في إطار النقاش الدائر حول عجز الميزانية المتفاقم الذي يبلغ في نهاية السنة 6 في المائة من الناتج الداخلي الخام، حسب خبراء الاقتصاد واعتراف المسؤولين، وذلك بسبب ارتفاع تحملات صندوق المقاصة الذي تجاوز 40 مليار درهم، وكذلك التزامات الحكومة في إطار الحوار الاجتماعي كما وضحنا ذلك في مقال صدر في جريدة «المساء» بتاريخ 15 و16 غشت 2011، ومجموعة من المساهمات الأخرى لباحثين في مجال الاقتصاد والمالية، ومنها مقال صدر بالجريدة للدكتور سعد الدين العثماني بعنوان أغنياؤهم وأغنياؤنا. كذلك، تعالت الأصوات للمناداة بضرورة إشراك أثرياء البلد في تحمل تبعات الأزمة والمساهمة في تجاوزها، وذلك من خلال إحداث ضريبة للتضامن أو ضريبة على الثروة يتحملها هؤلاء، باعتبارهم أولا مواطنين ذوي أريحية ويستفيدون من كل التكاليف العامة، وخصوصا تحملات صندوق المقاصة ومجموعة من الإعفاءات الضريبية والخدمات العامة. وفي نفس السياق، اطلعنا على النداءات التي وجهها بعض أغنياء الولاياتالمتحدة إلى بعضهم لدفع مساهمة أو ضريبة تكميلية لسد العجز، وكذلك الحال بالنسبة إلى بعض أغنياء فرنسا. أما بالنسبة إلى بلادنا، فإن الظروف الحالية -عجز الميزانية والميزان التجاري والظرفية السياسية والإعداد للانتخابات وضرورة تقديم قانون المالية قبل أو بعد الانتخابات- دفعت الحكومة إلى التفكير في إحداث ضريبة على الثروة، لا نعرف إلى حد الآن آلياتها وميكانيزماتها. لذلك لا يسعنا إلا أن نرحب بفكرة تضريب الثروات، حيث أكدنا على ذلك في انتقادنا للنظام الضريبي وافتقاره إلى مثل هذه الاقتطاعات، زيادة على عدم نجاعته وضعف مردوديته، ولا يجب أن نستهين بإشكالية تضريب الثروة، نظرا إلى أن بلادنا عرفت تجارب سابقة في هذا المجال وتم إجهاضها، ذلك أن أي محاولة لرفع التضريب في قطاع معين أو في حق فئة اجتماعية معينة تدفع المنتفعين من ضعف التضريب أو الإعفاء إلى الانتفاض لمقاومة هذا الإصلاح، والتاريخ الجبائي المغربي منذ الستينيات حافل بالوقائع والإخفاقات. لذلك سنحاول تقديم بعض الملاحظات حول مسألة تضريب الثروة في المغرب، انطلاقا من لمحة موجزة حول وقائع تاريخية، ثم توضيح محدودية المقتضيات الجبائية المتعلقة بتضريب الثروة وتقديم بعض المقترحات لبلورة ضريبة ناجعة على الثروة، تحقق الأهداف المنشودة. أولا، حول توقيت إقرار ضريبة على الثروة: سواء تم تقديم قانون المالية قبل الانتخابات (شتنبر) أو بعدها، فإن الوقت غير كاف لبلورة ضريبة على الثروة بكل قواعدها وميكانيزماتها، زيادة على إمكانية توفر الإدارة الجبائية على دراسات مفصلة حول الثروات وطبيعتها وحجمها ومجالاتها، على اعتبار أن اقتصادنا لا يتسم بالشفافية التامة لوجود القطاع غير المهيكل وضعف الاستبناك وضعف صدق الإحصائيات. لذلك وكما جرت العادة، فإن الحكومات السابقة غالبا ما تقترح إصلاحات ضريبية مدمجة في قوانين المالية التي تحضر وتناقش من طرف البرلمان