يبقى الصراع على أشده فيما يخص الأزمة السورية وهو يأخذ مع مرور الأيام أبعادا أوسع حيث لم يعد يقتصر على ساحتي بلاد الشام او الشرق الأوسط وحدهما، بل أصبح دوليا يوشك أن يقسم دول العالم إلى معسكرين لكل رؤيته حول الطريقة التي سيتم بها إخماد الحريق الذي حذر البعض من أن يتحول إلى مواجهة دولية خاصة بين القوى الكبرى. ثلاثة توجهات مع إقتراب الربع الأول من سنة 2012 من نهايته، تتبلور المواقف عالميا من الأزمة السورية في ثلاثة توجهات أساسية هي. الأول: تسوية سياسية داخلية مشابهة إلى حد ما لما جرى في اليمن، حيث لا تدمر أجهزة الدولة ولا قدراتها العسكرية والصناعية وبنياتها التحتية. وتساند هذا التوجه روسيا والصين والهند وعدة دول في آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وأطراف قليلة في أوروبا. المدافعون عن هذه المعادلة يقولون أن الجزء الأكبر من الأزمة السورية هو نتيجة التدخل الأجنبي الذي يريد نشر ما يسميه البعض وخاصة منهم المحافظون الجدد الذين يوجهون سياسة البيت الأبيض، الفوضى الخلاقة. ويضيف هؤلاء أن الأزمة السورية كانت محكومة بالتسوية بعد الأسابيع الأولى لقيام الاحتجاجات غير أن الولايات المتحدة قفزت لتستغل الوضع وتركب حركة التحول وتحولها إلى حرب داخلية. يوم الخميس 8 مارس 2012 قال دبلوماسي روسي ان الجيش السوري يقاتل «ارهابيين» يدعمهم تنظيم القاعدة بينهم 15 ألف أجنبي على الاقل وهؤلاء سوف يستولون على بلدات في أنحاء سوريا في حالة انسحاب القوات الحكومية منها. وأضاف ميخائيل ليبيديف نائب المندوب الروسي بالامم المتحدة في منتدى إنساني حول سوريا في مقر المنظمة الدولية بجنيف ان «المتمردين» نفذوا في الاونة الاخيرة هجمات على نطاق واسع ضد البنية التحتية السورية بما في ذلك المدارس والمستشفيات. وأضاف ليبيديف «هجمات الجماعات الارهابية تشمل عمليات قتل وتعذيب وترويع للسكان المدنيين. تدفق كل أنواع الارهابيين من بعض دول الجوار يتنامى باطراد». وذكر ليبيديف لمنتدى الامم المتحدة «نحث شركاءنا على عدم الخضوع لاغواء تضخيم الاشياء ولكن على الاسراع بصياغة منهج متوازن واحترافي لمساعدة كل شرائح الشعب السوري دون استثناء. وأكد ليبيديف لوكالة «رويترز» ان المعلومات بشأن صلات القاعدة في سوريا «حقيقة لا لبس فيها». وأضاف «كل ما أعرفه هو أنه طوال الوقت في الحروب التي خاضتها روسيا في منطقة القوقاز لم يصدقنا أحد حين قلنا ان الجماعات المسلحة التي تعمل سرا بما فيها منظمات ارهابية تطور عملياتها على أرضنا. «بعد خمس سنوات فقط تلقينا اعترافا بأننا فعلنا كل ما هو صواب». وقال ليبيديف ان محاولات ارغام الاسد على وقف تحرك قواته من جانب واحد ستأتي بنتائج عكسية. وأضاف «اذا طالبنا بأن تسحب القوات السورية وحداتها من المدن دون ان نوجه نفس النداء لمن يوصفون بالمعارضة يتعين ان نستعد لنرى البلدات المعنية تحتل على الفور من جانب الجماعات الارهابية المسلحة العنيفة والممولة من الخارج». معسكرات تدريب في نفس اليوم أي الثامن من مارس 2012 اتهم سفير روسيا في الامم المتحدة الحكومة الليبية بتدريب متمردين سوريين لشن هجمات على اهداف تابعة للحكومة السورية. وقال فيتالي تشوركين «تلقينا معلومات تفيد بان هناك في ليبيا وبدعم كامل من السلطات، مركزا خاصا لتدريب متمردين سوريين وهؤلاء يتم ارسالهم الى سوريا