شهدت مصر مع بداية سنة 2014 تصعيدا كثيفا في العمليات الإرهابية وصلت إلى حد أعلى مع حلول الذكرى الثالثة لأحداث 25 يناير 2011. التنظيمات التي وقفت وراء تلك العمليات وأعلنت مسؤوليتها عنها أكدت أن فعلها هو رد على عزل القوات المسلحة المصرية للرئيس السابق محمد مرسي وجزء من الجهود المبذولة لإعادته وجماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة. عدد كبير من المحللين أختلفوا بشأن تقييم ظاهرة العنف التي تضرب مصر من حيث توقعات تطوراتها مستقبليا وتأثيرها على المسار السياسي ليس لمصر وحدها ولكن بالنسبة للعديد من الأطراف العربية. البعض قدر أن العنف الذي يضرب أرض الكنانة سينحسر تدريجيا مع نجاح قوى الأمن في تقليص قدرات الجماعات المسلحة التي تصف نفسها بالجهادية موازاة مع تكتل غالبية الشعب وراء القوى الرافضة للعنف المسلح. آخرون يقدرون غير ذلك ويؤكدون أن العنف سيتصاعد وستصل مصر إلى حالة عدم إستقرار وفوضى مقاربة للنموذج السوري، وبالتالي فإن الجيش الذي تدخل في يوليو 2013 لإنقاذ البلاد من خطر حرب "أهلية" سيكون قد فشل. توقعات خارجية يوم السبت 25 يناير 2014 قالت صحيفة نيويورك تايمز المعروفة بصلاتها الوثيقة مع مراكز إتخاذ القرار في الولايات المتحدة انه بعد مرور ثلاث سنوات على ثورة المصريين من أجل الديمقراطية، اهتزت القاهرة، الجمعة، بسلسلة من التفجيرات القاتلة، في أوضح إشارة حتى الآن على أن مصر مقبلة على صراع طويل وعنيف بين الحكومة والتمرد الإسلامي المتنامي. وأضافت الصحيفة الأمريكية في تقرير لها، إن القنابل التي جرى نشرها في أنحاء القاهرة والتي استهدفت الشرطة، تركت حقيقة قاتمة ببداية دورة من الإرهاب والقمع وإصرار كل منهم في القتال حتى الموت، والنتيجة هو انتهاء حلم عمره ثلاث سنوات من الديمقراطية الشاملة والنقاش المفتوح. ونقلت الصحيفة عن معتز عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية، قوله إن التوقيت يمثل رسالة بأن الذكرى الثالثة لثورة يناير لن تكون احتفالا، بل إن هذا من شأنه أن يزيد المياه السياسية تعكيرا، مع المزيد من الشعب ممن ينادون بإتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها. وأشارت إلى أن فى غضون ساعتين من أول وأكبر تفجير، والذي استهدف مديرية أمن القاهرة، احتشد المئات، هاتفين لدعم الجيش والشرطة، وكذلك ضد جماعة الإخوان المسلمين قائلين: "الشعب يريد إعدام الإخوان"، في مشهد يحاكى تلك الدعوات المتعطشة للدماء قبل 3 سنوات عندما هتف المحتجون ضد نظام مبارك "الشعب يريد إسقاط النظام". وأصبحت الهجمات القاتلة التي تستهدف جنود الجيش وضباط الشرطة شائعة منذ الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين من السلطة. لكن الهجوم الذي استهدفت مديرة أمن القاهرة، تقول الصحيفة، يعد الثاني الذي ينفذ بسيارة مفخخة في قلب القاهرة، حيث تتركز قوة الحكومة ومؤيديها من الشعب. موازاة مع ذلك واصلت صحيفة واشنطن بوست تحريض إدارة أوباما على مصر والمطالبة بإتخاذ إجراءات عقابية أكثر حدة وفعالية، وقالت في مقال كتبه الخبيران بمؤسسة كارنيغي ميشيل دون وتوماس كاروثرس، إنه بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسى، فإن