"دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية        واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وراش الإصلاح الضريبي و الإكراهات الظرفية
نشر في التجديد يوم 01 - 03 - 2012

كثر الحديث في الأيام الأخيرة عن المسألة الضريبية على عدة مستويات، وهي ظاهرة صحية مرتبطة بالمرحلة التي تجتازها بلادنا، ذلك أن الرهانات الضريبية كانت دائما مرتبطة اشد ارتباط بالتحولات التي تشهدها الدولة، بحيث احتد النقاش حول المسألة الضريبية بفعل تأثير عدة عوامل من بينها :
● الربيع العربي والحراك الاجتماعي الذي ترتب عنه بدرجات متفاوتة، ومن ثمة المناداة بمحاربة الفساد وإعادة تقسيم الثروة الوطنية بالإضافة إلى مطالب الديمقراطية والحرية .
● إرساء دستور جديد يؤسس لمرحلة جديدة تتوخى النهوض بحقوق المواطن السياسية الاقتصادية والاجتماعية في ظل انتفاضات شعبية تراوحت ما بين الثورات العنيفة والانتقال الديمقراطي السلمي.
● إجراء انتخابات تشريعية تنزيلا لدستور فاتح يوليوز والتي تم إجراؤها يوم 25 نوفمبر وأتسمت بالنزاهة باعتراف كل الفرقاء السياسيين والملاحظين والمراقبين التابعين للمؤسسات الغير الحكومية سواء الوطنية اوالأجنبية،
● تعيين جلالة الملك للسيد عبد الإله بنكيران أمين عام الحزب الذي تصدر الانتخابات، والذي تضمن برنامجه الانتخابي وبعض تصريحات قيادييه وعود بإصلاح ضريبي، يستجيب لتطلعات المرحلة يتضمن جزئيات وتفاصيل حول السياسة الضريبية المزمع تطبيقها.
● إشكالية قانون مالية 2012 بين تقديمه، ثم سحبه في نفس اليوم وأخيرا تقديمه مرة ثانية بعد تعديله وسحب معظم المقتضيات أوالمستجدات الضريبية، وذلك لأسباب انتخابوية أوللحيلولة دون تحمل مسؤولية المستجدات الجبائية المتضمنة في قانون مالية 2012 في صيغتها الأولى والرامية إلى رفع العبء الجبائي على بعض الفئات، من قبيل تضريب الثروة لتمويل صندوق للتضامن بنية صادقة أوكمزايدة انتخابية، والتساؤل اليوم حول إمكانية تبني هذا القانون مع إدخال تعديلا ت عليه أواعتماده ثم إعداد قانون مالية تعديلي يتماشى مع توجهات الحكومة الجديدة.
● تضمين البرنامج الحكومي مقترحات وتوجهات حول الإصلاح الضريبي يهدف إلى الرفع من مردوديته وتسخيره لإعادة توزيع التكلفة الجبائية وتحميل الفئات الميسورة تحملات المقاصة وإكراهات الأزمة.
لذلك لابد من التأكيد بعد هذا المدخل، بأنه لا يمكن استيعاب الإشكالية الضريبية بمعزل عن الظرفية الاجتماعية،الاقتصادية والسياسية التي تتطور بدرجات سريعة بعوامل داخلية وخارجية ، وبالتالي فإن النقاشات الضريبية débat الراهنة هي مؤشرات ،كما سبق الذكر ،على مسلسل إعادة بناء الدولة الذي انطلق منذ 20 فبراير و9 مارس و25 نوفمبر وماتلاه من محطات ومواقف من طرف الفاعلين السياسيين وردود الفعل الشعبية .
كما يزداد الاهتمام بالمسألة الضريبية نتيجة الأزمة المالية التي تعرفها الدولة، مما يتحتم تقوية وتمنيع المالية العامة والتحكم في مسلسل اتخاذ القرار وبناء دولة قوية قادرة على مواجهة التحولات الداخلية والخارجية الغير المستقرة .
