في ساعة مبكرة من صباح يوم الأحد 24 نوفمبر 2013 أعلن في جنيف أن إيران والقوى العالمية الست توصلت إلى اتفاق تمهيدي للحد من برنامج إيران النووي مقابل تخفيف محدود في العقوبات. وأكد الرئيس الأميركي باراك أوباما أن الاتفاق المؤقت يقطع الطريق على إيران لصنع قنبلة نووية، فيما قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري "سنبقي أعيننا مفتوحة". ورحب مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي والرئيس الإيراني حسن روحاني بالاتفاق، والذي يقبل بحسب قولهما مبدأ حق إيران في تخصيب اليورانيوم، واعتبرا أن العقوبات المفروضة على طهران بدأت تتصدع. روسيا قدرت أن الاتفاق يشكل "اختراقا"، وقالت فرنسا إنه "خطوة في الاتجاه الصحيح"، وأكدت بريطانيا أنه جيد، وقالت الصين إنه سيساهم في صنع السلام في المنطقة، كما رحبت ألمانيا بالاتفاق. في المنطقة العربية وخارج أطار المرحبين تراوحت ردود الفعل الأولى بين الرفض والتشكك خاصة وأن بعض دول الخليج العربي قدرت أن الاتفاق يبلور مخاوفها من وجود صفقة تقاسم للنفوذ في المنطقة بين الولايات المتحدة وإيران تكون على حساب الأقطار العربية. إسرائيل اعتبرت الإتفاق خطأ كبيرا، البعض فسر هذا الموقف بخوف تل أبيب من إنحسار وزنها في معادلات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وإعادة لدور إيران الذي كانت تلعبه في عهد الشاه رضا بهلوي كشرطي واشنطن في الخليج العربي، وهو ما يعني تقسيم "الكعكة" بين ثلاثة أطراف بدل إثنين فقط. عدد من المحللين أكدوا أنه رغم علائم الامتعاض والاستنكار التي أبدتها إسرائيل، فالحقيقة الدامغة هي أن الغرب حصل على ما يريده، وإسرائيل، بالاستتباع، ستنال حصتها من الاتفاق، وستكون راضية بالنتيجة النهائية. تم الإعلان عن التوصل للاتفاق بعد مفاوضات استمرت أربعة أيام في جنيف بين إيران ومجموعة "5+1"، وصفت بالصعبة، لكنها أفضت إلى اتفاق قدر بعض المحللين أنه ينهي أزمة استمرت عشر سنوات في حين قدر آخرون أن هناك مشاكل قادمة ومساومات كثيرة ستجري. وتلت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون محاطة بجميع الوزراء الذين شاركوا في المفاوضات في مقر الأمم المتحدة في جنيف بيانا مشتركا يعلن التوصل إلى "اتفاق حول خطة عمل". وفي إشارة إلى مضمون الاتفاق الذي تفاوتت التفسيرات بشأنه، اعتبرت أشتون "أنه من السوء دوما أخذ مسألة ومحاولة تحديد موقع لها بطريقة ما". وقالت"سعينا إلى الرد على مخاوف المجتمع الدولي والتحرك بشكل يحترم الحكومة والشعب الإيرانيين". الرئيس الأمريكي باراك أوباما قال في كلمة له في البيت الأبيض إن الاتفاق المؤقت سيساعد على منع إيران من الحصول على سلاح نووي، ويتيح مساحة للمفاوضات خلال الأشهر الستة المقبلة. وأوضح أن الاتفاق يقطع الطريق على إيران لصنع قنبلة نووية، وستمنع الصفقة إيران أيضا من استخدام المفاوضات كغطاء لها بينما تتقدم في برنامجها النووي. وأضاف أن بعضا من العقوبات سيتم تخفيفها ولكن معظمها ستبقى، كما يمكن أن تزيد في حال عدم التزام ايران بالاتفاق. وأكد أن الاتفاق خطوة أولى مهمة في اتجاه التوصل حل شامل للبرنامج النووي الإيراني. وأنه إذا لم تف إيران بالتزاماتها خلال ستة أشهر فان الولايات المتحدة ستوقف تخفيف العقوبات "وتصعد الضغط". وأضاف أن إيران لن تتمكن من استخدام الجيل المقبل من أجهزتها للطرد المركزي بموجب الاتفاق النووي. واعتبر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن "الاتفاق الشامل سيجعل العالم أكثر أمنا، وإسرائيل أكثر أمنا وشركاءنا في المنطقة أكثر أمنا". كذلك أكد أن "هذه الخطوة الأولى لا تنص على حق إيران في التخصيب، أيا كانت التفسيرات التي تم إعطاؤها".