تتراكم منذ أشهر عديدة مؤشرات على أن العالم على وشك الإنتقال إلى مرحلة جديدة من التنازع بين القوى العالمية الكبرى، يعتقد البعض أنها مؤشر على التقدم خطوة جديدة نحو أفول عالم القطب الواحد الذي تولد بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي مع بداية عقد التسعينات من القرن الماضي والعودة إلى عالم ثنائي أو متعدد الأقطاب. يوم الخميس 17 نوفمبر 2011 أدلى وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا بتصريحات فاجأت الكثيرين حين أضاف كلا من الهند والصين إلى قائمة الدول التي تشكل «تهديدا» للولايات المتحدة، قبل ان تسارع اوساطه الى الإقلال من أهمية هذا الموقف. وخلال تفقده ورشة في كونيتيكت لبناء الغواصات النووية الهجومية، عرض بانيتا التهديدات المختلفة لأمن الولاياتالمتحدة وبينها ايران وكوريا الشمالية والهجمات عبر الانترنت. ثم فاجأ الجميع باضافة كل من الهند والصين الى قائمة هذه التهديدات. وقال بانيتا أمام عمال الورشة «نواجه تهديد قوى ناشئة مثل الصين والهند ودول اخرى. علينا ان نظل يقظين حيالها ونتأكد ان لدينا ما يكفي من القوة في المحيط الهادىء» لمواجهتها. وخلال زيارة خلال نوفمبر 2011 لمنطقة المحيط الهادىء، كرر الرئيس باراك اوباما الالتزام الأمريكي في هذه المنطقة. لكن واشنطن حرصت دائما وعلى الصعيد الرسمي على عدم اعتبار الصين بمثابة تهديد رغم ان العلاقات بين البلدين تتخذ احيانا طابعا متوترا. أما الهند فينظر اليها المسؤولون الأمريكيون كشريك تزداد أهميته في المنطقة، موازاة مع سعي البنتاغون إلى تطوير تعاونه معها على أمل أن يستخدمها كجزء من التحالف الذي تسعى واشنطن لبنائه لإضعاف الصين. تهديد التفوق العسكري الأمريكي تصريحات وزير الدفاع الأمريكي جاءت بعد 24 ساعة من تأكيد خبراء امريكيين في تقرير سنوي قد للكونغرس ان الصين تنسف جهود ما سموه المجتمع الدولي الرامية إلى منع إيران وكوريا الشمالية من مواصلة برامجهما النووية. وذكر خبراء اللجنة الاقتصادية والأمنية لمجلس الشيوخ الامريكي في تقرير من 400 صفحة ان «الدعم الذي تقدمه الصين لكوريا الشمالية وإيران يدل على رغبتها في وضع مصالحها الخاصة قبل الاستقرار الاقليمي من خلال منح الدعم الاقتصادي والدبلوماسي لدول تنسف الأمن العالمي». خلال الثلث الأخير من شهر أغسطس 2011 نشرت صحيفة «ذي صنداي تايمز» في عددها الاسبوعي تقريرا لمراسلها مايكل شريدان، تحدث فيه عن انتشار سفن حربية امريكية بين هونك كونغ وسنغافورة، حيث تتنافس اربع دول مع الصين على من يملك المحيط الغني بالنفط. ومضت الصحيفة البريطانية تقول ان الولاياتالمتحدة سترسل جيلا جديدا من السفن الحربية الخفية التي تنطلق بسرعة كبيرة الى المياه المتنازع عليها في جنوب بحر الصين. وقد صممت هذه السفن للقيام بعمليات قتالية في المياه الضحلة بهدف منع الصين ولو بالقوة من فرض سيادتها على هذه المناطق. وكانت الصين قد اكملت في ذلك التوقيت تجاربها البحرية الأولية على أول حاملة طائرات وقد أبحرت من ميناء داليان في الشمال الغربي. ويذكر أنه في حديثه عن الوجود الأمريكي في آسيا، اشار وزير الدفاع الأمريكي السابق غيتس الذي خلفه ليون بانيتا، إلى استثمارات كبيرة في طائرات رادار خفية وطائرات مراقبة بدون طيار وسفن حربية واسلحة جوية