خطوة نحو ازالة "الدكتاتوريات" العربية أم نحو شرق أوسط جديد بمواصفات لم تتضح بعد عدوى الانتقال سريعة بسبب القواسم المشتركة في المعاناة والمطالب العالم العربي أمام مفترق طرق فإما: "خلفا دُر أم أماما سِرْ" الوضع في ليبيا ضبابي والمعلومات متناقضة "الثورات" كانت في غالبيتها سلمية ما عدا الثورة الليبية التي لجأت للسلاح تشهد عدة أقطار عربية موجات من "الثورات" الشعبية أو التي يسميها بعضهم ب رياح "التغيير"، أو احتجاجات أو انقلابات أو انتفاضات.. ومهما كان الاسم فإن العامل المشترك هو إحتجاج على الأوضاع السائدة، ومطالبة بالتغيير، والمطالبة أيضاً بتحسين الوضع المعيشي، ووضع حد للفساد. في تونس إنطلقت الثورة الحقيقية مطالبة بالتحسين والتغيير، لكن النظام لم يتفاعل معها بالشكل اللازم، بل استخدم أسلوباً بالياً قديماً يعتمد على القمع والاجرام بحق المتظاهرين مما شد ذلك من أزرهم، وقوّى من عزائمهم، فرفع شعار اسقاط النظام. الثورة في تونس هي ثورة الفقراء والمتعلمين والنقابات وكل فئات الشعب، ونجحت الثورة إذ أن الذي كان يُدعى ويُسمى ب "زين العرب"، وفي ليلة "ما فيها قمر" هرب، حتى أنه لم يجد من يمنحه حق الاقامة في بلده، وعطف عليه العاهل السعودي وسمح له بالاقامة المشروطة والهادئة في المملكة العربية السعودية. ولكن الثوار لم يكتفوا بذلك، بل ما زالوا يطالبون بالتعديل والتحسين، وها هي الأمور في تونس تسير بهدوء ونظام، ومطالب الشعب تنفذ تدريجياً، وهناك رضى حذر من هذه التغييرات، فالشعب التونسي حضاري وليس قبلياً، وليس منه قوميات مختلفة، هو موحد والمواطنة واحدة، والكل يعيش نفس الظروف من دون تمييز سوى من هم في النظام الذين لم يهتموا بالمواطن، وأداروا له ظهرهم، وكانت النتيجة ثورة الشعب التونسي الحقيقية والناجحة. مصر تختلف أما الوضع في مصر فيختلف إذ أن الثورة بدأت كثورة جياع مطالبة بالتحسين، وطالبوا بإسقاط حكومة أحمد نظيف، لكن الرئيس المتنحي حسني مبارك لم يُصغِ لمطالب الشعب، فاستخدمت في البداية أساليب القمع مما زاد الوضع توتراً، وتحوّلت الاحتجاجات من المطالبة بتحسين المعيشة ومحاربة الفساد، وتحقيق التغيير، والغاء قانون الطوارىء إلى المطالبة بإسقاط النظام.. وهذا بالطبع أدى إلى اجبار الرئيس مبارك على التنحي، وهذا ما حدث.. لكن "الثورة" أو "الانتفاضة" لم تحقق كل ما تريده، فالنظام قائم مع أن هناك تغييراً كبيراً به، وحاولت الاحزاب "ركوب" و"امتطاء" موجة الاحتجاجات، ولكن الشعب المصري يعي هذه المحاولات، ولكن وحتى هذه اللحظة لم يستقر الوضع كاملاً في مصر إذ أن هناك استفتاءً قادماً على تعديل الدستور ويتبع ذلك اجراء انتخابات نزيهة رئاسية وتشريعية. واختلفت الأوضاع في مصر عن تونس من حيث حجم وقوة التظاهرات، وكذلك محاولة الاحزاب السياسية استثمار هذه الاحتجاجات لتحقيق مآربها، ولكن الشعب يحاصر هذه المحاولات لانه يدرك أن هذه الأحزاب هي موالية بصورة غير مباشرة للنظام، أو لمن كانوا يُملون رغباتهم على النظام، أي للإدارة الاميركية. والوضع في مصر مختلف إذ أن الشعب المصري مقسم