ديكلان رايس نجم أرسنال ضد الريال    البايرن ميونخ والهزيمة الغير المتوقعة أمام الانتر    تيرازاس: الأزياء في المشاهد السينمائية ليست ترفا.. وعمل المصممين معقد    معرض الطاهر بنجلون بالرباط.. عالمٌ جميلٌ "مسكّن" لآلام الواقع    حادث اصطدام عنيف بين ثلاث سيارات يُخلف مصابين باكزناية        دينامية شبابية متجددة.. شبيبة الأحرار بأكادير تطلق برنامج أنشطتها بروح المبادرة والتغيير    الجيش يغادر دوري أبطال إفريقيا    الشعباني: "التأهل لم يُحسم بعد"    مارك روبيو: واشنطن ما تزال تؤمن بأن حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد لقضية الصحراء    توقيف شابة لتورطها في تسجيل ونشر محتويات رقمية تحرض على العنف والتشهير    توقيف شابة لتورطها في نشر محتويات رقمية تتضمن تحريضاً وإشادة بأفعال إجرامية ضد فتاة    النفط يهبط لأدنى مستوى منذ 4 سنوات.. تراجع سعر البرميل إلى أقل من 60 دولارًا    الهجرة الجديدة من "بلاد كانط".. خوف من المستقبل أم يأس من التغيير؟    تساؤلات حول مصير سفير الجزائر بواشنطن بعد تجديد الدعم الأمريكي لسيادة المغرب على صحرائه الغربية    انتخاب المغرب في مكتب لجنة الديمقراطية وحقوق الإنسان داخل الاتحاد البرلماني الدولي    الولايات المتحدة الأمريكية تجدد اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء    الراية المغربية ترفرف في باماكو وسط احتجاجات ضد دعم تبون للإرهابيين    دوري أبطال أوروبا.. أرسنال يصعّب مهمة الريال وإنتر يهزم بايرن في ميونيخ    توقيع اتفاقية شراكة بين مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني ووكالة إنعاش وتنمية الشمال    قرعة بطولة العالم لكرة اليد للناشئين أقل من 19 سنة (مصر 2025) .. المنتخب المغربي في المجموعة الثانية    الترويج لوجهة المغرب: لONMT يطلق جولة ترويجية كبرى بتورنتو وبوسطن وشيكاغو    لشكر يُشهر ملتمس الرقابة.. وأوزين يُحرج نواب الاستقلال أمام "الفراقشية"    المغرب وكوريا الجنوبية يسرعان مفاوضات الشراكة الاقتصادية    تتويج وكالة "الاستثمارات والصادرات"    وزارة التشغيل تخرج عن صمتها وتوضح بشأن عملية الاختراق    الرباط.. وزير الداخلية يستقبل نظيره الغامبي    الوزير قيوح: المغرب يعزز أمنه الجوي ويقود جهود التعاون الدولي لمواجهة التحديات في مناطق النزاع    المصادقة بجماعة دردارة على نقاط دورة أبريل والسبيطري يؤكد منح الأولوية للمشاريع التنموية    لليوم الثاني.. مظاهرات طلابية بالمغرب دعما لغزة ورفضا للإبادة    منخفض "أوليفيي" يعيد الأمطار والثلوج إلى مختلف مناطق المملكة    دروس ما وراء جبهة الحرب التجارية    أخبار الساحة    «طيف» لبصيرو «مائدة» العوادي يتألقان في جائزة الشيخ زايد للكتاب    في افتتاح الدورة 25 لفعاليات عيد الكتاب بتطوان: الدورة تحتفي بالأديب مالك بنونة أحد رواد القصيدة الزجلية والشعرية بتطوان    محاولة تهريب الحشيش تقود مغربيًا إلى السجن في سبتة    الشعب المغربي يخلد ذكرى الرحلتان التاريخيتان للمغفور له محمد الخامس لطنجة وتطوان يوم 9 أبريل    شبكةCNBC : مايكروسوفت تفصل المهندسة المغربية