وبالتالي، وفي ظل هذا الحراك والنقاش، تبقى الضريبة هي الوسيلة المثلى أوالناجعة لتخطي عجز الميزانية أوالحد منه ، وإعادة توزيع الثروة .
❶ تطور المفهوم التضامني للضريبة
تطور المفهوم التضامني impôt solidarité للضريبة إلى مفهوم الممول المر تفق contribuable usager أي يجب الاعتراف له بحقوق وضمانات مقابل مساهمته، ثم تحول تدريجيا إلى مفهوم الممول الزبون contribuable clientالذي يقتضي توازي أوتناسب بين الإلزام الجبائي والخدمات المقدمة ،أي المقابل الذي يتجسد في توفير الأمن ، الشغل ، تعليم دومستوى جيد ، تغطية صحية وبنية تحتية وخدمات إدارية في المستوى اللائق وفي أجال معقولة ،وقد عاد المفهوم التضامني ليطفوبقوة على مستوى النقاش العمومي بعد استفحال الأزمة الإ اقتصادية في أمريكا وأوروبا، حيث طالب بعض أثريائها من الدولة رفع مساهماتهم الضريبية لتمويل العجز المالي.
أما في بلا دنا فإن أداء المواطن في المجال الضريبي ضعيف وغير طوعي ،كما أن التكلفة الضريبية غير موزعة بصورة عادلة بين الفئات السوسيواقتصادية، ويستفحل الغش الضريبي وتنامي القطاع الغير المهيكل الذي لا يساهم في تمويل الميزانية ، وبالتالي يبقى تطبيق النظام الضريبي رغم تضمينه مختلف الضرائب والرسوم العصرية وكذلك ميكانيزمات ومساطر متطورة للمراقبة والمنازعة ، غير ناجح من حيث المرد ودية وعدم تناسب الاقتطاع الجبائي والمنتوج الداخلي الخام وعدد المقاولات النشيطة.
❷ سبل الاصلاح
ما هي إذن السبل لإصلاح ضريبي ناجع يوفر موارد جبائية كافية لتمويل العجز الذي بلغ حوالي6 % من الناتج الداخلي الخام بسبب ارتفاع تحملات صندوق المقاصة الذي تجاوزت 50 مليار درهم ،وكذلك التزامات الحكومة في إطار الحوار الاجتماعي، وفي نفس الوقت أن يتوخى الإ صلاح المزمع تحقيقه مبادئ العدالة بتوزيع التكاليف لعمومية ومجهودات الإ قلاع الاقتصادي والاجتماعي بين كل المواطنين والفاعلين الاقتصاديين كل حسب مقدرته التكليفية حسب مضمون الفصل 39من الدستور.
إن الحكومات السابقة كانت تقترح إصلاحات ضريبية مدمجة في قوانين المالية التي تحضر وتناقش من طرف البرلمان بنوع من الارتجال وضيق الوقت، لتمرر كالعادة ،ثم يتم التفكير في إصلاح الإصلاح الجبائي كمصطلح مستهلك ودائم الحضور في خطابات الحكومة والمعارضة ،لدلك فتخفيض أسعار بعض الضرائب أوتدوين بعض المقتضيات أوتعديل بعض قواعد مساطر المراقبة اوالمنازعة، لا يعتبر إصلاحا جديا وشاملا لكل مضامين المنظومة الجبائية.