في خلفياته الى مسيحي وقبطي، ومدني وصعيدي، أي أن القبلية لها تأثيرها ولكنها ضعيفة جداً بالمقارنة مع دول أخرى مثل ليبيا. الرجل الحديدي في ورطة الرجل الحديدي في ليبيا، قائد الثورة معمر القذافي الذي لم يتوقع في يوم من الأيام أن يواجه شعبه، هو الآن في ورطة كبيرة، فالشعب – كما تقول بعض المصادر – ثار عليه ويطالب باسقاطه بعد 42 عاما من الحكم الاستبدادي. وها هو يفقد سيطرته – وحتى الآن – على المناطق الشرقية من ليبيا، وها هم المحتجون يتوجهون لمواجهته في معقله وعقر داره ومقر اقامته طرابلس الغرب. وقدم الكثير من المسؤولين استقالاتهم، وطالبوه بالاستقالة، ولكن الوضع في ليبيا يختلف عن كل ما جرى في تونس ومصر في كثير من الأمور. الثورة "الليبية" مختلفة أول هذه الأمور أن هناك علامات استفهام حول كيف بدأت هذه الثورة، فلكل جانب روايته وحكايته. وثانيها أن ليبيا تعيش فيها العديد من القبائل، والصراع في نهاية الأمر قد يتحول الى صراع داخلي مرير بين القبائل، والقذافي ينتمي الى قبيلة "القذافذة"، وقد تقف غالبية هذه القبيلة لجانبه. والأمر الثالث يكمن في أن "الثورة" في ليبيا بدأت ليس بالإصلاح بل بإسقاط النظام، وبالتالي اسقاط القذافي الذي يحكم البلاد منذ 42 عاماً. والأمر الرابع يتمثل في ثورة ليبيا أنها "مسلحة" وليست مثل الثورتين التونسية والمصرية، إذ أن المواطنين الثائرين لم يستخدموا السلاح ضد رجال الشرطة والأمن، بل هم تعرضوا الى القمع، فكان الرد المزيد من التظاهر والتجمعات والاحتجاجات. في ليبيا نرى أن "الثوار" يحملون السلاح يقاومون ويقاتلون "جيش القذافي"، وتقع معارك دامية، ويسقط العدد الكبير جداً من الضحايا.. وهذا ما لم نشهده في مصر، ولا في تونس مع أن الثورتين قدمتا العديد من الشهداء مع بداية انطلاقتهما، وكل هؤلاء سقطوا على أيدي رجال الأمن. والأمر الخامس المختلف عن كل الثورات أن النظام الحاكم استخدم السلاح ومن بينه سلاح الجو (الطائرات الحربية المقاتلة والعامودية/الهيلوكبتر) لمواجهة المتظاهرين أو الثوار. أما الأمر السادس الذي يثير علامات استفهام وتعجب أن قواتاً "مرتزقة" متواجدة على الارض الليبية، فالنظام ينفي أن تكون هذه المرتزقة تابعة له، ويدعي أن هؤلاء عناصر من القاعدة، في حين أن الثوار يتهمون النظام باستخدام المرتزقة لقتل الشعب الليبي وارتكاب مجازر بحقه. والأمر السابع المختلف فإننا لم نسمع عن استقالات كبار المسؤولين في تونس أو في مصر، بل في ليبيا تمت، وانضم هؤلاء المستقيلون للثوار. أما الأمر الثامن الغريب والعجيب هو أن السفراء الليبيين في الخارج انقلبوا على النظام الذين يمثلونه، وانضموا للمجتمع الدولي في معاداة القذافي، وفي تشجيع الهيئات الدولية على اتخاذ قرارات بحق لييبيا شعباً ونظاماً. والأمر التاسع والأخير فهو التدخل الدولي في ما يحدث في ليبيا وبصورة غريبة في حين أن الثورتين التونسية والمصرية منعتا مثل هذا التدخل. تناقض في المعلومات المعلومات التي تخرج من ليبيا متناقضة جداً، فالعقيد القذافي وابنه سيف الاسلام يظهران من على شاشات التلفاز، ويدعيان