عاشت مدينة تازة خلال الأيام القليلة الماضية، أحداثاً أليمة، كان من ا لمفروض ألا تقع، أولا: لو تغلب منطق العقل والحكمة وبعد النظر لدى المسؤولين الإقليميين، عبر الإنكباب على معالجة المشاكل المتراكمة، واتخاذ المبادرات اللازمة لإيجاد الحلول الملائمة، وثانيا: لو غاب منطق التهييج لدى من يريدون احتلال مواقع متقدمة في المشهد السياسي، ولو بالتزييف والكذب، وتصفية حساباتهم السياسية بركوبهم على المطالب الاجتماعية المشروعة للمواطنين.. جميع الدول من الممكن أن تعرف احتجاجات وتوترات اجتماعية، وقد شاهدنا ذلك، حتى في أعرق الدول الديمقراطية المتقدمة، كما هو الشأن بالنسبة لأمريكا وأنجلترا وإسبانيا واليونان وغيرها.. لكن ذلك لم يدفع الأطراف السياسية باختلاف توجهاتها إلى اختلاق الأخبار وفبركة الصور من أجل تحقيق مصالح ضيقة، كما حصل في مدينة تازة، حيث لجأ دعاة الفتنة إلى الاستغلال الفاضح للصورة من أجل زيادة «مصداقية أخبارهم» التي يقدمونها، خصوصا عبر المواقع الاجتماعية، وهو ما تأكد بالملموس، على الأقل، في صورتين تم تداولهما على نطاق واسع باعتبارهما من «ضحايا القمع المخزني» في تازة، في حين أنهما تتعلقان بأحداث لا علاقة لها بالأحداث الأخيرة التي عاشتها هذه المدينة، ووصلت قمة الكذب والافتراء، بالنسبة للصورة التي يظهر فيها طفل في حالة ذعر وهو يستغيث، باعتباره من «ضحايا همجية ووحشية التدخل الأمني» حسب دعاة الفتنة، في حين أنها صورة لطفل من أطفال غزة ضحايا العدوان الصهيوني سنة 2009. لقد أظهرت هذه الأحداث، إلى أي حد أن دعاة الفتنة - الذين يدعون تشبثهم «بالأخلاق الفاضلة وبقيم التقدمية» هم قادرون، تحت أية ذريعة كانت، على التخلي عن هذه الأخلاق والقيم، واستعدادهم الدائم للقيام بكل ما من شأنه «فضح النظام المخزني»!؟ وتشويه سمعة وصورة بلدهم أمام الرأي العام الوطني الدولي، ولكن عن طريق الاختلاف والكذب والفبركة.. والواقع أن أسلوب الكذب والاختلاق والفبركة، أصبح اللجوء إليه أمرا سهلا مع تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال، ليس فقط في المغرب، ولكن في دول أخرى مع درجات متفاوتة وسياقات مختلفة، فقد لجأت إليه القوى المناوئة للنظام الملكي بالبحرين في السنة الماضية، حيث تأكد أن وسائل إعلام معارضة، لجأت إلى استغلال صور وأخبار متعلقة بعمليات قتل وتعذيب حصلت في دول أخرى في تواريخ قديمة، ونسبتها إلى أجهزة الأمن البحرينية، كما رأينا كيف أن الإعلام الإسباني استغل هذا الأسلوب أثناء الحدث المشؤوم لمخيم إكديم إزيك ، قرب مدينة العيون، حيث لجأ إلى اختلاق التصريحات والوقائع وفبركة الصور من أجل تأزيم الوضع بالأقاليم الجنوبية للمملكة، وهو ما ظهر بالملموس في الصورة الشهيرة التي نشرتها وكالة إيفي آنذاك، وروجتها مختلف وسائل الإعلام الإسبانية، على أنها مأخوذة لطفل من مدينة العيون، في ادعاء باطل ومقصود وفي إساءة صريحة للمغرب، في حين أن الصورة كانت لطفل من غزة راح ضحية العدوان الصهيوني الغاشم على أبناء الشعب الفلسطيني. وهكذا يتضح أن غزة المحاصرة أصبحت «ملهمة» للإعلام الإسباني الخاضع لهيمنة اللوبي السياسي والاقتصادي، وملهمة أيضا لدعاة الفتنة الذين يجرون وراء سراب تحقيق المآرب السياسية.. من المؤكد أن هناك مطالب اجتماعية مشروعة كانت سببا وراء الأحداث التي عرفتها مدينة تازة، وهي مطالب موجودة، على كل حال، في مختلف المدن المغربية، والضرورة تقتضي تحلي أصحاب القرار بالحكمة والتبصر من أجل إيجاد الحلول وتلبية انتظارات المواطنين، ولكن الذي ليس مؤكدا ولا مقبولا هو الاستغلال المذموم لهذه المطالب والتلاعب بحماس وعواطف المواطنين من قبل دعاة الفتنة، واللجوء إلى منطق التسويف والمماطلة وصب المزيد من الزيت على النار الملتهبة من قبل المسؤولين، ذلك أن الموقفين يشكلان وجهين لعملة واحدة وهو تعميق الأزمة وتعطيل مسيرة التطور الديمقراطي السليم في بلادنا.. [email protected]