I - في إطار الحراك السياسي والاجتماعي الذي تعرفه بلادنا منذ فبراير الماضي والذي أنتج نقاشات حول الإصلاحات بكافة أبعادها، السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية، وأثمر رفع مجموعة من الشعارات، ارتكزت أساسا على محاربة الفساد والتقليص من الفوارق الصارخة وإقرار العدالة الاجتماعية، تعد عملية إصلاح الضرائب في شموليتها أحد المتطلبات التي يستلزمها تدبير الشأن العام من أجل حكامة اقتصادية جيدة وتوازن اجتماعي عادل واستقرار سياسي ديناميكي لبلادنا. وأعتقد أن الشروط الذاتية والموضوعية تستدعي وضع إصلاح المنظومة العامة للضرائب في صلب النقاشات الجارية من أجل معالجة الاختلالات الحالية وإقرار نظام جديد يمكن من تعبئة السياسة الجبائية في إطار التوزيع العادل للثروة الوطنية. ولعل مبدأ الإنصاف يفترض إقرار ضريبة تضامنية يجب أن تكون أحد مكونات النظام الضريبي الجديد؛ ولذلك، فإن هذا المطلب لازال ضروريا وملحا أكثر من أي وقت مضى، لكن وفق مقاربة مغايرة لما قدمناه أثناء مناقشة القانون المالي لسنة 2009، أي أنه يجب تبني ضريبة تضامنية جديدة لا تطبق بالضرورة على الثروة خصوصا، وقد لمسنا رفضا مطلقا لمقترح الفريق الفيدرالي من طرف كافة الفرق في مجلس المستشارين. ويجب التأكيد على أن إقرار ضريبة تضامنية يجب أن يندرج في إطار مقاربة شمولية تتطلب إرادة سياسية قوية من أجل محاربة الريع والاحتكار والرشوة واستغلال النفوذ والعمل على فرض احترام الالتزامات الضريبية والاجتماعية واتخاذ تدابير إجرائية لإدماج القطاع غير المهيكل في الدورة الاقتصادية النظامية العادية. II - أعتقد أنه يجب الشروع في وضع نظام لإعادة التوزيع في كليته، وذلك قصد الاستجابة لمتطلبات التضامن في كل أبعاده، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بغية تقليص الفوارق وإقرار العدالة المتوخاة. وفي هذا الإطار، تقتضي المقاربة المغايرة لإقرار ضريبة تضامنية ربطها بشكل جدلي بإصلاح نظام المقاصة وفق منظور شمولي، فنظام المقاصة يعاني أساسا من ثلاثة اختلالات: - غلافه المالي غير متحكم فيه وموجه إلى الاستهلاك عوض الاستثمار وتقوية الحماية الاجتماعية؛ - مدعم لقطاعات وسلاسل إنتاج لها قدرة تنافسية ومشجع على فتح مجالات لاقتصاد الريع؛ - متميز بضعف نسبة استفادة الفقراء من الدعم بكيفية مباشرة بالمقارنة مع الميسورين. لذلك، فحفاظ النظام الحالي على هذه الاختلالات يطرح إشكالا نظرا إلى كونه يؤثر سلبا على توازنات المالية العمومية ولا يساهم في تحقيق الإنصاف الاجتماعي. أما حذف صندوق المقاصة فسيكون من نتائجه السلبية تطبيق حقيقة أسعار جميع السلع والخدمات، مما سيؤدي إلى إضعاف القدرة الشرائية لأغلب فئات المجتمع (80 في المائة من الأسر لا يتجاوز دخلها الشهري 6.650 درهما) وتفقير الطبقة الوسطى التي تعتبر عماد التوازن الاجتماعي والاستقرار السياسي للبلاد. إذن، فإصلاح نظام المقاصة يجب أن ينصب، في نظرنا، على ثلاثة مرتكزات أساسية: - الإبقاء على صندوق المقاصة مع التحكم في غلافه المالي عبر ترشيد للنفقات وتحسين للحكامة ومحاربة للريع بكل أشكاله؛ - الاستهداف المباشر للمعوزين وضمان ولوجهم إلى الخدمات الأساسية؛ - إقرار ضريبة تضامنية تستهدف الميسورين كآلية لاسترجاع أموال الدعم التي يستفيد منها هؤلاء لا تشبه آلية تضريب الثروة. وإذا كانت الحكومة قد شرعت في التطبيق التدريجي للمرتكزين الأولين، فإنها لم تستطع إلى حد الساعة وضع المرتكز الثالث على طاولة النقاش، ولذلك فنظام المقاصة يبقى جزئيا إذا لم يستهدف الميسورين الأكثر استفادة من دعم صندوق المقاصة. لذلك، فهناك ترابط جدلي بين إصلاح نظام المقاصة وإصلاح المنظومة العامة للضرائب، خصوصا في شقها التضامني الذي سيمكن من المساهمة في تعزيز مقومات التماسك والتضامن الاجتماعي. III - لقد أبانت التجربة الأوربية عن كون العديد من الدول قامت بحذف الضريبة على الثروة وأقرت مقاربات مغايرة للمساهمة، فدول مثل النمسا ألغت العمل بهذه الضريبة سنة 1994، والدنمارك سنة 1996، وألمانيا سنة 1997، وهولندا سنة 2001، وفنلندا واللوكسمبورغ سنة 2006، والسويد سنة 2007، وإسبانيا سنة 2008. وأسباب هذا الإلغاء بهذه الدول، في غالبيتها، تتعلق بمخاطر خروج رؤوس الأموال واللاتوازن، وكذلك التكاليف المرتفعة لتدبير هذه الضريبة مقارنة بمحدودية مردوديتها. لكن حكومات هذه الدول أبدعت أساليب جديدة لدفع الأغنياء إلى المساهمة، منها مثلا: - الرفع من الضريبة على الدخل المرتفع بنسب استثنائية (3 في المائة في ألمانيا)؛ - الاقتطاع من مداخيل فوائد الادخار (10 في المائة في اللوكسمبورغ)؛ - الرفع من نسب الضرائب المطبقة على الفائض غير المنقول (حالة الدنمارك)؛ - تطبيق ضريبة على الأملاك العقارية (فلندا)؛ - الاقتطاع من المنبع من أرباح صناديق الاستثمار (15 في المائة في بلجيكا). إذن، ففي المغرب يجب البدء بتطبيق ضريبة تضامنية للمساهمة في استرجاع الدولة للدعم الذي يستفيد منه الأغنياء، وهي آلية ليست بالمفهوم الضريبي المتعارف عليه دوليا، لكنها ستساهم في التخفيف من أعباء صندوق المقاصة، وبالتالي التشجيع على قيم التضامن والتآزر بين فئات المجتمع والانخراط في المجهود الجماعي للبناء الديمقراطي والتنموي للبلاد. وأعتقد أن تطبيق هذه الآلية سيكون بمثابة تجربة لتطوير هذه الآلية أو البحث عن بديل لها. لكن الأساسي أن تساهم فئة الميسورين، ولو جزئيا، في امتصاص الخصاصات الاجتماعية المتراكمة وإقرار مبادئ الإنصاف والعدالة.