إذا إذا كانت طائفة من علماء الإسلام ينكرون أشد الإنكار انقسام الدين و الشريعة إلى أصول وفروع وثوابت ومتغيرات،وإذا كان الذين يقرون بهذا التقسيم يؤكدون على أن ثوابت المسلمين واحدة لا تختلف باختلاف الأمصار و الأعصار،فإن طائفة من أهل المغرب ممن يحسبون على الدين والقائمين على الشأن الديني فيه ما فتئوا يرددون كلاما مفاده أن للمغرب ثوابته الدينية التاريخية الخاصة بهم والتي هي العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي وتصوف الجنيد،حتى غدا هذا الثالوث شعارا يعرفون به وينسبون المغاربة إليه،مخالفين لما عليه بقية المسلمين في الأقطار الأخرى.فما قيمة هذه الادعاءات من حيث حقيقة نسبتها إلى أصحابها؟ومن حيث صدقها تاريخيا؟ومن حيث قيمتها في ميزان الشرع؟وما حقيقة العمل بهذه الثوابت في الأرض الواقع أم أن الأمر لا يزيد عن مجرد شعارات تردد في كل منبر ومقام؟ للإجابة على هذه الأسئلة نقف عند كل "ثابت" من هذه الثوابت وفق ما يسمح بها المقام. "" العقيدة الأشعرية:ما يزال علماء المغرب الرسميون يشيدون بالعقيدة الأشعرية وتجدرها في قلوب المغاربة وتاريخهم منذ قرون مضت،لا أقف عند هذا الادعاء كثيرا،لكن أقف عند مسألة واحدة تغنينا عن كل كلام قد يضر أكثر مما ينفع،ألا وهي صحة نسبة هذه العقيدة إلى أبي الحسن الأشعري رحمه الله. من القواعد التي سطرتها أقلام علماء الإسلام أنه إذا ورد عن عالم قولان أو مذهبان،فإنه ينسب إليه آخرهما،لأن في ذلك دليلا قاطعا على أنه تراجع عن مذهبه الأول،ويستوي في هذا أن يكون المذهب فقهيا أو عقيديا.ومن المعلوم أن أبا الحسن مر من ثلاث مراحل[1]هي: مرحلة الاعتزال سار فيها على مذهب واصل بن عطاء في تقرير الصفات،ومرحلة الأشعرية وضع فيها عقيدته الجديد التي أقر فيها لله سبعة صفات هي الحياة والقدرة والكلام والعلم والإرادة والسمع والبصر،ومرحلة ثالثة تبرأ فيها مما سبق،واعتقد معتقد السلف وأهل الحديث في الأسماء والصفات ومات عليه،ومما قاله في هذا الصدد:"ووقفت على ما التمستموه- أي أهل بغداد- من ذكر الأصول التي عول سلفنا رحمة الله عليهم عليها،وعدلوا إلى الكتاب والسنة من أجلها و اتباع خلفنا الصالح لهم في ذلك وعدولهم عما صار إليه أهل البدع من المذاهب التي أحدثوها وصاروا إلى مخالفة الكتاب والسنة به" إلى أن قال:" وأجمعوا – يعني السلف- على وصف الله تعالى بجميع ما وصف به نفسه ووصفه به نبيه من غير اعتراض فيه ولا تكيف له وأن الإيمان به واجب وترك التكييف له لازم"[2] وإذا استبنت هذا،علمت أن من ينسب أبا الحسن إلى العقيدة الأشعرية لا يلوي على شيء،وإذا كان ينشد الحق صادقا،فبيننا وبينه كتب أبي الحسن نفسه قبل كتب غيره ممن دون عقيدته،أما التعصب والعمى فلا يجدي في شيء. المذهب المالكي:لا يشك أحد في فضل هذا العالم الجليل ومكانته العلمية فقها وحديثا،وكفى تنويها بقدره ما قاله فيه تلميذه المطلبي القرشي:"إذا ذكر العلماء فمالك النجم".وإذا كان الأمر كذلك،فإن الفقه المالكي على الرأس والعين دون تعصب أو تقليد،غير أن ما ننكره على من يتشدق بالمذهب المالكي هو اعتبارهم للمذهب ثابتا من ثوابت المغاربة الدينية التي لا محيد عنها كذبا وتضليلا وافتراء على مالك وعلى المغاربة،ولو أن أخذهم بالفقه المالكي كان على حقيقته لاستقام لهم الأمر ورضيت به القلوب لكن هيهات هيهات،أخذوا بالمذهب وفرضوه على أئمة المساجد عنوة وقسرا في مسائل الطهارة والصلاة والحزب الراتب دون غيرها من القضايا الكبرى التي لو اتبعوا فيها ما أفتى به مالك وأصحابه لاستقامت لهم الدنيا والآخرة.فلا هم أخذوا بالمذهب المالكي ولا هم تركوا الناس يتمذهبون كما يشاءون. تصوف الجنيد: أو التصوف السني المغربي كما يزعمون،إن الإمام أبا القاسم الجنيد أستاذ عارف علِْمُه: "مضبوط بالكتاب والسنة من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه،لا يقتدى به...