ابتهال لرفضها التعاون مع إسرائيل    المغرب يتصدر التحول الرقمي الإفريقي بإنشاء مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي    حادث يقتل 4 أشخاص قرب كلميمة    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    دراسة: السكري أثناء الحمل يزيد خطر إصابة الأطفال بالتوحد واضطرابات عصبية    الدولار يتراجع وسط تزايد مخاوف الركود    عرض ماسة زرقاء نادرة قيمتها 20 مليون دولار في أبوظبي    القناة الأولى تكشف عن موعد انطلاق الموسم الجديد من برنامج "لالة العروسة"    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    إشادة واسعة بخالد آيت الطالب خلال الأيام الإفريقية وتكريمه تقديراً لإسهاماته في القطاع الصحي (صور)    الوداد بلا هوية .. و"الوينرز" تدق ناقوس الخطر    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    "قمرة" يساند تطوير سينما قطر    ارتفاع ملحوظ في عدد الرحلات السياحية الداخلية بالصين خلال عطلة مهرجان تشينغمينغ    بين نور المعرفة وظلال الجهل    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جزب التقدم والاشتراكية وسؤال الانتقال الديمقراطي بالمغرب
نشر في بيان اليوم يوم 30 - 05 - 2010

بمناسبة انعقاد المؤتمر الوطني الثامن لحزب التقدم والاشتراكية، تخصص بيان اليوم ملفا سياسيا لمواكبة هذا الحدث الهام بالسؤال والجدل حول عدة قضايا أثارتها مشاريع الوثائق المعدة للمؤتمر... وحاولت هيئة التحرير جهد المستطاع الاتصال بعدد من أعضاء قيادة الحزب، وشخصيات من حساسيات سياسية أخرى، للمساهمة في هذا الملف كل من موقعه ومن مجال اهتمامه. منهم من استجاب لدعوتنا مشكورا، ومنهم من اعتذر، ومنهم من لم يستطع الاستجابة في الوقت المناسب. على كل، سيطلع القارئ الكريم ضمن مواد هذا الملف على آراء ووجهات نظر تتعلق بأسئلة الانتقال الديمقراطي في مغرب اليوم، ومسألة التحالفات السياسية، وقضية وحدتنا الترابية، والبرنامج الاقتصادي والاجتماعي للحزب، وأفكار وتصورات حول معنائية وجدوى الحزب السياسي اليوم، وآراء لمفكرين حول اليسار والسياسة وقضايا أخرى.
محمد نبيل بنعبد الله: المغرب قادر على المرور إلى مرحلة أرقى
الأحزاب السياسية مدعوة إلى الالتفاف حول مشروع جديد للابتعاد عن مخاطر التراجع
الوثيقة السياسية التي صادقت عليها اللجنة المركزية في دورتها الأخيرة عبارة عن تقييم للمرحلة التي عشناها بالمغرب منذ سنة 98. بمعنى أن الحزب حاول تقييم مرحلة التناوب التوافقي بإيجابياتها وسلبياتها، ليخلص في وثيقته السياسية، التي ستعرض أمام المؤتمر الوطني الثامن، إلى أن الاختيار الذي اختاره ودافع عنه منذ تلك الفترة بسنوات، اختيار صائب.
والوثيقة تسعى إلى تكريس مبررات هذا الاختيار من خلال التقييم الشمولي الإيجابي الذي نقوم به لمرحلة التناوب التوافقي، تعزيزا للمكتسبات التي تحققت على العديد من المستويات، اقتصادية كانت أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية. كما تقف الوثيقة على سلبيات هذه المرحلة وإخفاقاتها، ليبرز مجددا الطابع المتجدد والجريء الذي ميز الحزب دائما في مقاربته للتطور السياسي بالبلاد.
