ما خلفية كل هذا التحامل الجزائري الرسمي على المغرب و الذي بلغ مستويات غير مسبوقة في علاقات البلدين منذ تداعيات حرب الرمال ؟ في أقل من شهرين تواترت التصريحات النارية لشخصيات مرموقة في هرم السلطة الجزائري هاجسها المشترك هو صب المزيد من الوقود في أتون الحرب الاعلامية الدائرة منذ سنوات بين البلدين الجارين و التي تطورت في الآونة الأخيرة الى سلسلة إتهامات خطيرة و غير محسوبة العواقب في نسق هش و بالغ الحساسية ظل يرهن طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين ظاهرها يشي بأماني الوفاق و التعاون في حين أن باطنها ينطوي على سيل من الضربات الغادرة تحت الحزام . نهاية الأسبوع اغتنم الوزير الأول الجزائري مناسبة زيارة له للغرب الجزائري و لأقرب المدن الى الشريط الحدودي المشترك مع المغرب ليوجه إتهامات خطيرة للمملكة المغربية و يطلق بالدارجة العامية صرخة تجاه الرباط تحمل العديد من الدلالات العدائية . عبد المالك سلال و بلغة إتهام مباشر و تهديد مبطن خاطب الحكومة المغربية بعبارة "شدوا مخدراتكم علينا.. يهديكم ربي" و إسترسل في مهمة محسومة و مقصودة لتدبيج صك إتهام خطير و جاهز في حق المغاربة مفاده أن المملكة تعرض أمن المنطقة للخطر عبر السماح بتدفق مئات الأطنان من المخدرات من أراضيها للجزائر، والتي قال إنها تستخدم في تمويل ما سماها "الجماعات الإرهابية". و كشف في سياق خطابه التصعيدي و المتحامل أنه شخصيا أبلغ السلطة العليا في تونس، بنتائج تحقيقات امنية متوفرة لدى السلطات الجزائرية، خلصت الى أن أموال المخدرات المغربية تمول المجموعات الإرهابية ومنها الجماعة الإرهابية التي تنشط بجبال الشعانبي على خط الحدود بين الجزائر و تونس . سياق توريط الرباط في حرب مخدرات مخطط لها مسبقا ضد المغرب ليس الأول من نوعه في مسار خطوات النظام الجزائري جر الرباط الى جبهات مواجهة موازية للحرب الديبلوماسية المشتعلة بين البلدين حول ملف الصحراء فقبل أيام فقط صرح رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لحماية وترقية حقوق الانسان الجهاز الحقوقي الرسمي بالجزائر أن المخدرات المغربية أصبحت بمثابة سلاح دمار لاستهداف الجزائر وشعبها . وخلص السيد فاروق قسنطيني ضمن معالم المخطط الجزائري الرسمي لجبهة حرب الاستنزاف الجدبدة تجاه المملكة الى أن "الأصوات التي تنادي باعادة فتح الحدود البرية بين الجزائر والمغرب هي أصوات تدعو لفتح طريق سريع نحو حقول القنب الهندي المتواجدة بالأراضي المغربية". موازاة مع تنفيد مقررات الخطوة الجديدة التي كانت العلم قبل شهرين سباقة الى التنبؤ ببوادرها الأولى دشنت قبل أيام صحيفة جزائرية محسوبة على جنرالات الجزائر حملة إعلامية ممنهجة و خطيرة تعكس أغراضا و أهدافا بالغة الحساسية ضد المغرب و تحمل إتهامات بالغة الخطورة حين إتهمت صحيفة الفجر على لسان مصدر موثوق لم تكشف عن هويته مباشرة المخابرات المغربية بإنشاء و تجنيد خلايا قتالية إرهابية متمركزة بليبيا لاستهداف مصالح و أهداف بدول المنطقة . مسلسل الاتهامات الجريئة تجاه المملكة يعكس في واقع الأمر ردة فعل إنتحارية لنظام الجزائر الذي إكتشف أن مناوراته لتسويد الوجه الحقوقي للمملكة في ملف النزاع بالصحراء لم تؤتي ثمارها المرجوة و تأكد المجتمع الدولي بأن مزاعم الحياد الذي تبديه الجزائر في ملف النزاع هو تمويه رسمي خادع فبادر نفس النظام الى خطة بديلة لتوظيف ورقة المخدرات و توريط المغرب رسميا كطرف مباشر فيها و تدويل الملف عبر الزع بعلاقة تجارة المخدرات بحالة اللاأمن التي تسود دولا فاعلة بالمغرب العربي كتونس و ليبيا . على إفتراض أن حكومة السيد سلال مقتنعة الى هذه الدرجة أن المملكة توظف المخدرات لضرب إستقرار المنطقة فلماذا كانت توظفطيلة سنوات مضت نفس الورقة في علاقاتها الثنائية مع المملكة و تضعها من ضمن الشروط القبلية لفتح الحدود البرية المغلقة بين البلدين و لماذا تصر بسبق عمد اليوم على تدويل الملف و ربطه بما يقع في دول المنطقة و الحال أن المسؤولين الجزائريين نفسهم ظلوا لسنوات يسوقون قدرة جيشهم على مراقبة و ضبط الحدود و هل تنتظر اليوم فقط الجزائر من المغرب أن يحمي و يؤمن حدودها الممتدة لأزيد من 900 كلم و الحال أنها ترفض بالمرة و بسبق إصرار أن يظل نفس الشريط الحدودي مسرحا لعمليات التهريب العابرة للحدود و التي يتضرر منها المغرب أكثر من الجزائر . ثم ما سر تزامن الغضبة المدوية للسيد سلال مع نية المملكة مد سياج أمني لوقف تدفق قوافل المهاجرين الأفارقة تجاه التراب المغربي و كيف للنظام الجزائري أن يقدم نفسه كضحية لشبكات تهريب المخدرات ، مع العلم أن إعلامه الرسمي ما ينفك يتحدث يوميا عن ضبط عشرات أطنان الحشيش المهرب دون أن يكشف و لو مرة واحدة عن هوية و جنسية المهربين و كأن أطنان الحشيش المتدفق على التراب الجزائري تملك أرجلا تمكنها من التنقل بسلالسة عبر طرفي الشريط الجدودي و في غفلة من فرق الجيش الجزائري التي تؤمن نفس الشريط في حين أن عشرت آلاف علب القرقوبي و معها عشرات آلاف المهاجرين الأفارقة السريين يعبرون بدورهم دون رقيب أو حسيب الى الطرف الآخر من الحدود . كيف يستسيغ رئيس الحكومة الجزائرية هذه المفارقة الصارخة في تدبيره للجوار المغربي و هل سيمتلك النظام الجزائري ما يكفي من الشجاعة و الجرأة ليقتنع بتعامله المصلحي و الذاتي المغرق في الأنانية و الحسابات السياسوية الضيقة في تبرير مواقفه العدائية و المسترسلة تجاه المملكة . وهل ستقف حكومة السيد بن كيران عاجزة مرة أخرى بمبرر الأخوة التي لم يعد لها منطق عن الرد على الاتهامات الخطيرة التي يتفنن أركان النظام الجزائري في توجيهها الى الرباط بعد أن ثبت أن دعوات الهداية التي أطلقها رئيس حكومتنا تجاه حكام الجزائر قد إرتدت عليه و على المغاربة بدعوة غير مسبوقة أحالتنا جميعا الى مجرد حشاشين و مروجي مخدرات و عصابات لزرع الرعب و اللااستقرار في مجموع أقطار المغرب العربي .