ودافع كيري عن الحل الانتقالي وقال إن بلاده مع شركائها "لم تكن ساذجة" في المفاوضات التي أجرتها مع إيران، مؤكدا في مقابلة مع محطة "سي إن إن" الأمريكية "نحن لا نختلق أوهاما لأنفسنا". وأوضح جون كيري أن "الاتفاق لا يعترف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم وإنما يعترف ببرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، حيث أن الاتفاق يوقف التطوير في برنامج إيران النووي بما في ذلك مفاعل آراك" بينما كشفت وثيقة أمريكية أن إيران ستلتزم بتحييد مخزونها من اليورانيوم المخصب بنحو عشرين بالمائة، كما ستلتزم بوقف التخصيب فوق نسبة خمسة بالمائة مقابل تخفيف محدود للعقوبات على إيران بما قيمته سبعة مليارات دولار في شكل تبادل تجاري" حسب مصدر في الخارجية الأمريكية. محادثات ثنائية سرية الرئيس الإيراني روحاني اختلف مع وزير الخارجية الأمريكي في تفسير الاتفاق حين قال في خطاب بثه التلفزيون الرسمي، أنه تم قبول حق تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، وأكد أن ألمحادثات بشأن "اتفاق شامل ستبدأ على الفور". وأضاف "نتيجة هذه المفاوضات هي أن القوى العالمية اعترفت بحقوق إيران النووية". وتابع "أقول للأمة إن أنشطة التخصيب ستتواصل كما في السابق في نطنز وفوردو وأصفهان". وقال أيضا إن نجاح المحادثات حتى الآن يرجع إلى إرشادات خامنئي. وأكد روحاني أيضا أن ""القوى الكبرى تعهدت برفع كل العقوبات بحلول نهاية المفاوضات، العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة وكذلك العقوبات الأمريكية والأوروبية". وحاول روحاني طمأنة الدول المجاورة لإيران لا سيما دول الخليج العربي القلقة إزاء تطور البرنامج النووي الإيراني، عبر تأكيده أن اتفاق جنيف يصب في "مصلحة دول المنطقة والسلام العالمي". رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي اعتبر أن الاتفاق "بداية لإنهاء الملف النووي"، مؤكداً أنه "لا يقيد النشاطات النووية الإيرانية بتاتا". وزاد: "التخصيب حق لإيران، سواء بنسبة 5 أو 100 في المئة". الشكوك بشأن وجود تفاهمات سرية بين طهرانوواشنطن تعززت عندما إعترف مسئول أمريكي كبير يوم الأحد في تصريح لوكالة رويترز إن الولايات المتحدة أجرت بعض المحادثات المباشرة مع النظراء الإيرانيين التي لم يعلن عنها في حينها خلال الأشهر القليلة الماضية. وأوضح المسئول طالبا عدم كشف هويته "أجرينا عددا ضئيلا من المحادثات الثنائية مع الإيرانيين بعد انتخاب الرئيس حسن روحاني في يونيو"، وأن هذه اللقاءات التي تضاف إلى اتصالات عبر الهاتف والرسائل بين روحاني ونظيره الأمريكي باراك أوباما، وكذلك المحادثات المباشرة بين وزيري خارجية البلدين محمد جواد ظريف وجون كيري منذ سبتمبر، لم يكن الهدف منها اختصار الطريق أمام مجموعة "5+1". الاعتراف الأمريكي جاء لتخفيف وقع البيانات التي نشرها قبل ذلك موقع "أل مونيتور" نقلاً عن مسئولين أمريكيين آخرين طلبوا عدم كشف هوياتهم، وذكروا أن الاتصالات تعود إلى يونيو 2013 وقد جرت تحت إشراف المسئول الثاني في وزارة الخارجية وليام بيرنز كبير المفاوضين الأمريكيين سابقا في الملف النووي الإيراني. ودافع المسئول الأمريكي عن هذا الإجراء بوصفه مفيدا للعملية وقال إن إسرائيل حليفة واشنطن ظلت على علم بالتفاصيل. مصادر رصد أوروبية ذكرت أن المحادثات السرية بدأت قبل إنتخاب