إدارة أوباما قالت مرارا، إن الولايات المتحدة تسعى إلى مضى مصر في تحولها نحو الديمقراطية، لكن مع الأسف ونظرا لدوامة الهبوط السياسي في البلاد والذي يقصد به على الأرجح صيغة سياسية مبدئية، لكنه يبدو ساذجا بشكل خطير أو ساخرا، ويضع سياسة الولايات المتحدة على الطريق الخطأ. ويمضى الكاتبان في القول "بأن دعم الديمقراطية المصرية هو الشيء الصحيح بالتأكيد، فعلى العكس من بعض الدول، حيث تدخل المصالح الأمريكية في اتجاهات متصارعة، فإن تحقيق الديمقراطية فى مصر سيحقق مصالح الأمن الأمريكية المتمثلة فى الاستقرار على المدى الطويل والسلام مع إسرائيل، وربما يساعد في احتواء التطرف العنيف. لكن فقط في ظل نظام سياسي شامل وتعددي يحترم تطلعات المصريين للمحاسبة والعدل، هو الذي سيضع نهاية لنوبات الاحتجاج المتكررة، وعلامات التطرف البادية.. ودعم الديمقراطية المصرية ليس مثالية زائدة، بل هو ضروري لسياسة فعالة للأمن والسلام الإقليمي". العلاقات مع التنظيمات المسلحة على صعيد أعمال العنف في مصر يبرز تنظيم "أنصار بيت المقدس"، ولعل ذلك يفتح الحديث عن العلاقات الغامضة بين الأجهزة الأمنية الأمريكية ومنظمات مثل القاعدة، وكذلك العلاقة بين هذا التنظيم وجماعة "الإخوان المسلمين". وإذا كان البعض قد شكك في بادئ الأمر في وجود تلك العلاقة أصلا مستندا في ذلك إلى الاختلافات الأيديولوجية بين الفصيلين الإسلاميين فإن ما جرى بعد سقوط نظام "الإخوان"، وما تسرب من معلومات خلال الأشهر الماضية، يبدد تدريجيا كل تلك الشكوك. وتشير المعلومات إلى أن العلاقة بين "الإخوان" و"أنصار بيت المقدس" بدأت في الأيام الأولى لأحداث 25 يناير 2011، حين ساهم القيادي الجهادي عبد الناصر أبو الفتوح في تهريب قيادات "الإخوان" من السجون المصرية. وبحسب القيادي السابق في "تنظيم الجهاد" ناجح ابراهيم فإن ما جرى في سيناء قد تم عبر اتفاق بين محمد مرسي وزعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري، وهو ابن شقيقة رئيس ديوان رئاسة الجمهورية في عهد مرسي السفير رفاعة الطهطاوي، الذي بذل أيضا جهودا لإطلاق سراح ابن اخته الآخر محمد الظواهري، أخ زعيم "القاعدة". ويشير ابراهيم إلى أن الاتصال بين مرسي وأيمن الظواهري كان يتم عبر الطهطاوي، لافتا إلى أن الثلاثة كادوا يلتقون في باكستان حين زارها مرسي، لولا وصول معلومات تفيد باحتمال أن تشن الاستخبارات الأمريكية عملية لأسر زعيم "القاعدة". هذه المعلومات يؤكدها أيضا مؤسس "تنظيم الجهاد" في مصر نبيل نعيم، الذي قال في إحدى المقابلات التلفزيونية إن العلاقة بين "الإخوان المسلمين" و"أنصار بيت المقدس" كانت تتم عبر خيرت الشاطر ومحمد الظواهري. ويشير القيادي الجهادي السابق إلى ان الرجلين نجحا في توحيد المجموعات السيناوية الجهادية تحت بيعة أيمن الظواهري، وقد تم تمويلها بمبالغ طائلة وتزويدها بكميات أسلحة هائلة من غزة وليبيا وتركيا. ويرى نعيم ان الهدف من كل ذلك هو تدمير الجيش المصري، على غرار ما جرى مع الجيشين العراقي والسوري، لافتا إلى ان مؤتمر التنظيم الدولي ل"الإخوان المسلمين"، الذي عقد مؤخرا في لاهور رصد لهذه الغاية مبلغ مليار ونصف مليار دولار، تبرعت بها قطر، لتشكيل "جيش مصري حر" في محاكاة للتجربة السورية. ولكن ما الذي سيكسبه "الإخوان" من مغامرة كهذه؟ في هذا الإطار، حدد الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عمار علي حسن، خلال إحدى المقابلات التلفزيونية، ثلاثة مكاسب يمكن ل"الإخوان" تحقيقها عبر تحالفهم مع الجماعات الجهادية والتكفيرية: - إرباك المشهد السياسي المصري وإنهاك الدولة المصرية. - الانتقام من الجيش المصري والثأر لكل ما جرى منذ العام 1952. - إبقاء اليد الطولى في "الإخوان" للمجموعة القطبية، باعتبارها الجهة الوحيدة القادرة على التعامل مع المتشددين، حتى وهي في السجن. وسواء كان ما يجمع "الإخوان" ب"أنصار بيت المقدس" علاقة بنيوية جديدة أو مجرد تقاطع مصالح، فإن اقتحام الجهاديين المشهد الأمني المصري، ينذر باحتمال تصدرهم واجهة الأحداث، ليصبحوا الرقم الصعب في المعادلة المصرية خلال المرحلة المقبلة. ولعل تلك المخاطر تزداد يوما بعد يوم في ظل نجاح "أنصار بيت المقدس" في التسلل من سيناء إلى وادي النيل والدلتا، عبر كل من الصحراء الشرقية والغربية، واحتمال إيجادهم التربة الخصبة والحاضنة "الإخوانية" في مناطق مصرية عدة، ما ينذر بعودة سيناريو إرهاب التسعينيات. مخطط تقسيم المنطقة منذ سنوات حذر العديد من المحللين من مخططات الولايات المتحدة لتركيز هيمنتها على العالم ومنع بروز قوى قادرة على نزعها من موقع القوة العظمى الوحيدة في العالم، مؤكدين أن عصب مشروع واشنطن للقرن الحادي والعشرين مركزه منطقة الشرق الأوسط الكبير. جاء من يوصفون بالمحافظين الجدد بمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي ينص على إعادة رسم خارطة المنطقة وتقسيم الدول العربية إلى ما بين 54 و56 دويلة على أسس عرقية ودينية ومناطقية، وهكذا لتتمكن الولايات المتحدة وحلفائها من الهيمنة على مقدرات المنطقة وجزء كبير من القارة الأفريقية وبالتالي يتم لها حصار القوى الكبرى المتطورة كالصين وروسيا الإتحادية وراء حزام يمنعهما من تحدي إرادة البيت الأبيض. الحديث عن أدوات تنفيذ المخطط كانت كثيرة ومثلت بغزارتها إحتمالات تكاد لا تحصى، بعضها قد يظهر في زمن محدد غير منطقي. البعض طعن في تلك التحليلات ملوحا بسذاجة تمسك أصحابها بنظرية المؤامرة البالية حسب تقديرهم ولكن مع مرور الزمن تبينت الحقيقة للمزيد من السياسيين. حزب "النور" السلفي جزء يصعب تجاهله في الخريطة السياسية في مصر، كان مفاجأة الانتخابات البرلمانية السابقة حيث حصل على 24 في المائة من مقاعد البرلمان ليشكل ثاني أكبر كتلة سياسية وقتها، كان هناك رابط بينه، وبين جماعة الإخوان، إلا أن حزب "النور" أخذ طريقا مختلفا بعد 30 يونيو 2013 أيد فيها ولا يزال خارطة الطريق الجديدة، وانتقد أسلوب الإخوان في الصدام واستخدام العنف. يقول يونس مخيون، طبيب الأسنان، الذي يقود حزب "النور" بأن الإخوان "كانوا يريدون منا أن نمشي في ركابهم وتحت عباءتهم لكن نحن كانت لنا مواقف مستقلة لذلك شنوا هجوما علينا"، ويشرح موقف حزبه بعد 30 يونيو قائلاً: "قررنا في تلك اللحظة المشاركة في خارطة الطريق، وعدم الاعتزال حتى لا يوضع التيار الإسلامي كله في سلة واحدة، ويجري إقصاؤنا جميعا ونوضع في نطاق