أكد الخبير الجبائي ادريس فلكي ضرورة التمييز بين المساهمات الاختيارية والاقتطاعات الإجبارية حتى وإن كانت محدودة في الزمان و محصورة في فئات اجتماعية معينة ، مبرزا أن المساهمة التضامنية تعتبر اقتطاعا إجباريا وليس مساهمة اختيارية وهي تخضع للمنطق الذي يفرض في الاقتطاعات الضريبية ، وبالتالي فهي نوع من أنواع الضرائب . وشدد فلكي رئيس المعهد المغربي للمستشارين القانونيين والجبائيين و نائب رئيس الجمعية الدولية للجبايات، في حديث للعلم على أهمية الإسراع بإصلاح النظام الضريبي ، مؤكدا أن هذا الإصلاح يشكل ،في الوقت الحالي، رهانا حقيقيا بالنسبة للمغرب في ظل التحولات العميقة التي يشهدها العالم ، وذلك من خلال إدخال طرق جديدة في تدبير الأموال العمومية ، بالاعتماد على التثمين الأفضل للموارد ، وتحسين شفافية الميزانية ، وتقوية دور أجهزة المراقبة. وأوضح فلكي أن النظام الضريبي يعاني من مجموعة من الاختلالات، من أهمها غياب العدالة الضريبة وضعف فاعلية التحفيزات وعدم تضريب عدد من القطاعات في مقدمتها القطاع الفلاحي، مبرزا أن الحكومة شرعت منذ سنوات في اعتماد مجموعة من التدابير لفائدة الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات ، ولكنها بالمقابل ،عجزت لحد الآن عن بلورة إصلاح شمولي وحقيقي لمعالجة الاختلالات التي تعرفها الضريبة على القيمة المضافة التي تثقل كاهل ميزانية الأسر المغربية والنسيج الاقتصادي الوطني على حد سواء. ودعا الخبير الجبائي إلى التعجيل بتوفير الإطار القانوني والمؤسساتي وذلك عبر إحداث جهاز خاص بالخبراء الجبائيين، والذي بإمكانه تجاوز حالة الاحتقان ، وتحسين أجواء الثقة والحد من النزاعات التي تنشب بين الإدارة الضريبية و الملزمين . في مايلي النص الكامب للحوار : س : في اجتماعه الأخير،ركز مكتب المعهد المغربي للمستشارين القانونيين والحبائيين،على مناقشة مشروع القانون المالي ،الأستاذ فلكي باعتباركم رئيسا لهذا المعهد في ما هي أهم ملاحظاتكم بخصوص هذا المشروع ؟ ج : في الواقع، ركز هذا الاجتماع على التدابير الجبائية التي أتى بها مشروع قانون المالية لسنة 2013،حيث استفاض أعضاء المكتب في مناقشة أهم هذه التدابير ، وأهدافها الاقتصادية والاجتماعية والمالية، بطبيعة الحال كان هناك إشادة بالتدابير يمكن أن تساهم في تحريك الدورة الاقتصادية وتجاوز حالة التوعك والركود التي تهدد الاقتصاد الوطني ، ولكن كان هناك أيضا ملاحظات و مقترحات تم التشديد على أهميتها بالنسبة للمشروع بالإضافة إلى مناقشة النظام الضريبي في رمته عبر تشخيص إكراهاته ونقائصه. وشملت هذه التدابير بالأساس الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل، بالإضافة إلى تدابير أخرى تهم إحداث مساهمة اجتماعية للتضامن برسم الأرباح والدخول إلى غاية 2015، وإحداث رسم إيكولوجي على المواد التي تستعمل في تصنيع المنتجات البلاستيكية المخصصة للتلفيف يستفيد من حصيلته "الصندوق الوطني لحماية وتحسين البيئة" وغيرها.. وفي هذا الإطار تم التنصيص على إحداث سعر محدد في 10% بالنسبة للشركات التي تحقق ربحا جبائيا يقل أو يساوي 200 ألف درهم / عوض 15% و 3 ملايين درهم من رقم المعاملات ، وقد تم الرفع من هذه النسب في التعديلات التي