لمهاجمة الحكومة الشرعية». واضاف المندوب الروسي الذي كان يتحدث خلال جلسة مخصصة لليبيا ان «هذا الأمر غير مقبول على الاطلاق بموجب كل المعايير القانونية وهذه النشاطات تقوض الاستقرار في الشرق الأوسط». وتابع تشوركين «نعتقد ان تنظيم القاعدة موجود في سوريا والسؤال المطروح الآن هو هل أن تصدير الثورة تحول إلى تصدير الارهاب؟» وطلب تشوركين من جديد ان يقدم حلف شمال الاطلسي اعتذارات عن المدنيين الذين قتلوا خلال النزاع في ليبيا عام 2011 وان يدفع تعويضات. وعززت الصين الطلب بدعوة الى اجراء مزيد من التحقيقات في سقوط هؤلاء القتلى، والذين تفيد إحصائيات مستقلة أن عددهم يقدر بالآلاف. تأكيد من بنغازي يوم الجمعة 9 مارس 2012 ذكرت وكالة أنباء «يو بي آي» الدولية: كشف خطيب أحد مساجد مدينة بنغازي خلال خطبة صلاة الجمعة عن وصول العشرات من ثوار المدينة والمنطقة الشرقية إلى سوريا لمناصرة «الجيش السوري الحر». ونقلت صحيفة «قورينا» على موقعها على شبكة الإنترنت عن خطيب مسجد «جرير» بمنطقة بوهديمة الشيخ عماد الدرسين قوله ان «لثوار بنغازي خصوصا ولثوار ليبيا شرفا عظيما للمشاركة في القتال مع إخوانهم السوريين لنصرتهم» على من وصفوه «بطاغوت الشام». في نهاية شهر فبراير 2012 وقبل التصريحات الروسية في المنتظم الدولي، كانت مصادر ألمانية وروسية قد قدمت معلومات عن عمليات التجنيد للقتال في سوريا حيث ذكرت: تدفع الحكومة القطرية شهريا ومنذ بداية سنة 2012 مبلغ 180 مليون دولار لشركة المقاولات الأمنية الأمريكية الخاصة «خدمات أكسي» التي تتعاون مع شركة «انترناشيونال ديفلوبمنت سوليوشينز» وشركة كايسمان التي تعتبر إحدى الواجهات غير رسمية لوزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إي»، لمساعدة المعارضة السورية المسلحة بما في ذلك التدريبات والتدخل مباشرة على الساحة وتهريب الأسلحة والأشخاص إلى غير ذلك. في نفس الوقت تم ومنذ شهر أكتوبر 2011 توفير معسكر كبير سابق للجيش الليبي في جنوب شرق مدينة بنغازي وعلى مسافة تقدر بأكثر من 200 كيلومتر جنوبها، ليكون مركز عمل لشركة المقاولات الأمنية الأمريكية الخاصة «خدمات أكسي» بلاك ووتر سابقا وذلك من أجل تدريب مسلحين من عدة دول عربية وخاصة مصر والسودان والجزائر، وكذلك للقيام بعمليات استطلاع ميدانية في منطقة دول الجوار. وحدات تدخل بريطانية وطائرات تجسس الأخبار عن ضخامة المواجهة الدولية التي تجري على الساحة السورية لم ولا تنقطع، فيوم الأحد 26 فبراير كشفت صحيفة «ذا بيبول» الصادرة في لندن، أن بريطانيا أرسلت أو سترسل وحدات من قواتها الخاصة إلى سوريا لحماية مواطنيها ومساعدة خصوم الأسد. وقالت الصحيفة إن ما يصل إلى خمس مجموعات من القوات الخاصة البريطانية ستقيم بسوريا. وكانت تقارير صحافية قد كشفت خلال شهر يناير 2012 أن وزارة الدفاع البريطانية وضعت خططاً سرية لإقامة منطقة محظورة الطيران في سوريا تشرف عليها منظمة حلف شمال الأطلسي «ناتو». وقالت إن عملاء من جهاز الأمن الخارجي البريطاني «أم آي 6» ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي إي إيه» موجودون على الأرض في سوريا لتقييم الوضع، فيما تجري القوات الخاصة البريطانية اتصالات بالجنود السوريين المنشقين لمعرفة احتياجاتهم من الأسلحة وأجهزة الاتصالات. يوم السبت 18 فبراير 2012 ذكرت شبكة «ان بي