عقد في الأسبوع الماضي بمدينة الرماني ملتقى حول«الإمام الجنيد: الحكامة والسلوك» بشراكة بين كلية الآداب بالرباط والمجلس العلمي المحلي للرباط والمندوبية الجهوية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، شارك فيه باحثون من المغرب وخارجه. في الحوار التالي يتحدث المشرف على الملتقى، الدكتور أمين الإسماعيلي، عن الموضوع: - لماذا الحديث عن الجنيد والتنمية البشرية اليوم؟ < الجنيد هو رجل متصوف سني، وإذا نظرنا إلى تاريخ ميلاده الذي هو 215 ه وتاريخ وفاته الذي هو 290 ه نجد أن الإمام الجنيد قد عاصر الأحداث الجسام، فقد عاش مقتل تلميذه الحلاج، لأن الحلاج أراد أن يتحدث لغة لا يفهمها الناس، وأراد أن يعيش مع الصفوة، بينما الإمام الجنيد أراد أن يعيش مع الناس، والذي يعيش مع الناس يعرف أخبارهم ويسبر أغوارهم ويمكن أن يوجههم، فالإمام الجنيد إذن هو نموذج للسلوك الذي يعيش التحضر والرقي، وهو دفع بالإنسان نحو الرقي الثقافي والسلوكي، فالتصوف ليس هو الزهد، بل هو سلوك، والمغاربة عندما اختاروا الجنيد إنما اختاروا أحدا لا يمكن السيطرة عليه، بحيث أراد المغاربة أن يعيشوا وضعا متميزا عن بغداد وعن قرطبة وإشبيلية ويبقوا مغاربة على لباس يسايرهم ويدفع بهم إلى تحقيق شخصيتهم، واختاروا بذلك وسطية تناسب وسطية الإمام الجنيد، وحتى عندما اختاروا العقيدة الأشعرية لم يختاروا عقيدة المرشدة كما كتبها ابن تومرت، بل اختاروا وسطية الإمام الأشعري الذي وجد نفسه داخل صراع الحنابلة والمعتزلة، فترك المعتزلة وترك متأخري الحنابلة وجاء إلى الوسط، بين غلو هؤلاء وغلو هؤلاء، وقال إن الغلو لا يصلح لشيء حتى ولو كان في أمور العبادة. - إلى أي حد يمكن أن يلعب التصوف دورا في تحقيق التنمية؟ < لو نظرت إلى الدول العظمى اليوم، وعلى الخصوص الولاياتالمتحدةالأمريكية كأكبر قوة استطاعت أن تؤسس تنمية اجتماعية، وعلى سبيل المثال منطقة تكساس، ستجد أن الدين قد قام بدور مهم في تنميتها، لأن الدين وحده يدفعك إلى تقاسم لقمة عيشك مع أخيك، وعندما تسأل أي مواطن سيقول لك: «على كل حال أنا مسيحي، وأعرف ما يعنيه الإحسان بالنسبة إلي»، وتصوف الإمام الجنيد يحقق هذه الغاية، فقد عاش ثريا لكنه فضل غنى النفس عن غنى المال، وكان يتصدق على الفقراء. - هناك اليوم، على الصعيد العالمي، عودة إلى القيم الروحية والصوفية حتى على المستوى الاقتصادي، هل معنى ذلك أن العالم اكتشف فشل النماذج السابقة في تحقيق التنمية ويريد تجريب هذه القيم؟ < بعد سقوط جدار برلين، اكتشف الإنسان أنه لا يمكن أن يعيش بدون قيمه الداخلية، وخصوصا القيم الدينية، وأن هذا الإنسان الذي خلقه الله لا يمكن أن يكون إلا عابدا، ابحث في التاريخ وستجد أنه لا يمكن أن تلقى أمة بدون معابد، إذ يمكنك أن تجد أمة بدون ملاعب أو مدارس أو مؤسسات، لكن لا يمكنك أن تجد أمة بلا معابد، لأن المعبد شيء مغروز في الإنسان.