روحاني بمدة طويلة وأن الكثير من التصريحات المدوية سواء الإيرانية أو الأمريكية في السنوات الأخيرة كان هدفها التغطية على محاولات التوصل إلى تفاهمات على قضايا تتجاوز الملف التووي. وكالة "أسوشييتد برس" أفادت أن واشنطنوطهران أجرتا منذ مارس 2013، محادثات سرية في سلطنة عمان ودول أخرى. وأشارت إلى خمس جلسات على الأقل، ضمت من الجانب الأمريكي وليام بيرنز مساعد وزير الخارجية، وجايك ساليفان، أبرز مستشاري نائب الرئيس جوزف بايدن للشؤون الخارجية. ولم يعرف ممثلو طهران. على عكس ما صرح به المسؤول الأمريكي السابق الذكر، ذكرت الوكالة إلى أن الولايات المتحدة أخفت هذه اللقاءات السرية عن اقرب حلفائها، بما في ذلك إسرائيل، ولم تبلغها بها سوى قبل شهرين. وأضافت أن أوباما أطلع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الأمر، خلال لقائهما في البيت الأبيض في 30 سبتمبر 2013. إذا كان الكشف عن المفاوضات السرية قد فتح الباب أمام إمكانية الكشف المبكر عن التفاهمات، فإنه أثار غضب ساسة طهران، وهكذا وفي محاولة لتخفيف الضرر نفى مصدر مطلع في وزارة الخارجية الإيرانية الأنباء التي اوردتها بعض وسائل الإعلام عن إجراء محادثات سرية. واکد المصدر انه مثلما أکد وزير الخارجية الايراني الدکتور محمد جواد ظريف قبل فترة فان اي محادثات بين ايران والولايات المتحدة لم تجر سوى حول القضايا النووية وفي اطار المفاوضات التي جرت بين الجمهورية الايرانية ومجموعة "5+1"، حسب وكالة الانباء الايرانية "إرنا". واضاف ان من الضروري ان تنتبه وسائل الاعلام لمثل هذه الفبرکات الاعلامية الخاطئة والغامضة والتي تؤثر على الاجواء الايجابية التي اوجدتها مفاوضات جنيف والاتفاق الحاصل بين الجانبين. ويقول المراقبون أنه في المفاوضات القادمة سيحاول كل طرف الدفع باتجاه ابرام اتفاق يتلاءم مع "الخطوط الحمراء" الخاصة به. لكن الجميع يعلم ان ذلك لن يكون ممكنا من دون تقديم تنازلات او بالأحرى تغيير حدود هذه "الخطوط الحمراء". وهو ما لمح به المسؤولون الإيرانيون والامريكيون أيضا. لكن السؤال المطروح هو ما حجم ونوع هذه التنازلات والمساومات وأسلوب تقاسم الغنائم؟ وهذا ما سيبحثه المتفاوضون مستقبلا على الأرجح، والشيطان يكمن في التفاصيل، كما يقال. سباق نووي نسبت وكالة "رويترز" يوم الأحد 24 نوفمبر إلى عبد الله العسكر، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي، قوله: "أخشى أن تتخلى إيران عن شيء في برنامجها النووي لتنال شيئاً آخر من القوى الكبرى على صعيد السياسة الإقليمية. أشعر بقلق في شأن إتاحة مساحة أكبر لإيران، أو إطلاق يدها أكثر في المنطقة". واعتبر أن "الحكومة الإيرانية أثبتت أن لديها أجندة قبيحة في المنطقة حيث لن ينام أحد مرتاحا في هذا الصدد ويفترض أن الأمور تسير بسلاسة"، وزاد: "سكان المنطقة يعرفون سياسات إيران وطموحاتها، ويعلمون أنها ستتدخل في سياسة دول كثيرة في المنطقة". وشدد العسكر على انه يعبر عن ارائه الشخصية. يذكر أن مراقبين أشاروا إلى حضور ملف الأزمة السورية في جنيف، على هامش المحادثات النووية، وتمثل في وجود المبعوث العربي الدولي الأخضر الإبراهيمي في العاصمة السويسرية، إلى جانب تأكيد مصادر إيرانية أن البحث عن "تسوية سورية" كان حاضرا خلال المناقشات النووية. وكان ملفتا "ترحيب" المعارضة الايرانية في الخارج "مجاهدي خلق" بالاتفاق، على رغم المواقف المتشددة التي تتخذها عادة ضد ساسة طهران. وعلق العسكر على إمكان امتلاك إيران سلاحا نوويا قائلا: "أعتقد بأن مصر وربما تركيا والسعودية وربما الإمارات، ستمضي قدما وتحصل على التكنولوجيا ذاتها. هذا سيفتح الباب على مصراعيه للتسلح" في المنطقة. وقد اعتبر مراقبون عديدون ان الاتفاق سيمهد لتغييرات اقليمية كبيرة بعد تطبيع علاقات ايران مع الغرب. وأشاروا إلى أن أحد العوامل الخطيرة المؤثرة على دول الضفة الغربية للخليج العربي والتي ستنتج عن الاتفاق على المدى المتوسط هو أن تمكن طهران من زيادة صادراتها النفطية بشكل كبير سيقود الأسعار في السوق الدولية إلى الإنخفاض بحوالي 20 دولارا في سعر برميل النفط، وهو ما يعادل خسارة 78 مليار دولار سنويا لعدد من دول مجلس التعاوم الخليجي وحدها. كل الخيارات متوفرة نشرت صحيفة "ذي تايمز" البريطانية مقالا كتبه المحللان روجر بويز ورولاند واتسون قالا فيه: "حذرت المملكة العربية السعودية بانها لن تقف مكتوفة الايدي اذا فشلت بريطانيا والولايات المتحدة والدول الأخرى في كبح مطامح برنامج ايران النووي. وقال الامير محمد بن نواف بن عبد العزيز، السفير السعودي في لندن، ان "كل الخيارات متوفرة"، ليزيد من حدة القلق الذي يمكن ان يجر دول الخليج خلال وقت قصير للاندفاع نحو سباق للتسلح النووي. وقد صدر هذا التحذير على لسان الامير محمد في لقاء نادر مع صحيفة "ذي تايمز" كشف عن الاحباط الذي تشعر به الرياض تجاه التصرفات الغربية ازاء القيادة الايرانية الجديدة. وقال الامير محمد انه "يصعب ادراك" السبب وراء "اندفاع" امريكا لاحتضان طهران في إطار تقييم جديد اوسع للسياسة الخارجية الامريكية في المنطقة. وذكر ايضا ان "سياسة الاسترضاء فشلت في الماضي، ولا اظن انها ستنجح في القرن الحادي والعشرين"، "وهذا هو السبب الحقيقي في ان الاحباط موجه في الحقيقة الى اللاعبين الرئيسيين داخل اروقة مجلس الامن الدولي، فتلك مسؤوليتهم، وهم يتقاسمون التوبيخ ايضا، ايا كانت الصفقة التي يتم التوصل اليها، فهم المسؤولون عنها". وقد تولت المملكة السعودية دورا بارزا بطريقة غير عادية في المنطقة. فهي تساعد في تمويل الحكومة المصرية وتزويد فئات من المعارضة السورية بالمال. غير ان المخاوف من ان يسمح لايران بانتاج قنبلة بطريقة او بأخرى هي مصدر القلق المهيمن في السعودية. وشدد السفير السعودي على ان الرياض ستدافع عن نفسها قائلا: "لن نجلس مكتوفي الايدي ونتلقى تهديدا هناك، ولا نفكر بجدية في افضل طريقة للدفاع عن بلادنا ومنطقتنا". غير ان السفير امتنع عن التعليق على انباء تفيد بان باكستان والسعودية تتعاونان في ميدان الاسلحة النووية. وكانت الحكومتان قد رفضتا الانباء القائلة أن باكستان تقوم بتخزين الأسلحة لصالح الرياض. وقال "دعونا نترك الأمر عند هذه النقطة، ان كل الخيارات متوفرة". ان القلق بشأن ايران، وما اذا كان اتفاق دولي سيقيد حقا خططها النووية، قد اعاد ترتيب اللعبة في الشرق الاوسط. وقال السفير: "المنطقة برمتها ستعاني من هذه الاسلحة. ما يحدث هو ان الجميع يتحدث عن ايران، ولكن اسرائيل عليها ان تثبت ان برنامجها برنامج سلمي، وهو ما نطلبه من الايرانيين". وقال ان المجتمع الدولي يجب ان يضغط على اسرائيل للتوقيع على معاهدة منع الانتشار، اي ان يطَبِق مبدأ مماثلاً على ايران واسرائيل. وإضاف: "ان فكرة ادخال هذه الاسلحة في المنطقة غير مقبولة لدينا ومبدأ الامن الكلي هذا هو حلم، اذا ليس هناك شيء كهذا. ان الأمن الكلي لبلد ما هو عدم الأمن لبلد آخر، هذا يجب ان يفهم". اتفاقية سايكس بيكو كتب الصحفي ديفيد إغناطيوس في مقال له بصحيفة "واشنطن بوست": في الوقت الذي سيختلف كل طرف حول تقدير الإنجاز