سي» الامريكية ان «عددا كبيرا» من الطائرات الأمريكية بلا طيار التي تطير على إرتفاعات شاهقة تصل إلى حوالي 19 كيلومتر، وأجهزة الاستخبارات الأمريكية تعمل في سماء سوريا وعلى أراضيها لمتابعة الموقف. ونقلت الشبكة عن مسؤولين أمريكيين في مجال الدفاع طلبوا التكتم على هوياتهم، قولهم أن الحكومة الأمريكية تأمل في استخدام هذه المراقبة الجوية واعتراض اتصالات الحكومة السورية وعسكرييها لدعم حجتها في شأن رد عسكري على سوريا. وذكر خبراء عسكريون غربيون أن المعلومات التي توفرها مختلف أجهزة التجسس، تتيح للبنتاغون توجيه قوات النخبة التابعة «للناتو» الموجودة على الساحة السورية وإبعادها عن السقوط في فخاخ الجيش السوري، كما أنها تزود المعارضين للنظام على مدار الساعة ولحظة بلحظة بأماكن وأشكال تحركات القوات النظامية السورية والثغرات ونقاط الضعف الموجودة في خطوطها والأماكن المفضلة لشن الهجمات. عمليات الاستطلاع الجوي والأرضي توفر كذلك كمية ضخمة من المعلومات العسكرية التي ستكون قوات حلف «الناتو» في حاجة اليها لتوجيه الضربات، خاصة ضد المطارات ومواقع الدفاع الجوي ومراكز تخزين الذخائر وخطوط الامدادات والطرق ذات الأهمية الاستراتيجية إلى غير ذلك من المعلومات الاساسية لإنجاح أي تدخل عسكري مفترض. وزيادة على ذلك يشير الخبراء العسكريون إلى أن الطائرات بدون طيار تقوم بإسقاط مجسات في عدة مناطق بسوريا وحتى لبنان لرصد وبث كل المعلومات حتى تلك المتعلقة بالطقس وإتجاه الرياح والمخابئ الطبيعية التي يمكن أن توفر غطاء لقوات معادية. بعض المواد المزروعة عبوات ناسفة متحكم بها عن بعد. أجهزة متطورة التدخلات الاجنبية لها أوجه متعددة فيوم 29 فبراير نقلت عدة وسائل إعلام خليجية أخبارا مفادها أن مؤسسة «آفاز» العالمية التي لها مكاتب رئيسية في واشنطنولندن تقوم بدور الوسيط الإعلامي بين المحتجين السوريين المعارضين لنظام الأسد في الداخل والعالم، وهي توفر شهود العيان الذين «تثق بهم وتعرف عنهم كل شيء» لوسائل الإعلام العالمية. كما تقوم بنقل الوقائع الميدانية التي تشهد المواجهات وتقوم بتوزيعها على أكثر من خمسمائة مؤسسة إعلامية حول العالم يوميا. وقالت ستيفاني برانكفورت، المسؤولة بمنظمة «آفاز» «دعمنا منذ البداية الحركات الديمقراطية في سوريا ومصر وغيرهما، وفي سوريا أخذوا بفضلنا يستعملون معدات بث فضائية وهواتف تمكنهم من إختراق أي حظر أو قطع إتصال قد يقوم به النظام، وزودناهم بها في حمص وحماه». مصادر ألمانية أشارت إلى أن المعدات الحديثة جدا التي تحدثت عنها ستيفاني برانكفورت تكلف ملايين الدولارات ولا توجد إلا في حوزة أجهزة الاستخبارات والأمن الغربية وليست متوفرة في الأسواق، وهذا ما يفرض تعونا وتنسيقا بين تلك الأطراف. صياغة المواقف في الصراع السياسي الدائر بين أنصار التسوية السياسية الداخلية والساعين للتدخل العسكري تسجل تقلبات عديدة، فيوم السبت 10 فبراير تم الاعلان رسميا عن أن الجامعة العربية وروسيا اتفقتا على «وقف العنف في سوريا أيا كان مصدره» وهو ما ترفضه الولايات المتحدة وحلفائها الذين يقولون أن الجانب الحكومي السوري هو وحده المسؤول عن العنف. كل من وزير الخارجية القطري ونظيره السعودي عبرا عن عدم رضاهما ورفضا ما سمياه أي حلول جزئية للأزمة في سوريا، معتبرين ان الحديث عن ذلك لم يعد كافيا وأن من غير المقبول