ربما قد تكون الجولة الأخيرة للممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة السيد كريستوفر روس , من بين أهم الزيارات التي قام بها أي ممثل شخصي سابق في نزاع الصحراء المغربية , وهو ما يستدعي إبداء ملاحظات أولية في إنتظار التقرير الذي سيقدمه الأمين العام أمام مجلس الأمن الدولي لتتضح صورة المسار الذي ستأخذه الوساطة الأممية وما سيخرج به مجلس الأمن من قرارات. الملاحظة الأولى : أثبت الموقف المغربي من السيد روس أنه كان على صواب , ليس فقط من خلال الإتصال الهاتفي الذي أجراه بان كيمون مع الملك , ولكن من خلال الروح الجديدة التي عاد بها روس للمنطقة , والتي أخذت بعين الإعتبار تحليل المغرب للوساطة الأممية وعلاقتها بالقرارات السابقة لمجلس الأمن وبالمبادرة المغربية المقدمة في إطار الحكم الذاتي , وبالتالي يمكن القول بأن المغرب حقق نجاحا مهما على مستوى إعادة الوسيط الأممي إلى الإطار الذي تبناه مجلس الأمن والمتمثل في الحل السياسي , وإعتبار تقرير المصير حمال أوجه ومن بين أبرزها الحكم الذاتي تخت سيادة المغرب. الملاحظة الثانية : بداية الإقتناع بأن جبهة البوليساريو ليست الممثل الوحيد للصحراويين , ولعل لقاءات روس مع خط الشهيد وسلمى في نواكشوط , لدليل على أن الصحراويين يرفضون إحتكار الجبهة الحديث بإسمهم , كما أن لقاء روس مع قيادات صحراوية وحدوية في المغرب أوضح بأن الحل ليس في تيندوف وأن أي حل لا يستحضر مواقف ومصالح كل الصحراويين يبقى عديم المفعول والإجرائية , بحكم تواتر حقائق على الأرض طيلة سنوات النزاع. الملاحظة الثالثة : فشل البوليساريو في جر الوسيط الأممي إلى مسارات تتعلق بحقوق الإنسان في المنطقة , بل إن تصرف الجبهة حين إستقبال روس من خلال إخفاء المعارضين ومنعهم من لقائه , ودفعه إلى لقاء المعارضين على الأراضي الموريتانية , بينما إلتقى في المغرب مع بوليساريو الداخل بكل حرية , أكد بما لا يدع مجالا للشك أن الجبهة ومعها الجزائر هما آخر من يمكنهم الحديث عن حقوق الإنسان , فالوسيط الأممي إستجاب للطلبات التي وجهت له بسماع أصوات أخرى في تيندوف على طرفي نقيض مع ما تروجه جبهة البوليساريو , ولم يسقط في لعب دور الدعاية للجبهة كما فعلت مؤسسة كينيدي التي رسمت صورة قاتمة حول حقوق الإنسان في الصحراء المغربية , بينما لم تستمع في تيندوف سوى إلى منولوغ الرئيس الأبدي لجبهة البوليساريو. الملاحظة الرابعة: هي إصرار المغرب على روس بإلزام الجزائر على الإمتثال للإتفاقيات الدولية الخاصة بحماية اللاجئين ووضعيتهم في بلدان الإستقبال , فالجزائر ومعها جبهة البوليساريو يطالبون صباح مساء وبشكل دعائي بالإستفتاء , بينما يرفضون بإصرار ومنذ أزيد من 35 سنة عن إحصاء اللاجئين /المحتجزين وتمكينهم من حقوق اللاجئين مادامت الجزائر تبرر وجودهم على أراضيها بهذه الصفة , والتي تتضمن تمكينهم من جوازات السفر وتخييرهم بين الإستمرار في بلد الإقامة أو العدوة إلى المغرب أو الذهاب إلى بلد ثالث , وهذا إستفتاء مصغر رفضت الجبهة والجزائر دائما القيام به خوفا من هجرة جماعية للمغرب , وهو ما يفقدهم كل عناصر المأسات الإنسانية التي يتاجرون بها منذ بداية النزاع , علما أن تهجير الصحراويين إلى تيندوف تم وفق إتفاقية المحبس والتي وقعها الجزائريون والإسبان والوالي مصطفى السيد , بمعنى أنها لم تكن هجرة إرادية للسكان بل تهجيرا ذا طابع سياسي ودعائي. الملاحظة الخامسة : وهي الملاحظة السلبية الوحيدة حول زيارة روس الأخيرة والمتصلة بقبول روس إستقباله في منطقة تيفاريتي العازلة والتي هي أراضي مغربية وكانت ضمن إتفاق وقف إطلاق النار محرمة على طرفي النزاع لمنع أي تماس بين الجانبين , فوجود روس في تيفارتي وصمت المغرب حول هذه الواقعة يعتبر أمرا سلبيا وخطيرا على مستقبل النزاع , لأن إقرار الأممالمتحدة بسيادة الجبهة على هذه الأراضي سوف يعطي للنزاع أبعادا أخرى , وبالتالي فإن المغرب مطالب وبصفة مستعجلة إلى تنبيه الأمين العام للأمم المتحدة لهذه الواقعة وإلزام الوسيط الأممي في المستقبل على الإمتناع عن القيام بأي نشاط في المنطقة العازلة تيفارتي , وإلا فإن المغرب سيكون مجبرا على حماية تيفاريتي عسكريا من خلال مد الجدار الأمني إلى الحدود الجزائرية. هذه خمس ملاحظات أولية في إنتظار ما سيقدمه روس من تقرير للأمين العام الأممي.