ومعلوماتية، مشددا على ان «واشنطن توظف اموالا في هذه المنطقة في هذا الجزء من العالم وستواصل هذا الجهد». وقال ان برامج الاسلحة المخطط لها تشكل «قدرات أكثر ملاءمة لحماية أمن وسيادة وحرية حلفائنا وشركائنا في المنطقة». وكان مسؤولون امريكيون كبار قد تحدثوا مرات عدة عن تعزيز القدرات العسكرية الصينية مؤكدين ان مواصلة بكين لبناء صواريخ مضادة للسفن والطائرات وقدراتها على الحرب الالكترونية تشكل تهديدا للقوة البحرية الأمريكية في المنطقة. وبدون ان يذكر الصين، قال غيتس ان البرامج الجديدة تشكل «ردا على احتمال ظهور تقنيات واسلحة يمكن ان تمنع قوات الولاياتالمتحدة من دخول الطرق البحرية الاساسية وخطوط الاتصال في المنطقة». وفي تصريح آخر في وقت لاحق قال غيتس للصحافيين في بكين ان الصواريخ العابرة للقارات التي تطورها كوريا الشمالية، حليفة الصين، حاليا يمكن ان تشكل خلال خمس سنوات تهديدا للولايات المتحدة. وأضاف «اعتقد ان كوريا الشمالية ستكون قد طورت صاروخا عابرا للقارات خلال هذه الفترة»، «بالتطوير المستمر لاسلحة نووية من قبل الكوريين الشماليين وتطوير صواريخ بالستية عابرة للقارات تتحول كوريا الشمالية الى تهديد مباشر للولايات المتحدة وعلينا ان نأخذ ذلك في الاعتبار». حرب النجوم يقول عدد من الخبراء العسكريين الغربيين أن واشنطن تراقب بقلق متزايد تقلص فارق تفوق قدراتها العسكرية والاقتصادية بالمقارنة مع تلك التي تمتلكها الصين وكذلك روسيا ومجموعة من القوى الموصوفة بالناشئة ومنها الهند والبرازيل. ويضيف الخبراء أن أصحاب القرار في البيت الأبيض يدركون أن نهاية عصر ما يسمى الأمبراطورية الأمريكية يمكن أن يتقدم زمنيا وبسرعة مذهلة إذا تمكنت بعض من هذه القوى من توحيد قواها لوقف تمدد الهيمنة الأمريكية على العالم. وتضيف مراكز رصد أوروبية أن أحد الجوانب التي ترعب ساسة الولاياتالمتحدة هو أن تتمكن القوى المنافسة منفردة أو مجتمعة من الغاء التفوق الأمريكي في يخص استخدام الفضاء لأغراض عسكرية لأن ذلك يشكل أحد أهم مقومات القوة الأمريكية. في الرابع من شهر فبراير 2011 اعربت وزارة الدفاع الامريكية عن قلقها من تطوير الصين اسلحة فضائية قادرة على اسقاط اقمار فضائية والتشويش على الاشارات. وقال مساعد وزير الدفاع للشؤون الفضائية غريغوري شالتي لدى تقديم الاستراتيجية الفضائية للأمن القومي الأمريكي للسنوات العشر المقبلة، ان «استثمارات الصين في قدراتها العسكرية الفضائية تقلقنا». واضاف شالتي ان هدف الولاياتالمتحدة هو حماية اقمارها الصناعية في فضاء يزداد فيه وجود الاقمار الصناعية ويشتد التنافس. واضاف ان «الصين على وشك تطوير هذه القدرات». واسقطت الصين عمدا في 2007 احد أقمارها الصناعية المخصصة للارصاد الجوية بواسطة صاروخ. وذكر المسؤول في وزارة الدفاع الامريكية ان الصينيين يصنعون الات للتشويش على اشارات الاقمار الصناعية ومدافع ترسل الطاقة نحو هدف من دون اطلاق صواريخ عليه. القلق الأمريكي من توصل دول أخرى إمتلاك قدرات منافسة لها تناولته وسائل الاعلام الصينية خلال الأسبوع الأول من شهر يناير 2011 وعشية زيارة وزير الدفاع الامريكي الى بكين، وهكذا اعتبرت صحيفة صينية رسمية أن الولاياتالمتحدة، المعتادة على تفوقها العسكري في العالم، لا تتحمل تغير ميزان القوى