أن 80 بالمائة من ابناء الشعب مع الثورة. وان الوضع مستتب في غالبية المناطق الليبية. وان الشعب الليبي يحب القذافي وسيدافع عنه، وسيذود عنه حتى آخر إمرأة ورجل. القذافي يدعي ويقول أن ما يحدث في ليبيا هو أن القاعدة هي التي شنت هجوماً على الثورة الليبية، وان جيشه يحارب "الارهاب" ويتصدى له في كل مكان. ويقول أيضاً أنه مسيطر على الوضع كاملاً، مع أن ابنه سيف الاسلام اعترف بفقدان السيطرة على المناطق الشرقية من ليبيا. يدعي القذافي أن ما يجري في ليبيا هي مؤامرة لضرب "الثورة الحقيقية". وانه ليس رئيساً بل قائد الثورة، وأنه لو كان رئيساً لتنحى عن منصبه، ويدعي أن من يحكم ليبيا هو الشعب. وادعى أيضاً أن جميع من قتلوا في أعمال الاحتجاجات هم من الجيش ورجال الامن، وان عناصر "الارهاب" تقتل المواطنين. ودعا الى ارسال لجان دولية نزيهة للتحقيق في كل ما يجري في ليبيا متحدياً بكشف أمور عكس ما يقوله ويدعيه. أما "الثوار" الذين شكلوا المجلس الوطني الانتقالي للحكم في ليبيا، ومقره في بنغازي، فيقولون أنهم سيطروا على غالبية المدن الليبية. وان القذافي يتحصن في طرابلس الغرب ولا بدّ أن تسقط قريباً. ويقول هؤلاء الثوار أن القذافي يرسل جيوشه لمهاجمة المدن القريبة من طرابلس، ويقصفها بشتى أنواع السلاح، وانه فشل في أكثر من مرة في السيطرة على أي من هذه المدن. هناك ادعاء بأن القذافي "استورد" حوالي 50 ألف جندي مرتزق من العديد من المناطق الافريقية، في حين أن سيف الاسلام ينفي ذلك، ويقول أن الجنود السود هم ليبيون لان بشرة نصف الشعب الليبي هي سوداء. المعارك العسكرية محتدمة، فبدلاً من أن نرى مظاهرات سلمية احتجاجية، وبدلاً من أن نرى ونشاهد تجمعات في قلب المدن الليبية كما هو الحال في تونس ومصر، فإننا نشاهد عبر وكالات الانباء وشاشات التلفاز معارك محتدمة، ومواجهات عسكرية، وثوار يتنقلون عبر سيارات وعربات عسكرية مصفحة أو مجنزرة، مما يشير إلى أن الوضع داخل ليبيا تأزم وتحوّل من ثورة شعبية إلى تمرد عسكري على القذافي بمساندة الشعب أو لربما الخارج من أجل السيطرة على الخيرات الليبية وأهمها "النفظ"! تناقض المعلومات يؤكد ضبابية الوضع في ليبيا، ويضع علامات استفهام حول ما يجري في ليبيا: هل هي حقاً ثورة؟ هل هي انتفاضة أم هي انقلاب عسكري.. ولماذا قامت الدول العديدة بإجلاء رعاياها عن ليبيا، ولم يتم ذلك في تونس، مع أنه تم ولكن بشكل محدود في مصر. والتساؤلات الأخرى التي تطرح: من يحارب من؟ ماذا يجري في ليبيا؟ وما هو مصير هذه الدولة العربية؟ وماذا سيكون مصير ملك افريقيا أو عميد القادة العرب إذ أنه صمد في كرسي الحكم 42 سنة تقريباً، وما زال متمسكاً به لا بل مُلتصقاً به ويأبى ازالة "اللصاق عنه"؟! والبحرين قصة أخرى التظاهرات في البحرين لم تكن ثورة على النظام إذ لم ترفع شعارات اسقاط النظام كما هو في مصر وتونس وليبيا بل تدعو هذه المظاهرات الى اصلاحات ومن أهمها اسقاط الحكومة برئاسة من هو أحد اقارب الملك.. وبضرورة وضع دستور جديد، وأن تتحول المملكة الى ملكية ديمقراطية، أي مصادرة صلاحيات