سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بمشاركة العراق، المغرب، تونس ، ليبيا والجزائر: ندوة جريدة «الاتحاد الاشتراكي ببغداد: الثورات العربية، الانتكاسة وهيمنة الإسلاميين على الحراك في المغرب والمشرق
الإخوان المسلمون في مصر دخلوا الميدان في اليوم السادس للثورة ، وفي تونس لم يكن حزب النهضة هو المبادر لقيام العملية الثورية وجاء لا حقا، وفي ليبيا كانت ثورة الليبراليين قبل ظهور القاعدة، وفي المغرب وصل بنكيران الى الحكم بعدما صرح أنه ضد حركة 20 فبراير. { بديعة الراضي: ندوتنا التي ارتأينا أن نقيمها على أرض العراق ، بغداد تحديدا, حيث نتواجد بدعوة كريمة من الدولة العراقية لحضور «بغداد عاصمة للثقافة العربية» تتعلق بالمغرب العربي والتحديات الراهنة التي تطرح أسئلة حول ما يسمى بالربيع العربي والتطورات التي آل اليها الوضع ما بعد ذلك، مما يدعو الى تجديد السؤال بمنظور مغاير للطرح الذي ساد المرحلة بكثير من الاندفاع الذي فرضه الشارع العربي وما ساده انطلاقا من الدفاع عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وهو نفس الربيع الذي أصبح يدبر بإشكال أخرى لصالح القوى المحافظة.وسيكون معنا في هذا اللقاء مفكر وباحث اشتغل بكثير من الدقة على منطقة المغرب العربي بشكل استراتيجي، يعرف المنطقة ويعرف مسارها في انتقالها سواء الديمقراطي « المغرب تحديدا» أو في إزاحة حكامها « تونس و ليبيا «مع الاختلاف القائم، أو في الترقب الذي طبع سير الحراك في الجزائر وموريطانيا . وهو المفكر العراقي عبد الحسين شعبان الذي سيقربنا من العلاقة بين المشرق والمغرب في ظل هذا الحراك الذي يحتاج الى عناصر فكرية وثقافية لتحليله ووضعه في موقعه الاصلي بالبحث عن دوافعه ومسبباته إن الداخلية أو الخارجية، وقبل إعطائه الكلمة أود أن اذكر أن ممثل موريطانيا استعصى عليه الانتقال من فندق الرشيد الى فندق عشتار حيُث نتواجد , نظرا للظروف الأمنية الصعبة التي تمر بها بغداد. لهذا سنكون مغاربيين في طرحنا لنتحدث عن كل الساحات بدون استثناء رغبة في الكشف والمكاشفة عما يحدث اليوم في ظل ما يسمى الثورات العربية؟ والسؤال الموجه الى السيد عبد الحسين شعبان ننطلق فيه من كون الشعوب تحمست للثورة على حكامها، وحلمنا كلنا بالعدالة والحرية والكرامة وتوجهنا الى الشارع مطالبين بهذا الانتقال الديمقراطي ، وكل من بوابته في هذه المطالبة وفي ساحتنا حدثت ثورات أزاحت أنظمة دكتاتورية عن المنطقة وكان حلم الشباب أن يكون هناك مسار مختلف بدساتير تنسجم مع الكون الانساني والكونية الحقوقية والسياسية والثقافية والاجتماعية ، لكن يبدو أن الأمور تطورت بشكل مختلف في اتجاه التراجع بيد محافظة في كل الساحات مع نسبة في الاختلاف, ما هو تصوركم من منطلقكم البحثي والمعرفي في القراءات الإستراتيجية؟ د: عبد الحسين شعبان: أشكر السيدة بديعة الراضي بما نعرف عنها من تاريخها الإعلامي والمدني والسياسي المرتبط بقضايا العالم العربي منذ سنوات، ونشكر جريدة الاتحاد الاشتراكي على هذه الفرصة الاعلامية والسياسية التي تقودها أخت من المكتب السياسي لحزب ناضل طويلا من أجل المفاهيم التي أرادت التوارث العربية أن تكون شعارات عامة لها. أظن أن اللحظة الثورية حصلت في ساعة حرة، بإتحاد العوامل الموضوعية مع العوامل الذاتية عندما أقدم « بوعزيزي» على إحراق نفسه في سيدي بوزيد، وكانت هذه الحادثة أقرب الى الشرارة التي أشعلت السهل كله ، وكانت عبارة عن تواصل لنضالات التونسيين على مدى عقود من الزمان الى أن حانت اللحظة الثورية ، وهذه اللحظة الثورية لا تتكرر كل يوم، وعندما تحدث هذه اللحظة فهذا يعني أن ميزان القوى بدأ يميل من الحكام الى جانب المحكومين ،وان الخوف بدأ يتسلل من المحكومين الى الحكام .عند ذلك حدث التبدل في ميزان القوى و اضطر- بعد الأحداث والوقائع المعروفة- أن يهرب بنعلي وتبدأ مرحلة انتقالية من مراحل الثورة التونسية التي لم تكن تونسية فقط ،بل كانت ثورة عربية إفريقية وربما آسيوية وعالمية بامتياز كبير ، وهذا الحدث لا يمكن قراءته اليوم بدلائله الراهنة وإنما لابد أن يقرأ بعيون مستقبلية بعد 20 سنة أو أكثر . وإذا أردنا أن نقرأ الحدث بما هو قائم، أي بعين الصحفي - حسب ألبير كامو - وهو مؤرخ اللحظة سنقول أن البوعزيزي حرق نفسه في الزمن الفولاني، وبالمكان المعين، وذلك نتيجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، كما نتيجة الإهانة التي تعرض لها على يد الشرطية ..