عبر عملية التحديث الجارية للجيش الصيني. وكتبت صحيفة غلوبال تايمز الحكومية ان «الولاياتالمتحدة معتادة كثيرا على الرسم البياني القديم لميزان القوى، والذي تتعامل بموجبه منذ أمد بعيد مع الصين ودول نامية اخرى بطريقة غير عادلة». ويذكر أنه في بداية سنة 2011 وبمساندة ودعم من الأجهزة الأمريكية خصصت عدة منابر صحيفة مساحات واسعة للتعليق على صور نشرت في الانترنت لطائرة مقاتلة قدمت على انها اول مقاتلة قاذفة خفية تنتجها الصين. وقبيل هذه المقاتلة، نشرت مقالات اخرى في الصحافة حول انتاج الصين صاروخا بعيد المدى قادرا على ضرب حاملات الطائرات الأمريكية في المحيط الهائ. وحذرت غلوبال تايمز من انه «سواء كانت هذه الاسلحة التي تحدثت عنها الصحافة موجودة فعلا ام لا، فان الصين ستحوز مع الوقت اسلحة من الطراز الأول قادرة على منافسة آلة الحرب الامريكية». وأضافت أن «الولاياتالمتحدة على ما يبدو ليست جاهزة للتعامل مع الصين كقوة مهمة. انها غير قادرة على تقبل واقع ان الصين، عاجلا ام آجلا، ستحصل على سلاح من الطراز الأول». في رد على مطالب واشنطن للصين بخفض انفاقها العسكري صرح وزير الدفاع الصيني ليانغ غوانغلي، إن الجيش الصيني «سيسرع» عملية التحديث التي يخضع لها، مستفيدا في ذلك من معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة في البلاد والتي سمحت للصين بزيادة موازنة الدفاع بمعدلات تفوق معدلات نمو اجمالي الناتج المحلي. والمعروف أن الولاياتالمتحدة هي الأولى في العالم لجهة الانفاق العسكري تليها الصين. الكيل بمكيالين ما يزعج العديدين في العالم أن واشنطن عندما تعزز قدراتها العسكرية فليس من حق أحد أن ينتقدها أو يتهمها بالعمل على فرض إرادتها على الأخرين بالقوة، ولكنها تجد من حقها انتقاد أو حصار دول أخرى إذا نمت قدراتها العسكرية وحتى الاقتصادية والعلمية. يوم الاربعاء 12 يناير 2011 اعتبر رئيس اركان الجيوش الامريكية الاميرال مايكل مولن ان برامج التسلح الصينية الجديدة مثل نموذج الطائرة الخفية جاي 20 يبدو انها موجهة ضد الولاياتالمتحدة. وأضاف ان «الصين تستثمر في اسلحة متطورة والقضية تكمن دائما في محاولة معرفة أسباب ذلك». وتساءل عن سبب وجود البرامج الصينية المتقدمة للتسلح، سواء كانت صواريخ مضادة للاقمار الصناعية او صواريخ مضادة للسفن، مشددا على ان «عددا من هذه البرامج تبدو موجهة تحديدا ضد الولاياتالمتحدة». ولاحظ ان المقاتلة جاي 20 التي تمت تجربتها للمرة الاولى خلال زيارة وزير الدفاع السابق روبرت غيتس لبكين تمنح القوات المسلحة الصينية «قدرة كبيرة». من جانبه أوضح آرثر دينغ من معهد العلاقات الدولية في جامعة تشنغشي في تايبيه انه باختبارها هذه الطائرة الحربية الخفية فإن «الصين توجه إلى الولاياتالمتحدة ودول المنطقة رسالة حازمة مفادها ان تحديث الجيش الصيني لا يقاوم والصين مصممة على ان تصبح اللاعب الأكبر في المنطقة». وتعتبر هذه الطائرة ردا صينيا على مقاتلة اف 22 ايه الخفية التابعة لسلاح الجو الأمريكي. وحلقت هذه الطائرة المزودة بمحركين للمرة الأولى قبل الموعد الذي توقعه خبراء غربيون مما يعزز نظرية الذين يؤكدون أن وتيرة تطور الأسلحة الصينية الجديدة يساء تقديره. وتؤكد الصين في مواقفها الرسمية ان تقنيتها العسكرية متاخرة عن الولاياتالمتحدة