ما يجري على الساحة الفلسطينية بين «حركة التحرير الفلسطينية»(فتح) ،و«حركة المقاومة الإسلامية » (حماس) ، ليس له مبرر على الإطلاق . فبعد دوامة الاقتتال بين أبناء القضية الواحدة،كان من نتائجها المباشرة اتساع مساحة العداوة والبغضاء بين الفريقين لدرجة أصبح للفلسطينيين حكومتان ، واحدة في غزة والثانية في رام الله ، أوقل حكومة برأسين ؛ وجهازا أمن .. وما لا يعلم إلاّ الله من المرافق المشتتة ، بين القطاع والضفة ، المفروض أن تقدم خدمتها لأبناء الشعب الفلسطيني .. وما زال الفريقان، لحد الساعة، يتبادلان التهم والسّبّ والشتم ، وإن سنحت الظروف سفك الدماء . وليست هي المرة الأولى، ونتمنى أن تكون الأخيرة ، لأن الوضع المقلوب الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية يثيرالكثير من التساؤل حول التردي الخطير الذي يجد الفلسطينيون فيه أنفسهم اليوم. بالطبع ، هناك مستفيدون من هذا الوضع «المُشَقْلَب» ، وعلى رأسهم دولة الاحتلال التي أصبح هامش المناورة أمامها واسعا في التعامل مع الفلسطينيين ، لدرجة أن وزيرها الأول ، إيهود أولمرت، يستغل كل فرصة ممكنة للضحك على السلطة الفلسطينية ، بكل الخبث الموجود . أما ثاني المستفيدين ، فهي الولاياتالمتحدةالأمريكية التي وعد رئيسها ، المنتهية ولايته، جورج بوش الإبن، بإقامة الدولة الفلسطينية قبل نهاية السنة (2008) . وسيظل هذا الوعد أكبر ضحكة على الفلسطينيين ، ولا يماثله في الغدر والشماتة سوى وعد بلفور. من هنا أحقية السؤال : ماذا تحقق منذ الوعد المشؤوم سنة 1948 من القرن الماضي ؟ بل ماذا جنته السلطة الفلسطينية منذ وعد أنابوليس سنة 2007 ؟ وما فائدة الزيارات واللقاءت المتكررة ،المملة،التي يحلو لكونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية ، أن تقوم بها بين الفينة والأخرى ؛ والاستمتاع بجلسات حميمية مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في الوقت الميت من مهمتها كرئيسة للديبلوماسية الأمريكية ؟ وهل استوعب الفلسطينيون جيدا ما قالته واشنطن بخصوص وعدها حول إقامة الدولة الفلسطينية ..؟ إنها ضحكة أخرى بِطَعْم الطعنة في صدر الفلسطينيين ، وبالواضح هذه المرّة وليس بالمرموز الملفوف في ثنايا اللغة الديبلوماسية الماكرة . تقول واشنطن بملْءِ الفم : يستحيل إقامة الدولة الفلسطينية قبل نهاية هذه السنة . هل بعد هذا من وضوح أكثر؟ ليس بوسعي ، وليس بوسع أيِّ أحد أن يقول : على الفلسطينيين أن يعودوا إلى أخوتهم . فأهل فلسطين أدرى بشعابها . لكن من حقنا أن نقول : كفى من الاقتتال الذي لن يؤدي سوى إلى المزيد من الفرقة التي تسمح بالمزيد من التدخل ، سواء كان تدخُّلاً عربيا أو أجنبيا . والقضية الفلسطينية هي الخاسرة . ويكفي ما خسرته من تألُّق ، ومن تَوَهُّج ، ومن إشعاع كان مِلْءَ سَمْعِ العالم وبصره . قراءة واحدة في مسيرة القضية توحي بالكثير من الدروس ؛ ولعل أوّل درس وأبلغه هو الاستفادة من التجربة. وفي جعبة الفلسطينيين ما يكفي ويزيد منها لإعطاء الاحتلال والأعداء الحقيقيين للقضية الدرس الذي ينبغي . وفي ذلك فليتنافس الفرقاء في «فتح» و«حماس».