ذلك أن مسلسل التعديلات الضريبية انطلق منذ سنة 2000 بهدف إلغاء ودمج بعض الضرائب النوعية المطبقة على الأشخاص الطبيعيين في صلب الضريبة العامة على الدخل، وتلك الواجبة على الأشخاص المعنوية في إطار الضريبة على الشركات، ثم توحيد قواعد مساطر التبليغ،المراقبة والمنازعة وبعد ذلك مقتضيات الوعاء والتحصيل، ليتم في نهاية المطاف تجميع كل النصوص المتفرقة في إطار المدونة العامة للضرائب التي صودق عليها بقانون مالية 2007 ،ثم استمر مسلسل التدوين في إطار قانوني مالية 2008 و2009 بإدماج باقي الرسوم النوعية المنظمة للضريبة السنوية على السيارات وحقوق التنبر أوالدمغة، وكذلك إصلاح الجبايات المحلية وفصلها عن المدونة العامة للضرائب في إطار القانون47-06، إلا أن مقترحات الحكومة المتضمنة لعمليات التدوين هاته كانت مغلفة ببعض التمريرات التي كانت تهدف إلى تقوية سلطات وامتيازات الإدارة وتضييق مجال التحفيزات ،بحيث كانت الحكومة تصرح على مستوى البرلمان وتضمن المذكرات التقديمية لقوانين المالية السالفة الذكر، بعبارات تفيد بأن الأمر يتعلق فقط بمجهودات التدوين وتجميع النصوص،دون الإشارة إلى باقي التعديلات.
وبالتالي لابد من إعادة قراءة المدونة العامة للضرائب، كما تمنى ذلك المدير العام الحالي في أولى خرجاته الإعلامية بمركز الأبحاث روابط التابع لكلية الحقوق بالبيضاء، وذلك في إطار الإصلاح الضريبي المزمع إنجازه استجابة للتحديات وا لتحولات التي تعرفها بلادنا في هذه الظرفية الدقيقة. وذلك لإعادة التوازن بين الاقتطاع الجبائي والمنتوج الداخلي الخام وعدد المقاولات النشيطة ، ذلك أن 80 % من محاصيل الضريبة على الشركات تمولها حوالي 10 % من الشركات، كما أن 63 % من الشركات لا زالت تصرح بالعجز و4/3 حصيلة الضريبة على الدخل تأتي من الاقتطاع على الأجور عن طريق الحجز في المنبع، كما أن مرد ودية الضريبة على القيمة المضافة تأتي في مجملها من عمليات استيراد مواد الطاقة ،وغير كافية نظرا لعدم تعميمها على كل القطاعات زيادة على تنوع الأسعار وأهمية النفقات الجبائية المتمثلة في الإعفاءات والأنظمة الاستثنائية ،بحيث بلغت هذه النفقات حوالي32 مليار نهاية 2010.
❸ خبراء الضريبة: فصل الإصلاحات الجبائية عن سياق إعداد قانون المالية
ما فتئ خبراء العلم الضريبي يلحون على فصل الإصلاحات الجبائية عن سياق إعداد قانون المالية، علما بان أي إصلاح ضريبي شامل،عادل وناجع لا يمكن انجازه في إطار قانون المالية،بل يحتاج إلى متسع من الوقت،وان يعهد لدوي الاختصاص مع إشراك الأطراف المعنية في إطار لجنة موسعة تضم أساتذة جامعيين متخصصين في القانون الضريبي، قضاة مارسوا في مجال المنازعات الجبائية،ممثلي المنظمات المهنية، أطر الإدارة الضريبية وكل الفعاليات المهتمة بالشأن الضريبي، مادامت بلادنا لا زالت لا تتوفر على مجلس وطني للضرائب، الذي يجب التفكير في إحداثه، كما هوالحال في فرنسا مند عقود بحيث توسع اختصاصه ليشمل باقي الرسوم والإ قتطاعات الجبائية والاجتماعية،كما أحدث في تونس منذ سنة 2000 ،وفي إنتظار التفكير في إضافة هذا المجلس إلى باقي الهيئات الاستشارية في بلادنا، يمكن للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يضطلع بهذه المهمة.