صف خطاب العنف والتكفير الذي رأيناه على منصة رابعة العدوية. واخترنا أن نكون مشاركين في المشهد حتى لا يوصم كل الإسلاميين بالعنف والتكفير وننبذ من المجتمع وربما يجري إقصاؤنا بل ربما يجري استئصالنا بمباركة شعبية". تدخل قوى خارجية وقال حول المستقبل السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، أو أي جماعات منهم، في مصر: بالنسبة ل"الإخوان المسلمين"، في الحقيقة، يمكن للإنسان أن يفشل سياسيا، ويمكن أن يعيد الكرة مرة أخرى فينجح. ويمكن للإنسان أن يخوض معركة ويخسر لكنه يمكن أن يعيد الكرة وينتصر. لكن الإنسان حينما يفشل أخلاقيا، أو يسقط أخلاقيا، فهذا الأمر يصعب جبره وعلاجه. المشكلة أن الإخوان ما كنا نتمنى لهم أن يصدر منهم ما صدر. وأرى أن ما فعلوه يعد انتحارا. اختيار طريق الصدام بهذه الصورة واستخدام نهج العنف وكذلك عدم التزامهم بالأخلاقيات مع المخالف وصل لدرجة التكفير والعمالة والسب والشتم واللعن بكل صوره وأشكاله، فمما لا شك فيه أنه أصبح من الصعب جدا أن يعودوا للحياة السياسية، إلا إذا راجعوا أنفسهم واعتذروا للشعب المصري عما بدر منهم، وأن يقوموا بمراجعات للمنهج والفكر، وهذا الأمر قد يأخذ وقتا طويلا ولكن لا بد أن يقوموا بمراجعة نفسهم حتى يمكن أن يندمجوا في المجتمع. نحن نريد لهم أن يندمجوا في المجتمع ويكونوا جزءا فعالا وبناء ولكن أعتقد أن هذا سيستغرق وقتا طويلا ولن يكون في القريب العاجل أو المنظور. وبشأن سؤال بشأن ما أطلق عليه "الربيع العربي" في تونس ومصر وسوريا وليبيا بعد ثلاث سنوات تقريبا حيث أن الكثيرين يتساءلون عن مآله بسبب ما أحدث من دمار، قال زعيم حزب النور هناك بعض الدول الأمر فيها تتقاطع معه عوامل داخلية وخارجية. بالنسبة للعوامل الخارجية، معلوم أن هناك مخطط لتقسيم المنطقة بما يسمى "الشرق الأوسط الجديد"، وهذا تكون بدايته الفوضى الخلاقة بافتعال المعارك الطائفية والقبلية والمذهبية بحيث إنه بعد هذه الفوضى يجري تفكيك البلاد إلى بلاد صغيرة وتكون القوى الوحيدة الباقية هي إسرائيل. حدث ذلك في العراق، واليوم سوريا سقطت، والسودان انقسم، واليمن على وشك، وليبيا تعد مفككة. أعتقد أن هناك أصابع خارجية تغذي ذلك بقوة. للأسف أننا لم نستوعب الدرس وكان من المفترض أن نتنبه لذلك ولكننا وقعنا في الفخ، وهذه البلاد بدأت فيها الصراعات المذهبية بقوة بحيث إنها صبت في صالح الأعداء والمتربصين، ولذلك نحن في حزب "النور" في مصر منتبهون لهذا الخطر، ولهذا شاركنا في خريطة الطريق، وفي وضع الدستور، لأننا ننظر لأخف الأضرار من باب إذا تزاحمت المفاسد فنختار أخف الضررين. وكما ترون لم يعد في المنطقة من دولة متماسكة بعد هذه الثورات إلا مصر، هذا بفضل الله عز وجل أولا، ثم بتماسك الجيش مع الشعب، ولهذا أقول إن من ينزل الشوارع اليوم للتخريب والعنف لا يصب في صالح مصر على الإطلاق ولكن يصب في صالح أعداء مصر حتى لو لم يكن يقصدون ذلك. فلا بد أن ننظر للأمر نظرة شاملة لأن سقوط مصر لا قدر الله سيكون كارثة على الأمة كلها. الأمة العربية والأمة الإسلامية، ولا بد أن نبذل كل الجهد من أجل أن تظل الدولة متماسكة، وبعد ذلك نصلح خطوة خطوة. لو هدمت الدولة لن يكون هناك شيء