بنوع من الارتجال وضيق الوقت، لتمرر كالعادة، ثم يتم التفكير في إصلاح الإصلاح الجبائي كمصطلح مستهلك ودائم الحضور في خطابات الحكومة والمعارضة. لذلك ما فتئ خبراء العلم الضريبي يلحون على فصل الإصلاحات الجبائية عن سياق إعداد قانون المالية وتكليف لجنة علمية مختصة لإعداد القوانين الضريبية. ثانيا، على مستوى تضريب الثروة العقارية: رغم غياب الإحصائيات حول مكونات الثروة في المغرب، فإن أهم مكون هو العقار من حيث الواقع، وكذلك تعلق المغاربة رغم اختلاف فئاتهم بالملكية العقارية والثقة في قيمتها ومستقبلها كملجأ آمن للتوفير والاستثمار. لذلك تعرضت كل الإصلاحات التي مست الجبائية العقارية للمقاومة والضغط من طرف لوبيات، ويتجلى ذلك في تضريب العقار الفلاحي الذي يستفيد من إعفاء كلي ابتداء من 1983 إلى 2013، إذا ما تم تمديد هذا الإعفاء. كما عرف التاريخ الجبائي إصلاحا للجبائية العقارية سنة 1978 من خلال إحداث ضريبة على الأراضي العارية لمحاربة المضاربة وتجميد الأراضي الحضرية، وكذلك ضريبة على الأرباح العقارية بسعر تصاعدي حسب مدة تملك العقار ما بين 5 في المائة و25 في المائة، حيث يرتفع السعر كلما كانت مدة تملكه قصيرة، وعرفت الضريبة الحضرية لأول مرة أسعارا تصاعدية. إلا أن هذا الإصلاح، رغم محدوديته، لم يعمر طويلا، إذ انتصب اللوبي العقاري وأجهض هذا المسلسل، فقد تم التراجع عن السعر التصاعدي بالنسبة إلى الضريبة على الأرباح العقارية وتم إقرار سعر نسبي قار بمعدل 15 في المائة في قانون مالية 1980 وتم حذف الضريبة على الأراضي العارية برسم قانون مالية 1983. وحديثا، كان الاستثمار العقاري يستفيد من إعفاء كلي من كل الضرائب والرسوم بالنسبة إلى الأماكن الاجتماعية. وبعدما تبين وثبت للحكومة أن الشقق المبيعة لم تعد تحترم القيمة العقارية المحددة في 200 ألف درهم، بادرت إلى حذف الإعفاءات سنة 2008، فتحرك مرة أخرى اللوبي العقاري وأعاد فرض الإعفاء الكلي، مع إعادة رفع سقف ثمن السكن الاجتماعي إلى 290 ألف درهم للشقة، وتساهم خزينة الدولة بأربعين ألف درهم برسم الضريبة على القيمة المضافة تتحملها نيابة عن المشتري، وذلك برسم قانون مالية 2010. ثالثا، على مستوى تضريب الثروة بكل مكوناتها: كانت هناك مبادرة اتخذتها الحكومة برسم قانون مالية 1993، تجسدت في مقتضيين: الأول يقضي بفرض إقرار بالذمة المالي patrimoine déclaration du، حينما تتعدى 3 ملايين درهم بكل مكوناتها باعتباره (التصريح) مكملا لمقتضى ثانٍ وهو فحص الوضعية الإجمالية الجبائية للملزمين الأشخاص الطبيعيين (المادة 105 من الضريبة العامة على الدخل و29 من المدونة العامة للضرائب) كإجراء يدخل في إطار مساطر الفحص بصورة عامة، بحيث تقوم الإدارة بتقدير الدخل الإجمالي للملزم برسم الفترة غير المتقادمة، انطلاقا من مجموعة المصاريف المنفقة بصورة فعلية أو مقدرة بناء على مؤشرات مرقمة. يتبع... محمد شكيري - أستاذ جامعي