فما هي الأسئلة الآ نية والمستعجلة التي يجب طرحها بخصوص أوراش الإصلاح الضريبي اليوم بعد تعيين الحكومة، مادام الإصلاح الضريبي الشامل يحتاج إلى متسع من الوقت كما سبق شرحه ولا يمكن إنجازه بجدية وإتقان في إطار القانون المالي، ونفس الإشكال بالنسبة لإحداث ضريبة على الثروة لتمويل إكراهات المقاصة، بكل قواعدها وميكانيزماتها، لعدم توفر الإدارة الجبائية على دراسات مفصلة حول الثروات و طبيعتها وحجمها ومجالاتها ،على اعتبار أن اقتصادنا لا يتسم بالشفافية التامة لتواجد القطاع الغير المهيكل وتدني نسبة الاستبناك وضعف صدق الإحصائيات، ومع ذلك يمكن التأكيد بإن أهم مكون للثروة في المغرب هوالعقار من حيث الواقع وكذلك تعلق المغاربة رغم اختلاف فئاتهم بالملكية العقارية والثقة في قيمتها ومستقبلها كملجأ آمن للتوفير والاستثمار.
ومن جهة أخرى، فإن الأداة الجبائية والسياسة الضريبية عموما كمكون أساسي في الميزانية قد استعملتها اغلب الدول لإعادة التوازن والحد من العجز في الظروف العادية أوبعد حدوث الازمة المالية (نهاية 2008) أوالأزمة الحالية ، بحيث بادرت بعضها إلى رفع الضرائب على الثروة أوالدخول المرتفعة أوقطاع الأبناك أوأحداث ضريبة تضامن ظرفية ، وكذلك التوجه إلى أغنياء البلد كبعض الدول الأوروبية بالاعتماد على حس المواطنة وحثهم على التضامن والمساهمة في معالجة الأزمة المالية عن طريق إرجاع كل أوجزء من أموالهم الغير المصرح بها والمودعة في ابناك سويسرا اوبعض البلدان التي تعتبر جنات أومراتع ضريبية مقابل تغاضي الدولة عن إجراء فحص ومطالبتهم بالكشف عن مصادر تلك الأموال وإعادة استثمارها في بلدانهم وأداء مبلغ جزافي من تلك الأموال 5%مثلا (ايطاليا –بلجيكافرنسا –ايرلندا ..)،وقد نجحت فعلا هذه المبادرات وحققت نسبيا الأهداف المنشودة .
ولا أدل على ذلك الخطاب الأخير للرئيس اوباما حول الأزمة المالية التي تعرفها الولايات المتحدة وتردد الكونكريبس في السماح بالرفع من سقف الديون، بحيث توجه اوباما إلى أغنياء البلد لحثهم على مساعدة حكومته من باب التضامن للخروج من الأزمة .
اما بالنسبة لبلادنا ،فان الوضع يختلف بحيث لا يشكل الالتزام الضريبي قناعة وإحساسا عفويا يدفع المواطن المغربي إلى وضع إقراراته الدورية وأداء المستحقات الضريبية بصورة تلقائية،وذلك راجع لضعف المواطنة والانتماء للدولة باعتباره أخر الولاءات بعد الدين والعشيرة والعائلة وما إلى ذلك من القيم .
وبالتالي لا يتضمن نظامنا الجبائي ضرائب تكميلية على الثروة حينما تتعدى سقفا معينا كما هوالحال في فرنسا وباقي الدول الأوروبية ، ولا نتوفر على ضريبة على التركات كما هوالحال في مصر والجزائر، وقد عرف نظامنا ضريبة سميت بضريبة التضامن الوطني أسست سنة 1980 طبقت على جميع دخول الأشخاص الذاتيين والاعتباريين لتمويل النفقات المرتبطة بتنمية أقاليمنا الصحراوية وألغيت سنة 2001.
