وسط جمع حاشد من المناضلين والمناضلين الذين حجوا من جميع المدن المغربية إلى مدينة سيدي قاسم لتخليد الذكرى التاسعة والثلاثين لوفاة زعيم التحرير، ألقى حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال أمس الجمعة بملعب العقيد العلام » الملعب البلدي « كلمة أكد فيها تشبث الاستقلاليين والاستقلاليات بمبادئ الحزب و هويته الراسخة والذي برهن على قدرة متجددة لمواكبة التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي والتحول إلى حزب المؤسسات الذي تسوده الديمقراطية الداخلية،وفي مايلي نص الخطاب : بسم الله الرحمان الرحيم الإخوة أعضاء مجلس الرئاسة الإخوة والأخوات أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب أسرة فقيدنا الراحل وزعيمنا الخالد علال الفاسي الإخوة والأخوات أعضاء الفريقين الاستقلاليين بالبرلمان الإخوة أعضاء المجلس الوطني و اللجنة المركزية للحزب إخواني وأخواتي مناضلي ومناضلات حزبنا الحضور الكريم نلتقي اليوم في الذكرى التاسعة والثلاثين لوفاة زعيم التحرير الرئيس علال الفاسي رحمه الله، مجددين العزم و الإصرار على إبقائه حيا في الذاكرة الوطنية ، مستلهمين تجربته الجهادية في الدفاع عن مقدسات البلاد وثوابت الأمة . إن جمعنا المبارك هذا، هو عربون وفاء أبدي للزعيم علال الفاسي ولجيل المجاهدين والآباء المؤسسين، الذين وضعوا أسس الوطنية المغربية ،والذين تصدوا للمشروع الاستعماري بالمغرب، وكافحوا من أجل الإصلاح وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية التعادلية . إن اختيار حزب الاستقلال لمدينة سيدي قاسم المجاهدة لإحياء هذه الذكرى السنوية، سببه ما تعرضت له الديمقراطية في هذه المدينة الغالية من هجمة شرسة أثناء الانتخابات الجزئية الماضية ، حيث تحالف الفساد الإداري المحلي مع الفساد المالي للنيل من مصداقية العملية الانتخابية ، في ممارسات كنا نعتقد أنها لن تتكرر خصوصا في ظل هده الحكومة التي تدعي مكافحة الفساد . إلا أن حضورنا اليوم هنا رسالة لكل الأطراف، وهي أن الفساد لن يهزم حزب الاستقلال الذي سيواصل رسالته التاريخية في خدمة الشعب المغربي. السادة والسيدات مواكبة التحولات تأتي الذكرى التاسعة والثلاثين لرحيل الزعيم علال الفاسي، بعد المؤتمر العام السادس عشر لحزب الاستقلال، الذي جدد تشبث الاستقلاليين والاستقلاليات بمبادئ حزبنا وبهويته الراسخة والذي برهن على قدرة حزبنا المتجددة على مواكبة التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي والتحول إلى حزب المؤسسات تسوده الديمقراطية الداخلية ، ويتمتع الجميع فيه بالمساواة والحرية والمساهمة في اتخاذ القرار الحزبي، لقد كان برنامج التغيير الذي اختاره المؤتمر السادس عشر للحزب، أحد الأفكار المبهرة المستلهمة من فكرالزعيم علال الفاسي، الذي دعا في جميع كتاباته وخطبه وندواته وتقاريره المذهبية إلى نبذ الجمود والتحجر وإلى الانفتاح والتغيير ومسايرة مستجدات العصر، كما كان يوصي دائما بأن يكون حزب الاستقلال، حزب من الشعب وإلى الشعب وبجانب الشعب . لذلك فإن أحد المهام ذات الأولوية بالنسبة لحزبنا اليوم ، هي التجديد الفكري لأيديولوجيته ولمبادئه، لتساير التحولات والتحديات التي تواجه المجتمع المغربي، لدفع شباب الحزب وأطره إلى البحث العلمي والنظري في مرجعية الحزب، إسوة بالزعيم علال الفاسي الذي كان رحمه الله يفكر نضاليا ويمارس