مشبك بحديث رسول الله"[3]ما عرف عنه لا ابتداع في الدين ولا شطحات صوفية مائلة ولا رقصات مميلة ولا ترنيمة شركية ولا قول باتحاد أو حلول،كما اشتهر عند متصوفة اليوم من المخالفات الشرعية في العقيدة والعبادة والسلوك في نواديهم ومواسيمهم السنوية التي تقام برعاية ومباركة من وزارة الأوقاف باسم الدين والشرع وهما منها بريئان.إن حقيقة الاستمساك بتصوف[4] الجنيد هو اتباعه في العبادة والتنسك و الزهد في الدنيا على منهج الكتاب والسنة كما ثبت عنه رحمه الله أنفا.أما اتباع طقوس ما أنزل الله بها من سلطان وشغل الناس بها عن القضايا التي تهم في الحياة وتضليلهم،وتشجيع الطرق الصوفية الموغلة في الشرك و البدع والضلال فليس من قبيل الاستمساك لا بالثوابت المغربية ولا بالفروع،فما هو إلا تضليل وخيانة للأمانة والنصح في الدين. إن أمة الإسلام أمة واحدة خوطبت بكلام موحد،تعبد ربا واحدا صمدا،أنزل إليها كتاب واحدا،وأرسل إليها رسولا ونبيا واحدا:"إن هذه أمتكم واحدة وأنا ربكم فاعبدون". الأنبياء الآية 92.ولا يخفى على المسلم ما ورد في الوحي من الوعيد الشديد لمن استحب الفرقة والاختلاف:"ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات،وأولئك لهم عذاب عظيم" آل عمران الآية 105 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ----------------------------- [1]لا يذكر المغاربة منها إلا الأولى و الثانية وهذا مخالف لما سطره هو نفسه في كتبه ومخالف للحقائق التاريخية [2]رسالة إلى أهل الثغر ص 236 .وهذا الكتاب أخر ما كتبه أبو الحسن رحمه الله إلى أهل بغداد،ومثل هذا الكلام سطره في كتابه الإبانة. [3] سير أعلام النبلاء 27/69 [4]مع تحاشي الخوض فيما قيل عن هذا المصطلح من الإحداث والابتداع لأنه لا أصل له عند أهل القرون المفضلة إذا كانت طائفة من علماء الإسلام ينكرون أشد الإنكار انقسام الدين و الشريعة إلى أصول وفروع وثوابت ومتغيرات،وإذا كان الذين يقرون بهذا التقسيم يؤكدون على أن ثوابت المسلمين واحدة لا تختلف باختلاف الأمصار و الأعصار،فإن طائفة من أهل المغرب ممن يحسبون على الدين والقائمين على الشأن الديني فيه ما فتئوا يرددون كلاما مفاده أن للمغرب ثوابته الدينية التاريخية الخاصة بهم والتي هي العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي وتصوف الجنيد،حتى غدا هذا الثالوث شعارا يعرفون به وينسبون المغاربة إليه،مخالفين لما عليه بقية المسلمين في الأقطار الأخرى.فما قيمة هذه الادعاءات من حيث حقيقة نسبتها إلى أصحابها؟ومن حيث صدقها تاريخيا؟ومن حيث قيمتها في ميزان الشرع؟وما حقيقة العمل بهذه الثوابت في الأرض الواقع أم أن الأمر لا يزيد عن مجرد شعارات تردد في كل منبر ومقام؟ للإجابة على هذه الأسئلة نقف عند كل "ثابت" من هذه الثوابت وفق ما يسمح بها المقام. "" العقيدة الأشعرية:ما يزال علماء المغرب الرسميون يشيدون بالعقيدة الأشعرية وتجدرها في قلوب المغاربة وتاريخهم منذ قرون مضت،لا أقف عند هذا الادعاء كثيرا،لكن أقف عند مسألة واحدة تغنينا عن كل كلام قد يضر أكثر مما ينفع،ألا وهي صحة نسبة هذه العقيدة إلى أبي الحسن الأشعري رحمه الله. من القواعد التي سطرتها أقلام علماء الإسلام أنه إذا ورد عن عالم قولان أو مذهبان،فإنه ينسب إليه آخرهما،لأن في ذلك دليلا قاطعا على أنه تراجع عن مذهبه الأول،ويستوي في هذا أن يكون المذهب فقهيا أو عقيديا.