صدر كتاب جديد للدكتور عبد السلام محمد البكاري بعنوان «العقيدة الشريعة التصوف عند الإمام الجنيد أبي القاسم الخزاز البغدادي (217 297 ه) (830 909 م)، وهو يتضمن أربعة مباحث عني المؤلف في الأول منها بترجمة أبي القاسم الجنيد الخزاز، معرفا به، ومقدما تعاليق الصوفية والمستشرقين، وإسناد الجنيد للحديث، ومبينا مصادر ترجمته ومنزلته ووفاته. وخصص المبحث الثاني للتصوف عند الجنيد بين النظر والعمل من خلال دراسة «الحقيقة والشريعة أو الظاهر والباطن» عنده، واستجلاء أركان التصوف وأهم قواعده في مذهبه، وعلاقة التصوف بالتوحيد ومعنى التوحيد الصوفي وتوحيد العوام، والعقيدة والإيمان عند الإمام الجنيد، والجديد في نظريته، والتوحيد ونظرية وحدة الشهود، والجنيد والشطح الصوفي. وأما المبحث الثالث فتناول فيه المأثور اللفظي للجنيد من خلال أقواله، والإسناد وشهادة السماع في حقه، وبعض أدعيته كدعاء الإخلاص المستجاب ودعاء التضرع والخشية ودعاء النجوى والاستغاثة ودعاء الفرج والتفكر في ملكوت الله. وفي المبحث الرابع من هذا الكتاب الذي صدر عن مركز التراث الثقافي المغربي في الدارالبيضاء ويتضمن 132 صفحة من قطع كبير، ذكر لأعلام تتلمذ عليهم الجنيد أو تتلمذوا عليه أو عاصرهم، وأثر فيهم أو تأثروا به وكان لهم شأن بعده. وأفرد المؤلف المبحث الخامس لإشعاع الجنيد في التاريخ الصوفي، مستخلصا آثاره، وهي بين نثر وشعر، ويبقى أن هذا التراث القيم الذي خلفه الإمام الجنيد رحمه الله في مزيد حاجة الى التحقيق والإخراج والنشر خاصة شعره النفيس المنتشر في بطون المصادر الإسلامية. إن كتاب الدكتور عبد السلام محمد البكاري غزير الفائدة، نافع علما وعملا، موثق بمنهج علمي يتحرى صاحبه الحقيقة، ويسعى الى رفع اللبس عن أمور كثيرة تتصل بهذا الميدان الذي «عرف في التاريخ كظاهرة معقدة لشدة تداخل عناصرها وتلون العاملين فيها، بل ولتلون أو تحول ظروف الزمان والمكان والإنسان في المشرق كما في المغرب» كما قال. د. عبد الله بن عتو (جامعة ابن طفيل القنيطرة) في تقديمه لهذا العمل حيث رأى أنه «يحقق في السياق العلمي الحالي للدرس الصوفي جملة فؤائد؛ منها الوجه الإبداعي للرجل الصوفي، وهو موطن اجتماع كل مبدع أصيل بأهل الطريق». إن الكتابة عن الإمام الجنيد من هذا المنظور الذي اختاره المؤلف، أي بما يستوعب دراسة فكره العقدي والفقهي والصوفي، لاتقف عند حدود المحاولة الواحدة، بل ما قدمه د. عبد السلام البكاري بداية على طريق البحث التجميعي والتنسيقي والتكاملي بين هذه الجوانب الثلاثة التي هي دعائم التدين أو الاختيار المنهجي في الحياة الدينية الإسلامية للمغاربة.ولاشك أن هذا الكتاب غني بالمعلومات والإشارات، ممهدة لمزيد من الدرس لمن أراد ذلك.