النضال علميا. إن هذه الوقفة السنوية من أجل استحضارالروح الطاهرة لزعيم التحرير، يجب أن تشكل فرصة للمساءلة العلمية لأطر حزبنا وكوادره، ذلك أن علال الفاسي الذي استطاع أن يقرن بشكل عظيم مابين الفكر والممارسة، نبه في ختام كتابه الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، إلى أن التحدي الأبرز الذي سيواجه الوطنية المغربية هو الإسناد النظري والعلمي، لذلك ألف رحمه الله كتابه النفيس النقد الذاتي، وعلى الرغم من ذلك فقد شدد في مقدمة النقد الذاتي على أن ما كتبه ، كتبه بصفته الشخصية وليس بصفته زعيما لحزب الاستقلال، حيث دعا بشكل واضح شباب الحزب إلى قراءته وتطويره . السادة والسيدات التحديات اليومية إن التحديات اليومية التي تواجه بلادنا، لا يجب أن تشكل عائقا أمام العمل على نشر الوعي التاريخي في مجتمعنا وتعميم المعرفة التاريخية، لأن الحق في معرفة الماضي وواجب الذاكرة، يفرض علينا اعتبار تعميم المعرفة التاريخية واجبا نضاليا، لكي يتمكن شبابنا من معرفة حقيقية بتاريخهم المجيد، وهو الأمر الذي دفع قيادة الحزب بمعية المجلس الوطني إلى إحداث لجان متخصصة للإعداد لإحياء الذكرى الثمانيين لتأسيس الحزب، والتي نريدها مناسبة لصون الذاكرة الوطنية وذاكرة الحركة الاستقلالية المجيدة . إن سعي بعض الأطراف الممنهج إلى محاولة طمس تاريخ النضال الوطني في بلادنا ومحو الذاكرة السياسية للمغاربة ، والادعاء زيفا أن النضال لم يبدأ إلا معهم وأن الإصلاح لن يأتي إلا على أيديهم ، يجعل مهمة صون ذاكرة العمل الوطني وكتابة تاريخه وجمع أرشيفه مهمة نضالية وطنية مستعجلة ، لمواجهة مشروع يسعى إلى بتر تاريخ طويل من النضال والكفاح الوطني من أجل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية . السادة والسيدات رؤية إصلاحية عميقة لقد كان الزعيم علال الفاسي رحمه الله عالما مجددا، أرسى أسس رؤية إصلاحية عميقة انطلاقا من قراءة منفتحة لتاريخ الفقه الإسلامي، بإعماله البارع لفقه المقاصد، حيث اعتبر رحمه الله في كتابه النقد الذاتي ؛أن الديانة الإسلامية تركت للمسلمين حق النظر في كل ما هو من شؤون الحياة أو ما يسمى عند علماء الإسلام بالمصلحيات أي المسائل الراجعة للمصلحة العامة والتي تتطور بحسب تقلباتها وجودا وعدما ". وهو بذلك كان أحد رواد الحركة الإصلاحية في العالم الإسلامي الذين انشغلوا بالبحث في سؤال كيف نتقدم ؟ وهم في طرحهم لهذا السؤال والإجابة عنه ، يختلفون في كل شيء عن أولائك الذين ينشغلون اليوم بسؤال كيف نتقوقع ؟ وكيف نهيمن ؟ مشيدين بذلك منهج الانغلاق والرفض واللاعقلانية ، الذي أدى إلى العنف والويلات في عدة أقطار عربية . إن إبراز هذا التمايز في المرجعية كما المنهجية بين فكر الزعيم علال الفاسي وبين بعض الأفكار الأخرى ، مهم اليوم أكثر من أي وقت مضى ،لأن الزعيم علال الفاسي وإن كان منفتحا على الفكر العالمي ، في الشرق كما في الغرب، فقد رفض تبعية المغرب لأي جهة ما ، وهو الذي كتب وألف وجاهد من أجل الإنسية المغربية ومن أجل الكيان المغربي المنفتح والمستقل . من المهم اليوم استحضار هذا الفكر ، ومن المهم تذكير وتنبيه أولائك الذين يسعون لاستلهام الدروس من الأخر وتطبيقها في بلادنا، أن المغاربة والمغربيات رفضوا دوما التبعية ، لذلك وقفت الإمبراطورية العثمانية عند حدودنا الشرقية ولم تستطع غزو المغرب أو ضمه . وبذلك يكون فكر الزعيم علال الفاسي