لذلك يمكن أن نتساءل في ظل السياسة الضريبية المطبقة حاليا هل نحن بحاجة إلى إحداث ضريبة للتضامن لمواجهة العجز وتمويل الانتقال الديمقراطي الذي تعرفه بلادنا ؟ هل تكون ضريبة التضامن هاته واجبة على جميع الملزمين صغارا ومتوسطين وكبارا أم قاصرة على الفئة الأكثر غنى وأريحية ؟، هل سيستجيب المغاربة لهذا التكليف الضريبي الإضافي في ظل استفحال ظاهرة التهرب والغش في هذا المجال واتساع رقعة الاقتصاد الغير المهيكل أوالتحت ارضي؟
كذلك تشير بعض الدراسات وتقارير بعض المنظمات الدولية إلى أن نسبة الاقتطاع الضريبي في بلادنا مرتفعة، بحيث يحتل المغرب الرتبة 109 عالميا مقارنة مع البلدان المشابهة ، ولوأن التكلفة الضريبية في بلادنا غير موزعة بشكل متساوي بين الفئات السوسيو-إ قتصادية كما سبق الذكر، وبالتالي تبقى نسبة الاقتطاع الضريبي إسمية و بعيدة عن الواقع اليومي المعاش بين إطراف العلاقة الجبائية .
❹ مقترحات لمقاربة الحل
لذلك ونظرا للأسباب السالفة الذكر، لماذا لا تفكر الحكومة في إقرار مساهمة ضريبية إضافية أومساهمة ابرائية أوتقادم مبكر، ومعناها رغم اختلاف المصطلحات، أن تطلب من كل الملزمين بالضريبة أداء مبلغ ضريبي جزافي يحتسب كنسبة من رقم الأعمال المصرح به، مقابل تغاضي الإدارة الضريبية عن كل الاغفالات، الأخطاء وكل أوجه النقصان الإرادية أوالعفوية، وعدم القيام بأي إجراء من إجراءات الفحص والمراقبة على تصريحات الملزمين بالنسبة لفترة السنوات الأربع السابقة والفترة الغير المتقادمة.
وقد سبق لبلادنا أن عرفت ثلاثة برامج متعلقة بالعفوالجبائي على هذا النحوسنوات 1984 و1990 وأخرها سنة 1998 على أثر تنصيب حكومة التناوب برئاسة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي .
وكانت أسباب اتخاذ هده الإجراءات في ظاهرها تغيير قوانين أوالشروع في تطبيق أنظمة جديدة كالنظام المحاسبي سنة 1990 وفي جوهرها تمويل عجز الميزانية وطي صفحة المخالفات وتصفية ملفات المنازعة المتراكمة .
إذا لماذا لا تعاود الحكومة إقرار هذا البرنامج مرة أخرى في هذه الظروف الاستثنائية وذلك للأسباب التالية :
-أن هذه المساهمة ستوفر للخزينة موارد إضافية لتمويل العجز ،إذا استجاب أغلب الملزمين ذلك ا ن أخر عفوجبائي وفر حوالي 3،7 مليار درهم واليوم إذا تم اعتمادها يمكن تحصيل ضعف هذا الرقم أوثلاثة أضعافه إذا تم تسويقه بنجاعة خصوصا وأن عدد الملزمين مقارنة مع سنة 1998 قد ارتفع بنفس النسبة .
-إن إمكانيات الإدارة الضريبية المادية والبشرية لن تستطيع على الأقل في الأمد القريب ردع آفة الغش ، التهرب ونقصان التصريحات بالنظر لعدد المراقبين مقارنة مع عدد المقاولات وثقل المساطر ، ولوأن الإدارة شرعت في تطبيق برامج معلوماتية جد متطورة لبلورة برنامج المقاولات القابلة للفحص ومجموعة من الإجراءات المرتبطة بالبحث وتقصي المعلومات والتنسيق مع إدارات أخرى للحد من ظاهرتي التهرب والغش ولكن هذه البرامج سوف لن تحقق النتائج المتوخاة في الأمد القريب .