يمكن إصلاحه. ولكن الأمل في الله سبحانه وتعالى. وهناك بعد البلدان احتاجت لوقت حتى تستقر فيها الأمور بعد الثورات، مثل فرنسا التي استغرق فيها الأمر نحو عشرين سنة. وفي أمريكا احتاج الأمر عشرات السنوات. ونحن لا نرجو أن نصل لهذا الأمر في مصر. وعن توقعاته للمستقبل أكد يونس مخيون أنه متفائل لعدة أسباب، منها أن مصر ليس فيها طائفية وكلنا أهل سنة، ثم إن جيش مصر جيش وطني وليس جيشا طائفيا ويوجد ارتباط قوي بين الجيش والشعب المصري. والشعب المصري لا يميل بطبيعته إلى العنف وما يحدث في الفترة الأخيرة أمر شاذ في تاريخ المصريين. والشعب حين يستشعر الخطر يتوحد ويقف صفا واحدا. أعتقد أن هذه عوامل تبشر بالخير والغد إن شاء الله سيكون أفضل من اليوم. ستكون هناك بعض العوائق وبعض الاضطرابات لكن الشعب المصري سيتجاوزها إن شاء الله. تورط واشنطن يوم الخميس 23 يناير 2014 نشر موقع "وورلد نت دايلى" الأمريكى وثيقتن سريتين تكشف تورط الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون في مساعدة وتحريض الإرهابيين في مصر. وقد أدرجت الوثاق كأدلة في المحاكمات الجنائية للرئيس السابق محمد مرسى وغيره من قيادات الإخوان المسلمين. وتقدم الوثيقتان دليلا على أن قوات الأمن المصرية راقبت تحركات وأنشطة الأخ غير الشقيق للرئيس الأمريكي مالك أوباما ومنظمته "الدعوة". كما راقبت قوات الأمن أيضا تعاملات القيادي بالإخوان المسلمين عصام الحداد، والذي كان يتولى منصب مستشار الرئيس للشئون الخارجية، ووالد جهاد الحداد الذي عمل كمستشار للإخوان في الولايات المتحدة وكان موظفا سابقا في مؤسسة بل كلينتون. وأشار التقرير إلى أنه خلال حكم محمد مرسى، استغلت قوى في مصر والسودان الفرصة للعمل على محو بطيء للحدود بين البلدين في عملية إعدادية لرسم خط حدود جديد. وذكر أن سلطات الأمن في مصر حذرت خلال العامين ونصف الماضيين من تحركات منظمة الدعوة ومقرها في الخرطوم، وقالت إن تلك المنظمة ورئيسها مالك أوباما المقرب من أوساط سودانية نافذة يقومون بدعم جماعة الإخوان المسلمين بالمال، وكذلك التنظيم الدولي للجماعة ويخططون لخلق قلق داخل الصعيد، كما يدعمون فكرة انفصال جنوب مصر وإعلانه دولة مستقلة. الحرب السرية حول العالم جاء في تحليل كتبه المحلل الأمريكي نيك تيرز في النشرة اليومية العالمية المسماة "انفورميشن كليرنغ هاوس" في 16 يناير 2014 تحت عنوان "العمليات الخاصة ترفع حرب أمريكا السرية في 134 بلداً". يقول تيرز في بداية هذا التحليل "انهم يمارسون عملياتهم في المشهد الليلي الأخضر في جنوب شرق آسيا وهم يجوبون أنحاء أمريكاالجنوبية. إنهم ينزعون الرجال من بيوتهم في المغرب العربي ويطلقون ميليشياتهم المسلحة بالأسلحة الثقيلة في القرن الأفريقي. إنهم يشعرون بالانتشار ذي الطعم المالح بينما يجوبون فوق قمم الموجات من الكاريبي الأخضر إلى المحيط الهادئ الأزرق. وهم يقودون المهمات في صحاري الشرق الأوسط الحارة الجائرة وفي عمق شبه الجزيرة الاسكندنافية المتجمدة. في جميع انحاء الكوكب تشن إدارة اوباما حربا سرية لم يكن لها ابدا من قبل حتى الآن هذا النطاق الشامل الذي ينكشف الآن". ويستطرد تيرز "منذ 11 سبتمبر 2001 وقوات العمليات