وهذا يعني أننا في حزب التقدم والاشتراكية لا نخشى صعوبة المقاربة، ونتفادى دائما السقوط في نوع من السهولة في تحليل هذه الأوضاع. لأن النسبية علمتنا أن لا شيء أبيض تماما ولا شيء أسود تماما. وانطلاقا من هذه المقاربة التي عنوناها في لحظة تاريخية بضرورة توفير "الحل الوسط التاريخي"، الذي مكن المغرب من الخروج من دائرة سوء التفاهم الذي طبع المغرب منذ الاستقلال إلى سنوات التسعينات، بين قطبين أساسيين في الحياة السياسية، المؤسسة الملكية من جهة والحركة الوطنية الديمقراطية المنضوية تحت لواء الكتلة الديمقراطية، من جهة أخرى، ومكن بالتالي المغرب من القيام بقفزة تنموية حقيقية. في ذات الوقت، وانطلاقا من هذا التقييم الإجمالي، نعتبر أن ما آلت إليه الأوضاع اليوم والتطورات التي يعرفها الحقل السياسي، الذي يتميز بتبخيس حقيقي وعودة بعض المظاهر السلبية، على مستوى الممارسة السياسية والانتخابية، كما نلاحظ ذلك التناحر بين الطبقة السياسية وفي نفس الوقت تحالفات غير طبيعية، وفوق هذا وذاك التباعد الكبير بين العمل السياسي وبين المواطنات والمواطنين، مما جعلنا ندق ناقوس الخطر على اعتبار أن المغرب في أمس الحاجة للارتقاء إلى مرحلة أرقى في سلم الممارسة الديمقراطية مما هو عليه الآن. ففي وقت تقول فيه بعض الأطراف بأن المغرب عمليا خرج من الانتقال الديمقراطي ودخل عهد الممارسة السياسية السوية، نقول نحن بأن الدخول إلى هذه المرحلة يستلزم الشروع في جيل جديد من الإصلاحات. كما أكدنا على ذلك في ندوتنا الوطنية سنة 2007 غداة الانتخابات التشريعية لسنة 2007، واعتبرنا آنذاك أن البلاد في حاجة إلى تعاقد سياسي جديد. هذا المصطلح ربما جعل البعض يتوهم أننا ندعو إلى تكرار ما حصل في المغرب سنة 98، ونحن نجيب أن الأمر لا يتعلق بتعاقد بنفس المغزى، بل يتعلق بضرورة تحديد أهداف يلتف حولها أهم مكونات الأمة والفاعلون السياسيون، لإدخال المغرب فعلا إلى عهد الممارسة الديمقراطية، ولا يقتضي التوقيع على وثيقة ما وما إلى ذلك من الإجراءات التي يمكن أن توحي بأننا نريد توافقا مع المؤسسة الملكية. أبدا نحن نقر في الحزب أن المؤسسة الملكية فوق كل اعتبار وضامنة للديمقراطية والتنافس الشريف والمتكافيء بين كل الفاعلين السياسيين، وتسير دائما في اتجاه إصلاحي أكثر تطورا وحداثة. خارج ذلك نقر أن المغرب في أمس الحاجة إلى جيل جديد من الإصلاحات، وهو الشعار الذي اخترناه لمؤتمرنا الوطني، للابتعاد عن فكرة التعاقد، حتى لا يكون هناك خلط أولا، وللقول بضرورة الالتفاف حول الجيل الجديد من الإصلاحات لتطوير الديمقراطية في إطار توافقي مع كافة الفرقاء، دون أن يعني ذلك البتة أننا نكرس التوافق كأسلوب للحكامة وتدبير شؤون البلاد.
والالتفاف على جيل جديد من الإصلاحات، كما جاء في الوثيقة، لا ينفي الصراع، ولا ينفي التنافس، ولا ينفي العودة إلى الانتخابات عسى أن تكون نزيهة وشفافة بما يمكن من إفراز أغلبية تحكم وتحاسب على برامجها. وهذا يقتضي القيام بإصلاحات دستورية تهم التوازن الجديد للسلط، وتكريس ثقافة وقيم حقوق الإنسان في شموليتها وبعدها الكوني، والإقرار بسمو المواثيق الدولية على القوانين الوطنية، والعمل على تحديد أكثر لاستقلالية المجلس الأعلى للقضاء، ودسترة اللغة الأمازيغية.
ونعتبر أن ما شاهدناه في الحقل السياسي في الفترة الأخيرة خصوصا بعد انتخابات 2007 وقبل وإبان وبعد المسلسل الانتخابي لسنة 2009 من ميولات سلبية خطيرة، يدعونا للقول بضرورة إصلاحات تهم مدونة الانتخابات وقانون الأحزاب، وتفضي إلى إعطاء الضمانات الكافية لتثمين العمل السياسي، وإيجاد صيغ تمكن النخب الحزبية الحقيقية أن تتبارى في الحقل السياسي، ويكون لها حظ أمام كائنات انتخابية تستعمل أبشع الأساليب، أن تلج مراكز القرار لتدبير الشأن العام محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا.