الاكتفاء بوقف لاطلاق النار. ودعا الشيخ حمد بن جاسم في افتتاح اجتماع وزراء الخارجية العرب قبيل لقائهم مع وزير الخارجية الروسي، ثم تعليقا على كلمة لافروف في الاجتماع ايضا، الى ارسال قوات عربية ودولية الى سوريا. من جهته، اتهم وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في كلمته، روسيا والصين بمنح النظام السوري «رخصة للتمادي في الوحشية». وقال الفيصل ان «الموقف المتراخي والمتخاذل من قبل الدول التي افشلت قرار مجلس الأمن وصوتت ضد قرار الجمعية العامة في ما يتعلق بالشأن السوري منح النظام السوري الرخصة للتمادي في الممارسات الوحشية ضد الشعب السوري». جاء هذا فيما اجتمع مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان في دمشق مع الرئيس بشار الاسد الذي أبلغ انان استعداد بلاده لانجاح أي «جهود صادقة» لحل الأزمة، لافتا إلى أن الحوار السياسي لن ينجح بوجود «مجموعات إرهابية مسلحة» تقوض الاستقرار. ويسجل المراقبون أن موسكو كانت حريصة على عدم السماح لواشنطن بإستغلال إنان كما فعلت قبل سنوات خلال إعدادها لغزو العراق، لتبرير أي تدخل عسكري جديد. وهكذا أعلنت وزارة الخارجية الروسية يوم السبت 10 مارس ان لافروف اجتمع مع انان في القاهرة قبل توجه الأخير إلى سوريا وحذره من أي «تدخل سافر» في شؤون سوريا. وأضاف بيان للخارجية الروسية انه خلال لقاء لافروف وانان تم «التشديد على ان من غير المقبول الاستخفاف بمعايير القانون الدولي بما في ذلك التدخل السافر في الشؤون الداخلية لسوريا».وهنا يجب تسجيل واقع آخر وهو أن اجتماع اللجنة الوزارية العربية جاء في ظل ظهور تباينات في الموقف العربي خصوصا بين مصر والسعودية حيث أن القاهرة أعلنت رفضها تسليح المعارضة السورية وحذرت من انعكاسات سلبية على المنطقة في حال نشوب حرب أهلية في سوريا، بينما أكدت السعودية انها مع تسليح المعارضة. المسجل كذلك أن الامارات العربية ابتعدت عن المواقف القطرية السعودية المطالبة بحسم عسكري. انتقادات للموقف التركي الأمر الآخر الجدير بالتسجيل كذلك هو أنه تزامنا مع اجتماع القاهرة، تحدثت إذاعة ال «بي بي سي» البريطانية عن تزايد ملحوظ خلال الآونة الأخيرة لانتقادات علنية من بعض أطياف المعارضة السورية في الخارج للحكومة التركية، متهمة إياها بالتقاعس والتردد، وقول مالا تفعل في القضية السورية. هذه الانتقادات جاءت في وقت تحضر فيه أنقرة لاستضافة النسخة الثانية من مؤتمر أصدقاء سوريا والذي يتوقع أن تصدر عنه قرارات تأمل واشنطن أن تكون حاسمة بحيث تعوض التعثر الذي عرفه مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد بتونس. خبراء يعزون التريث التركي إلى وجود إقتناع لدى بعض أطراف حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة أن غزو العراق والفوضى الخلاقة التي تعممها الإدارة الأمريكية في المنطقة العربية والآن في سوريا ستطالها بلهيبها ولو بعد حين، حيث أن الأتراك يعلمون أن هناك خطة قديمة لم يتخل عنها الغربيون منذ عقود تنص على إقامة دولة كردية بإقتطاع أراض من العراق وسوريا وتركيا، بالاضافة إلى مشاريع حول أخذ أرجاء من تركيا وضمها إلى أرمينيا كما كان يخطط أثناء الحرب العالمية الأولى وقبل أن يفشلها الأتراك بسحق عملية الإنزال الغربي على سواحلهم. الحل الذي يجب أن تفهمه الدول الأخرى تشير مصادر رصد إلى