فإن ما جرى لن يرضي بالضرورة البعض، إنه إن كانت هناك غمامة حرب فيجب أن تكون هناك غمامة سلام، حيث لا يكون المتفاوضون متأكدين من نتائج ما يفعلون، مشيرا إلى ان هناك الكثير من الغموض الذي احاط بمفاوضات جنيف. هناك خلافات حادة بين المراقبين حول المخاطر والمنافع التي سيجلبها هذا الخرق التاريخي بين إيران والغرب والذي لم يحدث منذ 34 عاما. ولفهم هذا يعود الكاتب إلى المفاوضات التي حددت مسار الشرق الأوسط أثناء الحرب العالمية الأولى بين سير مارك سايكس البريطاني ونظيره الفرنسي فرانسوا جورج بيكو. فبحسب ديفيد فرومكين في كتابه الشهير "سلام ينهي كل سلام" فقد تحدث سايكس عن لقاءاته الاستراتيجية مع لورد كيتشنر من اجل تحديد سياسته "لم اكن قادرا على فهم نفسي، ولم أكن أفهم ما كان يفكر فيه ولا هو يفهم ما كنت أفكر به". ويرى الكاتب إن الإتفاق الأمريكي مع إيران سيترك آثاره على الإنقسام السائد في المنطقة والذي قد يؤدي الى مواجهة دموية في الشرق الأوسط، ومن الصعب في الوقت الحالي التكهن بأثره. يذكر أن اتفاقية سايكس بيكو سازانوف تمت عام 1916، وكانت تفاهما سريا بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الامبراطورية العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى. تغير موازين القوى جاء في تحليل لوكالة رويترز يوم الأحد 24 نوفمبر 2013 ربما يؤدي الاتفاق الدولي المؤقت بخصوص البرنامج النووي الإيراني الى أن يميل ميزان القوى في الشرق الأوسط لصالح إيران بعد عامين من الاحداث العنيفة التي أضعفت الدول العربية الكبرى. وما من شك في أن الاتفاق على الحد من أنشطة تخصيب اليورانيوم الإيرانية وليس إلغاء تلك الأنشطة التي يقول الغرب أنها تهدف لصنع قنبلة سيكون له تداعيات تتجاوز مسألة الانتشار النووي في منطقة حيوية ومهمة لإمدادات النفط العالمية. ومن ثم فإن هذا الاتفاق يعني بالنسبة لبعض الدول الخليجية التي تعتبر طهران مصدرا للقلق في المنطقة أنهم فشلوا في إثناء واشنطن عن السير في طريق يخشون نهايته في ظل عدم ثقتهم في الجمهورية الإيرانية. ويقول معارضو الاتفاق إن إيران ستزداد ثراء وقوة بتخفيف العقوبات التي خنقت اقتصادها والإلغاء التدريجي لها الأمر الذي يشجع حكامها على تكثيف تدخلهم في الدول العربية. لكن من ناحية أخرى يقول مؤيدو الاتفاق إن التقارب بين قوتين ظلتا على خلاف لفترة طويلة جدا قد يساهم في إعادة الاستقرار إلى منطقة تعاني من الاضطرابات. ويبدو ان انعدام الثقة كان شعورا متبادلا بين الجانبين مثلما كان في الأزمة بين الغرب والاتحاد السوفيتي في أعقاب الحرب العالمية الثانية. فالعلاقات الرسمية مازالت مقطوعة بين الولايات المتحدة وإيران منذ عام 1980 بعد أن احتل طلاب إيرانيون السفارة الأمريكية في طهران واحتجزوا 52 دبلوماسيا رهينة احتجاجا على استقبال الولايات المتحدة للشاه السابق بعد الإطاحة به في الثورة الإيرانية. وبعد أن ضعفت دول عربية تمثل مراكز قوى تاريخية مثل مصر وسوريا والعراق بدا فتح صفحة جديدة مع إيران مكسبا مغريا للإدارة الأمريكية التي تسعى لتحقيق نجاح في سياستها الخارجية. ويقول بعض الخبراء إن الدول الخليجية ستحاول أن تضع استراتيجية دبلوماسية وأمنية مع الدول التي تتفق مع موقفها للحد من آثار تصاعد القوة الاقليمية لإيران وهو ما سيقود دولا مثل مصر والسعودية إلى السعي لإمتلاك قدرات نووية وأسلحة متقدمة تحول بين إيران والسيطرة على جزء كبير من دول المنطقة. وقد تسبب الكشف عن إجراء عدد من كبار المسؤولين الأمريكيين محادثات ثنائية