إبان إنجاز عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى في 2004، عمد بعض المواطنين لدى استجوابهم من لدن المكلفين بالإحصاء إلى نفي تملكهم لأي محلات مخصصة للكراء سواء للسكن أو للتجارة رغم أنهم يتوفرون عليها، وذلك مخافة أن تطبق عليهم الضريبة على الربح الذي يحصلون عليه، هذه الحالة تظهر بعضا من علاقة شريحة من المغاربة بالضريبة، غير أن البعض يربط بين سلوك التهرب هذا من أي شكل من أشكال التضريب والثقل الذي يشكله الضغط الجبائي على كاهل دافعي الضرائب بالنظر إلى ضعف القدرة الشرائية وغياب شبكات للحماية الاجتماعية لدى فئات واسعة من العاملين توفر خدمات متعددة مقابل ما تشكله الضرائب من إنقاص من دخل النشيطين. ضغط ضريبي مرهق رسمياً لا تتعدى نسبة الاقتطاعات الضريبية نسبة 21.53 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، ولكن عند التدقيق في تفاصيل كيفية احتساب هذا الضغط ، يتبين أن الرقم المذكور لا يأخذ بعين الاعتبار سوى ضرائب الدولة ممثلة في الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية والضرائب غير المباشرة، وبالتالي يتم استبعاد الجبايات المحلية والرسوم شبه الضريبية والمساهمات الاجتماعية التي تقتطعها مباشرة صناديق الحماية الاجتماعية. ويقول الباحث في المالية العمومية، عبد الله العكوشي، في كتاب «الاقتطاعات الإجبارية الشاملة في المغرب» الصادر أخيرا إن مقارنة نسبة الاقتطاعات الضريبية في المغرب مع بلدان أخرى متقدمة تظهر أن هذه النسبة تفوق أحيانا بعضا من هذه البلدان، حيث يصل المعدل في ألمانيا إلى 21.1 في المائة وفي اليابان إلى 15.6 في المائة وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية 18.8 في المائة. ويضيف في مؤلفه أن تأثير هذا المعدل «هو أكثر ثقلا في المغرب من البلدان الأخرى، نظرا لضعف دخل عموم المواطنين والتفاوت الكبير بين الأجور (التي تصل إلى 100 مرة)، وكذا بسبب ضيق الوعاء الضريبي نتيجة الإعفاءات وظاهرتي الغش والتهرب»، كما أن جزءا مهما من الناتج الداخلي الإجمالي يحظى بشبه إعفاء والأمر يتعلق بالقطاع الفلاحي، في حين أن الدول المتقدمة تخضع كل ناتجها الداخلي تقريبا للاقتطاعات الإجبارية، وهو ما يعني أن الرقم الذي يتم تسويقه عن حجم الضغط الضريبي يبقى بعيدا عن إعطاء فكرة واضحة عما يشكله الضغط الضريبي من عبء على كاهل الأسر وتنافسية الاقتصاد الوطني، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن إجمالي الاقتطاعات الإجبارية التي تؤخذ من الناتج الداخلي الخام قد تصل إلى 40 في المائة عند احتساب الجبايات المحلية والضرائب المباشرة وغير المباشرة والرسوم الجمركية والاقتطاعات الاجتماعية. وتشير معطيات وزارة المالية إلى أن نسبة الاقتطاعات الإجبارية على الناتج الإجمالي دون احتساب الفلاحة بلغت 34.31 في المائة في سنة 2005 بعدما كانت في حدود 31.65 في المائة في 2002، و30.58 في المائة في 1990، ويخلص الباحث المذكور إلى أن نسبة الاقتطاعات الإجبارية على النسيج الإنتاجي الخاضع للضريبة في المغرب يتم تخفيضها بشكل مصطنع، ونفس