أنه بحكم العلاقات الوثيقة بين تركيا وألمانيا منذ عقود وتحالفهما في الحرب العالمية الأولى، يسجل تناغم بين موقفي برلين وأنقرة. الألمان ليسوا متحمسين لتدخل «الناتو» في سوريا كما لم يكونوا مع التدخل في ليبيا وهم حاليا لا يتوقفون عن الإشارة إلى السلبيات التي انتهت إليها الأوضاع وخطر تفتت البلاد. من هذا المنطلق يسجل أنه يوم السبت 10 مارس اعتبر وزير خارجية ألمانيا غيدو فيسترفيلي خلال زيارة مقتضبة لصنعاء التقى خلالها الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي ان الحل السلمي في اليمن «يمكن تطبيقه في دول اخرى»، معلنا في الوقت ذاته تقديم مساعدات بقيمة 265 مليون يورو. وصرح فستيرفيلي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره اليمني ابو بكر القربي ان «التطورات في اليمن قد أظهرت أن الحل السياسي ممكن ويمكن أن يكون اليمن نموذجا لدول أخرى، فالتحول السلمي ليس فقط ممكنا لكنه ضروري وهذه إشارة يجب أن تفهمها الدول الأخرى». سد شهية المتدخلين الإتجاه الثاني: ما بين الداعين إلى تسوية سياسية والمطالبين بالتدخل العسكري هناك طرف آخر يقول أنه يمكن أن يستبعد الرئيس الأسد من السلطة ولكن ليس الآن. الرجل يجب أن يبقى حتى تسد شهية واشنطن لركوب حركة التطور في المنطقة العربية وتدرك أنه رغم ما وضعت من خطط وأنفقت من أموال وكشفت عن حلفاء كانوا لا يتحركون سوى وراء الستار، تكبدت هزيمة. وكما شكلت نهاية حرب فيتنام فاصلا أوقف مغامرات التوسع الأمريكية لأكثر من عقد يجب أن تكون الحصيلة مشابهة في سوريا. ويضيف هؤلاء أن نكسة أمريكية في بلاد الشام تضاف إلى النكسات التي تكبدتها الولايات المتحدة وإسرائيل في مواجهة حزب الله في لبنان ستوفر لحركة التطور العربية فترة هدنة تحميها من التدخلات الخارجية ومحاولات ركوب التحولات بها، وخلال فترة الهدنة هذه سيمكن للقوى السياسية والشعبية العربية أن تقود تطورات هادئة بعيدة عن عمليات التفتيت على أسس عرقية ومذهبية المنصوص عليها في مخطط الشرق الأوسط الكبير الساعي إلى تقسيم المنطقة إلى ما بين 54 و 56 دويلة متنازعة. أنصار هذا الموقف يؤكدون أن على دول منطقة الشرق الأوسط الكبير حتى تلك التي تم استقطابها بشكل أو بآخر لإطروحات الولايات المتحدة حول ما تسميه التحول الديمقراطي، أن تدرك أنها ستكون إن عاجلا أم آجلا على مقصلة الغرب الذي سيستخدم نفس الأسلحة ضدها وذلك ليتمكن من تحقيق مخططه الأساسي للسيطرة على ما يمكن أن يعتبر مركز العالم لأنه عبر موارده خاصة النفط يمكن حسم الصراع بشأن إقامة النظام الامبراطوري العالمي تحت الراية الأمريكية. الحرب الاتجاه الثالث: تتزعمه الولايات المتحدة وغالبية شركائها في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وهو يقوم على إعادة السيناريو الليبي مع إدخال بعد التعديلات، حيث تتدخل القوى العسكرية الغربية خاصة عن طريق الضربات الجوية لتدمير منظومة الجيش السوري بالكامل. وترغب واشنطن أن تحظى بدعم عربي ولو كان رمزيا. فرنسا المزهوة بنتائج تدخلها العسكري في ليبيا تريد مرة أخرى أن يكون لها السبق خاصة وأن في مخيلتها ذكريات نهاية الحرب العالمية الأولى حيث كان نصيبها في صفقة تقسيم الامبراطورية العثمانية الجزء الأكبر مما كان يسمى حينها ببلاد الشام. باريس وبعد أن صد الفيتو الروسي الصيني محاولات جعل مجلس