هو البديل اليوم الذي لا غنى للمسلمين عن العودة إليه ، لمواجهة الحركات التي تدعي زيفا دفاعها عن الإسلام، وهي تعاني من قصور شامل في الفكر كما الممارسة، وتحمل وإن لم تعلن عن ذلك جذور العنف والتطاحن والاستغلال السياسيوي للدين. السادة والسيدات لأسس المقاصدية للمجتمع التعادلي إختار حزب الاستقلال تخليد الذكرى التاسعة والثلاثين لوفاة الزعيم علال الفاسي ، تحت شعار " الأسس المقاصدية للمجتمع التعادلي"، تأكيدا منه على ارتباطه الأبدي بفكر وكفاح الزعيم علال الفاسي، الذي يعتبر أحد العلماء المقاصديين المجددين الكبار في العالم الإسلامي، كما أنه مبدع وثيقة التعادلية الاقتصادية والاجتماعية التي أصدرها الحزب يوم 11 يناير 1963 . والتعادلية التي نحن عليها مؤتمنون، عرفها المجاهد عبد الكريم غلاب أطال الله عمره؛ " هي تعريف مذهبي مبتكر وجديد في القاموس الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للغة العربية، فهي تأتي من التعادل أي تعادل المجتمع حتى لا تطغى فيه قوة على قوة، ولا تطغى فيه طبقة على طبقة....إنها مذهب اقتصادي واجتماعي وسياسي تحرري يستهدف إحداث توازن اقتصادي واجتماعي في المجتمع المغربي وتوازنا بين الدولة والمجتمع ". إن الأسس المقاصدية التي بنت عليها الحركة الاستقلالية مرجعيتها التعادلية وتصورها بشأن المجتمع التعادلي عديدة وغنية ، تلكم المرجعية التي استندت أول ما استندت عليه على الدين الإسلامي الحنيف، وفق رؤية سلفية إصلاحية مجددة، واعتمادا على فقه المقاصد، كأحد مصادر التشريع الإسلامي، ومن ثم فإن الاعتماد على المقاصد هو لبناء المجتمع التعادلي، الذي لا يتصور بناءه إلا على أسس مقاصدية ، ومنها ؛ أولا :الاجتهاد الديني لما كان الإسلام أحد المصادر الأساس للتعادلية ، فإن ما يميزها هو مركزية حضور الفكر ألمقاصدي في رؤيتها لمجموعة من القضايا والنوازل التي واجهت المجتمع المغربي ، لذلك ارتبط الفكر المقاصدي في المغرب بالزعيم علال الفاسي، إلا أن ما يميز التعادلية كما أكد على ذلك المجاهد عبد الكريم غلاب في كتابه المرجعي القيم " الفكر التقدمي في الايديولوجية التعادلية "؛ " هو كونها لا تستخدم الدين شعارا زائفا، ولا تستغل الدين في السياسية، ولا تتملق للشعب باسم الدين، ولكنها تفتح فكرها المتحرر على حقيقة ما أتى به الإسلام في أبعاده المتحررة". ثانيا:الوحدة إن الوحدة أحد الأسس المقاصدية البارزة للمجتمع التعادلي عند حزب الاستقلال، لقد شيد الزعيم علال الفاسي نظرية متكاملة في الوحدة انطلاقا من المنهاج المقاصدي ، سواء وحدة العقيدة أو وحدة الأمة الإسلامية أو الوحدة الوطنية والترابية . إن تخليدنا لذكرى وفاة الزعيم علال الفاسي وكافة المجاهدين الذين كافحوا من أجل استقلال البلاد ووحدة أراضيها، فرصة مثلى لتأكيد تعبئة حزب الاستقلال المتواصلة وتجنده الدائم وراء جلالة الملك محمد السادس حفظه الله للتصدي لكل المحاولات الانفصالية، التي تستهدف الوحدة الترابية للمملكة، مستغلة نبل قضايا حقوق الإنسان من أجل استهداف الاستقرار والأمن في المنطقة . وإنها أيضا مناسبة للتأكيد على مواقف حزب الاستقلال التاريخية من " الاستقلال الاعرج " الذي حصلنا عليه سنة 1956 ، ذلك أن معركة تحرير التراب الوطني مازالت مفتوحة ، ويجب أن تبقى كذلك حية، إن مطلب استعادة الأجزاء الشرقية للمملكة ؛ تندوف، كلوم بشار، حاسي بيضا والقنادسة هو جزء من