يدخل مهرجان موازين هذه السنة مرحلة جديدة لتجعل منه واحدا من المهرجانات الدولية الكبيرة وسنة بعد أخرى يثير هذا المهرجان جدلا كبيرا، وفي كل مرة يثار هذا الجدل يحقق المهرجان نجاحا جماهيريا واسعا بقدر الجدل الذي يثيره، وهو كان حصان طروادة لعدد من التيارات السياسية التي توجد اليوم في موقع السلطة حيث أصيبت هذه السنة بالخرس، وهذه صورة لطبيعة المواقف في الساحة السياسية الوطنية، حيث المعارك القصيرة النظر والشعبوية التي تصطدم بالواقع في كل مرة وتتراجع للخلف دون أن تقدم نقدا ذاتيا. مهرجان موازين في البداية كانت له صبغة ثقافية راقية ولكي يحقق ذاته كان لابد لمهرجان كبير كمهرجان الرباط أن يختفي حتى يخلو الجو لموازين، الذي تحول مع السنوات إلى مهرجان تجاري عبارة عن رجع الصدى للقنوات الغنائية التي غزت الفضائيات سواء الموسيقى العربية أو الغربية، أما الموسيقى المغربية والشعبية عموما فإنها وضعت في الغالب في المنصات الموجودة في الأحياء الهامشية وفق مقاربة أمنية تسعى إلى عزل منصات الفنانين المشرقيين والغربيين والتي غالبا ما تحتضنهم منصة السويسي. الحديث عن مهرجان موازين يستوجب تقديم الانتقادات اللازمة بعيدا عن أية مزايدات أو تعصب وازدواجية في الخطاب، فالمهرجان لاشك أنه مهم من الناحية السياحية والتجارية وحقق شهرة عالمية وإستطاع أن يصنع مكانة ضمن المهرجانات العربية مثل مهرجان قرطاج بتونس وجرش بالأردن، لكن وكل التفاصيل توجد في لكن هاته...لا يمكن قبول كل هذا البدخ الذي يرافق المهرجان وإخراجه من طابعه الثقافي الأصلي الذي كان ينفتح على ثقافات وحضارات مختلفة ويجعله بذلك مهرجان متميزا وذا خصوصية، والإنزلاق به إلى الطابع التجاري المحض من خلال التركيز على نجوم يلبون دعوة من يدفع أكثر بغض النظر عن قيمة المهرجان أو البلد، وهذا الأمريدفعنا إلى إثارة موضوع تمويل المهرجان حيث يحظى بحصة الأسد من كل الدعم الذي يخصصه بعض القطاع الخاص للثقافة والفن، وهذا الموضوع أثار دائما نقاشا واسعا خاصة عند الحديث عن المال العام، فالعبض اعتبر أن أموال الشركات ليست أموالا عاما، والحقيقة هي أن هذه الأموال تقتطع من الضرائب الواجب دفعها للدولة، وبالتالي فإنها من الأموال العمومية التي يجب أن تكون موضوع تقييم وتتبع في أوجه صرفها، خاصة وأننا في سنة ظهرت فيها ملامح الأزمة بجلاء وتمت فيها مراجعة معدل النمو المتوقع أكثر من مرة، وأن المغاربة يتابعون كيف أن دولا أخرى تعيش مرحلة إفلاس كاليونان حيث الطوابير لتلقي المساعدات الغذائية، فهذه الظرفية كانت كافية لتجعل القائمين على المهرجان يراجعوا بعضا من تصورهم للمهرجان خاصة في جانبه المالي. إضافة إلى كل الملاحظات السابقة والتي تجعل من موازين مهرجانا بإختلالات كبيرة، هناك ملاحظتين جوهريتين، الأولى تتعلق بتوقيت المهرجان، حيث يصادف تهييئ الطلبة والتلاميذ لإمتحانات نهاية السنة، البعض سيقول إن المهرجان لا يجبر أحدا على متابعته رغم أن جمهوره في غالبيته المطلقة من الشباب في سن التمدرس، لكن الجواب الأهم هو أنه ليس صحيحا القول بأن المهرجان لا يفرض على أحد متابعته، فعندما يتم نصب منصة من منصات المهرجان في حي سكني، وتتجاوز فيه مستويات الصوت كل توقع ويستمر هذا الأمر طيلة الليل، فكيف يمكن لطالب أو تلميذ أن يستعد للإمتحانات، بل الأسوأ من ذلك هو الإعتداء على حق المرضى وكبار السن وعموم المواطنين في حقهم في السكينة في بيوتهم، وهذا الوضع هو الصورة الحقيقية لعدد من أحياء الرباط التي تعيش هذا الأمر كل سنة وتشكي إلى الله. إن المسألة ليست تحديا أو معركة شخصيا لفلان أو علان , الأمر كله فيه بحث عن المصلحة، فمهرجان كبير بالعاصمة مسألة إيجابية، لكن في توقيت معقول وفي فضاءات تحترم راحة الناس وبتدبير مالي يبتعد عن البذخ والترف في سنة تعرف فيها المالية العمومية والإقتصاد الوطني ضغوطا متزايدة، وببرنامج وفقرات تراعي جميع الأدواق وحبدا لوتمت العودة إلى البدايات الأولى لمهرجان أضاع هويته.