الأمن يتبنى قرارا يمهد للتدخل العسكري الغربي ضد سوريا، تجتهد لإقامة توافق مع بعض العواصم العربية لتشكيل قوة عسكرية عربية تكون مهمتها حسب التفسير الغربي وقف العنف في سوريا وتأمين وصول الإمدادات إلى المناطق المتضررة من النزاع. وخلف هذه القوة سيتدخل حلف «الناتو» بكل قدراته الجوية وتلك المتمثلة في قوات النخبة العاملة على الأرض. قصر الاليزي وبمباركة من البيت الأبيض يريد أن يتراوح تعداد هذه القوة العربية بين 12 الف و25 ألف. باريس تعد بأن يوفر حلف الأطلنطي وسائل نقل هذه القوات إلى الساحة وخاصة عن طريق البحر مباشرة إلى السواحل السورية أو عن طريق الحدود التركية. حتى الآن ترفض عمان مطالب الغربيين في أن يشارك الأردن في هذا الجهد العسكري، أو أن يسمح لقوات عربية أو أجنبية بعبور حدوده مع السعودية وصولا إلى الحدود السورية الجنوبية. باريس وواشنطن تقدران أن مشاركة عسكرية عربية كثيفة في حملة يقودها حلف «الناتو» ستقيد أيدي موسكو التي سيحتم تدخلها المضاد مواجهة مع جيوش عربية، وهو أمر لا ترغب فيه خاصة في وقت تريد فيه أن تسترجع حالة التوازن العالمية التي كانت قائمة قبل سقوط الإتحاد السوفيتي خلال عقد التسعينات. الإسهام العربي في قوة التدخل سيكون كذلك وسيلة إقناع لكل هؤلاء الذين يعارضون التدخل العسكري لإنهاء الأزمة السورية، وسيكون من الممكن لباريس وواشنطن الدفاع عن موقفهما بالقول «العرب هم الذين قرروا التدخل، ونحن نقدم فقط الإسناد الذي يطلبونه لتخفيف حجم الخسائر وإنقاذ سوريا، وسيضيفون أن التدخل العسكري العربي سيزيل خطر نشوب حرب أهلية وهو ما كان قد حذر منه أكثر من سياسي وخبير في حالة وقوع تدخل يقتصر على الناتو. وبما أن العرب سيكونون بجيوشهم البرية على الأرض في سوريا، فإن السوريين المترددين في التمرد على ساسة دمشق لن ينهضوا لمقاومة التدخل الأجنبي الذي سيصفه البعض بالغزو ويشبهه بما حصل في العراق سنة 2003». باريس وواشنطن تلوحان كذلك بمقولة «أن الوجود العربي المادي على الساحة السورية سيزيل مخاوف هؤلاء الذين يحذرون من أن سيطرة الناتو على سوريا ستكون في مصلحة إسرائيل، أو أن حكومة دمشق القادمة ستكون تابعا خجولا للغرب». خطط الحرب يوم 8 مارس أفادت وكالة الأنباء الألمانية «د ب أ» أن رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي أعلن أن وزارة الدفاع «البنتاغون» قد اكملت، بناء على طلب من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وضع خطة مبدئية لتدخل عسكري فى سوريا وإن كانت هناك مشكلة ناتجة عن افتقاد الوحدة داخل المعارضة السورية وامتناع من جانب المجتمع الدولى عن مساندة مثل هذه المهمة. وأوضح ديمبسي ووزير الدفاع ليون بانيتا أن حكومة أوباما ما زالت تعتقد ان الضغط الدبلوماسى والاقتصادى هما بمثابة الخيار الأمثل في الوقت الحاضر. وذكر ديمبسي أن «البنتاغون» أعد الخيارات التي طلبها الرئيس أوباما ومن أجل إعادة النظر فيها، بدءا من عمليات النقل الجوي، والرصد البحري والمراقبة الجوية للجيش السوري، وإنشاء منطقة حظر الطيران. في نطاق الجدل الدائر حول توقيت التدخل نشرت صحيفة «ذي انترناشنال هيرالد تربيون» الامريكية تحليلا للوضع الحالي في سوريا كتبه مدير تحرير مجلة الشؤون الخارجية «فورين افيرز» جوناثان تيبرمان طالب فيه بالتدخل العسكري الكاسح محذرا من أن مخاطر اتخاذ خطوات تدخل صغيرة في سوريا أفدح من عواقب حملة عسكرية كبيرة. دول الجوار في نفس الوقت سلطت صحيفة «نيويورك تايمز» الضوء على التبعات الناجمة عن حالة الاضطربات والفوضى الدائرة في سوريا على دول الجوار معبرة عن مخاوف بعض الأطراف داخل الإدارة الأمريكية وإبتعادها عن تأييد التدخل العسكري الذي قد يقود إلى مواجهة مباشرة مع روسيا. وهكذا أشارت الصحيفة إلى أنه مع دخول الأزمة السورية عامها الثاني، تتسبب أحداثها في حدوث تعثرات اقتصادية بجانب حالة من عدم اليقين والغموض في الدول المجاورة لها. وأشارت الصحيفة الى أنه في كل من لبنان والاردن، تغلب حالة من عدم الارتياح والقلق أزاء ما سيحمله المستقبل. وأشارت الصحيفة إلى مخاوف تعتري البعض من أن تؤجج الأزمة الدائرة في سوريا الصراع المسلح في لبنان مرة أخرى، مشيرة الى أنه على الرغم من الدعوات التي يطلقها كثير من السياسين اللبنانين بضرورة ضبط النفس، فان المدن اللبنانية تشهد خروج مظاهرات بشكل معتاد سواء مؤيدة لحكم الرئيس الأسد أو مناوئة له. البعض في الغرب يقدر أن الرهان الأمريكي لركوب حركة التطور يوشك أن يسقط. وهكذا نشرت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية يوم الاربعاء 7 مارس تحليلاً كتبه كريستوفر فيليبس المحاضر في العلاقات الدولية للشرق الاوسط في جامعة «كوين ماري» في لندن يتساءل فيه عما اذا كان بوسع النظام السوري ان يسحق المعارضة، ويجيب عن سؤاله ب»نعم» حسب ما يوحي به التاريخ. ويقول ان سقوط الأسد بعيد عن كونه امراً حتميا وان ما يسميه الانتفاضات الشرق الاوسطية فشلت أكثر مما نجحت. الصديق والعدو كتب صحفي عربي من فلسطين يوم 14 فبراير، هل يمكن إنكار لحظة التحول التاريخية الفارقة التي اجتاحت العراق منذ رفع العلم الأمريكي في ساحة الفردوس، لتبدأ حقبة نشر الديمقراطية في العراق الجديد، الذي يوصف بفضل الاحتلال الأمريكي الثلاثيني الدولي بأنه ثاني الدول فسادا في العالم. فهل هذا الإنجاز الأمريكي في العراق قليل الشأن؟ تحويل بلد من سابع بلد صحيا، بلد احتفل بتعليم آخر أُمي..إلى ثاني بلد عالميا فسادا، وفقرا، وموتا..لا : في الموت المجاني اليومي هو الأول ..فهو يتفوق حتى على أفغانستان التي نشرت فيها أمريكا وقوات التحالف الموت الديمقراطي الحضاري لاجتثاث الإرهاب! بحسب معلوماتي فإن روسيا والصين لم تتخذا سابقا، وفي زمن الاتحاد السوفييتي قرار الفيتو ضد العرب..أقصد عرب الحقبة الناصرية، فالفيتو كان يلوح به دائما في وجه أمريكا، ودول الغرب الاستعماري التي كانت، وما زالت سبب كل بلاء وقع على العرب. لم تتخذ الصين يوما موقفا تآمريا على العرب..ورغم فقرها قبل عقود دعمت العرب المحتاجين لدعمها، وشقت الطرق في اليمن، وأسست المستشفيات، وساهمت في التنقيب عن النفط في السودان دون استغلال على الطريقة الأمريكية، والبريطانية، والفرنسية. فهل الصين عدو لإشهارها الفيتو مع روسيا لصد الهجمة الأمريكية التي تستهدف أبعد من سوريا بكثير؟ متى نشبت حرب شاركت فيها الصين، أو روسيا، على وطننا العربي..وفي أي عصر من العصور تحالفت أي من الدولتين مع أعداء العرب؟. الصين رعت الثورة الفلسطينية مبكرا، واعترفت بمنظمة التحرير، وزودت الفلسطينيين بالأسلحة، ودربتهم على حرب العصابات لتحرير فلسطين، واستقبلت مؤسس المنظمة أحمد الشقيري الذي التقى بالقائد ماوتسي تونغ الذي فاجأ الشقيري بأنه يعرف أدق تفاصيل تطور القضية الفلسطينية. حتى يومنا هذا فإن الصين تعلم أبناء الفلسطينيين، وتمنحهم المنح، وتدعم القضية في المؤسسات والهيئات الدولية ..