تم تقديمها بمجلس النواب، إلى 300 ألف درهم كربح جبائي و6 ملايين درهم كرقم معاملات، وتم التنصيص أيضا على الرفع من سعر الضريبة المطبق على الأرباح المتأتية من تفويت الأراضي غير المبنية ومراعاة المردودية التي يكتسبها سوق العقار . ولا شك أن الإجراء الأول يمكن أن سيساعد على تطوير المقاولات الصغرى والمتوسطة ، تمكينها من آليات التنافسية داخل السوق ، لكن الخوف كل الخوف من كون تحديد المبلغ في 300 ألف درهم قد يتسبب في حالات الغش الضريبي ، خصوصا بالنسبة للشركات التي قد تحقق أرباح اكثر بقليل من المبلغ المذكور ، والذي يجعلها مجبرة على أداء سعر30%، وهو ما سيدفعها إلى البحث عن جميع الوسائل للتهرب من ذلك. ولذلك كان من الأفضل البحث عن صيغة مرنة يطبق فيها النظام التصاعدي، على غرار الضريبة على الدخل ، وكذلك الرفع من مبلغ 300 ألف درهم. وإذا كانت الحكومة قد شرعت منذ سنوات في اعتماد مجموعة من التدابير لفائدة الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات ، فإنها بالمقابل عجزت لحد الآن عن بلورة إصلاح شمولي وحقيقي لمعالجة الاختلالات التي تعرفها الضريبة على القيمة المضافة التي تثقل كاهل ميزانية الأسر المغربية والنسيج الاقتصادي الوطني على حد سواء ، وهكذا يظهر أن مشروع القانون المالي لسنة 2013 لم يتضمن تدابير واضحة بخصوص الضريبة على القيمة المضافة ، بالرغم من أن هذا الموضع كان مطروحا بشكل ملح في عهد الحكومة السابقة . س : ماهي العوامل التي تحكمت في اقتراح هذه التدابير دون سواها ؟ ج : لقد تحكمت العديد من العوامل في اقتراح الحكومة للإجراءات الضريبية المتضمنة في مشروع قانون المالية 2013 ، ومنها استحضار السياق العام الذي يتميز بظرفية دولية صعبة جدا تطبعها هشاشة اقتصادية واضطرابات سياسية، وبالدرجة الأولى استمرار تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وخاصة في دول المتقدمة وظهور الاضطرابات السياسية في العديد من دول الجنوب، وكذا التغيرات المناخية وتأثيرها على الغذاء ،وارتفاع أسعار المواد الأولية في الأسواق الدولية وخاصة أسعار المواد الطاقية والمواد الغذائية الأساسية،دون إغفال الجوانب الداخلية ، والتي تتسم بتفاقم عجز الميزانية وعجز في رصيد المعاملات الجارية لميزان الآداءات ... س : يتحدث المشروع عن آليات جديدة لتعزيز التماسك الاجتماعي، وبهذا الخصوص أثار أعضاء البرلمان بمجلسيه مسألة رفع الضغط الضريبي وإثقال كاهل الطبقات الوسطى، بسبب المساهمة التي اقترحها المشروع من أجل تمويل صندوق التماسك الاجتماعي، كيف تنظرون أنتم كخبير اقتصادي وجبائي لهذه الآلية ؟ ج : يجب أن نوضح الأمور منذ البداية ، المغاربة معروفون بتضامنهم مع الغير، فكيف لا يمكن أن يكونوا كذلك مع بعضهم، وهناك العديد من التجارب التي يمكن الاسترشاد بها في هذا المجال، كما هو الشأن بالنسبة للحساب الخاص الذي فتح ببنك المغرب على إثر الزلزال الذي ضرب مدينة الحسيمة، لذلك من حيث المبدأ لا يمكن إلا أن نتجاوب بشكل إيجابي مع جميع المبادرات ذات الطابع التضامني ، وفي هذا الإطار ، لا يمكن إلا أن ندعم الخطوات الحكومية الهادفة إلى تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، باعتبار أن التماسك الاجتماعي