بمقدار عشرين إلى ثلاثين سنة مضيفة ان عملية تحديث جيشها لا تهدف سوى إلى «الدفاع» عن نفسها. غير ان هذا الموقف يتعارض بشكل متزايد مع الوقائع. وحذر دين تشنغ من معهد الدراسات المحافظ الامريكي هيريتاج فاونديشن بالقول «ما زال من الممكن للولايات المتحدة اتخاذ اجراءات تصحيحية لحماية نفسها من هذه القدرات الصينية الجديدة سواء بالنسبة لترسانتها الخاصة او لما تمد به تايوان». وهو رأي ريك فيشر ايضا من المركز الدولي للدراسات والاستراتيجية، الذي رأى ان «واشنطن قد تجد نفسها قريبا تتبع الصين بدل ان تكون في طليعة سباق التسلح». ضياع فرصة الضربة الأولى يوم الجمعة 14 أكتوبر 2011 عبر الكونغرس الامريكي عن قلقه من تأخر الولاياتالمتحدة في تحديث ترسانتها النووية مشيرا الى وجود شبكة هائلة تحت الارض لصواريخ نووية صينية. وذكر رئيس اللجنة الفرعية للقوات الاستراتيجية في مجلس النواب الجمهوري مايكل ترنر نقلا عن تقرير لوزارة الدفاع ان «شبكة الانفاق هذه التي يمكن ان يتجاوز طولها الخمسة آلاف كيلومتر تستخدم في نقل اسلحة وقوات نووية». وأكد ان «الولاياتالمتحدة لا يجب الا تجازف بالسماح للصين وروسيا بتحديث الترسانة النووية بينما نقف مكتوفي الايدي ونكتفي بصيانة قواتنا النووية المتقادمة». وعبر خبراء دعوا للادلاء بآرائهم في تحديث الترسانتين النوويتين الصينية والروسية عن قلقهم من هذه الشبكة التي كشفت الصحف الرسمية الصينية وجودها في 2009، موضحين انها ستسمح للصين بشن هجوم نووي مضاد في حال توجيه ضربة إلى اراضيها. وقال مارك شنايدر من المعهد الوطني للسياسة العامة ان «هذا يتجاوز حدود التصور». واضاف ان «لهذه الشبكة تبعات هائلة في ما يتعلق برؤية الصينيين للحرب النووية والقدرة على بقاء انظمتهم وقادتهم». وتابع انه «سيكون من المستحيل عمليا للولايات المتحدة استهداف شىء كهذا ايا تكن كمية الاسلحة النووية التي نملكها». من جهته، رأى ريتشارد فيشر من المركز الدولي للتقييم والاستراتيجية ان هذه الشبكة يمكن ان تسمح للجيش الصيني باخفاء اسلحته. وتساءل «هل نعرف فعلا كم عدد الصواريخ التي تملكها الصين؟». نشرة «أساطيل قتالية» ذكرت بداية سنة 2011 أن البحرية الصينية أصبحت تتمتع بدور كبير ولابد أن يتعزز هذا الدور في المستقبل. «وكانت البحرية الصينية قد أدرجت منذ عام 2006 في جدول البحريات الثمانية الأكبر في العالم. وهذه أول مرة تظهر الصين في هذا الجدول، وستترتب بالتأكيد على هذا الموقع مراجعات هامة اليوم، لاسيما أنها وصلت لأول مرة إلى المركز الثالث مباشرة، بعد روسيا، وقبل بريطانيا». استنفار الطوق بعد أيام من زيارة غيتس للصين بداية سنة 2011 وفي محاولة لإستنفار بعض دول آسيا لتشارك في طوق الحصار الذي تسعى أمريكا لنسجه ضد الصين جدد الوزير الأمريكي تعبيره عن قلق واشنطن من تحديث جيش التحرير الشعبي الصيني. وقال غيتس في خطاب لطلبة جامعة في طوكيو «التساؤلات التي تحيط بنوايا الصين وبرنامج التحديث العسكري غير الشفاف هي مصدر قلق لجيرانها». وجاء ذلك في خطاب موسع للتأكيد على اهمية الروابط العسكرية بين أمريكا واليابان حيث تنشر الولاياتالمتحدة تقريبا 49 الف جندي. وقال غيتس انه بدون الوجود العسكري الامريكي في اليابان قد تتصرف الصين «بطريقة أكثر توكيدا مع جيرانها. واستشهد