سرية مع نظرائهم الإيرانيين في الأشهر الأخيرة في تأجيج مخاوف الحكام الخليجيين من استعداد واشنطن لإبرام اتفاق مع إيران من وراء ظهورهم. ويعتقد الكثير من الخليجيين أن الضرورات التجارية التي دفعت الولايات المتحدة إلى التعاون معهم على مدى عقود تشبه تلك التي تدفعها للتواصل مع طهران. وقال عبد اللطيف الملحم العميد السابق بالبحرية السعودية الذي يعمل حاليا معلقا في إحدى الصحف إن الولايات المتحدة يهمها مصالحها وإيران سوق مربحة والإيرانيين يحتاجون إلى إعادة بناء الكثير من البنى التحتية مما قد يدر مليارات الدولارات على شركات النفط الأمريكية والبريطانية. علاوة على ذلك ثار قلق بعض الدول الخليجية من أن يؤدي اعتماد الولايات المتحدة المتزايد على نفسها في مجال الطاقة بفضل مخزوناتها المحلية من النفط والغاز الصخري إلى جعل واشنطن أقل التزاما بحماية مضيق رأس مسندم "هرمز" الذي تمر منه 40 بالمئة من صادرات النفط العالمية المنقولة بحرا ومنحها إيران دور شرطي الغرب في المنطقة. وقال سامي الفرج المستشار الأمني لدى مجلس التعاون الخليجي إن الحكومات الخليجية ستعمل الآن على الصعيدين الدبلوماسي والأمني لضمان تمتعها بالحماية الكافية من تجدد وتوسع مجال أي طموحات إيرانية. وأشار إلى أن إبرام هذا الاتفاق أشعر الخليجيين بالتهميش إذ تجلس إيران على المائدة الرئيسية بينما يترك لهم الفتات. وأضاف إن دول الخليج العربي ستحشد دولا أخرى متضررة من هذه الخطوة في حملة موحدة. القدرة النووية في الوقت الذي كان فيه الأمر قد حسم عمليا بشأن اتفاق جنيف ذكر موقع "واللا" الإسرائيلى أن وزير الخارجية الإسرائيلى "افيجدور ليبرمان" حذر من أن المنطقة العربية ستشهد سباقا جنونيا للتسلح النووي. واعتبر ليبرمان أن مصر وتركيا والسعودية أول الدول التي ستطالب هي الأخرى بحقها في تخصيب اليورانيوم. منذ عزل الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو 2013 تتابع كل من تل أبيب وواشنطن بقلق بالغ إحياء سلطات القاهرة للبرامج النووية ومنها مشروع "الضبعة" الذي سيقام على مساحة 4 كيلومترات مربعة. زيادة على هذا المشروع صرح مسؤول بارز في وزارة الكهرباء المصرية، إن 7 شركات عالمية، أبدت استعدادها لإنشاء أول محطة نووية في مصر، لإنتاج الطاقة الكهربائية. وأضاف المسئول، في تصريح لوكالة الأناضول يوم الخميس 14 نوفمبر، إن "قائمة الشركات تضم روزاتوم الروسية، ووستنغهاوس الأمريكية، وكيبكو الكورية الجنوبية، واريفا الفرنسية، وهيتاشي وتوشيبا اليابانيتين وسي إن إن سي الصينية". وأوضح أن "الشركات السبع تنتج مفاعلات نووية بالقدرات التي حددتها مصر نفسها، والتي تتراوح بين 900 إلى 1650 ميغاوات للمحطة الواحدة". وتستهدف مصر إقامة 4 محطات نووية، لإنتاج الكهرباء ومن المقرر بدء تشغيل المحطة الأولى، بحلول العام 2020، والثانية بحلول 2022، والثالثة 2024، والرابعة 2026. وقال وكيل وزارة الكهرباء والطاقة المصرية أكثم أبو العلاء، إن "الحكومة ستطرح مطلع يناير 2014، مناقصة عالمية لإنشاء أول محطتين نوويتين لإنتاج الطاقة في مصر". صحيفة "يديعوت أحرونوت" وفي مراجعة واسعة للتطلعات النووية المصرية قالت في منتصف شهر نوفمبر: إن "الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة أدت إلى إعادة الروس للمنطقة، في الوقت الذي تعزز فيه موسكو قوة الأسد في سوريا وتبيع غواصات لمصر وتفتتح مفاعلات نووية بالمنطقة". وأضافت أن روسيا تحظى الآن بتأييد جارف ومتزايد في الشارع العربي، مضيفة في تقريرها أن سلسلة من الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية أدت إلى عودة الروس للشرق الأوسط، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن إلى أي درجة ستكون نتائج عودة موسكو للمنطقة؟". وأشارت إلى أن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك فكر في إنشاء مفاعل نووي جديد بمساعدة روسية، لكنه أرجأ الفكرة بعد كارثة تشيرنوبل عام 1986 والضغوط الأمريكية، ومؤخرا انتشرت أنباء عن أن جزءا كبيرا من المساعدات السعودية والإماراتية لمصر سيخصص لامتلاك سلاح حديث من روسيا، يشمل غواصات وطائرات حربية من طراز ميغ 29، كما أن القاهرة على وشك تجديد برنامجها النووي بدعم خليجي. قبل ذلك وبحوالي أسبوعين وتحت عنوان "أحلام مصر: التطلعات النووية لأرض النيل"، أفردت صحيفة "معاريف" العبرية يوم 3 نوفمبر مساحة كبيرة لتقرير أعده كل من محلل الشئون العسكرية "عامير رابوبورت" بالاشتراك مع الخبير العسكري الدكتور "رفائيل أوفيك" يتناول إخفاق مصر حتى الآن في امتلاك سلاح نووي رغم أنها بدأت المحاولات منذ وقت مبكر. وجاء في مستهل التقرير أنه في ضوء التقارير والتلميحات المصرية بإمكانية اللجوء إلى روسيا لتنويع مصادر السلاح، تجدر الإشارة إلى أن التطلعات النووية ولدت بمصر في عقد الخمسينيات من القرن الماضي، ولكن التوجه العسكري للسلاح النووي بدأ في البروز خلال عقد الستينيات تحت حكم جمال عبد الناصر، مشيرا إلى أن دخول مصر السباق النووي لم يكن مجرد رد فعل للبرنامج النووي الإسرائيلي، وإنما جاء أيضا كنتيجة لسياسات ناصر القائمة على فكرة العروبة، حيث اعتبر مصر الدولة الرائدة في الوطن العربي. وأشار إلى أنه في أعقاب تأسيس "هيئة الطاقة الذرية" في عام 1965، سجلت مصر تقدما واعدا في إقامة البنية التحتية النووية وتطوير البحث في هذا المجال، وأنجبت مصر علماء ذوي شهرة عالمية في هذا المجال، والذين اختاروا في وقت لاحق الاستمرار في المؤسسات البحثية الأمريكية لتحقيق طموحاتهم العلمية، ومن بينهم البروفسور محمد الوكيل، الذي تحتل كتبه في الهندسة النووية مكانة مرموقة في مكاتب الجامعات والبروفيسور زينب صبري. وأضاف أن بداية العمل تركز البرنامج في مفاعل أنشاص، الذي أقيم في عام 1858 ودخل حيز التشغيل في عام 1961، على بعد 40 كلم شمالي غرب مصر، وكذلك نشط البحث في عدة جامعات على رأسها القاهرة والأسكندرية. وأشار التقرير إلى أن مصر نشرت أنباء في يوليو 1962 حول تجربة صواريخ باليستية مصرية الصنع، والتي عرضت في عيد الثورة بالقاهرة، مشيرا إلى أن الصواريخ "الظافر" و"القاهر" و"رعد" كانت تهدف للوصول إلى مدى 370 كلم، و600 كلم و1500 كلم على التوالي. وتابع بأن الأنباء ترددت حول مشاركة علماء ألمان في إنتاج تلك الصواريخ وكان الرد الإسرائيلي الأول هو محاولة إحباط البرنامج المصري عبر القنوات السرية بواسطة الموساد وعن طريق اغتيال العلماء المصريين والألمان، وهي العملية التي سميت باسم "ديموكلاس"، ولكن اعتقال مندوبين للموساد في سويسرا في مارس 1963 دفع حكومة إسرائيل لكشفت تلك القضية، ومن ثم قررت حكومة ألمانيا الغربية إنهاء دورها في البرنامج المصري، وهو ما أدى إلى انتهائه. وأضاف أنه في الفترة بين 1960 وسنة 1967 بذلت مصر جهودا مكثفة للحصول على سلاح نووي، حيث لجأت إلى عدة دول هي الاتحاد السوفيتي، والصين والهند، مشيرا إلى ظهور شخصية بارزة في مجال البرنامج النووي في تلك الفترة وهو العقيد المصري صلاح هدايت أحد المقربين من حركة "الضباط الأحرار". وأشار إلى أن مصر حظيت في عام 1964 على