الخاصة الأمريكية قد اتسعت بكل الطرق التي يمكن تصورها من أعدادها إلى ميزانياتها. مع ذلك فإن الأمر الأكثر دلالة هو الارتفاع الهائل في انتشار العمليات الخاصة في جميع أنحاء العالم. والآن فإن هذا الوجود في قرابة 70 في المئة من دول العالم يوفر أدلة جديدة على حجم ومدى ما يشن من حرب سرية من امريكا اللاتينية إلى مساحات أفغانستان الخلفية، من مهام التدريب مع الحلفاء الأفارقة إلى العمليات المعلوماتية التي تشن عبر الفضاء المضبوط". ويوضح المحلل الأمريكي أن العدد الإجمالي للبلدان التي توجد فيها قوات العمليات الخاصة الأمريكية وصل في العام 2010 إلى 75 بلدا والى 120 بلدا في العام 2012، اما اليوم فهو 134 بلدا. وقد بلغت ميزانية هذه القوات الخاصة الأمريكية في العام 2013 ما يربو على عشرة مليارات من الدولارات بعدما كانت أكثر قليلا من ملياري دولار في العام 2001. هل نستنتج من هذه الأرقام ذات الدلالة القوية على الاهتمام الأمريكي بالسيطرة عسكريا على العالم، إن أمريكا اصبحت بمرور الوقت، خاصة منذ عام 2010، أكثر اهتماما بهذه البلدان وبهذا العالم؟ ابدا. في مجال آخر وحول وسائل تضليل الرأي العام في داخل الولايات المتحدة وخارجها وفرض مفاهيم الادارة الأمريكية، يكتب المعلق الأمريكي الشهير جيم لوب إن الأجزاء الرئيسية من العالم التي يتجاهلها التلفزيون الأمريكي تزايدت في العام الذي انقضى أي 2013. ويقول "اذا بحث الناس خارج الولايات المتحدة عن إجابات على التساؤل لماذا يبدو الامريكيون غالبا غير واعين إلى هذا الحد بشأن العالم الواقع خارج حدودهم، فإن بإمكانهم أن يبدأوا بالشبكات التلفزيونية الرئيسية التي تقدم لمشاهديها الاخبار على النحو الذي بدت به خلال العام 2013. لقد سيطرت سوريا والمشاهير على التغطية الاجنبية من "الآي.بي.سي" و"الإن.بي.سي". و"السي. بي. اس." التي تغطي في مجموعها المواد الاخبارية المسائية، هي المصدر الإعلامي الأكثر أهمية للمعلومات عن الأحداث القومية والدولية لمعظم الأمريكيين. إن أقساما واسعة للغاية من العالم يتم تجاهلها كليا تقريبا طبقا للعرض السنوي الأخير الموثوق به المسمى تيندال ريبورت". ويؤكد لوب ان امريكا اللاتينية ومعظم اوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا باستثناء افغانستان وتقريبا كل شرق آسيا وبالرغم من التوتر المتزايد بين الصين واليابان وهي اقرب حليف اقليمي لامريكا كانت غائبة عن البرامج الاخبارية في عطلة نهاية الاسبوع لهذه القنوات طوال العام المنقضي". ولو اننا اعتبرنا ان هذه المعلومات يمكن ان تكون مقبولة في ظروف عالمية عادية او مألوفة لجاز ان تكون هذه المعلومات غير مثيرة للاهتمام، ولكن الظروف الدولية تصفها بعبارة تقول "الازمات الانسانية تحاصر العالم"، بحسب معلومات الامم المتحدة: "ودع العالم العام 2013 على وقع أزمات إنسانية واسعة ومتفاقمة... ولكن يبدو ان معاناة الملايين حول العالم ستستمر خلال العام الحالي، ما دفع الامم المتحدة الى توجيه نداء لمطالبة الدول المانحة بتقديم ما يقدر بنحو 13 مليار دولار في العام 2014 لتمكين هيئات الإغاثة من الوصول الى 52 مليون نسمة يحتاجون الى المساعدة في 17 دولة". وقد حذرت فاليري