بعد إستقلال المغرب سنة 1956 سواء مناكق النفوذ الفرنسي أو الإسباني وبعد نزع الطابع الدولي عن طنجة وإسترجاع كل من طرفاية وسيدي إفني , كان موعد مسلسل التحرير يوم 14 غشت 1979 مع إسترجاع إقليم وادي الذهب إلى حضن الوطن الأم ,وهي الذكرى التي خلدها المغاربة يوم أمس دون أن يمنح إعلام القطب العمومي المتجمد البارع في التفاهات , أية فرصة جدية لكي تتمكن أجيال من المغاربة من معرفة القيمة التاريخية والسياسية الكبيرة لحدث إسترجاع إقليم واذي الدهب للوطن الأم , فثد أدمن الإعلام الرسمي ثقافة الإجماع دون تمكين الناس من معطيات ووسائل للإقناع. لقد شكلت إتفاقية مدريد التي وقعها كل من المغرب وموريتانيا وإسبانيا , أساسا لوضعية السيادة على الصحراء الغربية في تلك الفترة , أي بعد المسيرة الخضراء والرأي الإستشاري لمحمكة العدل الدولية , والتي أثبتت في رأيها الإستشاري تحقق رةابط تاريخية للبيعة بين القبائل الصحراوية و ملك المغرب , وأن هذه القبائل تربتط فيما بينها بعلاقات وطيدة في مجال جغرافي يمتد من طانطان إلى وادي السينغال في موريتانيا , وأن قبائل الركيبات والتكنة وابن السباع واولاد دليم المكونين لأقاليم الساقية الحمراء ووادي الذهب لهم روابط مشتركة متعددة , وأن قبول المغرب بتقسيم الصحراء مع موريتانيا جاء أولا لأن هذا التقسيم سينهي حالة المواجهة والحرب بين بلدين لم يكن بينهما إعتراف خاصة من الجانب المغربي , حيث لم يعترف المغرب بموريتانيا سوى سنة 1969 , ويعلم الجميع أن الموقف من إستقلال موريتانيا كان موضوع خلاف بسن الراحل الحسن الثاني وجزء من الحرطة الوطنية , إذ الحدود التاريخية للمغرب تمتد جنوبا إلى نهر السينغال وشرقا إلى منطقة تيديكلت في عمق الصحراء الغربية للجزائر اليوم , حيث كانت تعتبر موريتانيا صناعة فرنسية خالصة لا تمتلك مقومات الدولة إنما خلقتها فرنسا وأصرت عليها لتتمكن من إستمرار إستنزاف مناجم الحديد في شمال موريتانيا والتي كانت مصيرية بالنسبة للصناعة الفرنسية , فكان الفرنسيون يفضلون دولة ناشئة ضعيفة على دولة عريقة واجهات الإستعمار الفرنسي بكل قوة وأجبرته على الإنسحاب , وتجاوز الحسن الثاني هذه القضية جاء بمناسية إنعقاد قمة المؤتمر الإسلامي , حيث إعتبر أن وحدة الأمة الإسلامية هو إطار أشمل من وحدة البعض في دولة واحدة , فكانت موريتانيا دولة مستقلة تعاني من ضعف شديد في مقومات الدولة التي تملك الوسائل الكافية لحماية سيادتها , وعندما قبل المغرب من خلال إتفاقية مدريد تقسيم الصحراء مع موريتانيا فإنه كان يفعل ذلك لأن هذا الجزء من التراب المغربي سوف يستمر وفق علاقات قبلية ثابتة تتمرد على معطى الدولة القومية ذات الحدود المعروفة والثابتة , فكان العنصر الثقافي والقبلي عنصرا ضامنا لإستمرار وحدة المنطقة ولو ضمن نظامين سياسيين مختلفين , خاصة في ظل تطابق شبه كلي لوجهات النظر في تلك الفترة بين المرحومين الملك الحسن الثاني والرئيس الموريتاني ولد دادة. إن حالة التوافق هاته بين المغرب وموريتانيا كانت تثير حفيظة بومدين في الجزائر , ولكسر هذه الحالة قام بومدين بخلق إضطرابات في موريتانيا ودفع الجيش إلى الإنقلاب على نظام الرئيس ولد دادة , بل جهز قوات من البوليساريو بقيادة الراحل الوالي مصطفى أبرز القيادات التأسيسية للجبهة , لمهاجمة نواكشوط والسيطرة على الحكم في موريتانيا..أمام كل هذه الأوضاع كانت قبائل وادي الذهب التي كانت تسمى تيريس الغربية , أمام ثلاثة إختيارات لا غير: الإختيار الأول : البقاء ضمن السيادة الموريتانية رغم حالة الضعف الشديد الذي تعاني منه الدولة هناك , وعدم قدرتها الفعلية على حماية الإقليم من الهجمات العسكرية لميلشيات البوليساريو المدعومة من الجيش الجزائري. الإختيار الثاني : الإنضمام إلى مشروع الدويلة الجديدة , وتحويل تراب إقليم وادي الذهب إلى حضن لها و فلاسنيوس/ الداخلة عاصمة للدولة الوليدة. الإختيار الثالث : هو تجاوز إتفاقية مدريد والعودة إلى حضن الوطن الأم المملكة المغربية , وإعادة الروابط القبلية مع الركيبات والتكنة وأولا ابن السباع. لقد إختار قبائل واحي الذهب الإختيار الثالث وهو السيادة المغربية وجاء شيوخ القبائل لتجدي الولاء لملك المغرب والدخول ضمن السيادة الوطنية للمغرب , فكان إلتحاق وادي الذهب نتيجة إستفتاء إرادي لسكان المنطقة , الذين كان بإمكانهم ودون أية عراقيل التحول إلى دويلة بين المغرب وموريتانيا مادام المغرب تخلى عن السيادة عليها وفق إتفاقية مدريد , ومويتانيا عجزت عن حمايتها ضمن مجالها الترابي. هذا الدرس يجب على الديبلوماسية المغربية إستثماره في الرد على من يطالب بالإستفتاء ويتهم المغرب بالخوف من نتائجه , فالتاريخ يؤكد أن سكان الصحراء كانو دائما يملكون السيادة على قرارهم وإختيارهم للمغرب يعكس وعيا تاريخيا بالإنتماء للوطن الواحد بثوابته وقيمه , ويجب على الدولة اليوم أن تراجع تعاطيها مع الصحراويين فيما يتعلق بحل النزاع المفتعل في الصحراء وإشراكهم بصورة قوية في إيجاد الحل المناسب والتفاوض عليه. إن ذكرى مثل 14 غشت لا يجب أن تكون مناسبة فقط لتعطيل الإدارة كعيد وطني , بل في تمكين المغاربة من معرفة لماذا هذا اليوم هو عيد وطني?