ومن المعلوم أن أبا الحسن مر من ثلاث مراحل[1]هي: مرحلة الاعتزال سار فيها على مذهب واصل بن عطاء في تقرير الصفات،ومرحلة الأشعرية وضع فيها عقيدته الجديد التي أقر فيها لله سبعة صفات هي الحياة والقدرة والكلام والعلم والإرادة والسمع والبصر،ومرحلة ثالثة تبرأ فيها مما سبق،واعتقد معتقد السلف وأهل الحديث في الأسماء والصفات ومات عليه،ومما قاله في هذا الصدد:"ووقفت على ما التمستموه- أي أهل بغداد- من ذكر الأصول التي عول سلفنا رحمة الله عليهم عليها،وعدلوا إلى الكتاب والسنة من أجلها و اتباع خلفنا الصالح لهم في ذلك وعدولهم عما صار إليه أهل البدع من المذاهب التي أحدثوها وصاروا إلى مخالفة الكتاب والسنة به" إلى أن قال:" وأجمعوا – يعني السلف- على وصف الله تعالى بجميع ما وصف به نفسه ووصفه به نبيه من غير اعتراض فيه ولا تكيف له وأن الإيمان به واجب وترك التكييف له لازم"[2] وإذا استبنت هذا،علمت أن من ينسب أبا الحسن إلى العقيدة الأشعرية لا يلوي على شيء،وإذا كان ينشد الحق صادقا،فبيننا وبينه كتب أبي الحسن نفسه قبل كتب غيره ممن دون عقيدته،أما التعصب والعمى فلا يجدي في شيء. المذهب المالكي:لا يشك أحد في فضل هذا العالم الجليل ومكانته العلمية فقها وحديثا،وكفى تنويها بقدره ما قاله فيه تلميذه المطلبي القرشي:"إذا ذكر العلماء فمالك النجم".وإذا كان الأمر كذلك،فإن الفقه المالكي على الرأس والعين دون تعصب أو تقليد،غير أن ما ننكره على من يتشدق بالمذهب المالكي هو اعتبارهم للمذهب ثابتا من ثوابت المغاربة الدينية التي لا محيد عنها كذبا وتضليلا وافتراء على مالك وعلى المغاربة،ولو أن أخذهم بالفقه المالكي كان على حقيقته لاستقام لهم الأمر ورضيت به القلوب لكن هيهات هيهات،أخذوا بالمذهب وفرضوه على أئمة المساجد عنوة وقسرا في مسائل الطهارة والصلاة والحزب الراتب دون غيرها من القضايا الكبرى التي لو اتبعوا فيها ما أفتى به مالك وأصحابه لاستقامت لهم الدنيا والآخرة.فلا هم أخذوا بالمذهب المالكي ولا هم تركوا الناس يتمذهبون كما يشاءون. تصوف الجنيد: أو التصوف السني المغربي كما يزعمون،إن الإمام أبا القاسم الجنيد أستاذ عارف علِْمُه: "مضبوط بالكتاب والسنة من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه،لا يقتدى به...مشبك بحديث رسول الله"[3]ما عرف عنه لا ابتداع في الدين ولا شطحات صوفية مائلة ولا رقصات مميلة ولا ترنيمة شركية ولا قول باتحاد أو حلول،كما اشتهر عند متصوفة اليوم من المخالفات الشرعية في العقيدة والعبادة والسلوك في نواديهم ومواسيمهم السنوية التي تقام برعاية ومباركة من وزارة الأوقاف باسم الدين والشرع وهما منها بريئان.إن حقيقة الاستمساك بتصوف[4] الجنيد هو اتباعه في العبادة والتنسك و الزهد في الدنيا على منهج الكتاب والسنة كما ثبت عنه رحمه الله أنفا.أما اتباع طقوس ما أنزل الله بها من سلطان وشغل الناس بها عن القضايا التي تهم في الحياة وتضليلهم،وتشجيع الطرق الصوفية الموغلة في الشرك و البدع والضلال فليس من قبيل الاستمساك لا بالثوابت المغربية ولا بالفروع،فما هو إلا تضليل وخيانة للأمانة والنصح في الدين. إن أمة الإسلام أمة واحدة خوطبت بكلام موحد،تعبد ربا واحدا صمدا،أنزل إليها كتاب واحدا،وأرسل إليها رسولا ونبيا واحدا:"إن هذه أمتكم واحدة وأنا ربكم فاعبدون". الأنبياء الآية 92.ولا يخفى على المسلم ما ورد في الوحي من الوعيد الشديد لمن استحب الفرقة والاختلاف:"ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات،وأولئك لهم عذاب عظيم" آل عمران الآية 105 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ----------------------------- [1]لا يذكر المغاربة منها إلا الأولى و الثانية وهذا مخالف لما سطره هو نفسه في كتبه ومخالف للحقائق التاريخية [2]رسالة إلى أهل الثغر ص 236 .وهذا الكتاب أخر ما كتبه أبو الحسن رحمه الله إلى أهل بغداد،ومثل هذا الكلام سطره في كتابه الإبانة. [3] سير أعلام النبلاء 27/69 [4]مع تحاشي الخوض فيما قيل عن هذا المصطلح من الإحداث والابتداع لأنه لا أصل له عند أهل القرون المفضلة