ضروري لنجاح واستدامة كل سياسة تنموية. لكن مع ذلك لابد أن نميز بين المساهمات الاختيارية والاقتطاعات الإجبارية حتى وإن كانت محدودة في الزمان و محصورة في فئات اجتماعية معينة ، ولذلك أعتقد أن المقترح الذي جاءت به الحكومة في مشروع القانون المالي لسنة 2013 ، والمتعلق بالمساهمة التضامنية، ، يعتبر اقتطاعا إجباريا وليس مساهمة اختيارية ، وهو يخضع لمنطق الخضوع والإدعان الذي يفرض في الاقتطاعات الضريبية ، وبالتالي فإننا يمكن أن نعتبر هذا الإجراء نوعا من أنواع الضرائب. أما بخصوص مسألة رفع الضغط الضريبي وإثقال كاهل الطبقات الوسطى؛ بسبب المساهمة التضامنية ، فمن المعروف أن أي إجراء من هذا القبيل تكون له انعكاسات اقتصادية واجتماعية ، ولكن من الصعب جدا الحديث عن مدى الضغط الضريبي الذي سيسببه هذا الإجراء ، باعتبار أن هناك عوامل كثيرة تتداخل لتتحكم في هذا الجانب. س : لقد ارتكزت الحكومة على الفصل 40 من الدستور في اقتراح هذا الإجراء ، كما أنها انطلقت من أهداف نبيلة بالإضافة إلى أن انعكاسه على المساهمين يبقى محدودا ، فلماذا توجيه الانتقاد له ؟ ج : ما أشرت إليه صحيح فالحكومة تشير إلى الفصل 40 من الدستور الذي ينص على أنه :( على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد؛)، كما أنها توضح بأن انعكاس وتأثير هذه المساهمة التضامنية، يبقى محدودا على الشركات التي تحقق أرباحا تفوق 20 مليون درهم ، أي ستهم 500 شركة، أي ما يعادل حوالي 0,05% من النسيج المقاولاتي ، وحوالي 36 ألف من ذوي الدخل الصافي الذي يفوق 300 ألف درهم سنويا ، أي أقل من 1 في المائة من الأشخاص الخاضعين للضريبة على الدخل ؛ وحددت مدة تطبيق هذه المساهمة في 3 سنوات في انتظار إصلاح صندوق المقاصة باستهداف الفئات التي هي في حاجة إلى الدعم، وتؤكد الحكومة أن هذه المساهمة التضامنية، إلى جانب تدابير أخرى ، ستساعد حوالي مليون تلميذ على مواصلة الذهاب إلى المدرسة وستمكن من توفير لوازم الدخول المدرسي لفائدة حوالي 4 ملايين تلميذ، وستمكن حوالي مليون ونصف من الفقراء من الاستفادة من العلاج مجانا؛ إن هذه الأشياء كلها جميلة جدا ولا يمكن الاختلاف حولها ، بل إن الضرورة تقتضي العمل، عن طريق الإعلام والتعليم ، على إشاعة روح التضامن داخل المجتمع ، خصوصا في وقت الأزمات، حيث تواجهنا تحديات كبيرة بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية ، ولكن ألم يكن من الأجدى اللجوء إلى مبدأ الاختيار والتطوع في هذا الإجراء كما حصل في مناسبات سابقة ؟ وبما أن الأمر يتعلق بالتضامن، لماذا لم يفتح المجال أمام جميع المواطنين المغاربة لكي يساهموا كل حسب استطاعته ؟ فربما تكون الموارد المحصل عليها عن طريق الاختيار والتطوع أكبر بكثير من تلك التي سيتم تحصيلها عن طريق المساهمة الإجبارية. وللمزيد من التوضيح فنحن لا نجادل في البعد التضامني ، وإنما نختلف حول المنهجية وحول المسطرة المتبعة في تحقيق أهداف هذا الإجراء الذي وافق عليه مجلس النواب وليس هناك ما يدعو لعدم إقراره من قبل مجلس المستشارين . س : يظهر أن الخلل ليس في التدابير الضريبية السنوية التي يتم إدراجها في قواينن المالية، ولكن في النظام الجبائي بشكل عام ، وهو ما شارت إليه العديد من الدراسات ، ما هو التوصيف الذي تعطونه لهذا النظام ؟ وما هي أهم مداخل الإصلاح التي بإمكانها تجاوز مظاهر الاختلال ؟ ج : يجب التأكيد على أن الإصلاح الضريبي يشكل في الوقت الحالي رهانا حقيقيا بالنسبة للمغرب في ظل التحولات العميقة التي يشهدها العالم ، وإدخال طرق جديدة في تدبير الأموال العمومية ، بالاعتماد على التثمين الأفضل للموارد ، وتحسين شفافية الميزانية ، وتقوية دور أجهزة المراقبة. وهذا الإصلاح يجب أن يركز على مجموعة من المحاور ، منها النهوض بالموارد البشرية وتعبئة جميع الإمكانيات وضمان الانسجام و العصرنة والتبسيط والعقلنة بالنسبة للمقتضيات القانونية الضريبية ،سواء على مستوى المنظومة الوطنية أو الجبايات الجهوية أو المحلية، والاهتمام بالخبرة الجبائية عبر توفير الإطار القانوني والمؤسساتي للخبراء الجبائيين ، وذلك عبر إحداث جهاز خاص بالخبراء الجبائيين،الذي بإمكانه تجاوز حالة الاحتقان ، وتحسين أجواء الثقة والحد من النزاعات التي تنشب بين الإدارة الضريبية و الملزمين . والحرص على تخفيض التحملات الضريبية بالنسبة للمقاولة والأسر وضمان التمويل الأفضل للنفقات العمومية ، وضمان التوازن بين الأبعاد المالية والاقتصادية والاجتماعية للضريبة . إن آخر الدراسات التي نبهت إلى ضرورة الإسراع بإصلاح النظام الضريبي ، هي التقرير الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول موضوع «النظام الجبائي المغربي والتنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي»، وهو التقرير الذي رصد أهم الاختلالات، والتي تتمثل في غياب العدالة الضريبية، انطلاقا من التوزيع غير العادل للعبء الضريبي بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين، إذ تتحمل 2 في المائة من المقاولات المغربية حوالي 80 في المائة من الضريبة على الشركات، كما أن الأجراء يتحملون حوالي 75 في المائة من مجموع الضرائب على الدخل، وعدم فاعلية نظام التحفيزات والإعفاءات الجبائية ، بالإضافة إلى توسع قاعدة القطاع غير المنظم ، حيث يتم حرمان الوعاء الضريبي من موارد كبيرة إضافية من الممكن تحصيلها من القطاع غير المهيكل، أو يمكن أن تنتج عن فرض رسوم على أشكال من امتلاك الثورة ،وكذا عدم خضوع عدد كبير من الأنشطة الاقتصادية المدرة للدخل لأي نظام جبائي، خصوصا بالنسبة للقطاع الفلاحي وأساسا الاستغلاليات الكبيرة التي تحصل على أرباح كبيرة. ومن المفروض أن تنطلق المناظرة الوطنية حول الإصلاح الضريبي المزمع تنظيمها في بداية السنة المقبلة ، من هذا التشخيص لتقديم أجوبة مقنعة حول الإكراهات والاختلالات التي ظل النظام الجبائي يتخبط فيها، مع الحرص على إشراك جميع الأطراف وعدم إغفال الخبراء وممثلي المواطنين من منظمات المجتمع المدني .. وإذا كان من بين الأهداف الاقتصادية للإصلاح الضريبي هو تحقيق انخفاض في أعباء الضريبة وتطوير اسلوب المحاسبة والتحصيل وإعادة توزيع الأعباء بحسب المقدرة التكليفية لكل ملزم ، فإن المنطق يستوجب التأكيد على حقيقة في غية الأهمية وهي أن التشريع وحده غير قادر علي إنجاح مشروع الاصلاح الشامل الضريبي وإنما يتطلب الأمر الاهتمام بالجوانب التطبيقية ، وبالأخص ضمان النزاهة والنجاعة والفعالية للجهاز الضريبي.