الشيء بالنسبة إلى الرسوم شبه الضريبية ومجموع مساهمات الاحتياط الاجتماعي التي يتم تدبيرها من قبل أنظمة أخرى غير الضمان الاجتماعي، فإن عدم أخذها بعين الاعتبار يؤكد التوجه نحو التقليص وبالتالي انعدام الشفافية، وينتج عن ذلك أن المعدل الشامل للاقتطاعات الإجبارية في المغرب يتعدى بكثير نسبة 30 في المائة حسب نص المؤلف. إصلاحات ضريبية محتشمة يحلو لوزير الاقتصاد والمالية، صلاح الدين مزوار، الإشارة في كل مرة أثيرت مسألة تقوية القدرة الشرائية للمواطنين إلى أن الحكومة رفعت فئة الدخل المعفاة من الضريبة من 24 ألف درهم إلى 28 ألف درهم ثم إلى 30 ألف درهم، كما خفضت السعر الأعلى للضريبة على الدخل من 42 % إلى 40 % ثم إلى 38 في المائة وراجعت الأسعار المطبقة على باقي شرائح الدخل. غير أن هذا الخفض لم ينعكس سوى بزيادة هزيلة على ذوي الدخل المحدود حيث لم ترتفع أجورهم إلا بنحو 50 درهما، فيما كانت الفئة الأكثر استفادة هي أصحاب الأجور العالية التي عرفت زيادة فاقت 2000 درهم، في حين أن الأولى بتحسين دخله هي الفئات ذات الأجور الضعيفة وليس العكس. كما أن الفائدة التي حصل عليها الأجراء، على هزالتها، جراء التخفيض في نسب الضريبة على الدخل في 2009 و2010 سرعان ما اختفت أمام الزيادة التي طرأت على أسعار الكثير من المواد الغذائية الأكثر استهلاكا وكذا الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء، وذلك بفعل الزيادة في نسبة الضريبة على القيمة المضافة على العديد من المواد في السنين الأخيرة. ويعتبر الكثير من المراقبين أن مباشرة الحكومة تخفيضا على الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات، حيث انتقلت هذه الأخيرة من 35 % سنة 1996 إلى 30% سنة 2009، وهناك ضغوط للمزيد من تخفيضها، هو استجابة لضغوط المؤسسات المالية الدولية والتي تدافع عن مصالح الشركات متعددة الجنسيات التي تأتي للاستثمار في المغرب بأقل كلفة ممكنة، في حين عجزت الحكومة لحد الساعة عن الإتيان بإصلاح شمولي وحقيقي لمعالجة الاختلالات التي تعرفها الضريبة على القيمة المضافة التي تثقل كاهل ميزانية الأسر المغربية والنسيج الاقتصادي الوطني. ملامح السياسة الحكومية تقول الحكومة إنها تحرص في السياسة المتبعة في المجال الضريبي، من جهة، على عدم تفاقم الضغط الضريبي بغية تحسين مردودية وتنافسية المقاولات، ومن جهة أخرى على ضمان مزيد من العدالة في توزيع الأعباء الضريبية حسب قدرات دافعي الضرائب طبقا للمقتضيات الدستورية في هذا المجال، وتضيف أن هدف الجهود المبذولة هو تحديث النظام الضريبي مع الحرص على استقراره والمحافظة على مصداقيته وإعادة هيكلة الإدارة الضريبية وترشيد آليات عملها. فبعد إرساء أسس نظام ضريبي يستجيب للمعايير الدولية ويرتكز على أربع دعامات أساسية: الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الدخل والضريبة على الشركات ورسوم التسجيل والتمبر، فقد شملت الإصلاحات المتخذة، بالإضافة إلى مواصلة تبسيط وتوحيد القواعد، مراجعة جدول الضريبة على الدخل في اتجاه تخفيف العبء الجبائي الذي يتحمله الملزمون في