تخلد اليوم الطبقة العاملة في العالم بأسره اليوم العالمي للعمال، وهو يوم يصادف في السنوات الأخيرة أزمة اقتصادية ومالية قسمت ظهر العمال الذين تحولوا إلى متنفس لحل الأزمة من خلال تخفيض الأجور وخفض الأغلفة المالية المخصصة للتغطية الاجتماعية , فأمام منطق السوق الذي يحكم أسعار المواد الأولية ويفرض أثمنتها على الدول تحول العمال إلى سور قصير لتنفيس الأزمة، فكل الحلول التي تقترحها الصناديق الدولية لمساعدة الدول المعنية، تمر وجوبا بجيوب العمال المثقوبة أصلا وبالخدمات الصحية والاجتماعية، حيث خرجت يوم أول أمس في إسبانيا مظاهرات حاشدة في أكثر من خمسين مدينة للاحتجاج على استهداف 10 مليارات أورو من ميزانيتي التعليم والصحة من طرف الحزب الشعبي الحاكم ، و هو نفس الأمر بالنسبة لليونان والبرتغال وإيطاليا وإيرلاندا، مما يشكل أزمة عامة على بنية الإنتاج الرأسمالي الذي لا يجيد تصريف أزماته سوى على ظهر العمال. « وقف طفل صغير أمام والدته وهو يرتعش من قسوة البرد في أحد أيام شتاء 1929، وسألها ببراءة : لماذا لا تدفئين المنزل يا أمي؟ قالت الأم: لأنه لا يوجد لدينا فحم بالمنزل يا ولدي. فسألها الطفل: ولماذا لا يوجد فحم بالمنزل؟ أجابت الأم: لأن والدك متعطل عن العمل. وعاد الابن يسألها: ولماذا يتعطل أبي عن العمل؟ قالت الأم: «لأنه يوجد فحم كثير بالأسواق»، هذا مقتطف من جريدة نمساوية نشرت في نهاية العشرينات من القرن الماضي، يعكس أزمة الرأسمالية الأساسية والمتمثلة في فائض الإنتاج، وهذا الوجه من الأزمة يعكس الوجه الأخلاقي للرأسمالية المتوحشة ، ويؤكد على أن الاقتصاد العالمي لازال وفيا لروح النقاش البريء الذي دخله الطفل الصغير مع والدته ، وبغض النظر عن مدى صحة هذا الحوار في التاريخ ، فإن العبرة بمضمونه وقدرته على توصيف أزمة نمط الإنتاج الرأسمالي. في المغرب تخرج الطبقة العاملة هذه السنة في ظرفية خاصة تواجه تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية ، لكن يبدوا أن الحكومة وخاصة مكون العدالة والتنمية لازال منتشيا بنتيجته في الانتخابات ، دون إعتبار لطبيعة هذه النتيجة التي جاءت في سياق الربيع الديمقراطي والإنتظارات الواسعة من الشعب التي تعززت في السنوات الأخيرة من لعبة المزايدات التي قادتها المعارضة السابقة التي تتنكر اليوم لخطاباتها السابقة ، سواء بالنسبة للتشغيل أو الإضراب أو الزيادات في الأجور، والواقع اليوم يشهد أن ما تحقق في الحكومة السابقة من إيجابيات على المستوى الاجتماعي ، على مستوى تشغيل الشباب والزيادة في الأجور والحوار الاجتماعي ومأسسته وخاصة اتفاق أبريل، تعتبر علامة على الزمن الذي صنع الاستثناء المغربي في لحظة فاصلة في تاريخه ، وكل هذه المكتسبات السابقة أصبحت اليوم موضع تساؤل بل سوء تقدير سياسي في الوصف ، من طرف من يصفون التدابير الاجتماعية للحكومة السابقة أنها مست هيبة الدولة سواء بالنسبة لتدابير التشغيل أو الزيادة في الأجور ، وهذه اللغة تهييء الوضع العام لحالة الصدام والمواجهة خاصة في قضايا مستقبلية تتعلق بالقانون التنظيمي للإضراب والاقتطاع من أجور المضربين، وهي قضايا يجب أن تعالج في سياق عام ينطلق وجوبا من قانون ينظم النقابات . بلا شك اليوم ستخرج نقابات مجهرية لتنظم تجمعات خطابية لا يتجاوز من يحضرونها عدد أصابع اليد الواحدة ، وبلا شك فإن القنوات العمومية ستمطرنا هذه الليلة بصور هذه التجمعات الهزيلة التي تعكس واقع الفوضى الذي يعيشه العمل النقابي ببلادنا ، إن الحكومة يجب أن تعلم أنه لا يمكن الحديث عن قانون الإضراب قبل تنظيم الحقل النقابي ، ولا داعي لفتح جبهة للمواجهة مع النقابات لا تدفع البلاد سوى إلى تعميق حدة المطالب الاجتماعية ، ولا داعي أن تشرب الحكومة لبن السباع عندما يتعلق الأمر بالنقابات والجمعيات والباحثين عن الشغل ، بينما تتحدث بلغة الشكوى وطلب الفرج في مواجهة موظفين عموميين...