مساعدة من الاتحاد السوفيتي لإقامة شعبة إشعاع كيميائي في أنشاص، وكذلك معامل لمعالجة الوقود المنعكس، وفي عام 1965 طرحت الحكومة المصرية مناقصة لإقامة مفاعل نووي لإنتاج الكهرباء قوته 150 ميغاوات والذي يستخدم أيضاً لتحلية المياه، في منطقة برج العرب على ساحل البحر المتوسط، على بعد نحو 45 كم جنوبي غرب الأسكندرية. وأردف التقرير بأن هزيمة الجيش المصري وفقدان شبه جزيرة سيناء في عام 1967 قلبت الموازين بمصر، حيث لم تسمح وضعية الاقتصاد المصري الصعبة بعد حرب الأيام الستة لمصر بمواصلة تطوير البرنامج النووي، ناهيك عن فقدان عائدات قناة لسويس وعائدات آبار البترول في أبو رديس وراس سدر. وزعم الموقع أن هدايت رغم ذلك واصل برامجه النووية على أمل تطوير بنية تحتية لإنتاج مواد انشطارية، مشيراً إلى أنه عمل بدون تبعية للقطاع النووي المؤسسي المصري في إطار هيئة الطاقة الذرية، وأقام في عام 1965 شركة Design Consultant Association) DCA) التي مولتها الحكومة المصرية وضمت العديد من الخبراء في مجال الهندسة النووية. في عام 1970 عرضت الشركة برنامج لإقامة "مفاعل نووي ثنائي الاستخدام من أجل تحلية المياه" بطاقة 40 ميغاوات بالقرب من الأسكندرية، وقد وعد الزعيم الليبي معمر القذافي بدعم المشروع مالياً، إلا أنه أوقف الدعم بعد فترة لأنه أراد نتائج سريعة في حين لم يستطع هدايت العمل بالسرعة المطلوبة. وبالنسبة لعصر مبارك، شهد العقد الأول من ولايته إعادة طرح تطوير البرنامج النووي، وكانت الشخصية المهيمنة في هذا المجال هي المشير عبد الحليم أبو غزالة الذي عينه السادات في مارس 1981 وزيراً للدفاع والإنتاج الحربي، وقد اقترحه البعض مرشحا لهم في الانتخابات الرئاسية 2005 لكنه رفض العرض، وكان معروفا بمعارضته الشديدة لاتفاق السلام مع إسرائيل ووصفها بالعدوة الأولى والوحيدة لمصر. وأشار التقرير إلى أن هناك قضية خطيرة نسبت لأبو غزالة حول مشروع "بدر 2000"، وهو المشروع المشترك بين مصر والعراق والأرجنتين بدء من العام 1982 لتخطيط صاروخ باليستي ثنائي المراحل يتم تزويده بوقود ثقيل ومداه نحو 1000 كم، حيث تم شراء تكنولوجيا تطوير الصاروخ من الشركة الألمانية lkow-Blohm) MBB Messerschmitt-B) كما تم شراء مواد أخرى لمنظومة الصاروخ من الولايات المتحدة بواسطة مهندس الصواريخ الأمريكي ذو الأصول المصرية "عبد القادر حلمي"، إلا أن السلطات الأمريكية اعتقلت حلمي أثناء شحن الحمولة على طائرة نقل عسكرية مصرية وحكم عليه بالسجن لمدة 46 شهراً وغرامة 350 ألف دولار. وأردف التقرير أن مصر وقعت في مواجهة أخرى في فبراير 2005 في أعقاب تقرير وكالة الطاقة الذرية، والذي أفاد أن مصر أجرت في أنشاص تجارب نووية مختلفة لفصل البلوتنيوم، كما امتنعت مصر عن إبلاغ الوكالة بشراء تركيبات يورانيوم مختلفة ومعالجتها ولم تنقل للوكالة وثائق تخطيط بعض المنشآت النووية، ناهيك أن مراقبي وكالة الطاقة الذرية الذين أجروا تفتيشاً بين عامي 2008-2009 في محيط مركز أنشاص عثروا على جزئيات يورانيوم مخصب بنسبة عالية. ورجح التقرير أنه من المحتمل أن تكون تلك الجزيئات قد وصلت لمصر على متن حاويات لنقل النظائر الإشعاعية، مشيرا إلى أن اعمال العنف التي عرفتها مصر سنة 2011 أدت إلى حالة من الفوضى، بما في ذلك الاعتداء على موقع الطاقة النووية بالضبعة في فبراير 2012 بواسطة 3000 بدوي من القبائل المقيمة بالقرب من الموقع بالتعاون مع قوى أخرى. الآن مرة أخرى ترى تل أبيب أن التهديد بنزع إحتكارها للقدرة النووية يتجدد. [email protected]