آموس، وكيلة الامين العام للامم المتحدة، من ان المنظمة الدولية تدخل العام 2014 مثقلة بأزمات إنسانية حادة. وأضافت ان العام 2013 انتهى بأعلى مستويات من الأزمات الانسانية، مشيرة بشكل خاص إلى المساعدات التي تحتاجها سوريا وأفريقيا الوسطى والفليبين. هكذا يتضح لنا مدى البون الشاسع بين الاهتمام الاخباري العالمي والكوارث التي تعاني منها البشرية والتي لا تلقى من اهتمام العالم الغني بما في ذلك الولايات المتحدة القدر المتوقع او المتصور في مثل هذه الاحوال. وهكذا ايضا يتضح البون الشاسع بين اهتمام الدول الغنية وخاصة الولايات المتحدة بممارسة التدخل العسكري في انحاء مختلفة من العالم وعزوفها عن التبرع للبلدان الفقيرة، التي تواجه ازمات انسانية ذات طابع اقتصادي واجتماعي. التدخل العسكري الصامت إن الولايات المتحدة لا تتوقف عن التوسع في التدخل العسكري في عشرات البلدان في العالم، سواء كان تدخلها صامتا بانتظار إطلاق النار، او كان من البداية مصحوبا بإطلاق النار لتحقيق اهداف تتعلق أساسا بزيادة قدرة الولايات المتحدة على السيطرة الرامية الى زيادة قدرتها المالية وزيادة مداخيلها من العالم الخارجي. إننا نعيش في عالم تسيطر عليه أطماع الدول الغنية الرامية الى استغلال الدول الفقيرة التي لم تتوصل بعد الى معرفة السبل المؤدية الى كسب المزيد من الخيرات. وتكفي نظرة واحدة الى أعداد البلدان التي تسيطر عليها قوات عسكرية امريكية لنعرف ان هذه هي نفسها الدول الفقيرة، ولنعرف في الوقت نفسه أن الولايات المتحدة آخذة في التوسع عالميا في بلدان تسيطر عليها قواتها المسلحة، لا من أجل تمكين هذه البلدان من الصعود اقتصاديا واجتماعيا. ولعل هذا الجانب من الحقيقة المرة يدلنا على السبب في اهتمام مصر، في ظروفها الصعبة الراهنة، بالخروج من السيطرة الامريكية وفي الوقت نفسه الإبقاء على علاقات سلمية مع امريكا في عالم يقع بين الحرب والسلام. شكل الحكم إذا كانت الولايات المتحدة عبر وسائلها المتعددة تحاول الزج بمصر في أتون الفوضى الخلاقة، وتروج مع مساندي مشروعها للشرق الأوسط الجديد لعودة جماعة الإخوان إلى السلطة في القاهرة وبالتالي وقف تعثر مشاريعها لإستغلال القوى المحلية لبلوغ النتائج المرجوة بدل خوض حروب مكلفة مثلما يجري في العراق وأفغانستان، فإن الكثير من المعطيات الواردة من مراكز أبحاث غربية تبدد هذه التطلعات. قسم "دراسات الشرق الأوسط"، في جامعة ميتشغان الأمريكية كشف يوم 20 يناير 2014 في دراسة حديثة أن غالبية الشعب المصري تفضل وجود حاكم عسكري في السلطة، أكثر من غيرهم في دول شرق أوسطية أخرى. وأظهرت الدراسة، أن ما يزيد على سبعة من كل عشرة مصريين، يؤيدون وجود دور للجيش في إدارة البلاد. وتزيد هذه النسبة عن دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط، أو على مقربة منها، ربما يتمتع فيها الجيش بدور قوي نسبيا، منها العراق، ولبنان، وباكستان، وتونس، وتركيا. وتعكس نتائج تلك الدراسة، التي شملت سبع دول شرق أوسطية، حالة التباين التي تسيطر على الشارع المصري، الذي يشهد احتجاجات واضطرابات واسعة، تخللتها ثورات وثورات مضادة، على مدار السنوات الثلاثة الماضية. كما أشارت الدراسة إلى