غيتس بالنزاع على الاراضي الذي تفجر عام 2010 بين اليابان والصين قائلا انه مثال على الاسباب التي تضفي أهمية على التحالف بين الولاياتالمتحدة واليابان. وقال غيتس «التساؤلات حول الدور المتنامي للصين في المنطقة تتجلى في النزاعات حول الارض وكانت أحدث واقعة في سبتمبر قرب جزر سينكاكو» مستخدما الاسم الياباني للجزر المتنازع عليها مع الصين والتي تسميها بكين دياويو. ودعا غيتس الى مزيد من التعاون مع اليابان في مجال الدفاع الصاروخي مشيرا الى الخطر الذي تمثله كوريا الشمالية. هل هي نهاية فترة السبات ؟ منذ أن إنهار الاتحاد السوفيتي خلال تسعينيات القرن الماضي تعاملت الولاياتالمتحدة مع روسيا كرجل مريض تقترب ساعة وفاته، غير أن حساباتها وتوقعاتها لم تتبلور بسبب تبدل القيادة في الكرملين وإقتناع غالبية الشعب الروسي أنه يجب وقف الإنحدار وإستعادة جزء من قدرات الماضي. خلال الفترة الانتقالية لإستعادة الكرملين لعافيته نجح البيت الأبيض في إبرام مقايضات مع الساسة الروس سمحت لواشنطن بتوسيع نطاق هيمنتها وقدرتها على التدخل في الدول الأخرى. مع إقتراب سنة 2011 من نهايتها قدر بعض المراقبين أن أسلوب المساومة والمقايضة الأمريكي أشرف على نهايته. ففي بداية شهر ديسمبر ذكرت وكالة الانباء الروسية ايتار تاس نقلا عن مصدر عسكري ان موسكو ارسلت حاملة الطائرات الاميرال كوزنتسوف والسفينة الحربية الاميرال تشاباننكو إلى السواحل السورية. موازاة مع ذلك أكد الخبير العسكري الروسي والجنرال المتقاعد ليونيد إيفاشوف في حديث مع قناة «روسيا اليوم» أنه لا يحق لأحد وخصوصا الغرب التدخل من جديد في دولة ذات سيادة كسوريا، مشيرا الى أنه شخصيا يدعم موقف روسيا الرسمي الرافض لمنطق المهل فيما يتعلق بسوريا وكذلك التدخل العسكري الأجنبي في هذا البلد. وفيما يخص رحلة مجموعة سفن حربية روسية إلى البحر المتوسط التي تزور خلالها ميناء طرطوس السوري، قال الخبير ان الرحلة تحمل طابعا سياسيا لكنه سلميا قبل كل شيء، فالمجموعة أبحرت ليس للمشاركة في حرب، بل من أجل تفادي وقوع حرب كبيرة قد تبدأ في حال وجهت ضربة ضد سوريا. واوضح أن الرحلة هي اشارة الى اسرائيل والمجتمع الدولي، خصوصاً الى تركيا، التي قد قررت المشاركة في هذه المجازفة العسكرية. وتابع الجنرال القول ان الولاياتالمتحدة والى جانبها اباطرة المال يسعون بشكل تدريجي الى السيطرة على بعض الدول المستقلة، وفي حال قامت هذه البلاد بمقاومتهم يحاولون ابادتها، وهذا ما حصل في يوغسلافيا والعراق وليبيا. واعتبر ان حكومة اردوغان أصبحت تحت سيطرة أباطرة المال العالميين والساسة الامريكيين، معربا عن اسفه لدور تركيا الشبيه بأداة لاشعال حرب كبيرة. واشار الخبير إلى أن إسرائيل التي تمتلك اسلحة نووية، رغم انه لا يحق لها ذلك وفقا للقانون الدولي، تعارض امتلاك دول اخرى لهذا النوع من السلاح، مشبها الوضع بصفة من صفات الفاشية، متسائلا لماذا هذا التمييز والكيل بمكيالين. وأكد ان المخاطر والتهديدات المنتظرة في حال استمر الوضع على ما هو عليه لن تقتصر على منطقة الشرق الاوسط بل سيصل الأمر الى حرب عالمية شاملة. وشدد على أن اي عملية عسكرية في هذه المنطقة ستحرم الاقتصاد الصيني من النفط، وكذلك الحال مع أوروبا، والحرب ستتدحرج الى حدود روسيا. واعتبر الجنرال ذلك