سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبد الله العكوشي: لا حديث عن سياسة ضريبية في غياب مؤشرات لتقييم أهدافها الكبرى الباحث في المالية العمومية قال ل «المساء» إن إشراك المواطن في وضع السياسة الجبائية شرط للانخراط في ثقافة الواجب الضريبي
يرى الباحث في المالية العمومية ومفتش المالية عبد الله العكوشي أنه لا يمكن الحكم على أي سياسة جبائية في ظل غياب وثيقة محددة تبرز ملامحها اللهم ما يلتقط من تصريحات وتدخلات لمسؤولي وزارة المالية. ويضيف المتحدث أن تقييم تأثيرات الإصلاحات الضريبية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي يستلزم وضع مؤشرات للتقييم ضمن صياغة السياسة الضريبية. ونستعرض مع العكوشي في هذا الحوار آراءه حول النظام الجبائي في المغرب من حيث علاقة المواطن به، والإجراءات المتخذة في السنين الأخيرة لتوسيع الوعاء الضريبي وتقليص الثقل الجبائي. - تقول وزارة المالية إنه تم تطبيق إصلاح ضريبي تدريجي في السنوات الأخيرة في اتجاه توسيع الوعاء الضريبي وتقليص العبء الجبائي، فهل تعتقد أن هذا هو المطلوب في الإصلاح الضريبي الشمولي؟ أول ملاحظة يمكن إبداؤها بخصوص السياسة الضريبية هو غياب وثيقة محددة تبرز ملامحها اللهم ما يلتقط من التصريحات الحكومية وتصريحات مسؤولين في الحكومة بهذا الشأن، وقد قرأت في تقديم مشروع القانون المالي أن هذه السياسة الضريبية تهدف إلى عدم زيادة الثقل الجبائي من أجل دعم القدرة التنافسية للمقاولات وبلوغ العدالة الضريبية وإرساء ثقافة للملزم (دافع الضرائب). ولكن الضرائب التي يتحدث عنها القانون المالي هي ضرائب الدولة، التي تسيرها المديرية العامة للضرائب وضرائب الجمارك، دون أن يشمل الأمر ضرائب الجماعات المحلية، وهو ما يدفعنا للتساؤل إن كانت هذه الضرائب المسماة جبايات محلية تسير في نفس أهداف ضرائب الدولة، وهل الاقتطاعات شبه الضريبية كالمساهمات الاجتماعية التي تقوم بها بعض مؤسسات الدولة منخرطة أيضا فيما تقوله وزارة المالية؟ ولتقييم الإصلاحات الضريبية لا بد من وضع مؤشرات للتقييم تكون متضمنة ضمن السياسة التي تضعها الدولة في الشأن الجبائي، مثلا إن قلنا إننا نريد تقوية تنافسية المقاولات عبر إصلاح ضريبي فيجب تحديد مؤشر لتقييم مدى تحقيق هذا الهدف بعد سنوات معينة، وكذلك الأمر إذا قلنا إننا نريد تحقيق العدالة الضريبية، إذ سيكون المطلوب هو وضع مؤشر يوضح من يدفع الضرائب ومن لا يدفعها، وبناء على هذا المعطى يتضح أننا أمام خطاب حول الإجراءات الضريبية أكثر منه سياسة ضريبية بالمفهوم العلمي للكلمة. إذ يفترض الأمر صياغة مكتملة لهذه السياسة من حيث الأدوات المستعملة كالوعاء والأسعار والتخفيضات والأهداف كالحد من الفوارق والهدف المالي والعدالة الضريبية. ولا يمكن الحديث عن سياسة ضريبية بمعزل عن ربطها بالسياسة المالية العمومية، أي النفقات، بمعنى ماذا نفعل بالعائدات الضريبية، حيث إن المواطن يدفع واجباته الجبائية ليحصل على خدمات في جودة معينة، وباستثناء ما جاء في المناظرة الوطنية حول الضرائب، التي انعقدت سنة 1999، فإنه لم يتم فتح نقاش عمومي حول السياسة الضريبية في البرلمان والجامعات والإعلام والمنتخبين لإشراك الجميع في صياغة هذه السياسة لتحقيق أمن اقتصادي واجتماعي وسياسي يضحي من أجله الجميع. - لماذا هذا الربط بين السياسة الضريبية وسياسة المالية العمومية؟ لا يمكننا الحديث عن الأولى بمعزل عن المالية العمومية في شموليتها، حيث لا يمكن تقوية القدرة التنافسية للمقاولات بواسطة السياسة الضريبية دون النظر إلى ما تقدمه الدولة لهذه المقاولات على مستوى النفقات، وكيف يتم توزيع هذه النفقات؟ وما هي القطاعات الأكثر استفادة؟ إن ما يقع هو غياب تناغم بين السياسة الضريبية وسياسة المالية العمومية، ففي فرنسا يتم الحديث عن السياسة المتبعة في الاقتطاعات الإجبارية وليس السياسة المتعلقة بهذه الضريبة أو تلك، حيث لا يتم الاكتفاء بضرائب الدولة، بل تضاف إليها ضرائب الجماعات المحلية والمساهمات الاجتماعية. وما يقع هو أن النتيجة المؤملة من إصلاح ضريبة معينة قد يتم إفشالها بطريقة غير مباشرة من خلال إجراء يخص ضريبة أخرى. - كيف ترى علاقة المغاربة بالضريبة؟ قبل الإجابة عن هذا التساؤل من المفيد الانتباه إلى الجانب اللغوي، حيث نقول الضريبة والملزم بأداء الضريبة بكل ما ينطوي عليه ذلك من إيحاء سلبي وإلزام قاهر، في حين أن التعبير عن دافعي الضرائب في اللغة الفرنسية يشير إلى مفهوم المساهم في الضريبة (Contribuable). والمطلوب من الدولة أن تشرك المواطن في وضعها للسياسة الجبائية، من خلال مجهود للإقناع بفائدتها، والمعروف أن المغاربة متضامنون شريطة أن يعلموا ويفهموا من أجل أي شيء يتضامنون، وأرى أنه في اللحظة التي يتم إقناع المواطن بمشروعية الضريبة فإن قيامه بدفعها سيتحول من إلزام إلى واجب وطني ومساهمة تظهر له على العيان ويستفيد منها، وتسهر أجهزة على مراقبة صرفها في مناحي المصلحة العامة. وإن الأسئلة التي يطرح العديد من المواطنين حول جدوى دفع الضرائب في وقت لا ينتفعون فيه من خدمات ومرافق جماعية في المستوى تبقى أسئلة مشروعة، ولتغير هذا الوضع نحو الانخراط التلقائي للمواطن في ثقافة الملزم يجب بذل جهد لإشراكه في صياغتها عبر ممثليه، ومحاربة المظاهر السلبية كالتملص الضريبي وعدم المساواة بين الناس في دفع الضرائب، ومساءلة ومحاكمة المتورطين في تبذير المال العام أو التهرب من سداد الضرائب. - في الآونة الأخيرة باشرت الخزينة العامة حجز الحسابات البنكية على عدد من المسؤولين المتملصين من دفع واجباتهم الجبائية، فهل هو مؤشر على إرادة للقطع مع سياسة غض الطرف؟ هناك مؤشر إيجابي يتمثل في أن أولئك الذين لم تكن تطالهم أجهزة المراقبة الجبائية في الماضي صاروا عرضة للمساءلة والمحاسبة، ليس كلهم، ولكن فئة منهم، وفيهم برلمانيون ومسؤولون سابقون، وهو إجراء يصب في اتجاه العدالة الضريبية، وأما الحجز على الحسابات البنكية لعدد من الشخصيات فيتعلق بما يسمى الباقي تحصيله، وهو تراكم سنوات من عدم دفع الضرائب للدولة، وكل سنة كانت تتم مراسلة المعنيين بالأمر لدفع واجبهم الضريبي، لكنهم لا يسددونه. ولكن المسألة لا تنحصر في الباقي تحصيله من ضرائب سنوات ماضية، بل المهم هو في تحديد من الذي يجب مراقبته من لدن الإدارة الضريبية، حيث إن المطلوب هو أن تطال المراقبة شركات لم تخضع قط لها، وأن تجبر على دفع ما تهربت من تسديده عند التثبت من ممارستها لهذا الأمر. - يشعر المغاربة بأن الثقل الضريبي ضاغط على جيوبهم، سواء من حيث العدد أو الحجم، فهل هذا الأمر مرده غياب التوازن والعدالة في النظام الضريبي؟ هو إحساس نابع من واقع اجتماعي، ولكن المواطن العادي لا يعلم أن الضرائب لا تنحصر فقط في ما يؤدي على دخله أو تفويت العقارات وغيرها، بل هناك ضرائب غير ظاهرة كالرسوم الجمركية التي لها تأثير على السعر الذي يقتني به المواطن البضائع المستوردة، والملاحظ أن الضرائب مركزة في المغرب على شرائح المجتمع ذات الدخل المحدود وتطبق أكثر على الاستهلاك، في حين أن بعض مصادر الثروات الكبيرة لا يتم تضريبها كانتقال الثروة في صفوف العائلات الغنية، حيث يطبق المغرب نسبة هزيلة جدا على الميراث لا تتعدى 1 في المائة، في حين قد تصل في بعض الدول إلى 20 في المائة. والمفترض أن يساهم أصحاب الثروات الكبيرة، حسب قدرتهم، في المساهمة في تحمل النفقات العمومية، وهو مبدأ دستوري ينص على أن «يتحمل الجميع كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية التي للقانون وحده الصلاحية لإحداثها وتوزيعها»، والمقصود بالثروات الواجب تضريبها هي تلك الثروات غير المستغلة كرأس للمال، والثروات المكدسة كالأراضي والمباني واليخوت والمجوهرات... في المقابل نجد أن استهلاك ذوي الدخل المحدود والمعوزين للدواء والماء والكهرباء ومواد استهلاكية أساسية كالشاي والملح يخضع للضريبة على القيمة المضافة، رغم أن الذي يطبق عليه يعمل «مياوم» في ورش للبناء ولا يتوفر على أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، حيث إن التوجه في الاقتطاعات الضريبية هو التخفيف منها على الدخل والتركيز على الاستهلاك، وفي هذا استجابة لتوصيات مؤسسات مالية دولية. - لماذا تأتي القوانين المالية المتعاقبة بإجراءات متفرقة تخص تحفيزا ضريبيا أو نقصا أو زيادة ضريبية ولا يتم التفصيل في تصور شمولي للإصلاح الضريبي؟ إن مباشرة أي إصلاح ضريبي شمولي يجب أن يكون نابعا من المجتمع كله، وأما الإدارة الضريبية فهي مجرد منفذ لما يشرعه البرلمان من تشريعات ضريبية، وهي – أي الإدارة – يجب أن تخضع لمراقبة القضاء والبرلمان، ولكن يجب أن تكون المؤسسة البرلمانية في مستوى فتح نقاش حول السياسة الضريبية، غير أن الملاحظ هو أن تركيبة البرلمان وتكوين البرلمانيين لا يسيران في هذا الاتجاه. لقد كانت وزارة المالية تلقى مساعدة تقنية من صندوق النقد الدولي بغرض تقييم النفقات الجبائية، ولهذا يرفق القانون المالي كل سنة بتقرير خاص عن هذه النفقات، وهو، على كل، بادرة حسنة. وتتم في هذا التقرير دراسة الإعفاءات والاستثناءات الضريبية وما تخلفه من تكلفة مالية على مداخيل الدولة، وعندما ينظر في إمكانية حذف بعضها، فإن التوجه يكون هو استهداف المواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع، حيث يتم حذف إعفائها من تطبيق الضريبة على القيمة المضافة، لما ستدره من مداخيل جبائية كبيرة، وهي زيادة في الثقل الضريبي تمس أساسا الطبقات الفقيرة، التي لا تحظى سوى بحصة يسيرة من دعم صندوق المقاصة لدعم المحروقات وغاز البوطان. كما أن الإقدام على حذف الإعفاءات والامتيازات الضريبية لا تسبقه دراسة تأثيره الاجتماعي والاقتصادي وليس عائده المالي فقط. من جانب آخر، فإن التخفيض الجبائي على الضريبة على الدخل، الذي طرأ في الفترة الأخيرة، لم تستفد منه الطبقة الفقيرة التي لا تؤدي أصلا أي ضريبة لأنها معفية، ولكن عند إقرار الزيادة في الضريبة على القيمة المضافة على مواد أساسية كالصابون، مثلا، فإن المواطن البسيط يكون مجبرا على تحمل تبعاتها على قدرته الشرائية. - في دراسة لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي حول الإصلاح الضريبي تم استخلاص نتيجة هي أن الاتجاه العام في كثير من الدول الأعضاء في هذه المنظمة هو تقليص أكثر للضريبة على الدخل والتركيز على المزيد من تضريب الاستهلاك، فهل هذا النموذج يصلح للمغرب علما أنه هو الاتجاه الذي تسير عليه الحكومة؟ إن منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي أو صندوق النقد الدولي صارا يصدران توصيات لدول العالم الثالث في ما يخص سياستها الضريبية لأنها أصبحت تستقبل أكثر فأكثر استثمارات الشركات متعددة الجنسيات، وهذا التوجه لتقليص الضغط على الدخل والزيادة في الضريبة على الاستهلاك يخدم مصالح هذه الشركات ولا يهمها أي تعديل في الضريبة على القيمة المضافة، لأن أرباحها التي تحققها في المغرب تحولها إلى بلدانها الأصلية، وبالتالي يهمها حجم الاقتطاع الذي سيشمله، ويتسابق المغرب كباقي الدول المذكورة ليكون «تلميذا نجيبا» لهذه المؤسسات الدولية التي تشترط عليه تخفيض الضريبة على الدخل والشركات لتضخ المزيد من الاستثمارات نحو المغرب، وبالمقابل تتم الزيادة في الضريبة على القيمة المضافة على المزيد من المواد والخدمات. - قامت الحكومة بإقرار بعض التحفيزات الجبائية في السنين الأخيرة ثم تراجعت عنها كالضريبة على فائض القيمة الخاص بعمليات تفويت الأسهم، وهو ما يربك الشركات في علاقتها بهذه التحفيزات. فلماذا لا يتم اعتماد سياسة مستقرة في هذا الباب؟ إن من شروط السياسة الضريبية هو استقرار أهدافها، ويجب أن تكون التحفيزات الجبائية محددة في البداية بآجال محددة وبشروط معينة، وبعد هذه المدة يتم تقييم آثار هذه التحفيزات ليتقرر على ضوئه الاستمرار في هذا التحفيز أو التوقف عنه، وهو ما لا تقوم به أي مؤسسة من المؤسسات، وواقع الحال أن التراجع عن بعض التحفيزات الضريبية مرده ضغوط اقتصادية أو مالية دون القيام بأي تقييم، وإلى جانب هذا التقييم يفتح نقاش في البرلمان على ضوء معطيات علمية وليس فقط خطابات. - ماذا يمكن القول عما يسمى تجاوز «السياسة الضريبية» المعتمدة في المغرب إذا ما تم تقييمها من منظور الفعالية والعدالة؟ إن تقييم أي سياسة جبائية يتطلب الانطلاق من وثيقة معينة تشرح هذه السياسة من حيث أهدافها وإجراءاتها ومؤشراتها التقييمية كتقليص الفوارق الاجتماعية والعدالة الجبائية وغيرها. وعلى أي، فحتى الأهداف المعلنة عنها وراء المنظومة الضريبية المطبقة تبقى بعيدة التحقق، مثلا عندما تطلع على بنية المساهمين في المداخيل الضريبية تجد أن نسبة 2 في المائة من الشركات في المغرب تساهم بحصة الأسد في الضريبة على الشركات، فأين باقي الشركات وكم تساهم المهن الحرة في العائدات الضريبية. كما أن الحصة الكبرى من مداخيل الضريبة على الدخل يؤديها المأجورون، لأن الاقتطاعات في دخلهم تكون من المنبع ولا مجال لهم للتملص، ولكن أين هي الفئات التي لا تصرح أصلا بدخلها، وصارت دفة الرساميل موجهة في جزء منها نحو القطاعات التي تتوفر فيها تحفيزات ضريبية وإمكانيات للتهرب من دفع الواجبات الجبائية كالعقار مثلا ومشكلة «النوار». ورغم المجهودات التي قامت بها إدارة الضريبة لدفع مهنيي قطاع العقار لسداد واجباتهم الجبائية، فإن النمو الكبير الذي عرفه القطاع لم ينعكس على مساهمته في محصول الضريبة إلا بقدر يسير، وهو ما دفع الحكومة إلى التراجع عن عدد من الامتيازات الضريبية التي منحت له، وبوشرت مراجعة الوضعيات الضريبية للفاعلين في القطاع، وكانت نتائج هذا التغيير في التعامل مهمة.