ودعونا إلى ضرورة إصلاحات اقتصادية، بمعنى أن التطور الاقتصادي الذي عرفه المغرب والذي نقر به يجعلنا نؤكد على ضرورة تقوية دور الدولة في تقنين وتوجيه الاقتصاد، وضبط استراتيجية شمولية للتنمية الاقتصادية تنبني على استراتيجيات قطاعية مندمجة كاملة، وإيجاد الصيغ الملائمة لمحاربة كافة أشكال اقتصاد الريع عسى أن نتمكن من إرساء أسس دولة القانون في المجال الاقتصادي. والتأكيد على محاربة كافة التأثيرات السلبية المؤثرة في الحكامة الجيدة، من رشوة واستغلال النفوذ وإصلاح القضاء والإدارة.
وباعتبار أن حزب التقدم والاشتراكية ميزته الأساسية هي أن يكون حزبا اشتراكيا، مؤمنا أن أي تطور اقتصادي يجب أن يكون محوره الإنسان، وأن البعد الاجتماعي يجب أن يكون هو الأفق الذي يحدد السياسيات العمومية، دافعنا على ضرورة إيجاد الصيغ الملائمة لجعل التنمية الاقتصادية تفرز توزيع حقيقي لثمرات النمو، معنى هذا توفير الإصلاحات الضرورية التي تؤدي إلى عدالة اجتماعية أقوى عبر محاربة كافة الفوارق المجالية والطبقية، بالرغم من ارتفاع حاد لمستوى المعيشة، وهذا يقتضي معالجة الأمور في عمقها بإيجاد الحلول المناسبة لوضعية تعليمنا عبر إعادة الاعتبار لدور ومكانة المدرسة العمومية. وإعطاء دفعة جديدة للنظام الصحي في السياسات العمومية المبلورة على هذا المستوى على أساس تطوير نظام التغطية الصحية وتحسين جودة الخدمات الصحية.
وبارتباط بالوضع الاقتصادي، نحن في أمس الحاجة للدخول في عهد جديد من الأوراش الكبرى الجديدة، لأن ما حققه المغرب من الأوراش الحالية يجعله قادرا على المرور إلى مستوى أرقى لهذه الأوراش، الموفرة لمناصب الشغل، المحركة للآلة الاقتصادية، والمقوية للنسيج الاقتصادي ومن شأنها أن تعود بالنفع على فئات واسعة من المجتمع.
وفي نفس السياق نقول بفكرة أوراش كبرى جماعاتية تهم المناطق النائية والجبلية، تمكن من فك العزلة على هذه المناطق بكاملها وتوفير القوت اليومي وظروف عيش كريم لمئات الآلاف من المواطنين بها.
ولا ننسى الجوانب المرتبطة بالجانب الثقافي الذي نعتبر أنه لا مستقبل لأي بلد ولا لأي ديمقراطية، ولا لأي برنامج تنموي دون الاعتماد على ثقافة غنية متنوعة منفتحة على العالم، مكرسة لقيمها الأصيلة. هنا يجب الإقرار بأن مجهودات كبيرة يجب أن تبذل في هذا المجال، وأن الثقافة يجب أن تحظى بنصيبها في المسار التنموي المغربي. في هذا الإطار يجب العمل على إدماج البعد الأمازيغي ثقافة ولغة في سياساتنا العمومية.
على العموم هذه الإصلاحات مطروحة الآن للنقاش في الساحة الوطنية، عسى أن تلتف حولها أهم القوى الديمقراطية والتقدمية والحداثية، إذا أردنا أن نكرس البعد التحديثي الذي عرفه المغرب في العقد الأخير، إذا أردنا أن نبتعد عن مخاطر التراجع. وهو ما يجعلنا نؤكد على التحالفات كبعد استراتيجي لمقاربتنا السياسية. ونعلن على تخندقنا في وسط اليسار، اليسار المنفتح والجريء والحداثي المتشبث بمبادئه، المتمسك ببرنامج وليس فقط حول فكرة طالما انتظرناها لتتبلور ولم تجد سبيلها إلى التحقق، اعتبارا أن اليسار لا يشكل تيارا غالبيا في المجتمع. وهنا نتشبث بإطار الكتلة الديمقراطية رغم التعثرات التي تعرفها. وهذا لا يمنعنا من القول بأن الكتلة في وضعية سبات يجب عليها تجديد ميثاقها وإعادة النظر في أساليب عملها، من أجل احتواء البعد الإصلاحي، وأن تنفتح على كل من يريد أن يلتحق بهذا الإطار، ويريد أن يلتف حول الجيل الجديد من الإصلاحات الذي نطمح إليه.