رسالة حزب الاستقلال الوحدوية التحررية . إن تشبثنا بهذه المطالب المشروعة جزء من وفائنا للزعيم علال الفاسي ، الذي رفض رفض إكس ليبان ، ووجه خطابه التاريخي إلى المؤتمر التأسيسي للشبيبة الاستقلالية ، بفاس سنة 1956 قائلا ؛ " إن هذا الاستقلال مازال منقوصا، وسيظل كذلك مادامت في البلاد قطعة تحت الحماية أو النفوذ الأجنبي، فمادامت طنجة لم تتحرر من إدارتها الدولية ،ومادامت المناطق التي اعتدنا أن نسميها بالخليفية في الشمال والصحراء الاسبانية في الجنوب تحت الحماية، أو الحكم الاسباني ، ومادامت الصحراء من تندوف حتى أطار، ومادامت أجزاء من التخوم المغربية الجزائرية لم تسترجع للبلاد، فسيظل استقلالنا أعرج، وسيظل واجبنا الأول هو مواصلة العمل لتحرير الوطن وتوحيده". ثالثا :الكرامة لقد أكد الزعيم علال الفاسي على الكرامة كأحد أهم مقاصد الشريعة الإسلامية ، لبناء المجتمع التعادلي، في أحد أهم مؤلفاته وهو مقاصد الشريعة ومكارمها بالقول؛ " الكرامة حق لكل واحد برا كان أو فاجرا ، تقيا أوعصيا ، لأن الجزاء يترتب على الأعمال ، وهي بحسب صفتها الشرعية . أما الشخص فهو الإنسان دائما ". لذلك كانت وثيقة جهاد الكرامة التي اجتمع نظر الإخوة والأخوات أعضاء اللجنة المركزية على إعدادها، امتدادا فكريا ونضاليا لوثيقة التعادلية الاقتصادية والاجتماعية التي أكدت على " أن الهدف الأساسي لحزب الاستقلال هو تحقيق التعادلية الاقتصادية وواجب الدولة هو رفع مستويات المعيشة للمواطنين وإحداث تقارب بينها بتوزيع عادل للدخل القومي ". إن الاستقلاليين والاستقلاليات المؤتمنون على هذا التراث المذهبي الاقتصادي والاجتماعي، لا يمكن لهم الانخراط في مؤامرة الصمت أو تجاهل معاناة الشعب المغربي بفعل الإخفاق الحكومي في التجاوب مع المطالب الاجتماعية المشروعة للشعب المغربي . إن ضمان الكرامة للمغاربة والمغربيات يرتبط أيضا بإستعادة الثقة التي حطمها الخطاب السياسي للحكومة، القائم على التخوين والتشكيك في كل شيء، والذي اتضح زيفه عندما حاولت المس بالقدرة الشرائية للمغاربة لولا يقظة حزب الاستقلال واستماتته في الدفاع عن مواقفه المبدئية، لذلك فإن تحقيق الكرامة رهين بإستعادة الثقة التي تشكل المدخل الأساس لسائر القيم النبيلة وفي مقدمتها قيمة التضامن. لأنه لا تضامن بدون ثقة . رابعا :المساواة وهب الزعيم علال الفاسي حياته للدفاع عن المساواة ، وهي موضوع واسع يطول الحديث عنه ، ولكن يهمني هنا أن أتوقف عند جزء منها ، وهو ما يرتبط بالمساواة بين المرأة والرجل في نطاق أحكام ديننا الحنيف ، لأن هذا الموضوع يؤكد تميز حزب الاستقلال، وتقدمية اجتهادات زعيم التحرير دفاعا عن المرأة المغربية، عن حقها في التعليم و وحقها في تولي المناصب الإدارية والسياسية ، فانطلاقا من هذه المرجعية التي تنصف المرأة وتنتصر لحقوقها ، طالب حزب الاستقلال في مذكرته التاريخية إلى التحالف الحكومي ، من بين ما طالب به ، بتوسيع مشاركة المرأة في الحكومة ، والتي يتعين أن لاتقل عن عشرين في المائة. السيدات والسادة لايفوتني أن أتوجه في الختام بالشكر لجميع الإخوة والأخوات ، الذين سهروا على تنظيم هذا اللقاء المبارك،وخصوصا الإخوة المفتشين ، والأخ الكاتب الجهوي للحزب، والأخ المفتش الإقليمي للحزب بسيدي قاسم ، والاخ عبد الله الحافض، وموعدنا إن شاء الله قريبا، في مدينة تطوان في ذكرى المجاهد عبد الخالق الطريس رحمه الله.