تزايد التوجهات الديمقراطية في مصر، خلال العقد الذي سبق أحداث 25 يناير 2011 والتي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق، حسني مبارك، بعدما قاد البلاد لما يقرب من 30 عاما. فبينما كان واحد من بين ثلاثة، أي ما نسبته 31 في المائة، يرى أن الحكومات الجيدة تضع قوانينها وفق تطلعات شعوبها، وذلك في عام 2000، فقد تضاعفت هذه النسبة في عام 2011، لتصل إلى اثنين من ثلاثة، أي 62 في المائة. وبحسب الدراسة، فقد تراجع التأييد لتطبيق الشريعة الإسلامية خلال نفس الفترة، حيث عبر 48 في المائة عن رأيهم بأن الحكومة الجيدة تضع قوانينها وفق الشريعة الإسلامية، في عام 2000، فقد تراجعت النسبة إلى 30 في المائة في 2011. فشل التدخل في الهوية بثت هيئة الإذاعة البريطانية "البي بي سي" حديثا للواء حمدي بخيت المحلل الاستراتيجي والعسكري ذكر فيه أنه وعلى عكس كل ما قيل فإن المجتمع المصري لا يعاني أي انقسام وأن غالبية المصريين هم الذين شاركوا في احتفالات 25 يناير الأخيرة مجسدين حالة من الوفاق الوطني، ويقول بخيت إن الغالبية من الشعب المصري هي التي احتفلت وهي التي طالبت بالفريق السيسي رئيسا لمصر ويضيف أنه لو كان هناك انقسام كما يزعم البعض لرأينا ميادينا ضد ميادين في مصر لكن الواضح والكلام له أن كل الميادين كانت تتكلم لغة واحدة وتنبض بإجماع على ترشح الفريق السيسي للرئاسة، وفي تعليق على المظاهرات التي خرجت يوم 25 يناير 2014 وسقط فيها ضحايا يقول بخيت إنها قلة قليلة لا يمكن أن تمثل أي انقسام لأن الانقسام يكون بين أعداد متعادلة أو متقاربة وليس بين أقلية وغالبية، والأغلبية من وجهة نظره هي تلك المؤيدة للفريق السيسي. وقال بخيت، ردا على سؤال حول طبيعة الصراعات التي تشهدها مصر منذ عقود دون حسم حول الهوية، إن كل ما وصفها ب"محاولات التدخل في هوية مصر" قد باءت بالفشل، منذ عهد الهكسوس والتتار والحكم العثماني والاحتلال الفرنسي والبريطاني. مضيفا أن الهوية المصرية ثابتة، وهي "أول وأكبر دولة في التاريخ، ولها موروث حضاري لا يمكن شرذمته". وذكر بخيت، في حديث آخر لمحطة "سي إن إن" الأمريكية حول المحور المخصص لبحث الاختلاف حول هوية مصر ضمن ملفات "حدث غدا" بالقول إن هوية مصر "تظهر في الشدائد، مثلما حدث في لحظة كان يظن بها العالم أنها انهارت، ففي 30 من يونيو 2013 نزل إلى الشوارع ما يقرب من نصف تعداد المصريين حتى لا تنتزع هويتهم، ما يؤكد أن أي جهة لا يمكنها تقسيم مصر أو إلغاء هويتها" ولكنه اعتبر أن ذلك قد يحدث بحال "ضعف القوات المسلحة." وعن موقع مصر بين العلمانية والدين ودورها القيادي في المنطقة قال بخيت: "مصر لم تكن يوما ما تبحث عن الزعامة، ولكن الكتلة الحيوية وموقعها الجغرافي وقدرتها على التأثير، كانت تنبع من القيم الحضارية والدينية الوسطية كونها بلد الأزهر الشريف، فهي مؤثرة بطبيعة عمقها الحضاري والضارب في جذور المنطقة وتاريخها." وتابع بخيت قائلا إن مصر "كانت على مر العصور دولة دينية وسطية، حيث لم يفارق الدين شعبها أبدا، منذ مبدأ التوحيد بعهد الفراعنة، وحتى بعهد الديانة اليهودية والمسيحية التي مرت على مصر حتى الفتح الإسلامي لها دون عنف أو تطرف". [email protected]