-إن الإدارة الضريبية طبقت فعلا برنامجا التقادم المبكر لفائدة المنعشين العقاريين طيلة سنتي 2009 و2010،بحيث سمحت لهم الإدارة بتقديم إقرارات تصحيحية يتم من خلا لها الرفع من القيم العقارية المصرح بها ما بين %15و25 إلى %30،كاعتراف منهم بانتشار ظاهرة النوار في هدا الميدان وإخفاء نسبة من ثمن بيع العقارات ،ثم أداء الضرائب التكميلية مع الاستفادة من تخفيض جزئي من الغرامات وفوائد التأخير.ولم تكن هده الإجراءات مؤطرة بأي نص قانوني(مرسوم أوقرار وزاري) ولا أي منشور يحدد معايير وشروط قبول هده التصريحات، بل أكثر من دلك أن أغلب هده الملفات تمت معالجتها والمفاوضة بشأنها وتصفيتها على المستوى المركزي في عهد المدير العام السابق، في إطار السلطة التقديرية للإدارة في مجال التصالح، حيث أثارت هده التصرفات فضول المجلس الأعلى للحسابات، التي أوفدت لجنة للتقصي حسب ما أوردته بعض الصحف،في حين أكدت صحف اقتصادية أخرى مقربة من المديرية العامة الضرائب، بأن إمكانية وضع تصريحات معدلة على النحوالسلف الذكر من طرف المنعشين العقاريين ،لازالت ممكنة حاليا، شريطة قبولها من طرف الإدارة المعنية وأداء الضرائب التكميلية. (أنظر جريدة ليكونوميست الصادرة بتاريخ2012/01/18) .
-لقد تضمن قانون مالية 2011مقتضيات عفوضريبي لفائدة الفاعلين الاقتصاديين الذين كانوا يمارسون في القطاع الغير المهيكل، بحيث يخضعون للتضريب انطلاقا من تاريخ تسجيلهم ولا يحاسبون عن الفترة الماضية ، مدعمة بوصلة إشهارية يتم بثها على مستوى وسائل الإعلام الرسمية، وإجراءات تحفيزية أخرى لفائدة المقاولات الفردية التي تتحول إلى شركات في ما يخص تضريب عناصر الإنتاج التي قدمت كحصة في الشركة .
-تمكين باقي المقاولات خصوصا الصغرى والمتوسطة بعد أداء مساهمتها من الشعور بنوع من الطمأنينة والتحرر من هاجس الخوف من الفحص الجبائي والإقدام على الاستثمار بتوفرها على صفحة جديدة.
-إرساء عفوجبائي من شأنه أن يساعد على روح التصالح خصوصا في هذه الفترة التي تشهد تغييرا جوهريا ببلادنا وتعاقدا جديدا بين الحاكمين والمحكومين،ذلك أن التهرب والتصريحات الناقصة ليس مرده دائما إلى الرغبة في توفير مبالغ مالية وعدم المساهمة في الأعباء العامة ،بل يكون مرتبطا بعدم الحصول على المقابل من خدمات خصوصا في مجال التعليم والصحة والأمن والبنيات التحتية ،كما ان التهرب الضريبي قد يكون رد فعل على ظاهرة الفساد والريع وعدم الثقة في الحكامة والمشروع المجتمعي القائم .
أضف إلى ذلك أن أعتى مجرمي الحق العام يستفيدون من العفو، فلماذا لا نمتع دافعي الضرائب بالتغاضي عن أخطاء عفوية أو عن جهل بأعقد القوانين(القانون الضريبي) أوإرادية للا سباب التي ذكرناها سابقا ؟
لذلك، ومادمنا نسير على طريق التغيير الايجابي والسلمي في إطار دستور جديد ،فلما لا تطوي الحكومة الحالية صفحة من صفحات الماضي المتعلق بالمخالفات الجبائية وإعطاء الفرصة للمواطنين لتحسين أدائهم مستقبلا في المساهمة في تمويل الأعباء العامة عن طريق الإلزام الضريبي،
تبنى الدستور الجديد مبدأ الجهوية المتقدمة الذي يعني أن الجهات ستتوفر على استقلال مالي وموارد جبائية وغيرها لتمويل التنمية الجهوية ، وبالتالي ستتغير بنية النظام الضريبي سواء بالتخلي عن بعض الضرائب والرسوم للجهات اواقتسام المادة الخاضعة للضريبة بين المركز والجهة .