في حين لا تكف أمريكا وبريطانيا وفرنسا عن التآمر على فلسطين وشعبها. روسيا حتى يومنا هذا، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي ما زالت تمنح الفلسطينيين مئات المنح الدراسية سنويا، ليعود أبناؤنا أطباء، ومهندسين، وخريجين في كل الاختصاصات، ناهيك عن علاج جرحانا في الانتفاضتين، و..الدعم على كل الصعد. فهل روسيا عدو لنا نحن العرب؟. روسيا صديق حتى اللحظة. الفيتو الروسي الصيني هو موقف دفاعي للقوتين العظميين عن نفسيهما، وعن مصالحهما، وهو في ذات الوقت لحظة فاصلة تنهي حقبة هيمنة القطب الواحد على العالم، فأمريكا بعد اليوم لن تستفرد وحدها بتسيير العالم سياسيا واقتصاديا بحسب رغباتها، ومصالحها، ومشيئتها. كيف يمكن نسيان كل التاريخ الإجرامي لأمريكا ودول الغرب في تقسيم بلادنا، واستتباعها واستعمارها، ونهب ثرواتها؟! كيف يمكن القبول بغسل يديها، ومكيجة وجهها القبيح، والترويج بأنها رسولة الديمقراطية الحريصة على ثورات العرب، وشعوب العرب..: وأين فلسطين وعروبتها وإسلاميتها؟ أين قدسها التي هودت برعاية أمريكية؟ أين أقصاها المهدد بالخراب والهدم لبناء الهيكل؟ أليست أمريكا هي التي أشهرت الفيتوات المتلاحقة لتعطيل أي قرار لمصلحة فلسطين، أي قرار يدين الاستيطان، والقتل، والاغتيالات..أتنسون دورها في تغطية حرب الإبادة على غزة؟. لا: روسيا والصين ليستا عدوتين..بل هما صديقتان كانتا، وستبقيان حتى مدى بعيد، وفي الصراع بينهما وبين أمريكا ودول الغرب الاستعماري فإن ملايين العرب يميزون بين الصديق والعدو. أمريكا ودول الغرب الاستعماري هي التي اختارت عداءنا، والتآمر على قضايانا، ونهبت ثرواتنا، ومزقت وطننا العربي إلى دويلات، ومخططاتها تعود من جديد لتقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ..وهذا ما تعيه جماهيرنا العربية في كل أقطارها. روسيا والصين تقفان الآن في وجه الهيمنة الأمريكية..وفي هذا خير عميم للبشرية جمعاء. البشرية التي عانت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فحركات التحرر باتت يتيمة، والشعوب المسكينة وقعت على رأسها الضربات من اليد الأمريكية الثقيلة. يبدو أن حقبة الاستفراد والهيمنة قد انتهت..وبدأت الحقبة الجديدة بالفيتو المزدوج.. وهذا ما يزعج أمريكا وأتباعها! نحن المؤمنين بعروبة فلسطين، نقيس مواقف الدول، صغرى كانت أم كبرى، على مسطرة فلسطين، التي هي أقدس قضايا الأمة، والتي هي ليست شأنا إقليميا عابرا: من يقف مع فلسطين فهو صديق، وهو مع الحق..والصين وروسيا تقفان مع العدل في فلسطين، ولا تدعمان الكيان الصهيوني بالمال والسلاح، وتغطيانه بالفيتوات المتلاحقة كما تفعل أمريكا وإداراتها المتصهينة ..لذا فهما صديقتان لملايين العرب». يوم السبت 10 فبراير أعلنت الولايات المتحدة أنها «قلقة جدا» إزاء تجدد العنف في منطقة قطاع غزة وأدانت تعرض إسرائيل للقصف بالصواريخ من القطاع. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند في بيان «ندين بأشد التعابير قيام إرهابيين بإطلاق صواريخ من غزة على جنوب إسرائيل» ودعت «المسئولين إلى اتخاذ إجراءات تكفل وقف هذه الأعمال الجبانة».