الملك. في البدء حاولت الحكومة قمع هذه التظاهرات، وسقط العديد من الضحايا، لكن الملك عيسى بن خليفة، أصدر أوامره بمنع التصدي لهذه المظاهرات، وفتح باب الحوار مع المطالبين بالاصلاح. حاولت جهات عديدة أن توقع بين الأخوة في البحرين من خلال الادعاء أن الشيعة قاموا بهذه التظاهرات من اجل مصادرة صلاحيات واسقاط النظام السيء، لكن هذه المحاولة باءت بالفشل إذ أن المتظاهرين كانوا من السنة والشيعة على حد سواء. يعيش في البحرين ما يقارب المليون نسمة، حوالي 70 بالمائة منهم مسلمون شيعة، و21 بالمائة مسلمون سنة، و9 بالمائة مسيحيون. الوضع في البحرين تتابعه جميع دول الخليج العربي، لانه ان نجح المتظاهرون في تحقيق جميع مطالبهم، واسقطوا النظام، فإن الوضع سينتقل الى دول أخرى في الخليج العربي، وها هي دولة عمان تشهد تظاهرات، وتواجه احتجاجات، وهناك محاولة للملمة الوضع، والطبطبة على ما يجري وتجاوزه. ويجب الاشارة الى ان المملكة العربية السعودية توفر الدعم لكل من الملك البحريني والسلطان قابوس، سلطان عُمان. ومنعت السعودية أي تظاهرة سلمية، وقام العاهل السعودي الملك عبد الله بتخصيص مبلغ وقدره 37 مليار دولار من اجل دعم الحالة المعيشية والاوضاع الاجتماعية في المملكة في اطار جهوده لاسكات أي صوت قد يرتفع مطالباً باصلاحات ومحاربة الفساد! واليمن "السعيد" يعاني يواجه اليمن حالة اللااستقرار الامني منذ أكثر من عامين إذ أن النظام اصطدم أولاً مع الحوثيين، وقبل ذلك بسنوات اصطدم مع عناصر القاعدة في اليمن. معاركه مع الحوثيين كانت جداً محتدمة، حتى ان القوات السعودية شاركت في هذه المعارك او القتال لمنع الحوثيين من انتهاك سيادة الاراضي السعودية، وتم فيما بعد احتواء هذا الصراع، والتوصل الى اتفاق لوقف هذه المعارك، مع ان بعضهم وصف المعارك بأنها صراع بين السنة والشيعة في اليمن إذ أن الحوثيين محسوبون على الشيعة، ومتهمون بأنهم يتلقون الدعم من ايران، لكن هذا الامر نفته ايران جملة وتفصيلا. وها هي المظاهرات اليوم في اليمن تطالب باسقاط النظام بعد أن أقر البرلمان اليمني بانتخاب الرئيس علي عبد الله صالح للابد، وهذا الأمر أثار غضب الشعب اليمني، وطالب المتظاهرون بالاصلاح، وتعديل الدستور. الرئيس اليمني صالح وعد بعدم ترشيح نفسه لولاية أخرى، وان ولايته الرئاسية تنتهي عام 2013، أي بعد سنتين، وبدأ يتوسل حتى يبقى في الحكم لسنتين كما توسل مبارك ذلك، وطلب بأن يبقى رئيساً لعدة أشهر فرفضت "الثورة" ذلك. وقد فشل الحوار بين المتظاهرين المعارضين لحكم صالح والنظام، وها هي الأمور أو رياح التغيير مستمرة ومتواصلة في اليمن. ولم تسلم الجزائر أيضاً المظاهرات التي عمت بعض مدن الجزائر طالبت بالتغيير والاصلاح، وطالبت بضرورة تنحي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، احد القادة في الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي. والمعلوم ان الجزائر تعاني من ظاهرة "الارهاب" والصدام بين المتطرفين ونظام الحكم، وهذه المعارك مستمرة منذ سنوات. وحاول بوتفليقة تحقيق مصالحة وطنية، وعمل