ليس جهادا في الأفراد بل جهادا في الفكر، حتى لا نتهم بّأننا من دعاة القتل والتقتيل والتصفية الجسدية، مثل ما يفعل المتطرفون التكفيريون، وعلى رأسهم الإخوان المسلمون ومن سار على منوالهم، حين يعجزون عن مقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل، أو يجدون بأن الرياح تجري بما لا تشتهيه سفنهم. لم يكن الجهاد يوما دعوة للقتل والإجرام، ولم يكن السلاح وسيلة للجهاد إلا في مرحلة محددة، أما خلود الحضارة الإسلامية فتم بفضل الفكر التسامحي للعقيدة والجدل الكلامي الاقناعي الحجاجي، وما نراه الآن من نشر للدمار والخراب باسم الدين والجهاد، وقتل للأبرياء وتفجيرات انتحارية و زراعة للرعب، فليس من الجهاد في شيء. إن العقل العربي في حاجة إلى إعادة ترتيب أوراقه، ومراجعة المواقف والمفاهيم، لأن العالم في تغير مستمر وتفاعل دائم، وليس من المنطقي أن تستمر هده العقلية الجامدة لأنها تعيق التطور الايجابي ولا تخدمه. إن هذا الفكر المتطرف مسألة كينونة ووجود تقصي التاريخ ومنطقه الجدلي، وتحاول السير ضد التيار، وهو أمر لا يستقيم في ظل ما يعرفه العالم من تحولات يعتبر العرب والمسلمون جزءا منها. إذا سلمنا بصحة نظرية صدام الحضارات فينبغي أن نؤمن بأن حوار الثقافات جزء أساسي وايجابي في مشروع تطوير العقل العربي، بعيدا عن الجمود والإقصاء الذي بني عليه الفكر المتطرف التكفيري، ما دام أن التفاعل الايجابي لا يقوم على الإقصاء أو محاولة البحث عن التطور بالعودة إلى الماضي، لأن هده العودة محاولة ارتدادية لامتصاص صدمة التحول وانتكاسة للعقل العربي الذي عجز عن استيعاب شروط النهضة الحقيقية، ولقد استغل المتطرفون هذا الفراغ ليزرعوا سمومهم في الذاكرة المجتمعية وبناء أوهام ( نهضوية ) تقوم على الإقصاء والعنف الفكري، من هنا جاءت الدعوة إلى الجهاد في هؤلاء المتطرفين. كيف يكون هذا الجهاد؟ إن منظومة الفكر السلفي التقليدي هي التي حالت دون تحديث العقل العربي، وولدت هذا الفكر المتطرف التكفيري الذي يقوم على الإقصاء ورفض مبدأ الاختلاف في الرأي و الموقف، رغم أن محور قواعد الحوار هو القبول بالمغايرة، لكن ذلك لن يتحقق في ظل سيادة الفكر السلفي التقليدي الذي يتبنى فكرة التكفير كسلاح لإقصاء الأخر، من هنا جاءت فكرة إنشاء جبهة سلفية جديدة، و فكر سلفي وسطي معتدل لا يتخلى عن الركائز الأساسية للدين كمعتقد، لكنه في نفس الوقت لا ينغلق على نفسه بنرجسية مرضية كانت و ما زالت سبب كل المآسي التي نعيشها. لا يمكننا في ظل كل المغيرات التي نعيشها أن ننهج سياسة النعامة وأن نستمر في النظر خلفنا، على أساس أن الحل للرقي يكمن في الماضي أي بالسير على خطى الأقدمين، نعم لا جدال في السلف الصالح غير أن ذلك لا يعني الوقوف عند محطتهم واعتبارها المنتهى كلا لم تكن تلك إلا مرحلة مضت والحنين إليها لا يعني أن علينا اعتبارها منتهى الكمال والنموذج الذي لا يناقش، كلا إن من يدعي ذلك يصادر حق الشعوب في بناء أمجادها وفق مراحل التاريخ، وهو ما تقوم به بالضبط هذه الجماعات المتطرفة التكفيرية. إن السلفية الجديدة كتيار فكري ينبغي أن يعيد الاعتبار إلى فكرة التسامح التي بنيت عليها هذه العقيدة الإسلامية السمحاء، كما أن عليه التصدي لكل ما يمكن أن يمس سلامة وأمن المواطنين والدول العربية والإسلامية، في مقاربة أمنية لا تتبنى القمع و الإقصاء أو العنف كيفما كان ، بل تستند على فكر واستثمار حقيقي في الإنسان العربي قصد إبعاده عن التطرف أيا كان مصدره أو مسعاه، إن أي مقاربة أمنية لمواجهة التطرف لا تأخذ بعين الاعتبار هذا البعد الفكري سيكون محكوما عليها بالفشل، إذ ليس من السهل محاربة الفكر المتطرف، الغريب أصلا عن روحنا وديننا، من خلال البعد الأمني فقط لان هذا الفكر المتطرف يتغذى أصلا بهذا العنف. من هنا لا بد أن يكون الاستثمار في الكائن البشري و الفكر أساس أي مقربة، ولذلك ندعو الى إنشاء جبهة سلفية جديدة تتصدى لكل أنماط الفكر المتطرف وتحارب العنف، وهي مسألة ينبغي إشراك الجميع فيها وأن لا تقتصر على بلد دون آخر.