لعل هذا هو أهم الإشكالات التي تواجه الفكر العربي الحديث هي التخلص من رواسب التطرف و المغالاة التي تتبناها طائفة من الفاعلين في حقل الدين السياسي، وتستمد مرجعيتها من فكر سلفي عتيق رافض للتطور والتفاعل. التطرف لم يكن أبدا سبيلا للرقي أو الازدهار بقد ما كان عرقلة للفكر المتنور حتى ولو اكتسى جبة سلفية، لان الفكر الإسلامي السليم لم يقم قط على مبدأ النرجسية أو الإقصاء، بقدر ما قام على سياسة الاحتواء والإدماج والتوجيه النابع عن الفهم السليم لمسار التاريخ، وهذا ما مكن العرب من بناء حضارتهم الشامخة، لكننا الآن نعيش ردة فكرية ذات طابع تراجي- كوميدي يمكن أن ندخلها في باب السخرية السوداء، لأننا نصر على السير ضد التيار، أو على الأقل تصر فئة سلفية تقليدية متطرفة على ذلك، نسير ونحن نعتقد بأننا على الدرب الصحيح. التنمية البشرية هي استثمار في الفكر الإنساني، بهدف الرقي به إلى مستوى يليق بالحضارة العربية و أمجادها، لكننا لن نبلغ هذا الهدف ما لم نتخلص من هذا التطرف الذي ينخر الجسد العربي مثل السوس ويعوقنا عن التطور. حين نادينا بضرورة بناء جبهة سلفية جديدة تقف في وجه هذا التطرف، لم يكن ذلك من باب الترف الفكري بقدر ما كان ضرورة استلزمتها الظرفية الراهنة و المتغيرات على الساحة، بالإضافة إلى الحجة الملحة للتخلص من رواسب الماضي وتحقيق النهضة الحقيقية المنشودة. أكدنا بأن أي تغيير يجب أن يبدأ من تطوير الفكر و الرقي به إلى مستوى يليق بطموحات الشعوب، غير أن هذا التغيير قد أصبح الآن أصعب، بسبب تغلغل الفكر المتطرف في بنية المجتمعات العربية مع اختلاف النسب و الفئات، ولن يتحقق ذلك إلا بالاستثمار في العقل و الفكر الإنساني ودمج منظومة الفكر الإسلامي التقليدية في خضم التطور، حتى نحارب التطرف بكل أشكاله ومظاهره و تموقعاته، خاصة وأننا لن نمارس سياسة الثور الأسود الذي أكل يوم أكل الثور الأبيض. حين سنتمكن من تفعيل الحوار و تغليب العقل دون إفراط أو تفريط، ودون المساس بتوا بثنا الأساسية، سنكون قد وضعنا أرجلنا على أول الدرب لبناء منظومة فكرية سلفية جديدة يقودها العلماء بقرار سياسي موحد عربيا على غرار القرارات الأخرى، ومن هنا لا بد من خلق مجلس شورى إسلامي عربي/ إسلامي تكون مهمته توحيد التوجهات وتقليص مسافة الاختلافات واعدة بناء فكر إسلامي وفقه سني حداثي يقودنا إلى الرقي المنشود بعيدا عن التطرف و المغالاة.