إطار قوانين المالية لسنتي 2009 و2010 برفع شريحة الدخل المعفاة إلى 30 ألف درهم وتخفيض السعر الأعلى للضريبة على الدخل من 42 % إلى 40 % ثم إلى 38 في المائة، وكذا تقليص أسعار الضريبة على الشركات، حيث انتقلت من 45 % سنة 1987 إلى 35 % سنة 1996 و 30 % سنة 2009، مع خفض السعر المطبق على القطاع المالي من 39,6 % إلى 37 في المائة. وحسب وثائق مشروع القانون المالي، فإن السياسة الجبائية تهدف إلى توسيع وتوحيد وعاء الضريبة على القيمة المضافة بغرض تكريس مبدأ الحياد والحد من الأنظمة الاستثنائية وتعدد الأسعار والإعفاءات. أهم الإجراءات الضريبية في مشروع القانون المالي 2011 جاء في مشروع القانون المالي اعتماد معدل مخفض نسبة 15 في المائة على الشركات المصنفة في خانة المقاولات الصغيرة، ويشترط على المستفيدين من هذا المعدل المخفض خلق ما لا يقل عن منصب شغل واحد كل سنة على مدى ثلاث سنوات انطلاقا من سنة الخضوع لهذا النظام الضريبي، وتقول الحكومة إن هذا التدبير يرمي إلى دعم نسيج المقاولات الصغيرة وتحسين مناخ الأعمال وتشجيع المقاولات على المزيد في الشفافية وتشجيع خلق فرص الشغل. من جانب آخر ولتسريع خطوات تأسيس مكانة للمغرب ضمن خريطة المراكز المالية الإقليمية، تم تخصيص نظام خاص للشركات التي ستقدم للاستثمار في القطب المالي للدار البيضاء وذلك لتحسين جاذبية المغرب للاستثمارات، حيث اقترح الإعفاء الكامل من الضريبة على الشركات خلال السنوات الخمس الأولى، وتطبيق نسبة مخفضة تساوي 8,75 % بعد هذه الفترة، فضلا عن تطبيق معدل إبرائي يساوي 20 % على الرواتب والمكافآت والأجور الإجمالية التي تدفعها هذه الشركات. لدعم تعبئة الادخار اقترح القانون المالي تخفيض المعدل الإبرائي المطبق على دخول رؤوس الأموال المنقولة من مصادر أجنبية من 30 إلى 1 في المائة، وذلك لمسايرة الممارسات الدولية في مجال الضرائب. من جانب آخر وبعد طول انتظار، أتت الحكومة بمقترح لمواجهة مشكلة القطاع غير المنظم التي يشكل ثقلا كبيرا على مناحي مختلفة من الاقتصاد الوطني، وهدف حزمة الإجراءات الجبائية التي اعتمدت في القانون المالي وتمتد لفترة 2011-2012 هو إدماج هذا القطاع في الاقتصاد الوطني، ومنها عدم إخضاع الدخل والعمليات المنجزة ما قبل عملية تحديد الملزمين، والإعفاء من الضريبة على الدخل المتعلقة بالدخل المرتبطة بتقسيم المناطق، وتقييم المخزونات المتوفرة لدى هذه المقاولات من أجل تحقيق هوامش إجمالية تفوق أو تساوي 20 في المائة، فضلا عن تبسيط أداء الضريبة على القيمة المضافة الذي يرتكز على الهامش الإجمالي المحقق عند بيع المخزون. على المستوى الجمركي، ولتجنب فارق ضريبي شاسع في أفق 2012 الذي يتزامن مع التحرير الجمركي الكامل المقرر ضمن اتفاقية الشراكة التي تربط المغرب بالاتحاد الأوروبي، وبالتالي تفادي تحويل التجارة لفائدة جهة أخرى، سيتواصل التنفيذ التدريجي للإصلاح الجمركي سنة 2011 والذي سيؤدي مستقبلا إلى معدل أقصى قدره 25 % وفارق قدره 10 % ما بين المعدل التفضيلي والمعدل المشترك. وبالتالي سينتقل هذا المعدل إلى 30 في المائة سنة 2011.