وسنظل في حزبنا منفتحين على كل الديمقراطيين والتقدميين الذين يشاركوننا هذه الأبعاد الإصلاحية.
كل هذا لا يخفي علينا البتة أن نتساءل حول هويتنا التي تظل هوية اشتراكية متشبثين بقيمها الأساسية ومرجعياتها الفكرية في إطار التجديد المستمر والتكيف معها. وهو ما يجعلنا نقول إن الاشتراكية اليوم ليست فقط قيم نتبناها وندافع عنها، بل هي أيضا طرق تدبير، وهذا لا يعني الرجوع إلى الاشتراكية الواقعية كما عرفتها بعض دول أوروبا الشرقية، لكن نرى أن هناك إمكانيات، في ظل الوضع الاقتصادي المغربي الذي جعل الدولة تحتل الموقع المركزي في المسار التنموي، وجعل الاستثمار العمومي يشكل أساس الاستثمار، وجعل الدولة تعتمد الأوراش الكبرى، ومع ذلك نقول بوجود إمكانية لبلورة أشكال من الاقتصاد الاجتماعي، والاقتصاد المتضامن، ومن التنظيمات المجتمعية القائمة على التعاونيات، وقدرة بعض المدن من خلال مجالسها المنتخبة على إيجاد أشكال تشرك المواطنين في تدبير قطاعات أساسية كتوزيع الماء والكهرباء والصيانة، مثلما هو موجود في بعض التجارب المماثلة.
بمعنى أنه في ظل هذه الأوضاع القائمة على النظام الرأسمالي يمكن أن نجد منفذا لبعض الصيغ التي تفتح الباب في مستقبل ما أمام تنظيم مجتمع ينبني على مرجعيات اشتراكية. وعلينا أن نقر أن أي تفكير في أي نظام اشتراكي إنما يرتكز على ضرورة توفير تطور اقتصادي هائل يأخذ بعين الاعتبار العدالة الاجتماعية، لأنه لا أفق اشتراكي دون مستوى عال في مجال التنمية الاقتصادية، أي أن فكرة التوزيع العادل للخيرات يعني تواجد خيرات ووفرتها، حتى نتمكن من توزيعها، لأن الأمر لا يعني توزيع الندرة أو توزيع الفقر. ما نريد أن نوزعه على المواطنات والمواطنين هو ثراء القدرات الاقتصادية المتوفرة ببلادنا.
هذه إذن مقاربتنا لهذه الفترة ويريد الحزب أن يجعل من مؤتمره لحظة سياسية قوية يتوفر فيها عنصر الوحدة والتلاحم الضروريين للاستمرار في المعركة، بقيادة متجددة تعكس فكرة التدبير الجماعي لشؤون الحزب في إطار التنوع والانسجام. مما يستوجب علينا إعادة النظر في أساليب عملنا وهياكلنا المختلفة ومنظماتنا الموازية حتى يلعب الحزب دوره كاملا واحتلال موقع أرقى في الساحة السياسية الوطنية.
محمد سعيد السعدي: المغرب بحاجة اليوم إلى "تعاقد سياسي جديد"يدعم خطوات الانتقال الديمقراطي
مما لا شك فيه أن " الحل الوسط التاريخي"، الذي كان وليد نضالات مريرة وثمرة تلاق موضوعي لإرادات المؤسسة الملكية والأحزاب الوطنية الديموقراطية، وضمنها حزب التقدم والاشتراكية، مكن المغرب من الاندراج في انتقال ديموقراطي ملموس، تجسد في بروز وضع سياسي جديد سمح بتخطي العديد من العقبات على درب التقدم والحرية والديموقراطية، وبتدبير المرحلة في ضوء معطيات اجتماعية وسياسية يهيمن عليها مفهوم التوافق التاريخي.
هذا التوافق، الخاضع لدينامية الحركة الاجتماعية وطبيعة التحالفات التي تمليها موازين القوى، يعد مدخلا ضروريا لدمقرطة نمط الحكم وتشييد ديمقراطية حقيقية ببلادنا، انطلاقا من أرضية متوافق حولها، وذلك باعتبار التوافق إطارا سياسيا ومؤسساتيا، يتيح تطوير الدمقرطة من غير أن يمثل بديلا لممارسة سياسية مبنية على التنافس الانتخابي والديمقراطية التمثيلية.