على توحيد الصفوف، واستطاع الى حد ما.. ويُشار الى التظاهرات في الجزائر هي تظاهرات ليست شعبية وعفوية كما هو الحال في تونس ومصر، بل تظاهرات مسيّسة تقف وراءها أحزاب دينية، وهذا الوضع للتظاهرات لم يعطها زخماً وقوة لاجبار النظام على تلبية مطالبها، بل ان هذه المظاهرات تم تقريباً احتواؤها مع انها تخرج تظاهرات سلمية هنا وهناك تطالب بالاصلاح، وهذا حق لكل شعب أن يطالب بالاصلاح، ويندد بالفساد ويطالب بالتغيير. المستهدف: الدول العربية في شمال افريقيا من ينظر إلى هذه "الثورات" يجد أن الدول العربية في شمال افريقيا هي المستهدفة: مصر وليبيا وتونسوالجزائر. والمغرب يعاني صراعاً مع البوليساريو، والسودان على وشك الانقسام، وعانى من قصة أو حكاية دارفور. وهذه الدول العربية كلها لها مكانتها وأهميتها ومواقعها الاستراتيجية، وكلها تملك خيرات عديدة، وأنظمة الحكم فيها كانت لسنوات طوال في يد شخص واحد. ويبدو أن هناك يداً "خفية" استغلت غضب الشعب على الحاكم، واستثمرت انطلاق الثورات الشعبية من أجل لقمة العيش، وركبت موجبتها من أجل تغيير أنظمة محسوبة على "محور" الاعتدال، وتعتبر من الدول المرتمية أنظمتها في الحضن الاميركي، والسودان كان خارج ذلك، ولكنه ارتمى مؤخراً كما ارتمى القذافي قبل عدة سنوات. والأمر الذي يلفت النظر أن هذه الثورات تدعو الى تحسين الوضع واسقاط النظام، وحتى الان لم تحقق سوى تغيير النظام لا اسقاطه، فإذا نظرنا الى الوضع في مصر، فإن المجلس العسكري الاعلى يحكم الآن في مصر، أما في ليبيا، فان من يقود الثوار هو المجلس الوطني الانتقالي بقيادة وزير العدل الليبي الذي انقلب على القذافي وكان جزءاً من النظام. وكذلك ما يقلق ان هذه الدول تنتقل من حالة الاستقرار الى حالة الفوضى، وفي ليبيا وكما يقولون "ضاعت الطاسة" والفوضى عارمة، والوضع غامض، ورياح التغيير التي تشهدها هذه الدول التي ذكرناها قد تكون موجهة من الخارج، وقد تكون عفوية كما في تونس.. ولكن اليست هذه الرياح، واذا لم تستثمر بالشكل الصحيح، يكون ثمنها غال جداً؟ القواسم المشتركة الواضحة لجميع الثورات في الواقع هناك قواسم مشتركة بين الثورات التي حدثت في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن.. ومن أهمها: • المطالبة بمحاربة الفقر وتحسين الوضع المعيشي اليوم. • إيجاد فرص عمل لوضع حد للبطالة. • اجراء اصلاحات على النظام السياسي واسقاط الحكومات الحالية البالية. • اجراء تعديلات على الدستور حتى لا يبقى رئيسا للابد بل يجب ان يكون لولايتين فقط. • اسقاط نظام استمر في الحكم سنوات طوال تعدى ربع قرن. • محاسبة الفاسدين الذين حصلوا على أموال كبيرة بصورة غير شرعية. وقد تم الحديث مؤخراً عن مليارات الدولارات التي يملكها أو حصل عليها كل من قادة هذه الدول. وهي ثروات كبيرة في حين أن ابناء الشعب يعانون، ولا يجدون لقمة عيشهم اليومي. • جميع قادة هذه الدول من الدول المعتدلة، ومن حلفاء اميركا في المنطقة. • الدول المذكورة تدار من قبل أجهزة قمع أمنية شديدة جداً، وتم سجن العديد من المفكرين لأنهم يعارضون النظام