير ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية. لكن الدبلوماسيين الغربيين يرون أن احتمال موافقة روسيا على فرض عقوبات على دمشق ضئيل جدا، علما وأن موسكو ومعها الصين، عطلتا باستخدام حقهما في النقض (الفيتو) ثلاثة قرارات في مجلس الأمن منذ بدء الأزمة السورية في مارس 2011. واعتبر اندرو تابلر الخبير في مؤسسة واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن هذه الحملة الدبلوماسية "وسيلة لدفع الأسد للتحرك وأيضا لحض الروس على فعل شيء ما"، للحصول على تنازلات من دمشق. وقال دبلوماسي غربي إنه "من الواضح أن النظام يماطل". ورأى دبلوماسي آخر أن الأسد "يدير هذا الملف بشكل متواز مع عملية جنيف2 وهو يستعمل أسلحته الكيميائية للتذكير أن لديه "قدرة على الأذى" في حال السعي إلى الضغط عليه في جنيف.