فقد شهدت مرحلة "الحل الوسط التاريخي" تعيين حكومة التناوب التوافقي، تلتها حكومة إئتلاف والعودة إلى إعمال " المنهجية الديموقراطية" من خلال تعيين حكومة يرأسها وزير أول ينتمي للحزب الفائز بالأغلبية في الانتخابات التشريعية.
وقد أرست تجربة التناوب التوافقي جوا من الثقة، وفتحت أوراشا للبناء الديموقراطي والإصلاح السياسي والتنمية، وأسهمت في انطلاق وتعزيز سيرورة التغيير التدريجي والهادئ، في إطار من الاستقرار وصيانة الوحدة الوطنية وتمتين الجبهة الداخلية.
إلا أن عملية الانتقال الديموقراطي، كانت تنقصها، بالأساس، مصاحبة دستورية متقدمة وأكثر وضوحا من دستور 1996، الذي كشفت التجربة المتراكمة على مدى السنوات الإثنى عشر الأخيرة، وما تميزت به من تحولات سياسية، محدوديته، المتجلية، بصورة ملحوظة، في حالة اللاتوازن بين سلط المؤسسات.
نحن هنا إذن بصدد إخفاقات لا يمكن إنكارها. فإلى جانب الإنجازات والمكاسب التي تحققت، خلال مرحلة التوافق التاريخي، لم يتأت، خلال فترة التوافق، إنجاز مشاريع تأهيل العدالة وإصلاح القضاء، الذي لا يزال في حاجة إلى ضمان نزاهته واستقلاله، كما لم يتأت إصلاح الإدارة الذي تمليه ضرورة تخليق تدبير الشأن العمومي ومحاربة مختلف أشكال ومظاهر الفساد، من شطط في استعمال السلطة، ورشوة، ومحسوبية، وزبونية، وإختلاس للمال العام، وتبذير، وسوء تدبير، واستغلال لمواقع الريع مما أثر سلبا على وتيرة النمو. وكلها انحرافات سياسية واجتماعية، تسهم كذلك في تشويه العمليات الانتخابية.
كما برزت صعوبات ونقائص تمثلت، بالخصوص، في عدم التمكن من إنضاج شروط مباشرة جيل جديد من الإصلاحات الدستورية والسياسية، واستمرار مظاهر منافية للحكامة الجيدة مرتبطة بدور الدولة في التوجيه والتقنين والمراقبة وبمسألة دمقرطة تسيير المؤسسات العمومية وعدم خضوعها للمراقبة وبالحفاظ على مكانة المرفق العمومي كركن أساس لتدبير شؤون المواطنين، ووجود اختلالات بينة في الحقل الاقتصادي، وفوارق اجتماعية ومجالية كبيرة. وبالموازاة مع ذلك، سجلت تعثرات في المسلسل الانتخابي الأخير، أدت إلى تعميق المنحى السلبي الذي أضحى يطبع العمل السياسي في بلادنا والذي تؤطره عوامل ومعطيات داخلية وخارجية.
فهناك من جهة أولى الرهان الدولي المتمثل في توسع رقعة الرأسمالية المالية في شكلها المتوحش مما يعني تقلص هوامش التحرك لإيجاد حل للمشاكل المطروحة التي يتقاسمها المغرب مع العديد من دول الجنوب . في هذا الصدد ، يمكن القول إن النضال لمواجهة خطر العولمة النيوليبرالية لم يعد مقتصرا على القطر الواحد والوطن الواحد بل يجب أن يتعداه للالتحام مع الحركات النضالية العالمية الاجتماعية المناهضة للامتدادات السلبية للعولمة. في هذا السياق لا يجب أن يغيب عن ذهننا الرهان الخارجي الذي يتعلق بقضية الصحراء المغربية حيث ينبغي، في الحلول المطروحة، أخذ تضحيات الشعب المغربي بعين الاعتبار. ++
ومن جهة ثانية هناك الرهانات الداخلية التي تدفعنا إلى الإقرار بعدم حل المعضلة الاجتماعية التي لم نتوقف في جعلها في صلب اهتمامات الدولة بمفهومها المؤسساتي.
