لفت الكاتب جهاد الخازن في جريدة الحياة الإنتباه إلى ما قام به الرئيس الأميركي أوباما بمنح الحصانة لنائب الرئيس الأمريكي الأسبق "ديك تشيني" ومنحها أيضا للرئيس السابق بوش الإبن. ما قام به الرئيس الأمريكي هو نوع من البلطجة الأمريكية المتنوعة ف"ديك تشيني" يداه ملطخة بالدماء عبر تاريخه الطويل فهو نائب الرئيس للتعذيب والقتل والكذب، قتل وشرد ودمر وأهلك وأباد.. وأوباما يكافئه بالحصانة هو وبوش الإبن بدلا من محاكمتهما كمجرمي حرب على ما قاما به من جرائم بحق البشرية وليس شعوبا بعينها. وأشار "الخازن" إلى أن هذا الرجل سعى إلى الحرب من يومه الأول نائباً للرئيس، وردد كل الأكاذيب التي أصبحت معروفة الآن، بل هو أصر على إعادة ترديدها حتى عندما نفتها الإستخبارات الأميركية نفسها، مثل مقابلة "محمد عطا" لرجال استخبارات عراقيين في براغ ومحاولة شراء اليورانيوم من النيجر. تشيني قاد عصابة الحرب مع وزير الدفاع في حينه دونالد رامسفيلد، وهما حليفان منذ إدارة جيري فورد. ومرة أخرى أترك جانباً رأيي ورأي القارئ العربي أو المسلم في رجل تسبب في مقتل حوالي مليون عراقي في مأساة لم تكتمل فصولها بعد، وأختار من كلام النائب الأميركي دنيس كوتشنك الذي طالب الكونغرس عبثاً بعزل تشيني، وقدم تصريحات تشيني كحجة عليه، فهو ضخم الأدلة المتوافرة كثيراً، واستمر في الإصرار على وجود برنامج أسلحة دمار شامل عند صدام حسين، وعلى علاقته مع القاعدة، على رغم ثبوت عدم صحة هذه التهم، تشيني لم يخطئ بل كذب عمداً فقتل 6000 أمريكي. نائب الرئيس للتعذيب لم يكتف بالكذب، فهو أحاط نفسه بمستشارين من نوعه قدموا له دراسات تدافع عن التعذيب، أو إرسال المعتقلين إلى بلادهم ليعذبوا فيها. وكان ديفيد أدنغتون بين هؤلاء، وهو عمل مستشاراً عندما كان تشيني وزيرا للدفاع في إدارة بوش الأب، وأصبح بعد ذلك مستشاراً عاماً للشؤون القانونية، وهو خلف لويس ليبي مديراً لمكتب نائب الرئيس بعد إدانة ليبي في قضية كشف إسم عميلة سرية في الإستخبارات "فاليري بلام" هي أيضا زوجة ديك تشيني. أما ألبرتو غونزاليس فقد أطاحه الكونغرس من وزارة العدل بعد أن عمل قرب بوش الإبن منذ أيامه الأولى في تكساس، لأن الأعضاء لم يتحملوا مخالفته القانون الذي يفترض أن يمثله. وقد كتب أدنغتون وغونزاليس دراسات قانونية عجيبة لنائب الرئيس خلاصتها أن مواثيق جنيف مضى زمنها، والقانون نفسه لا ينطبق على الرئيس في حالة حرب، والنتيجة أن تشيني وراء التعذيب والتجسس على هواتف المواطنين وخطف كل من يصنّف على أنه "مقاتل عدو"، وحرمانه من أي حقوق قانونية، وغوانتانامو وغيرها. وروى تشيني في افتتاحية كتابه تحت عنوان "في وقتي: مذكرات شخصية وسياسية" كيف كان مختبئا في قبو تحت البيت الأبيض فور حصول هجمات 11 سبتمبر حيث أدار فعليا الحكومة في هذه الساعات بعد انقطاع الإتصالات مع بوش المتواجد في ولاية فلوريدا. وبالتالي يصور بوش بأنه لعب دورا ثانويا في هذه المرحلة. وكتب في هذا السياق "تجربتي الحكومية السابقة أعدتني لإدارة الأزمة خلال تلك الساعات القليلة الأولى في 11 سبتمبر، لكن كنت أعرف أنني إذا خرجت وتكلمت للإعلام فمن شأنه أن يقوض الرئيس، وهذا سيكون سيئا له وللبلد. لقد كنا في حالة حرب. يحتاج قائدنا الأعلى إلى أن ينظر إليه على أنه بموقع المسؤولية وقوي وحازم، كما كان