إلخ لكن هذا الوصف لا يعطي دلالات كافية لوحده، ولابد أن نقرأ الحدث بمنظار آخر. ولو افترضنا أن نقرأه بمنظار مؤرخين ، لابد من سياق لذلك ، نستحضر فيه ما قبله وما بعده، ولأننا مازلنا في عملية التفاعل داخل الحدث، فما بعده لم يحدث حتى الآن ، لذلك سيكون من المكر أن نقرأ بالعين التاريخية مثل هذا الحدث لأن التاريخ ماكر ومراوغ حسب هيكل . وإذا أردنا أن نقرأ الحدث قراءة حقوقية فيما يتعلق بالانتهاكات والتجاوزات والإساءات لمفهوم حقوق الإنسان وتاريخ الحكام والطغاة ، والإنسان هو الأصل على حد تعبير المفكر الإغريقي بروتوغوراس الذي يقول» الانسان هو الأصل فإن هذه القراءة غير كافية. قد يأتي هناك من يقول علينا أن نقرأ الحدث قراءة سوسيولوجية، وعلم السوسيولوجيا يحلل ، ولا يستشرف آفاقا مستقبلية ونحن مازلنا في إطار الحدث ولا يمكن أن نستشرف هذه الافاق، إذا أردنا أن نقرأ هذا الحدث من هذا المنطلق ومن منظور أوغيست كونت أو غيره من المفكرين السوسيولوجيين . دعوني أختصر الموضوع لأقول علينا أن نقرأ هذا الحدث من منظور فكري، أي نحن معنيون بالدلالة التي تعني أن الخوف انطلق من المحكومين إلى الحكام ، هذا من جانب. ومن جانب آخر أن اللحظة الثورية قد حانت وهي اتحاد للعوامل الموضوعية والذاتية كما أشرت ، ومن جانب ثالث دور الشباب في صيانة برنامج الثورة وأهدافها وقيادتها باعتبارهم وقود الثورات دائما, لكن هذه المرة كان الشباب هم جماجم الثورة ومخططوها. ورابعا أن هذه الثورات لم تكن إيديولوجيه فلا هي يسارية ماركسية ولاهي قومية عربية ولا هي دينية, بل هي ثورات عامة انطلقت من معاناة، فيها الجانب العفوي والتلقائي، وهو مهم في عملية تطوير المسار الثوري، والقضية الخامسة أن الشعارات التي رفعتها هذه الثورات هي شعارات موحدة» الحرية الكرامة الانسانية ومحاربة الفساد والعدالة الاجتماعية ولم تكن هناك شعارات فئوية أو طائفية أو طبقية أو غير ذلك، بل كانت شعارات ذات طبيعة عامة. ولم تكن هذه الشعارات بحاجة الى عصبة ثورية كما كنا نقول في الثورات السابقة، حيث كنا في حاجة الى ذلك لننظم و نعبئ ونحرض ونقود ، ولكن الشعب هذه المرة هو الذي نزل وقاد هذا الحدث ، وصحيح أن هناك قوى سياسية ومدنية شاركت ولعبت دورا هاما ولكن الشعب كان أكثر تقدما على هذه القوى السياسية والمدنية بدليل أن الإخوان المسلمين دخلوا الميدان في اليوم السادس للثورة في مصر، وفي تونس لم يكن حزب النهضة هو المبادر لقيام العملية الثورية وجاء لا حقا ، وهكذا تطورت الأمور لأن القضية فيها نوع جديد من العمل الثوري. وهناك شيء آخر أساسي أن هذه الثورات في زمن العولمة و لعب الإعلام دورا أساسيا فيها من الفايسبوك الى التويتر الى الهاتف النقال الى التلفزيون وكافة وسائل التواصل. و الاعلام كان محرضا ومعبئا ومنظما أحيانا ، وهذه الثورات لم تكن تحتاج الى أن تمارس عملا سريا لتعلن ساعة الصفر, بل كانت ساعة الصفر معروفة للجميع، وكنا ننتقل من خطوة الى أخرى عبر التلفزيون والانترنيت والنقال . و في السابق كانت الثورات تقاد إما من الأوكار السرية أو المنظمات السرية أو المساجد، وإذا بنا اليوم نستلم الإشارة من التلفزيون ومن وسائل الاتصالات الأخرى الواسعة وهذا كان عنصرا مهما وجديدا في علم الثورات. هناك أربعة تحديات رئيسية وأساسية واجهت هذه الثورات، أولا هذه الثورات لم تكتمل لأنها لا تأتي بضربة واحدة ، فالثورة مسار، ومن جانب ثان الثورة لا تولد مع الديمقراطية في يوم واحد، فبينهما مسافة شاسعة ونحن في بداية الثورة وفي مرحلة انتقالية فيها منعرجات، وصعود ونزول ، وقوى تريد أن تستحوذ على مقاليد الأمور بحكم تنظيمها القوي وارتباطاتها الدولية، وبحكم كذلك أن القوى الديمقراطية اليسارية الوطنية كانت مغيبة ومقموعة ، وهو قمع مختلف على كل قمع آخر. { بديعة الراضي : أين يتجلى هذا الإختلاف؟ إن القوى المحافظة لديها فرصة الاجتماع خمس مرات في اليوم والمكان بطبيعة الحال هو المساجد بعامل الدين ، عكس القوى الديمقراطية التي لم تكن لها مثل هذا الفرصة، ولهذا استطاعت هذه القوى المنظمة أن تستحوذ على الشارع بحكم المحافظة والتقاليد . شيء آخر هام أريد الإشارة إليه والمتعلق بالتحديات التي نواجهها حسب طرحكم في السؤال. فالتحدي الأول يتعلق بعلاقة الدين بالدولة، هل هي دولة دينية وأي نوع منها ، هل هي دولة بمنظور القرن الأول الهجري أم دولة بمنظور أننا في بداية القرن 21، فهناك أسئلة كثيرة تتعلق بكيفية تكييف الدين مع الدولة، فالدين حقيقة، وهناك اختلاف حول التدين ، لأن هذا الأخير أحيانا كذبة، والقرآن انتقد التدين، ليس فيما يتعلق بشؤون المشركين وإنما في الديانات الموحدة. فلقد انتقد القرآن التدين الكاذب والتدين الزائف والتدين الاستغلالي، فالدين حقيقة لكن الاختلاف يكمن