فعلى المستوى السياسي، يوجد المغرب ضمن المسلسل الذي بدأ منذ بداية 90 المعنون بالانفتاح السياسي الذي مر بمراحل متعددة وطويلة نتيجة نضالات الحركة الوطنية من أجل تدشين مسلسل دمقرطة الحياة السياسية وإيجاد حلول للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية .فبخصوص مفهوم "التوافق الإستراتيجي" بين المؤسسة الملكية وأحزاب الحركة الوطنية والذي يهدف إلى إرساء دولة الحق والقانون واحترام حقوق الإنسان وحل المعضلة الاجتماعية وإطلاق الحريات العامة... من المطلوب الآن إعطاء ديناميكية أكثر لهذا التوافق في اتجاه مزيد من المكتسبات الديمقراطية والسياسية.
لكن في مقابل ذلك، هناك عدد من المعيقات التي لا تجعل المغرب يتحرك بالسرعة المطلوبة لمواجهة التحديات المطروحة، ومن ذلك وجود تفاوت في عمل المؤسسات، ونوع من عدم التوازن فيما بينها (المؤسسة الملكية – الأحزاب – الحكومة – البرلمان ...) ووجود تباين واضح في استثمار واحتلال المجال السياسي.
كيف يمكن إذن حل معضلة اللاتوازن بين المؤسسات؟ الانتخابات التشريعية لم تقدم كما كان منتظرا جوابا على هذا السؤال. إذ لم تساعد على توفير المناخ السياسي والاجتماعي المناسب لرفع التحديات المطروحة، وتحقيق التقدم في المجال الديمقراطي وحل المعضلة الاجتماعية، وذلك نظرا لإحداثها تغييرا في تراتبية الأحزاب وإعطاء خارطة سياسية مبلقنة ومشتتة وحكومة فيها نوع من الخليط بين الوسط، واليمين، وبعض مكونات الكثلة. ولم تعزز هذه التركيبة أغلبية واضحة ومنسجمة مما أثر على نوعية البرنامج الحكومي وقوته في ظل واقع دستوري يعطي الأسبقية للمؤسسة الملكية مقارنة مع مؤسسات أخرى.
وتبعا لذلك، يفترض التحضير للمحطات القادمة أولا إصلاحا دستوريا متوافقا عليه من طرف القوى السياسية في البلاد في اتجاه تعزيز سلطات الوزير الأول وإلغاء الغرفة الثانية وتقوية سلطة المؤسسة التشريعية وإصلاح المجال السياسي والحزبي في أفق تشكيل تقاطبات سياسية تمكن من إقرار أغلبية سياسية واضحة وتعزيز الخيار الديمقراطي كقضية أساسية لحل المعضلة الاجتماعية.
وارتكازا على كل هذه التراكمات الإيجابية والسلبية، ولتفادي ما يحدق بمسار الانتقال الديمقراطي من مخاطر، ينتصب مدخل جديد يتمثل في "التعاقد السياسي الجديد"، نراه مقاربة مؤطرة، كفيلة بتشييد مجتمع الديمقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية، وبإيجاد حلول لكل التحديات والرهانات التي تطوق موضوع الرهانات السياسية الكبرى بالمغرب.
عبد الله البقالي: علينا الآن التفكير في مرحلة متقدمة تنبني على تعاقد سياسي جديد قوامه إصلاحات هيكلية وسياسية جديدة
لا أحد يجادل أن مرحلة التناوب التوافقي التي دخلها المغرب واعتمدها منذ الانتخابات التشريعية لسنة 1997 كان ضروريا وحاسما في مرحلة دقيقة وصعبة تميزت بالعديد من المتغيرات على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ونعتبر أن هذا الأسلوب، أعني به التناوب التوافقي، مكن المغرب والمغاربة من اجتياز تلك المرحلة الدقيقة والصعبة دون تكاليف تقريبا. وحتى تتبين أهمية اعتماد هذا الأسلوب لنا أن نقارن مع اعتماد أسلوب آخر غير مرحلة الانتقال الديمقراطي.