بأنه مشروع لانقاذ الدولار «وهذه جريمة ضد البشرية». العودة إلى الحرب الباردة فيما يعتبر تسلسلا في الرسائل الموجهة للغرب نقلت مصادر إعلامية عدة عن أوساط مقربة من وزارة الخارجية الروسية تأكيدها أن معركة سوريا باتت معركة روسيا. ولأن القرار بالدفاع عن دمشق قد اتخذ، جاءت السفن الحربية، وبدأ التفكير بمنطق الحرب الباردة العائدة، من كوبا إلى فيتنام. هذا ما تؤكده أوساط دبلوماسية روسية وثيقة الصلة بمراكز القرار في موسكو. قبل أن تضيف جازمة: أهمية الخطوة أن السفن التابعة لسلاح البحرية الروسية تحمل أمرين اثنين: أولاً أسلحة مضادة للطائرات، من صواريخ بحر جو ومعدات متطورة لرصد التحركات الجوية والبحرية، وثانيا، وهو الأهم، أنها تحمل رسالة روسية حاسمة إلى كل من يعنيه الأمر، مفادها أننا قررنا أن معركة سوريا هي معركة روسيا، وأن قرارنا الواضح والأكيد هو الدفاع عن دمشق. وتشرح الأوساط نفسها، بعد جولتها الاستطلاعية للأوضاع بين العاصمتين السورية واللبنانية، أن المسألة كانت موضع بحث وتشاور على أعلى المستويات في موسكو طيلة الأسابيع الماضية: أولاً لدينا أسباب تاريخية، متعلقة بعلاقاتنا القديمة والوثيقة بسوريا وحكمها وسياساتها في المنطقة منذ عقود طويلة. ثانياً لدينا قراءتنا للواقع الجيوستراتيجي العالمي، وهذا الحصار الذي تحاول واشنطن ضربه حولنا، من قلب أوروبا وحدودنا الحيوية في مواجهة شبكة صواريخها هناك، حتى آسيا الوسطى. فالمسألة تبدو بالنسبة إلينا كأنها استعادة أمريكية كاملة للأجواء التي كانت سائدة بيننا قبل نصف قرن. لمجرد أن واشنطن أدركت فقدانها لأحادية قطبيتها العالمية، عادت معالم الحرب الباردة فورا بيننا. ثم لدينا ثالثا مصالحنا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية في المتوسط. لم يعد لدينا موطئ قدم هنا إلا في دولتين اثنتين: الجزائر وسوريا. ومن الخطأ الفادح التفريط بأي منهما، خصوصاً في سوريا الدولة المركزية المحاذية لكل قضايا الشرق الأوسط والمشرق العربي، فضلاً عن القضايا الملامسة لبعدنا الاستراتيجي في أوراسيا وحدودنا الجنوبية. قبل أن تختم الأوساط الدبلوماسية الروسية عرضها لأسباب قرارها السوري: ولدينا سبب رابع وأخير، مرتبط مباشرة بأولوياتنا الأمنية. إنه العمل على مواجهة الأصوليات الدينية المتطرفة، والسعي إلى الحؤول دون وصولها إلى الحكم في الدول التي تعنينا، أو تلك التي تحيط بنا. لأن في ذلك خطرامباشراً على أمننا القومي. إن مواجهة هذه الحركات، حيثما كانت، شأن روسي قومي داخلي، لا يمكن التساهل حيال مخاطره أو تجاهل تداعياته. كل هذه الأسباب كانت على بساط البحث في موسكو في الفترة الماضية، خصوصا بعد «الخطأ» الذي وقعنا فيه في ليبيا. لقد أدرك الرئيس ديمتري مدفيديف هذا الخطأ، هو من كانت المسألة الليبية في عهدته مباشرة وحصريا. وهو قد استخلص منه العبر والدروس، خصوصاً أن رئيس الوزراء بوتين كان قد حذره من تلك السياسة الروسية في طرابلس الغرب. بعد سقوطها في 20 أغسطس 2011، تكثفت المشاورات عندنا، بدفع من بوتين، وخصوصاً من مهندس سياستنا في المنطقة، يفغيني بريماكوف، وانتهت إلى قرارنا بالدفاع عن سوريا. وتكشف الأوساط نفسها أن هذا القرار قد أبلغ عبر اتصالات رئاسية على أعلى مستوى بين دمشقوموسكو، قبل أن تضيف، في إشارة