ومن دون محاكمة. • لكل من الدول الاربعة الموقع الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، ومن الضروري أن يكون تحت الوصاية أو السيطرة الاميركية. العبرة في النتائج هناك اختلاف في تقييم هذه الثورات أو رياح التغيير التي يشهدها عالمنا العربي، فهناك من هو متشائم ويخشى من أن تؤدي الى دمار هذه البلاد، ومصادرة خيراتها ومواردها المهمة كما هو الحال في ليبيا، وان هذه الثورات ستعيد هذه الدول الى الوراء سنوات طوال، وهذا ما يريده خصوم أمتنا. أما المتفائلون فيقولون أن التغيير، وعلى المدى البعيد، جيد لكل الشعوب لانه سيضع حداً لحكم أبدي في الدول العربية، وسيحول دولنا الى دول تحتكم الى دساتير مدنية عادلة جداً، تكون فيها المواطنة متساوية بين ابناء كل الشعب، وان الحكم سيكون حضاريا ديمقراطيا عادلاً ومستقراً.. وان هذه النوعية المتمدنة من الحكم ستساعد الى حد كبير في تحقيق اتحاد عربي، وتعاضد عربي أكبر.. وان هذا الاتحاد سيفرض وجوده على الساحة الدولية. والمتفائلون يقولون ان الحكم الجديد الذي يستند الى قوة ودعم الشعب، سيهتم بالمصالح الوطنية اكثر من اهتمام اي مسؤول فيه على مصالحه الشخصية أو الحزبية، وبالتالي تكون هناك استقلالية في اتخاذ القرار، ولن تكون هذه الدولة أو تلك "تابعة" للسياسة الاميركية اذا كانت هذه السياسة معادية للشعوب والقضايا العربية. هناك من هو متخوف من أن هذه الرياح ستؤدي الى تغيير ولكن ليس نحو الافضل، بل نحو الأسوأ، وان تسيطر على الحكم أحزاب متطرفة ومتشددة دينيا، وتأخذ البلاد الى الوراء، وبالتالي ندخل في متاهة الصراع الداخلي على الحكم. اثر هذه الرياح على القضية الفلسطينية لا شك أن القضية الفلسطينية ستتأثر بنتائج هذا التغيير. ومن أهم ذلك أن العلاقة العربية مع اسرائيل ستكون حاليا فاترة جداً ولسنوات عدة. كما ان الحكام الجدد الذين سينتخبون بعد أشهر سيتعاملون بصورة أفضل وأكثر التزاماً بالقضية من أسلافهم. ولكن في الواقع فإن رياح التغيير أخذت أو سلبت الاضواء عن الصراع السياسي الفلسطيني الاسرائيلي، وأصبحت اهتمامات دول العالم بقضيتنا ثانوية، لان كل التركيز والمتابعة تصب في متاهة هذا التغيير وما سيؤول اليه، أي أن هناك تأثيراً سلبياً مؤقتاً، ولكن اذا تحسن الوضع، وكان الوضع جيدا لعالمنا العربي، فان النتائج ستكون جيدة والتأثيرات ممتازة أيضاً على قضيتنا. النتائج لا نستطيع قراءتها أو تحليلها الآن، لأننا لا نعرف بعد نتائج التغيير.. وتقييم التأثير يعتمد على ما ستحققه هذه "الثورات" على ارض الواقع، مع ان كل الامل في ان تكون رياح التغيير لمصلحة أقطارنا العربية ولمصلحة أمتنا العربية، لانها ان كانت كذلك فان ذلك سيكون لصالح قضيتنا الفلسطينية العادلة. لا بدّ من الانتظار قليلا لمعرفة نتائج هذه الرياح هل هي ايجابية أم سلبية أم غير ذلك. وحتى انتظار ذلك، فلا بدّ أن نكون الى جانب مطالب كل شعب من شعوبنا العربية في التغيير والاصلاح والتحسين. ونظن أن هداوة بال شعوبنا وتحقيق ما تريده سينعكس ايجاباً على قضيتنا، وهذا ما نتمناه وندعمه ونأمله.