قال فيصل الكعبي الحقوقي والسياسي التونسي إن التحالفات السياسية في تونس لم تبن على الأسئلة الأساسية والرئيسية التي يطرحها الشارع، وتبقى تحالفات حزبية للوصول إلى السلطة أكثر منها تحالفات للخروج من المأزق الموجود في المجتمع، وهي ليست تحالفات على مشاريع، بل هي تحالفات للتعداد الكراسي، وأضاف الكعبي أن تونس دخلت في متاهات المديونية التي قد ترتفع، والدينار الذي تعوم والتضخم المالي الذي يزداد، ونضوب تصورات للتنمية الاقتصادية، واللجوء إلى المديونية وصندوق النقد الدولي وشروطه، موضحا أن كل هذا التذبذب والاختيارات الغير الموفقة تعمق الأزمة ولا تجيب عنها. تفاصيل أخرى عن الربيع الديموقراطي والتحولات في تونس ومصر وعن المغرب في هذا الحوار. مرحبا بالأستاذ فيصل الكعبي في جريدة «العلم»، نبدأ حوارنا معكم، بسؤال حول الثورة في تونس، الثورة التي استطاعت فعلا تغيير وجه الوضع السياسي في هذا البلد، ماهي ملاحظاتكم بخصوص ما يتميز به الوضع السياسي الحالي في تونس؟ الجماهير التونسية خرجت يوم 17 دجنبر إلى حدود 14 يناير 2011 لإسقاط نظام، وخرج الطاغية وغادر تونس، والجماهير بحسها ووعيها فتحت الباب للأحزاب السياسية على أن تأتي للتعبير عن إرادتها من خلال الحكم، للأسف لم تتأن قادة الأحزاب الذين لم يشاركوا في هذه الثورة، ولم تتوقف القيادات عن العمل السياسي خاصة من المعارضة والأحزاب التي كانت في المنفى والسجون، لم يتأنوا قليلا للتمحص والتمعن في إرادات هذا الشعب التي عبر عنها أثناء الخروج، وظنوا أنها مسألة انقلابية والوصول إلى السلطة أصبح متاحا، وانطلقوا في تهيئة الظروف للانتخابات، يعجل بها ليصل بعضهم إلى السلطة قبل أن يتفقوا على كيف يحكمون هذا المسار، أو كيف يحكمون هذا الشعب، من خلال طموحات من غير برامج ، وهذا هو الخطأ الذي وقع في تونس كما في مصر، لأنه تم الإسراع بالانتخابات والوصول إلى السلطة من غير برامج، ومن غير إمكانيات لتلبية طموحات الشارع في الكرامة والحرية وفي التشغيل، ثم يبررون اليوم عجزهم بضعف الإمكانيات، والفرصة ليست كاملة لتنفيذ ما يريدون تنفيذه، وكل هذه المبررات لا يقتنع بها الشارع. نبقى في الوضع الجديد في تونس الذي أعطى تحالفات سياسية ما بين قوى متناقضة إيديولوجيا، في نظركم، هل هذه التحالفات طبيعية ؟ هذه التحالفات للأسف لم تبن على الأسئلة الأساسية والرئيسية التي يطرحها الشارع، وتبقى تحالفات حزبية للوصول إلى السلطة أكثر منها تحالفات للخروج من المأزق الموجود في مجتمعنا، هي ليست تحالفات على مشاريع، بل هي تحالفات للتعداد الكراسي، للحكم، وأقولها مرة أخرى، إن السؤال الأساسي ليس من يحكم تونس اليوم أو غدا، وإنما كيف يحكم تونس. الكيفية ليست مطروحة في تحالفات الشارع السياسي، هناك صراع للأسف يطفو على الساحة ثم يخفت، وهو صراع أبدي منذ القرن 19 بين هل هناك مجتمع حداثي مع الأخذ بعين الاعتبار مقومات حضارتنا العربية الإسلامية؟ هل نحن العرب المسلمون صناع حضارة وصناع حقوق إنسان، وصناع مستقبل نفيد به الإنسانية بكاملها أم نحن عقيمون كما يدعي بعض العلمانيين وبعض اليسار، لكي تتقدم يجب أن ننبذ كل ما هو مقومات عربية إسلامية؟. * ماهي الأسئلة الكبرى التي ذكرت والتي طرحها الواقع التونسي ولم يجد لها السياسيون في تونس أجوبة؟ الأسئلة الكبرى هي حول الحرية العامة، حول الهوية وموضوع الهوية يطرح للأسف من منطقين خاطئين، إما منطق متطرف كما يطرحها بعض السلفيين، وبشكل متطرف ينفي كل الأدوات الحداثة، أو يطرح بمنطق بعض القومين الذين يطرحون الهوية العربية، نافين كل أدوات الحداثة أو علمانيين يطرحون الحداثة وقاطعين مع كل موروث حضاري عربي إسلامي. إذن قضية الهوية وتحديد الهوية وديناميكية هذه الهوية هي السؤال الأكبر. والسؤال الثاني المطروح والذي يشغل العالم بأكمله، ويجب أن نجتهد في إيجاد أجوبة له، هو: ما هو النمط الاقتصادي الأمثل لتعايش الإنسانية على الأرض؟ عندما نعرف المضاربة المالية الموجودة في العالم، وعندما تعرف استنزاف الثروات الطبيعية في العالم، وعندما نعرف نسبة التلوث الموجودة في العالم، فإننا آنذاك سنكون أمام سؤال وجودي، ومصيري، كيف نبني نمط اقتصاديا بلبي احتياجات المواطنين ويستجيب للعدالة الاجتماعية وإعطاء حقوق المهمشين في مجتمعنا ولا نستنزف الأرض ونحافظ على البيئة، ونبني تطورا اقتصاديا، هذه أسئلة مصيرية في حياتنا ولا نجد لها فضاءات للتفكير فيها. ما رأيك في من يقول إن الثورات التي عرفتها بعض البلدان، خاصة في شمال إفريقيا، سُرقت من أصحابها؟ الشارع اليوم يتغنى في واد والسلطة تتغنى في واد ثان، والدليل على ذلك تذبذبها وتذبذب تحالفاتها التي تتغير يوما بعد يوم، الدليل أنهم في أزمة حكم كبيرة، لأنهم لما انبروا إلى الحكم في ظل فراغ تجاربهم وفراغ تصوراتهم للسلطة، أخذوا نمط الحكم السابق في الاقتصاد، واليوم تونس دخلت في متاهات المديونية التي قد ترتفع، الدينار الذي يعوم والتضخم المالي الذي يزداد، ونضوب تصورات للتنمية الاقتصادية، واللجوء إلى المديونية وصندوق النقد الدولي وشروطه، كل هذا التذبذب والاختيارات الغير الموفقة تعمق الأزمة ولا تجيب عنها. * أكدتم في إحدى محاضرتكم على أن الأزمة مازالت مستمرة والثورة كذلك، كيف؟ مستمرة لأن إرادة الشعب الذي صرخ بشعار »الشعب يريد إسقاط النظام«مازال مصرا على المواصلة، وعندما نقول النظام، فليس معنى ذلك السلطة وليس هرم هذه السلطة، ولكن النظام هو كل شبكة العلاقات والقوانين التي تحكم عقدا اجتماعيا معينا. الشعب مازال مصرا عبر الاحتجاج والانتفاضات وعبر الهاجس الذي مازال يحكم الناس، مازال مصرا على تثبيت هذه الإرادة، وهذه الإرادة سوف تثبت ذاتها بآليات متنوعة، وهذه إحدى الإرادات التي تجعل من الأزمة مستمرة إلا أن تأتي إجابات للشعب في إعادة الكرامة للإنسان العربي. * تحدثتم عن ما يسمى ب »الربيع العربي« أو »الربيع الديمقراطي« على أنه بدأ من المغرب، وأشرتم إلى هيئة الإنصاف والمصالحة، هل التجربة المغربية فيما يتعلق بالإصلاح أقنعتكم إلى هذا الحد؟ لنكون عادلين، كل التجارب الإنسانية لها إيجابيات ولها سلبيات، وكل التجارب الإنسانية لها نواقص، لكن لاننفي الإيجابي الموجود فيها، يجب أن نسطر الإيجابي، ونحاول ان نتلافى ما شابه من سلبيات، التجربة المغربية رائدة ونحييها لشجاعة من قاموا بها، وبكل إجلال أتكلم عن إرادة هذا الملك الشاب الذي حظي به المغرب، وتفتحه وتفاعله مع النفس المغربي ومطالب شباب 20 فبراير. أقول إن هذه القيادة منفتحة الأبصار وتتفاعل مع شبابها في تدرج تحكمه هي . وارد أن بعض الناس يعتقدون أن هذا المسار بطىء، ووارد أن بعض الناس يرون أن هذا المسار غير مكتمل، وان هناك شوائب، كل هذا وارد ومشروع، والمفيد أن أحكامنا ووجهة نظرنا نتبادلها بسلم اجتماعي. نعتبر أن هناك مسارا يجب أن نساهم فيه، وإذا كان لهذا المسار أن يتعجل فلنهيء الإمكانيات الكاملة واللازمة للتعجيل بهذا المسار، المفيد أن لن نكون أمام طريق مسدود، وإنما طريق مفتوح. في نظرك ماذا يميز التجربة المغربية عن باقي التجارب الأخرى، خاصة الدول التي عرفت أحداث التغيير؟ أقول، ما يميز التجربة المغربية هو هدوء هذا التحول، ولهذا ينسوه الناس عندما يتكلمون عن الربيع العربي، فإنهم ينسون المغرب، لان العملية الانتفالية التي عرفها، هادئة ورصينة، يمكن للتفاعلات أن تحدث تراكمات من غير الوقوع في أزمة خانقة كما وقع في تونس أو مصر. ما يميز المغرب هو وجود المؤسسة الملكية التي تعطي نسقا لهذا التحول وتعطي الطمأنينة للقوى المتفاعلة في المجتمع من غير أن تؤثر في اتجاه أو آخر، وإنما تفتح الآفاق وتطمئن. هذه المؤسسة بعراقتها التاريخية هي الضامن في اللاوعي الجماعي، وهي أحد عوامل الاستقرار التي تنفي القلق الوجودي، وعندما يخفت القلق نستطيع أن نبني بهدوء، ونبني برؤية ونبني على مسار طويل. اعتبر المؤسسة الملكية عامل من عوامل الاستقرار في المغرب وهو الضامن حتى مستقبليا للتحول الديمقراطي السليم والناجح. وبعض الأحزاب أيضا مثل حزب الاستقلال وأحزاب أخرى التي رافقت عملية التحول منذ فجر الاستقلال هي بحد ذاتها ضامن من ضمانات لتراكم التجارب في هذه الأحزاب، وتفاعل القيادات في هذه الأحزاب مع المتغيرات التي تجري حولها، هذه عوامل إثبات وعوامل تأطير التحول الإنساني في المغرب. نعود بكم إلى مسألة الهوية، هناك عنصر أساسي داخل هذه الهوية والذي هو الأمازيغية، المغرب خطا خطوات مهمة على هذا المستوى، ماذا عن الأمازيغية في تونس؟ مستوى الهوية لا يطرح في تونس بهذا المعنى، عربي وأمازيغي، هناك افتعال، وأعني ما أقول، من بعض القوى الخارجية لهذه المشكلة في تونس، العروبة في تونس ليست عنصرية ولكنها عروبة ثقافية، تحتوي الأخر وتحتوى المختلف، نحن نعتبر أنفسنا في تونس أمازيغ معربي اللسان، عروبتنا هي ثقافية وثقافتنا العربية إذا نتمسك بها لأننا متمسكون بديانتها الإسلامية، نريد أن نقرأ القرآن بالعربية ونفقه ما نقرأ، وليسنا محتاجين إلى ترجمات أجنبية لقراءة النص القرآني، وتمسكنا بالعربية هو تمسكنا بالاسلام، ومن هنا لا نضع تناقض بين الاسلام والعروبة، فالاسلام هو مرادف للعروبة. في المغرب، وهذا مشروع حتى في البلدان الأخرى هناك اختلاف عما حولها، وله الحق، علينا كطبقات مثقفة وكقوى حاكمة، أن نطمئن هذه الأقليات بمزيد من الحقوق والحريات، يجب أن نصل إلى فكرة المواطنة التي ترتفع عن كل هذه الاختلافات، فالوطن للجميع، ومستقبلنا نبنيه مع بعضنا البعض مع كل مكونات المجتمع، الاختلافات هي اجتهادات وإثراء وليست معيقة وهي إثراء لحراكنا ولفهمنا لإنسانيتنا. الصفات المشتركة حاليا بين الدول التي عرفت ثورات، هو صعود الاسلاميين إلى الحكم بما في ذلك المغرب، هل أنت مطمئن لهذا الوضع أم أنه لك تخوفات على ذلك؟ نحن كما قلت في مسار مازال مفتوحا، قدرة أي قوة داخل مجتمعنا على توظيف ما يحدث الآن من حراك لتثبيت مشروع مجتمعي هو المحدد، إذا تقاعس من هم حاملون لمشروع ديمقراطي مواطني، حقوقي ومتحرر، و حضاري نهضوي، إذا تقاعس هؤلاء، فسوف تنتصر هذه القوى الظلامية، أي كانت مسمياتها. نحن بناة مجتمع متحرر يكفل الحياة والحرية للجميع أي كان جنسه، أي كان لونه، أي كانت ثقافته، أي كان دينه، يجب أن نبني مجتمع المواطنة المتساوية، نحن بناة نهضة إنسانية، بمفاهيمها وقيمها الإنسانية، منفتحة، متأصلة في تراثها ومنفتحة متأصلة في تراثها ومنفتحة على كل تجارب العالم، قابلة للتعايش بين الجميع. لسنا قوى صدامية نحن قوى سلام، ومن يريد من خفافيش الظلام ،لأسباب إيديولوجية أو لأسباب جهل يقلق المجتمع أو أن ينفيه أو يضعه في الحقيقة المطلقة، فهؤلاء لن يكتب لهم الحياة لأنهم يسبحون ضد التيار، نحن نعبر عن إرادة الحياة وهم يعبرون عن إرادة الفناء. بطاقة فيصل الكعبي عالم نفس كلينكبي، وهو المؤسس والرئيس السابق لمركز الدراسات والأبحاث لعلم النفس الإنساني في باريس. والأمين العام السابق للجمعية العربية لحقوق الإنسان في باريس، والتي تشكل فرع للمنظمة العربية لحقوق الإنسان بالقاهرة، وهو أحد من صناع الثورة في تونس وأحد مؤسسي جمعية تونس الديمقراطية. واحد من مؤسسي حزب حركة الشعب في تونس الذي تأسس بعد الثورة وقد انسحب منه ودعمه من الخارج، وهو عضو حالي في المنتدى الإقليمي لرصد ومراقبة أماكن الاحتجاج في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.