لافتة وخافتة: لكنه أبلغ مقرونا بتمنٍ روسي على القيادة السورية بأن تساعدنا في مهمة الدفاع عنها، بما يسهل هذه المهمة ويحصنها. وهذا ما يفسر الاستقبالات الروسية المتتالية لوفود من المعارضة السورية في موسكو. الإصلاح في دمشق ضرورة. والحوار هو السبيل الوحيد إليه. أننا بصراحة عرضة لضغوط غربية وأمريكية، خصوصا لجهة موقفنا من الأحداث في دمشق. الضغوط طبعا دبلوماسية وسياسية وإعلامية، ولا يمكن أن تتعدى هذه الحدود. وماذا لو تعدتها؟ عندما اتخذنا قرارنا، كنا قد درسنا كل الاحتمالات. إذا تزايدت الضغوط الأمريكية، كل الاحتمالات واردة. قد نفكر في العودة إلى كوبا. مع كل ما يعنيه ذلك على المستوى الاستراتيجي. لقد تخلينا طوعا عن قدرات هائلة كانت لدينا هناك، تسمح لنا بمراقبة واشنطن من نافذتها الخلفية. إذا تعقدت الأمور أكثر، فقد نفكر في التراجع عن هذا التخلي. حتى فيتنام، قد نفكر في سياسة مستقبلية مختلفة لجهة وجودنا فيها، وطبعاً بالتنسيق مع بكين، خصوصا في ظل علاقاتنا الممتازة مع الصين. الضغوط الأوروبية أقل وطأة بالنسبة إلينا. يمكن معالجتها بالحوار، كما فعلنا ونفعل مع باريس. حتى الضغوط التركية بدأنا نفكر في كيفية معالجتها أو حتى مواجهتها. في مرحلة معينة قد يكون هناك تفكير في توجيه رسالة واضحة إلى حكام أنقرة، مفادها أن يتذكروا مثلاً أن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان كان لفترة معينة ضيفنا في موسكو، وأن يتذكروا أكثر أنه كان يتمتع بتلك الضيافة يوم كان بوتين مسؤولاً عن جهاز الاستخبارات الروسية، كي جي بي. وفي هذا السياق، يعرف الغرب أننا نتجه إلى مرحلة جديدة لناحية الحكم في موسكو». يوم الثلاثاء 29 نوفمبر ولتعضيد رسائل الكرملين أعلن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف رفض بلاده اقتراحات تدعو إلى حظر تصدير الأسلحة لسوريا ووصفها ب «غير النزيهة»، وقال إن المسلحين هناك يستخدمون العنف ضد المدنيين ويفتعلون الإضطرابات، داعيا إلى وقف لغة الإنذارات بالتعامل مع سوريا. ونقلت وسائل إعلام روسية عن لافروف قوله عقب اجتماعه مع نظيره الآيسلندي اسور سكربيدنسن في موسكو إن أحداث سوريا تقلق روسيا، خاصة أن «المسلحين هناك يستخدمون العنف ضد المدنيين»، مشيرا إلى أن «هذا لا تفعله السلطات فقط بل تفعله أكثر فأكثر المجموعات المسلحة التي تفتعل الاضطرابات». وأضاف أن «المجموعات التي دخلت إلى سوريا قادمة من دول أخرى، يجري تسليحها.. ولهذا فإن الإقتراحات التي تدعو إلى حظر تصدير الأسلحة لسوريا ليست نزيهة.. ونعرف كيف تم فرض حظر على تصدير الأسلحة لليبيا حيث تم تطبيقه على الجيش الليبي في حين كانت المعارضة تحصل على الأسلحة». توازن الرعب التحذيرات الروسية جاءت في وقت هدد فيه الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف الغرب يوم الاربعاء 23 نوفمبر بنشر صواريخ على الحدود مع الاتحاد الاوروبي لضرب منشات الدفاع الصاروخية التي تنوي الولاياتالمتحدة نشرها في شرق اوروبا. وقال مدفيديف ان بلاده مستعدة لنشر صواريخ اسكندر التي يقول مسؤولون روسيون ان مداها يصل الى 500 كلم، في جيب كاليننغراد المحاذي لبولندا وليتوانيا. وفي خطاب اشبه بما كان متداولا ايام الحرب الباردة، قال مدفيديف انه يمكن كذلك نشر انظمة الاسلحة في الجنوب