حول التدين. والتحدي الثاني يتعلق بالسؤال حول السقف التوافقي للعلاقات مابين الأطراف والقوى السياسية وهذا الأمر يتعلق بالدساتير, وأظن أن كل البلدان ستواجه هذه المشكلة والمغرب حل القضية بتطوير دستوري ، للمرة الثانية خلال 15 سنة الأخيرة ، فالملك سبق الإرادة الشعبية أو توافق معها الى حدود معينة ، وهذا شيء إيجابي ممكن البناء عليه وتطويره . والتحدي الثالث يتعلق بسيادة القانون، وكيف يمكن التوافق على ذلك بنهاية الفوضى، ويتعلق الأمر كذلك بموضوع الأمن و الكرامة، وكيف يصبح الأمن في خط متواز مع خط الكرامة. والتحدي الرابع كيف سيتم تلبية وكفالة المطالب الشعبية الأساسية لاسيما المتعلقة بالفقر ,التعليم والصحة وبقضايا العدالة الاجتماعية وهذه قضايا هامة، سيدور الصراع اللاحق حولها. أعتقد أن هذه الثورات ستمتد لعشرين سنة قادمة بصعود ونزول وبمنعرجات وبمشاكل الى أن تستقر لاحقا, خصوصا إذا ما حصل تطور في موازين القوى داخلي برؤية التجربة الاسلامية على حقيقتها بما لها وما عليها ولكن برؤية وبمنظار يستشرف آفاق المستقبل. { بديعة الراضي: شكرا للأستاذ عبد المحسن شعبان، وفعلا الأرضية التي تقدمت بها كباحث في قضايا الراهن في المنطقة تدعونا بكثير من الدقة الى التفكير في ساحات الحراك المغاربية بالأساس وما تطرحه من أفق في تعميق السؤال حول هذه الثورة وهل حققت الانتقال المرجو, خصوصا وكما أشار الاستاذ شعبان إلى أن المسافة بين الثورة والديمقراطية هي مسافة للاشتغال بالدساتير والقوانين المصاحبة ، وعلى مستوى كذلك تفعيل الثقافة الديمقراطية والتربية عليها التي بالإمكان أن يكون التغيير فيها من بواية التعليم والتربية والحكامة الأمنية وحرية المعتقد لتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية والإنفتاح على المستقبل في إطار منظومة كونية يشكل فيها الإنسان قلب القضية في البناء والتغيير. وبشكل تسلسلي نمر الى الساحة التونسية تم نعطي الكلمة لممثل الساحة الليبية ويحضر معنا مجموعة من الإخوة من تونس على رأسهم محمد بدوي رئيس اتحاد كتاب تونس, فله الكلمة . محمد بدوي: أكيد أن الحديث عن هذا الموضوع يتطلب الكثير من الحفر والبحث،وأنا أتفق على العديد من الجوانب التي ذكرها الأستاذ شعبان ، ولكن هناك بعض الجوانب تحتاج الى نقاش. لأن الطابع التفاؤلي الذي جاء في كلمته صحيح، لكن أخشى أن يغطي هذا التفاؤل بعض الجوانب التي نعيشها من الداخل خاصة في تونس ومصر وربما سوريا أيضا.وعاشتها أيضا ليبيا التي من حسن حظها أنها عرفت كيف تفلت بفضل الانتخابات التي تمت وكذلك وعيها واستفادتها من التجربتين التونسية والمصرية. وبقدر الاعتزاز بالثورة التونسية والترحيب بكل ما تم- ولا تجد أحدا من الناس يرغب في عودة النظام السابق- ففي نفس الوقت هناك إحساس أن الثورة افتكت أو اغتصبت أو حادت عن مسارها.صحيح هي ثورة مختلفة عن سابقاتها وقد نكون نتعجل الفرح، و نريد للثورة أن تحقق مكاسبها وأحيانا يقال لنا أن الثورة الفرنسية بدأت ثورة وانتهت امبراطورية أولى وثانية ولم تستقر إلا بعد مائة سنة، ولكن أن ننتظر مائة سنة كي نصبح ديمقراطيين كفرنسا فذلك لا ينفع. إن هذا الكلام يقال لممارسة الاستبداد الجديد الذي يريد أن يحل محل الاستبداد السابق. إن الأمر يتعلق بلعبة وتحايل باسم الديمقراطية كالتصويت على القوائم والأفراد والنسب الى غير ذلك، كذلك توليد انفجار سياسي بعدما كانت الساحة مملوءة بالأحزاب « الكارتونية» فصار عندنا أكثر من مائة حزب ولكن عندما تجمعهم تجدهم ثلاثة أو أربعة اتجاهات ، أحزاب إسلامية ويسارية ثم وسطية ولكن التيار القومي فيها أحيانا مع اليسار وأحيانا مع الوسط، فهناك حيرة . وحتى الحركة القومية تضررت كثيرا مما حدث في سوريا والعراق وفي بلدان أخرى، فهناك إعادة نظر في تونس في كثير من المفاهيم، فهناك السلطة التي أثت بها الانتخابات- ولعبة الانتخابات معروفة- وحتى إن بدت ديمقراطية وشفافة لكن يمكن أن يلعب فيها بشكل غريب. وعندما تنظر الى حجم الأصوات التي حصدها رئيس الجمهورية فإنها لا تتعدى 7آلاف، صوت ونجح في قائمته بشيء من الإسعاف ، ومع هذا بالتحالف بين حزبه وحزب آخر يصبح رئيس بلد . كان من الممكن ألا تحكم النهضة في تونس لو تحالفت قوى المعارضة مع بعضها، لأن النهضة وحدها ليس لها 50 في المائة من الأصوات فحجم أصواتها 40 في المائة, لكن مشكلة الأحزاب الآن أنها مشتتة ولا تتفق مع بعضها ، وأنا لا أرى إمكانية مصالحة بينها . والجبهة الشعبية الآن والحركات الوسطية تعرف تصدعا، وهذا الأمر يمكن الحركات الإسلامية من أن تحتل المقعد وهي تتحالف مع بعض الأحزاب الأخرى، يسارية أو