غير أنه يجب التذكير، في ضوء مجموعة من المحطات الانتخابية التي جاءت بعد بداية هذه المرحلة الهامة، نرى أن مرحلة التناوب التوافقي استنفذ أغراضه وانتهت مدة صلاحيته، ومن المفروض أن تكون مرحلة التناوب، باعتبارها تمرينا أوليا على تداول السلطة، قد وصلت إلى مداها الأخير. ومن المفروض بالتالي أن يكون المغرب قد دخل إلى مرحلة التناوب السياسي مبنية على أساس ما تفضي إليه صناديق الاقتراع.
وهذا يعني أن الفاعل الرئيسي في هذه المرحلة الجديدة لن يكون هو السلطة أو الدولة، ولا حتى الأحزاب السياسية المعنية، وإنما الفاعل الأساسي هو الناخب.
ومن المؤكد أن انتخابات 2007 أعطت بعض الأجوبة الحقيقية في هذا المجال، وحملت بعض المؤشرات من قبيل تعيين الوزير الأول من الحزب الذي حصل على الرتبة الأولى في هذه الانتخابات.
كما أنه لا يمكن إلا أن نصف تلك الاستحقاقات بأنها كانت أقل سوء من سابقاتها، بالإضافة إلى أنها أفرزت متغيرات جديدة ومهمة في المشهد السياسي.
ومع ذلك نرى أن الممارسة الحالية تعتريها بعض العثرات على مستوى المؤشرات الأولية وذلك التمرين الأولي.
ويمكن القول إجمالا أن فترة الانتقال الديمقراطي الذي بدأ مع التناوب التوافقي طالت كثيرا، ويفترض الآن أن نكون قد دخلنا إلى مرحلة يكون فيها الناخب هو المقرر الوحيد والمتحكم الأوحد في مسألة التداول على السلطة.
وفي تقديري الشخصي، فإن المرحلة الجديدة تتوقف على ضرورة اتفاق كل الفرقاء على صيغة جديدة لتعاقد سياسي جديد يستند إلى جيل جديد من الإصلاحات الهيكلية والسياسية. ويبدو الآن أن هؤلاء الفاعلين يكادون يتفقون جميعهم، على الأقل من حيث الخطاب، على دفتر التحملات هذا، وشروط وكيفيات التعاقد المنشود. قد يبدو ذلك بنسب متفاوتة على مستوى السقف، ولكن جوهريا الكل متفق مع هذا التوجه. ويبدو ذلك جليا في تدخلات الفرق النيابية بمناسبة مناقشة تصريح الوزير الأول. ولذلك فإن الوقت قد حان لإعلان هذا التعاقد في إطار من التوافق الهادف إلى تعزيز الاستقرار.
وفي سياق تقييم مرحلة التناوب التوافقي نسجل بإيجابية أن العقد الأخير كان مليئا بالكثير من المنجزات والمكاسب المحققة، ونسجل لها أيضا أنها مكنت من إخراج المغرب من الورطة المظلمة إلى ساحة مضيئة. ويكفي القول أن ما تراكم من مكاسب خلال هذه المرحلة، على مستويات متعددة اقتصادية واجتماعية وسياسية، يفوق بكثير ما تحقق خلال 40 سنة التي سبقتها.
وهذا ما يجعلني أقول إنه لا يمكن أن نمارس جحودا في حق العقد الأخير الذي ودعناه. بالطبع لم يكن الوصول إلى تلك المكاسب ممكنا لولا أداء مكونات الطبقة السياسية، وإرادة ملكية كانت حافزا لقيادة المشروع. ومن الطبيعي أن لا نتمكن من تحقيق جميع المكاسب ورفع كل التحديات، وإلا لقلنا بأن الحصيلة كانت مثالية أو تكاد تكون. فهناك مطبات صادفها ركبنا، وهناك تخليات لم تستوعبها بعد المرحلة، ومن بين هذه التخليات قضايا وازنة وذات أهمية بالغة، تتعلق بمجال التعليم والتربية والتكوين، ومحاربة الفقر، والتشغيل، وتنمية العالم القروي، وإن بذلت بعض الجهود في هذه المناحي، إلا أن الحاجيات أكبر من التطلعات.
على العموم، فإن مرحلة التناوب التوافقي حققت مكاسب مهمة، على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية لا ينكرها إلا جاحد. وعلينا الآن التفكير في مرحلة متقدمة تنبني على تعاقد سياسي جديد قوامه إصلاحات هيكلية وسياسية جديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.