بالقرب من جورجيا، وتركيا العضو في حلف الاطلسي، واستخدامها للقضاء على انظمة الدفاع الصاروخية الامريكية. واضاف انه اذا قرر الغرب المضي في خططه فان «الاتحاد الروسي سينشر في غرب وجنوب البلاد انظمة هجومية حديثة يمكن استخدامها لتدمير الانظمة الامريكية للدفاع المضاد للصواريخ المنتشرة في اوروبا». وأمر مدفيديف وزارة الدفاع الروسية الى وضع انظمة رادار في كاليننغراد التي تحذر من اية هجمات صاروخية، «فورا» في حالة الاستعداد القتالي. وقال انه سيتم تزويد الصواريخ البالستية الروسية بالقدرة على التغلب على انظمة الدفاع الصاروخي و»رؤوس حربية جديدة عالية الفعالية». واضاف ان المشكلة يمكن ان تدفع روسيا الى الخروج من معاهدة خفض الاسلحة الاستراتيجية «ستارت» الخاصة بتقليص الاسلحة النووية والمبرمة مع الولاياتالمتحدة والتي وقعها مدفيديف مع الرئيس الامريكي باراك اوباما في ابريل 2010. مجموعة «سيلاك» في مؤشر آخر على أن واشنطن لا تواجه في معركتها للهيمنة على العالم الصين وروسيا فقط، أقدمت دول أمريكا اللاتينية على خطوة سياسية استراتيجية لتعزيز وجودها واتحادها في القارة الأمريكية في أفق استبعاد وتهميش نفوذ الولاياتالمتحدة، وذلك من خلال تأسيس «مجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي» المختصرة لاتينيا «سيلاك» لتعويض «منظمة الدول الأمريكية» الراسخة تحت نفوذ واشنطن. واحتضنت العاصمة فنزويلا، كاراكاس يومي الجمعة والسبت 2 و 3 ديسمبر تأسيس هذه المجموعة السياسية بمشاركة 33 دولة وحضور أغلب رؤساء هذه الدول، ولم يتم توجيه الدعوى فقط لكندا والولاياتالمتحدة. وشدد متحدثون خلال القمة على أهمية هذا الاندماج من أجل تحول أمريكا اللاتينية إلى قوة حقيقية في مسرح الأحداث الدولية وتهميش «منظمة الدول الأمريكية» التي توجد تحت ما وصف ب «سيطرة اليانكي». والمثير أن من أشد المتحمسين لهذه الهيئة الجديدة رئيس المكسيك، فليبي كالدرون حليف واشنطن الذي أبدى اقتناعه أن «هذا العقد هو عقد أمريكا اللاتينية، فالاندماج هو طريق دول المنطقة نحو التقدم وسيلاك هو ولادة جديدة لأمريكا».وكان رئيس الإكوادور، رافائيل كوريا، واضحا في خطابه المعادي لسياسة واشنطن عندما أكد «تأسيس هذه المجموعة هو خطوة نحو الاندماج وتحقيق أكبر قدر من الاستقلالية في مواجهة واشنطن»، مضيفا «دول أمريكا اللاتينية ليست مطالبة بالتوجه الى واشنطن لمعالجة أوضاعها في إطار منظمة الدول الأمريكية التي ظهرت سنة 1948، فسيلاك هي مناسبة لتعويضها تدريجيا». ورحبت الولاياتالمتحدة بشكل محتشم بهذه المجموعة الجديدة، ولكنها اعتبرت ضرورة استمرار «منظمة الدول الأمريكية» كإطار ضروري لمعالجة مشاكل القارة الأمريكية وتطوير التعاون. وعكس واشنطن، رحبت الصين بالمجموعة الجديدة، واعتبرتها خطوة لتعزيز عالم متعدد الأقطاب، كما ابدت روسيا ترحيبها بهذا المولود الاستراتيجي الجديد. ونشرت مختلف صحف أمريكا اللاتينية مقالات وتحاليل تصب في الرأي القائل بأن «سيلاك» تضعف نفوذ البيت الأبيض في أمريكا اللاتينية التي كانت وحتى بداية القرن الحادي والعشرين تعتبر بمثابة «الحديقة الخلفية» لواشنطن. وتبرز الكثير من الدراسات الأكاديمية أن إضعاف نفوذ الولاياتالمتحدة في العالم سيأتي أساسا من إنشاء هذه التجمعات الإقليمية القوية.