غيرها، ونحن نحتاج في المستقبل الى فعل يكمن في صياغة الدستور الذي ينبغي أن يصيغه خبراء في شهر أو شهرين. ولكن اليوم نحن في معدل سنة ونصف والدستور لم يصدر ، وحتى إن صدر فلن يكون حوله إجماع . وهناك مشاكل كثيرة, فالحراك الديمقراطي فيه صعوبات كثيرة ، تكمن فيه تحالفات ومن هو صديق اليوم قد يصبح منافس غدا وهذا يخرج بنا عن النمطية الأولى من أن الثورة انطلقت من البوعزيزي وبسيدي بوزيد وانتشرت في تونس ومصر الى آخره، وهذا يدل على انشقاق المجتمع العربي الى حركات دينية وأخرى حداثية. وما يحدث في تونس يحدث في مصر وفي مناطق أخرى. { بديعة الراضي: بدأت في الساحة التونسية ثورة الياسمين من أجل العدالة والديمقراطية والحرية وثورة الحداثة، فالمجتمع التونسي مجتمع حداثي بنسائه ورجاله وعلاقاته الإجتماعية وبقواه رغم تشتتها فإن مشروعها الفكري والثقافي واضح في الدعوة الصريحة الى بناء الدولة الحداثية، وقد كان المطلب الأول في تونس أيام بنعلي هو بناء دولة الحق والقانون ودولة الديمقراطية بتفعيل الاتفاقيات الدولية في إطار المنظومة الكونية. وتحولت هذه الثورة من ثورة الياسمين الى ثورة الدم وجسدها الاغتيال الجبان لأخينا شكري بلعيد. من هذا المنطلق نوجه السؤال الى الأخ شكري باعتباره من شباب الثورة الذين قادوها بكثير من الأمل في بناء الدولة الديمقراطية . شكري ميعادي: أنطلق من مسالة تحول ثورة الياسمين الى ثورة دماء، وآخذ كاستشهاد على ذلك اغتيال الراحل شكري بلعيد، أريد أن أنبه الى أمر معين لم نتناوله في حينه و هو أمر مهم جدا ، فطبعا كانت وسائل الأعلام باعتبارها السلطة السيادية اليوم أو هي سلطة أولى موازية لسلطة أولى ثانية، لأنها تدور في جبة المعارض، وفي نفس الوقت لازالت مرتبطة بصورة الأنظمة السابقة, فهي تلعب أكثر من دور حتى عنوان الاعلام الذي أصبح في المراحل الانتقالية مهم جدا، وهو طبعا يخدم مصالح مختلفة منها ما هي تجارية، وسياسية ومنها ماهو عمل ارتزاقي. ففي تونس هناك مرتزقة داخل الإعلام ويشكلون خطورة تقارب الخطورة العسكرية . وأعود لأني أريد أن أربط ذلك باغتيال شكري بلعيد ، فالإعلام يمارس نوعا من العنف. فأنا من الذين قهروا بالإعلام التونسي طيلة السنوات السابقة ولو عدت الى كتابي تجدين كل نصوصي تتحدث عن هذا الإعلام وعن حرية الإبداع، وأعتبر نفسي الى اليوم ما زلت مستعمرا، من طرف بعض وسائل الإعلام التي تزيف الحقيقة والواقع وتخدم مصالح ضيقة متضاربة مع مصلحة الوطن والمرحلة الانتقالية .إننا نحتاج الى إعلام وطني يعطي الأولوية للوطن. في اعتقادي إذا تحدثنا عن مستقبل هذه الثورات لا بد من تسليط الضوء على دور وسائل الاعلام, لأني أرى أن دور المثقف أصبح باهتا جدا أمام وسائل الاعلام. وأربط الأمر باغتيال الشهيد شكري بلعيد, فربما هناك أطراف متشددة من الجهتين في اليسار واليمين هي السبب, ولكن ما تسوقه وسائل الإعلام وهو موجه تحديدا الى طرف متشدد معين فيه نوع من الاستفزاز ، فهناك شباب عمره 16 سنة يشاهد التلفاز,عندما تأتي بشكري أو أي معارض آخر ويستفز هذا الشباب في عقر داره فسيحدث ذلك عنفا جديدا، وهناك عنف لفظي يقابله عنف إعلامي، لشباب طائش لا يقدر الأمور حد قدرها وربما لو عرفنا من هو قاتل شكري بلعيد وسألناه بعد سنتين سينتحر بعد عمليته السوداء هذه. { بديعة الراضي: نمر الى الساحة الليبية مع ممثل ساحتها في هذه الندوة الأستاذ فرج نجم، وأكيد أن الثورة الليبية جاءت من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحرية, وجاءت من أجل طي زمن من أجل آخر مغاير. إلا أن ما حدث في ليبيا بقدر ما تم فيها من نجاح توج بانتخابات قال عنها المتتبعون أنها نموذجية بانتصار التوجه الليبرالي ، انقلبت الأمور وبدأنا نرى في الساحة تشددا كبيرا يحمل لواءه المحافظون المتشددون تشم فيهم رائحة تيار القاعدة عن بعد, معززين بالسلاح المنتشر في الأزقة والدروب والبيوت ، ضاربين عرض الحائط كل الأصوات الحداثية المنفتحة والداعية الأصلية للثورة على النظام السابق من بنغازي الى مصراتة والزاوية وطرابلس وأماكن أخرى، مطالبين بالمجتمع الديمقراطي ضمن الثقافة الكونية. ونسألكم الأستاذ فرج ماذا حدث حتى ركب الإسلاميون المتشددون على الثورة وأصبحوا يشكلون مليشيات تهدد وحدة البلد وإستقراره في انقلاب ثان على ثورة 17 فبراير وأهدافها ؟ فرج نجم : لا ندعي أن الثورة الليبية ، هي ثورة ليبية محضة ولعلها تختلف عن جارتها بمشاركة آخرين معنا. فهذه الثورة لو لم يساهم فيها دول الجوار وخاصة تونس لما يسر لها هذا الأمر بسرعة، وأيضا مشاركة المجتمع الدولي وغطاءه لنا، وبالتالي حماية المدنيين. لكن أيضا الثورة الليبية أفرزت أمورا مختلفة عن الشقيقتين مصر وتونس, حيث أجرينا انتخابات سلسة حرة نزيهة بشهادة العالم ، وأنا وقد كنت من الهيأة الداعمة لهذه الانتخابات، وصممنا الانتخابات والإعلان الدستوري بأيادي ليبية والتنفيذ والإشراف كان ليبيا كذلك ، والإعلام الدولي شاهد على ذلك. وقد رأيتم كيف تراجعت القوى المحافظة أمام التيار الوطني أو التيار الشعبي الذي استلم زمام الأمر. نعم ليبيا لا تختلف عن دول الجوار, وهناك تيارات تتجاذبها ولكن أستطيع القول بأن الأمور قد استقرت في يد الشعب بدلالة أن الثورة الليبية ليست لها قيادة لا حزبية ولا نخبوية ولا جهوية ولا قيادية، والرجل الذي وضعناه كواجهة للعالم وهو مصطفى عبد الجليل الآن يحاكم في المحاكم الليبية، وبعض الناس منزعجين من ذلك ، ولكن هو راض ولعلها سابقة لتأسيس دولة القانون، لأنه لا يوجد أحد فوق القانون، وأنا شخصيا غير راض على محاكمة الرجل . يكتنف الثورة من حين لآخر بعض العنف, رأيناه في مقتل اللواء عبد الفتاح يونس في أوج الثورة والبعض خاف ولكن بمقتله تحللت الأمور، ودخل الشباب طرابلس ، ونهاية القدافي كانت ليس كما يتمناها البعض من الليبيين وإن كانت الأغلبية رأوا ذلك جزاء ،وأنا شخصيا بعد انتهاء نشوة النصر تمنيت لو حوكم محاكمة عادلة وأخذ جزاءه بدل القتل و التمثيل به، أمام عدسات كاميرات العالم، لأنها كانت لحظات وحشية، ولكنها عبرت عن نظام حكمه لمدة 42 سنة ، والآن لعل من نجاح الثورة الليبية ، الثورة الوحيدة التي استطاعت أن تلحق أركان النظام وأن تأتي بهم الى ليبيا كالبغدادي المحمودي وعبد الله السنوسي وأحمد قداف الدم ، في حين أن إخواننا في تونس لم يستطيعوا حتى الاقتراب من زين العابدين بالسعودية ، فنحن لدينا المال لكي نستقل بقرارنا ونسترد ما نريد, لكن أيضا الثوار الذين يلبسون «البدلات والكرفاط» ، كان لهم دور بارز أكثر من الثوار الذين يجلسون وراء الدبابات والرشاشات». ايضا ما ميز الثورة الليبية هو العنصر النسائي، وليس الرجال ، فالرجال خططوا للثورة على الفايسبوك يوم 17 لكن النساء خرجن يوم 15 وهن من فجر الثورة وخاصة نساء شهداء أبو سليم اللواتي كان لهن دور كبير جدا. أعتقد أن أكبر عوائق الثورة الليبية هي إدارة التوقعات, وأذكر أن الرئيس التونسي منصف المرزوقي جاء الى بنغازي وقال» يا جماعة يجب ان تتحكموا في أنفسكم ويجب أن تلغوا كلمة « توة» من قاموسكم « لأنه لا يمكن أن نحقق الديمقراطية بسرعة ولا الرفاهية ، وقال وأن النخلة لا يمكن أن تنتج الثمار بسرعة .وهذه إشكالية كبرى عندنا في ليبيا، لأن الشعب مستعجل. وتبقى هناك إشكاليات ثانوية , في نظري , هي جمع السلاح وإدارة الصراع السياسي ، لكن إجمالا ما يحدث في دول الجوار سيكون له تداعيات على ليبيا. ونحن نراقب عن كتب والقلوب بلغت الحناجر خاصة الاستقطاب الحاد الذي يوجد في تونس وأيضا الصراع على السلطة ما بين الإخوان المسلمين والمعارضة في مصر. ونحن الآن في ليبيا عددنا 6 ملايين وفي تناقص مستمر, في حين وصلت مصر 90 مليونا ، ولنا ثروات طائلة جدا ونريد أن نتقاسمها مع دول الجوار سواء بالعمل أو بالتعاقد ، ولهذا فنحن في حاجة الى تفكير استراتيجي جماعي ، لأن ما نحتاجه في الثورة الليبية أن ننطلق من المحلية الى الإقليمية وعلى الثورات العربية خاصة في تونس ومصر والشقيقة الجزائر والمغرب والسودان أن تفكر تفكيرا جماعيا. ولنا إشكالية النزوح من الجنوب الى الشمال, فنحن الآن في الجنوب الليبي، فلكل ليبي ثلاث أجانب أفارقة وهذا الرقم مرشح للصعود نحو عشرة نازحين من الجنوب وممكن أن تجرم في المحاكم الدولية إذا ما أرادوا الاستيلاء على خيراتها ، وبالتالي نحن في حاجة الى تفكير جماعي . فقادة ليبيا المنتخبين يعون جيدا أن لا حل ولا مفر إلا بالعمل الجماعي مع دول الجوار وأيضا مع الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط خصوصا مع أصدقائنا الأوروبيين يجب أن نجتمع على دائرة مستديرة حتى نحل مشاكلنا جميعا. { بديعة الراضي : طيب أستاذ فرج قبل أن نمر الى الجزائر في هذه الندوة, التي نريد من إخواننا الجزائريين أن يكونوا مساهمين فيها بنفس مغاربي, نظرا للقضايا العالقة والمصيرية التي تجمعنا كمغاربيين . ففي ليبيا ثلاثة ملفات عالقة ، الأولى تتعلق بالمصالحة مابين الليبيين أنفسهم باعتبارها أساسية ومهمة لوحدة البلد وطي صفحة وبداية صفحة جديدة في بناء الدولة، ثانيا المشروع الحزبي ,هل بالإمكان أن ينجح ذلك في ليبيا في إطار الثقافة القبائلية ، وثالثا كيف يمكن التعامل مع الاتفاقيات التي دخلت فيها ليبيا باسم الثوار مع الدول المساعدة على إزاحة النظام السابق . وعلى رأس هذه الاتفاقيات تلك التي وقعها السيد عبد الجليل مع دول مراكز القرار الدولي التي تنتظر رد الجميل وعلى رأس هؤلاء فرنسا وأمريكا، باعتباركم وقعتم على دفتر تحملات يلزمكم بذلك على الأقل أخلاقيا ؟ فرج نجم: أولا مصطفى عبد الجليل والحكومات الانتقالية لم توقع أية اتفاقية مع أي دولة ، والنفط كان يباع للدول الغربية في أيام النظام السابق, بل إن القدافي قد رهن لشركة أجنبية عقدا حتى سنة 2043، والنفط لن نشريه بل نبيعه لمن يشتريه، وأكبر دول تشتري ذلك هي إيطاليا بالدرجة الأولى ثم ألمانيا ثم بعدها سويسرا وبعد ذلك فرنسا. وبريطانيا وأمريكا في ذيل القائمة . نحن سنستمر في علاقاتنا بالندية ، والعقود ستكون شفافة كما ينبغي أن تكون وليس كما كانت في السابق بطريقة الأفضلية. فليبيا لن تعطي نفطا بالمجان فهذا لن يحدث أبدا, وإذا أردنا ذلك فسنعطي النفط بالمجان لتونس لأنهم يستحقون ذلك . أما ما يتعلق بالمشروع الحزبي فنحن في ليبيا لم نعرف تجربة حزبية أبدا منذ نشوء الدولة في ليبيا رغم اننا أول دولة استقلت في المغرب العربي سنة 1951 والملك إدريس منع الاحزاب السياسية وجاء القدافي وقال قولته الشهيرة» من تحزب خان» وهذه الجملة ظلت في العقلية الليبية. ولعل حزب الأخوان المسلمين يعانون من ذلك, حيث لا يجدون لهم صدى في الشارع الليبي، لكن يجب اليوم أن نرسخ فكرة الأحزاب ، وبالمناسبة أنا قلت للأخوة العراقيين إذا أردتم الخروج من الطائفية استأنسوا بالتجربة الليبية, لأننا أدخلنا المرأة دون كوطا وقلنا لكل قائمة ترشح رجل ثم امرأة ومن تم نكفل للأحزاب عددا متساويا من النساء في البرلمان وهذا ما حدث, فنسبة النساء في البرلمان الليبي أكثر منها في تونس و مصر، وقلت لهم أنتم العراقيين ضعوا سني ثم شيعي ثم كردي لكي تضعوا كل الأطياف في القائمة . لكن هذا لا يعني أننا متطورين في الحياة الحزبية فنحن مبتدئين مقارنة بالمغرب صاحبة التجربة الكبيرة أو الجزائر أو تونس أو مصر . فنحن متأخرين لكننا نراقب عن كتب لتجنب الأخطاء التي وقع فيها الإخوة في دول الجوار. أما قضية المصالحة فهي قضية شائكة بكل ما تعنيه الكلمة, وأنا شخصيا منغمس فيها وتوليت إدارة مشروع المصالحة برعاية الأممالمتحدة وزرت 12 منطقة في ليبيا وأغلب المناطق سهلة جدا باستثناء منطقتين مصراتة وتورغاء, حيث هناك انتهاك أعراض,ترتب عليه تهجير أغلب سكان تورغاء الى بنغازي وطرابلس للإعتداء الذي قاموا به على أهل مصراتة وهنا قضية عرقية كلون البشرة وأهل تورغاء يغلب عليهم الدم الإفريقي على خلاف دم بقية الليبيين وهو الدم العربي أو الأمازيغي. نحتاج الى وقت ولكن اليوم هناك هدوء ، لكن هناك 6 ملايين قطعة سلاح في البيوت الليبية وهذا الأمر هو بمثابة ردع، والليبي في هذه الحالة لا يستطيع الاعتداء على ليبي آخر لأن السلاح عند بعضهما ولكن هذا الأمر غير مثالي ، نحن نحتاج الى إخواننا في دول الجوار أن يساعدوننا في حل هذه الاشكالية ولهذا سنرحب بكل من يأتي ويساعدنا خصوصا في التعامل مع المغتصبات, لأنها قضية حساسة لا نستطيع التحدث عنها علنا. وهي حجرعثرة للحمة الوطنية وإن كانت على شكل ضيق, لكن بصفة عامة البلد يسير ولو ببطء الى مستقبل نجهله لكننا سنصل. لقد وصفت صحفية أمريكية الليبيين بأنهم ذاهبون لا يعرفون الى أين ولكنهم سيكونون أول الذين سيصلون. { بديعة الراضي : يسعدنا أن نسمع من مواطن ليبي مسؤول الرغبة في المصالحة الوطنية والتوجه للمستقبل وتوجيه نداء الى دول الجوار للمساهمة في ذلك، وأعتقد أن المغرب بتجربته الديمقراطية و مخططه الناجح في الإنصاف والمصالحة, مستعد لفتح هذا الورش الإنساني في الدولة الليبية الشقيقة, بما يربط الشعبين الشقيقين من علاقات تاريخية وجغرافية تستدعي ذلك, وانطلاقا من إيماننا في المغرب أن التسامح والتكافل وطي الصفحة بعد قراءتها والتوجه للمستقبل ,هو الحل الوحيد أمام ليبيا وخير طريق لبناء الدولة الحديثة الديمقراطية. ونمر الى الشقيقة الجزائر والى ممثلها في هذه الجلسة الأستاذ والزميل الصحفي سعد بوعقبة ، فأكيد أن الحوار عن الساحة الجزائرية يطرح الكثير من الأسئلة الدقيقة ، خصوصا أنه في زمن أوج الحراك العربي كان التصور الذي يوزع هنا وهناك على صفحات الفايسبوك وجرائد الخصم أو الصديق, أن الجزائر ستحدث فيها الثورة بعد ليبيا . إلا أن هذا الحراك عرف منحى آخر في الجزائر, حيث فاجأ الجزائريون الرأي العام بالتوجه الى صناديق الاقتراع والتصويت بكثافة على الجبهة الوطنية كحزب حاكم . نريد أن نعرف منكم التوجهات العامة في الجزائر, ما هي نوعية الحراك فيها وما دلالة هذه الاشارة التي وجهها الشعب الجزائري للمحافظين والرأي العام الدولي؟ سعد عقبة: الربيع العربي الذي انطلق في تونس وعم باقي البلدان فتح آفاقا عريضة للجزائريين، لكن الوقائع التي تلت ما حدث والترتيبات التي تمت سياسيا ما بعد الثورات أعطت تخوفات كثيرة للرأي العام الوطني الذي كان في البدء متعاطفا مع هذه الثورات, والذي اعتبر أن الجزائر ستكون المحطة الموالية. لكن هذا الرأي العام الوطني تغير بسبب الصعوبات التي واجهتها مصر وليبيا والكوارث الواقعة اليوم في سوريا والأمور غير الطبيعية التي تحدث اليوم في تونس. وهذه الأمور دعمت السلطة الديكتاتورية في الجزائر أكثر من اللازم، وقال المتشددون في السلطة أن مصير الجزائر سيكون كهذه الدول. وهناك موضوع آخر طرحه الإعلام الجزائري ويتعلق الأمر بكون ما حدث بليبيا مس الجزائر بطريقة مباشرة وبشكل لم يكن متوقعا . فعندما وقع العنف في الجزائر في التسعينات، وظللنا نتصارع مع بعضنا داخليا، لم يتدخل أي طرف في شؤوننا الداخلية وحتى الجزائريون المتصارعون سواء في الجبهة الجزائرية للإنقاذ والنظام لم يستعينوا بالخارج وكانت المعركة جزائرية جزائرية, وهذا كان شيئا إيجابيا بالنسبة إلينا لصيانة الوحدة الوطنية ووحدة الوطن، لكن ما حدث مؤخرا في « عين أمناس» هو تدخل أجنبي من قوى إسلامية خارجية ضربت مسائل حيوية بالنسبة للجزائر, وهو شيء كنا نحذر فيه إخواننا الليبيين عندما قلنا ينبغي أن تكون ثورة ليبيا داخلية غير «مدولة» ولا تكون دموية، والأحسن هو حل المشاكل بينكم ولا تتركوا الأمور تنفلت خارج حدودكم . ونفس التخوف الذي أبديناه، حصل في الجزائر, بيد أجانب و بسلاح تسرب من ليبيا. وهذا الأمر لم يحدث قبلا . وهناك ملاحظة أخرى في موضوع الربيع العربي وتأثيره على الوحدة المغاربية، وأنا شخصيا كنت أقول أن الوحدة المغاربية جمدها الحكام المتعاقبون على الحكم في شمال افريقيا في عهد الاستقلال كلهم بدون استثناء، وهم في هذا الموضوع يعتبرون أسوأ من الاستعمار ، لأن الاستعمار كان يسمح لنا بالتنقل بدون بطاقة بين الجزائر والمغرب وتونس و موريطانيا وحتى ليبيا، وكانت هناك خطوط للسكك الحديدية، ولهذا كان الاستعمار أكثر رأفة على وحدتنا من حكامنا.والذي حدث أن بعد الثورات دق آخر مسمار في نعش الوحدة المغاربية ، ولم يعد فقط الحكام وحدهم المتخوفون من موضوع الوحدة, بل نزل ذلك للشعب وهذه أمور خطيرة. مما يؤثر على أفق الوحدة المغاربية ، أيضا هناك نقائص على المستوى السياسي حدثت في دول الربيع العربي أدت الى تقوية المتشددين تجاه بعض التيارات الأخرى الموجودة في الجزائر, و أصبح هؤلاء يرددون أن قبولهم على تعاستهم أحسن من متشددي الفوضى, ومن هنا أصبحت دول الربيع تعطي المثل السيئ . ومن الأمور السيئة التي نسجلها في دول الربيع العربي قبل الأحداث أننا كنا نتحدث بلوم الحكام المغاربيين على عدم التوحد المغاربي واليوم نلتقي مع مثقفي هذه البلدان فنجد لديهم هاجس كيفية صيانة الوحدة الوطنية.وهذا تدهور خطير في الخوف على الوحدة المحلية. والأمر في ليبيا بالدرجة الأولى وفي مصر وفي تونس بدرجة أقل وفي سوريا التي أصبح الحديث فيها عن ثلاث دول ، ونحن في الجزائر نخاف من هذا المد.... محمد شكري ميعادي: مقاطعا/ هناك ترويج سيء ضد الثورات ،قالوا ستنقسم ليبيا ولم تنقسم ،إن هذا ترويج لخدمة الانظمة السابقة. { بديعة الراضي ، نمر الى ممثلة المغرب في هذه الندوة الكاتبة الحداثية حليمة زين العابدين. لقد عرف المغرب ثورة مختلفة تمثلت في دستور 2011، المتوجه الى المستقبل في بناء دولة الحق والقانون ودولة الكرامة والحريات، إلا أن المغرب اليوم يعرف تراجعا خطيرا بحكم أن رياح ما يسمى بالربيع العربي أدت الى صعود الإسلاميين الى الحكم على رأس السلطة برئيس حكومة بصلاحيات واسعة غيب الدستور بعدم تفعيل القوانين المصاحبة، نريد من الكاتبة والفاعلة الثقافية والفكرية حليمة زين العابدين أن تضعنا فيما يحدث في الساحة المغربية؟ حليمة زين العابدين: تحية للإتحاد الاشتراكي على هذه الندوة القيمة ولكل الأشقاء المغاربيين والعرب الذين يشاركوننا هذه الندوة, إما بالمساهمة أو الإنصات. وفي البدء, فأنا لا أتفق مع هذه الثورات بمفهوم الثورة المتعارف عليها، لأن ما حدث مجرد هزات ورجات داخل هذه البلدان العربية، لأن الثورة مشروع وأنا أتساءل هل كانت الثورات العربية في الشرق العربي وشمال افريقيا تملك مشاريع أو تحمل مشروعا؟ أعتقد أن الجواب سيكون بالنفي، لأنه لو كانت لهذه الثورات مشروعا ستكون ناجحة ولوصلت الى ما تصبو اليه الشعوب في تحقيق أحلامها في الكرامة والعدالة والحرية. بالنسبة لهذه الثورات إذا قارناها بثورات الغرب، فإن هذه الأخيرة كانت مصاحبة بفلاسفة ومفكرين، لهذا نتساءل من هو المفكر العربي الذي صاحب ثورات ما يسمى الربيع ونظر لها لكي نسميها ثورة . فالارتجاج الذي حدث هو أن هناك تضحية بالحرية وتضحية بالأمن في الآن نفسه. ولقد استمعت للتدخلات التي سبقتني في الحديث عن المستقبل، وهذه الثورات لا يمكنها أن تبني أية ديمقراطية مستقبلا. وكاد أن يحدث في المغرب ما حدث في باقي الساحات، لكن في المغرب نظام الحكم أقوى من كل الحراك الشعبي وأقوى من كل التحالفات . واستطاع النظام في المغرب أن يتدارك وأن يمتص الغضب بوضعه للدستور وإن لم يوافق عليه كل المغاربة، فإنه وقف ضد أي حراك، بل حتى الخروج الى الشارع لم يعد ذا جدوى ، خوفا من أن يتكرر في المغرب ما وقع في ساحات أخرى. { بديعة الراضي، شكرا للأخت حليمة زين العابدين، ونمر الى المرأة التونسية لنوجه السؤال الى الأستاذة نجاة المازني ، فأكيد أن تونس بنسائها دافعت عن أهداف ثورة الياسمين ضد القوى المحافظة, وأكيد أن ما آل اليه الوضع من انتكاسات وتراجعات يدعو الى التفكير من أجل مخرج للحفاظ عن ما حققته تونس من مكاسب هامة في القضية النسائية، نريد أن تضعيننا في الصورة؟ نجاة المازني: إذا تكلمنا عن الثورة في تونس فنحن نستحضر مباشرة دور المرأة فيها. ودورها كان تلقائيا الى جانب شبابها وكهولها وهي ثورة تحمل في أهدافها ملفا اجتماعيا ومطالب عادلة. لكن ما آلت اليه هذه الثورة أن كل جهة تريد أن تأخذ نصيبها في الثورة ، الى أن اتضحت الرؤية وأصبح الما بعد يهدد مكاسب المرأة ، وصحيح أن المرأة موجودة في المجلس التأسيسي, لكن هناك غياب واضح في مراكز القرار لا يشرف تاريخ المرأة ونضالها من أجل المساواة ومن أجل مزيد من المكتسبات . أما بخصوص قراءتنا لأفق الوضع الحالي فهو بعيد عن الابتهاج بهذه الثورة. إذا تناولناها بأعين موضوعية, فإننا نعتبرها ثورة كانت حلما لم يتحقق, فنتائجها كارثية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي. وهددت نتائجها الثقافة ومكاسب المرأة التونسية الحقوقية والسياسية والتي كانت موجودة بشكل طبيعي في الممارسة السياسة والحقوقية في البلاد . وإذا كان المطلب الاقتصادي والاجتماعي شيء أساسي, فإن نتائج الثورة أجهزت على الكائن بعدما كان أملنا في التطلع الى مستقبل أفضل في العدالة الاجتماعية. لقد كان في تونس ثلاث طبقات الغنية والمتوسطة والفقيرة ، فانمحت الطبقة المتوسطة وبدأنا نرى طبقة غنية تتحكم في رقاب العباد وطبقة أخرى دون الصفر.وهنا تكمن الخطورة. ناهيك عن غياب تام للأمن، لقد عمت الفوضى بكل المقاييس وساد الخوف والظلام. إن المكسب الوحيد هو الحرية, لكنها حرية ملتبسة بالفوضى ، وسامحني إن قلت بالهمجية. وحتى الأحزاب التي هي مشروع الثورة أصبحت تتفتت الى أحزاب صغرى ، وتتمطط دون مشروع واضح إنه تناحر سياسي أعتبره الخطر الكبير ضد كل أهداف الثورة وغاياتها. وأريد أن أشير إلى أن هناك أيادي خارجية تحرك هذه الثورات العربية. بديعة الراضي: ماذا تعني بالأيادي الخارجية تحديدا؟ نجاة المازني: هو نظام عالمي إخواني وقطر مساهم قوي فيه. وفي جميع الأحوال هناك شيء ما ينذر بأن هذه الثورة تهدد بتراجع كبير في المكتسبات. لكن يبقى الأمل موجودا استنادا على الخطوط العريضة التي تستند عليها الثورات ، اعتمادا على وعي الشعوب بمطالبها. بديعة الراضي : الأستاذ مولدي فروج ما هو تحليلك لصعود الاسلاميين على ثورة الشباب في دول الحراك العربي؟ مولدي فروج: أريد ان أتحدث عن الثورة التونسية فقط، التي أقول عنها أنها لم تأت بناء على تنظير ما, بل جاءت عفوية وكان الشعب في ذلك الوقت يعاني معاناة الى درجة أنه لو أتى الشيطان لبايعه ولأنتخبه . وجاء الإسلاميون ، حزب النهضة تحديدا وهو تجاه يميني متطرف في الفكر ، واغتنم الفرصة للصعود الى الحكم، وأصبح باجي قائد السبسي عدوا أول للنهضة وهو الذي أمضى على العفو التشريعي العام الذي مكنهم من الحكم،بعد السجن مباشرة ، عندما أصبحت شعبيته تهدد التيار الإسلامي. فالقائد باجي السبسي بمظلة الجبهة الشعبية التونسية أصبح يزاحم النهضة ويخيفها بالإنتخابات، ومن هنا جاء اغتيال شكري بلعيد. والغريب في الأمر أن وزارة الداخلية والوزارة الأولى اختفيا أمام هذا الاغتيال الجبان وبرز الإعلام الذي لعب الدور الأساسي في الكشف عن العديد من الحقائق، وهنا أرد على الصديق التونسي محمد شكري ميعادي الذي قال أن الإعلام يتلاعب، بل بالعكس فإن الإعلام قام بمهمته المهنية في فضح الوزراء وبين للرأي العام الخطط الكامنة وراء اغتيال بلعيد. في الوقت الذي تختبئ فيه المخابرات التونسية في جبة النهضة الحاكمة.