أما مساوئ إقرار برنامج المساهمة الابرائية الذي يؤدي على عفوضريبي ،فإنه يضر بدافعي الضريبة النزهاء الدين تعودوا على تقديم إقراراتهم الصادقة وأداء المستحقات الجبائية في الآجال المحددة قانونا ،بحيث سيشعرون بنوع من الغبن تجاه هدا التسامح في حق الملزمين الدين يخفون جزئيا اوكليا بعض دخولهم ولا يصرحون بها ،كما ان هده الفئة الأخيرة، ربما ستستمر في ممارسة أساليب التهرب الغش على أمل أن تعود الحكومة مستقبلا بإقرار نفس البرنامج بعد سنوات.
خلاصة
وخلاصة القول، فرغم هده الماخد ونظرا للأسباب السالفة الذكر التي تدعم اتجاه إقرار مساهمة ضريبية إضافية بأسعار أعلى من الأسعار المعتمدة سابقا، مكملة للإجراءات التحفيزية المضمنة في قانون مالية 2011 وإدماجها في برنامج يمكن أن يشمل كذلك حقوق الجمارك ومجال الاقتطاعات الاجتماعية التي يد برها صندوق الضمان الاجتماعي الذي يعرف (المجال) الكثير من المخالفات ونقصان التصريح، وكذلك مجال تحصيل الضرائب العائدة للدولة والرسوم العائدة للجماعات والهيأت المحلية وما تعرفه من صعوبات في التحصيل العفوي اوالجبري وتراكم الباقي استخلاصه، خصوصا لبعض المتأخرات الضريبية التي يستحيل جبايتها المترتبة عن بعض المقاولات المفلسة والمتوقفة عن أداء ديونها الممتازة ومستحقات مستخدميها وغياب أي منقولات أوعقارات قابلة للحجز، وكذلك الأمر بالنسبة لبعض الديون الضريبية المتراكمة على بعض الأشخاص الطبيعيين تفوق طاقتهم التكليفية ولا يملكون ما يحجز،لذلك لا بد من التفكير في تنقية حسابات الباقي استخلاصه من هذه الديون الجبائية الغير القابلة للتحصيل، من شأنه كل هده الإجراءات توفير موارد مالية للتخفيف من العجز وتصفية الآلاف من ملفات المنازعات الضريبية في المصالح الإدارية وعلى مستوى لجن التحكيم والقضاء الإداري بفعل صرامة المراقبة والفحص وثقل المساطر وتعقيد النصوص الجبائية وصعوبة استيعابها خصوصا من طرف المقاولات الصغرى والمتوسطة ، وكذلك يؤدي هدا البرنامج الذي يجب يسوق إعلاميا بصورة ناجعة بمشاركة المصالح الإدارية المعنية والمنظمات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني ،زيادة على تدعيم جوومناخ التصالح بين المواطن دافع الضريبة والدولة وخلق الأمل في التغيير المنشود بصفة عامة وتشكل فرصة لإعادة قراءة المدونة العامة للضرائب لمعالجة الثغرات وإعادة التوازن بين امتيازات الإدارة وحقوق الملزمين،من اجل تمتيعهم بكافة الضمانات المخولة ومساعدتهم على الوفاء بالتزاماتهم الجبائية ،وفي نفس السياق التفكير في تفعيل مقتضيات تجنيح الغش الضريبي القابعة في تشريعنا الضريبي منذ يوليوز1997 دون تطبيق، لتشكل رادعا للمتملصين وتساعد على تقليص نسبة الغش الضريبي المستفحلة رغم غياب الإحصائيات الدقيقة في هدا المجال.
دكتور الدولة في القانون العام / أستاذ زائر بكلية الحقوق وإطار سابق بإدارة الضرائب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.