جورج بوش". قال تشيني أنه حث بوش على قصف موقع "المفاعل النووي" السوري المشتبه به في دير الزور في يونيه سنة 2007، لكن بوش الإبن أعرب عن شكوكه وفضل سلوك الطريق الدبلوماسي لأنه لا تزال في باله تجربة العراق. وأضاف «لقد دافعت عن قضية عمل عسكري ضد المفاعل النووي. لكنني كنت صوتا وحيدا. بعدما انتهيت، سأل بوش الإبن: هل أحد هنا يتفق مع نائب الرئيس؟. لم ترفع يد واحدة حول الغرفة". نائب الرئيس الأقوى في التاريخ الأميركي رسخ في كتابه الصورة الكاريكاتورية الشائعة عنه بأنه "دارث فايدر"، الشخصية الرئيسية في فيلم "حرب النجوم" التي تمثل الجانب المظلم وترتدي الزي والقناع الأسود. تشيني قال عن نفسه في مقابلة تلفزيونية: هل أنا العبقري الشرير في زاوية لا يراه أحد يخرج منها؟ هي طريقة جيدة للعمل في الواقع. هي طريقته في العمل فعلاً، وقد ضبط بإتلاف وثائق، وأسماء أقرب العاملين معه غير مسجلة كبقية موظفي الدولة، وقد عارض تسجيل أسماء زواره، كما رفض تسليم أوراق عمله، وثمة إجماع على أنه لن يترك وراءه أي أثر بعد تركه العمل الرسمي. ومع ذلك فقد أثار ضجة كبيرة في برنامج تلفزيوني "حميم" كان يفترض أن ينتهي من دون أن يسمع به أحد لولا أن مقدم البرنامج سكوت هينين سأله عرضاً عن أحد أساليب التعذيب: السيد نائب الرئيس، هل ترى أن التغطيس بالماء مقبول إذا أنقذ حياة؟ ورد تشيني موافقاً (الكلمة بالإنكليزية في السؤال والجواب كانت no-brainer، بمعنى مقبول أو لا يحتاج إلى تفكير. فهل يستحق هذا الرجل الحصانة أم يستحق الإعدام على جرائمه؟ ولم تتوقف جرائم تشيني عند القتل بل تاجر بدماء العرب والأمريكيين على حد سواء فكان رئيسا لمجلس إدارة شركة هاليبرتون للطاقة التي تمتد فروعها لأكثر من 120 دولة التي يتهمها الكثيرون بالإستفادة من معاملة تفضيلية في تلقي عقود في العراق من قبل وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، ومبالغة الشركة في قيمة ما تقدمه من خدمات هناك في فواتيرها للحكومة الأمريكية. وتتعلق آخر الإتهامات التي وجهت للشركة بإمدادها الجنود الأمريكيين في العراق - ما يقرب من 140 ألف جندي - بمياه ملوثة مصدرها مخلفات محطة لتنقية المياه، ويقول تقرير واشنطن أن الشركة نفت صحة مثل هذه الإتهامات مثلما نفت سابقا كل التهم التي وجهت إليها. يقع المقر الرئيسي لشركة هاليبرتون Halliburton العالمية في مدينة هيوستن Houston في ولاية تكساس الأمريكية، ويصل إيرادها سنوياً إلى حوالي 20.46 بليون دولار، وتوظف لديها ما يزيد عن 95 ألف موظف وعامل في أكثر من 120 دولة. ولا ينحصر نشاط الشركة في بناء المنشآت النفطية وتقديم الخدمات والإستشارات الفنية لشركات إنتاج البترول والغاز الطبيعي فقط، بل تنقسم الشركة إلى مجموعتين هما مجموعة خدمات الطاقة التي توفر الدعم الفني والإستشاري في مجال التنقيب عن البترول والغاز الطبيعي، ومجموعة KBR التي تختص بأعمال البناء والمقاولات وخاصة مصافي البترول ومواسير النفط والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى بناء مصانع البتروكيماويات. ومن الجدير بالذكر أن هاليبرتون لديها حوالي 30 ألف موظف - غالبيتهم العظمى من العراقيين - يعملون في عقود الشركة المتعلقة بتوفير الإمدادات والتموين للقوات الأمريكية في العراق، من مياه وطعام وضروريات أخرى، وتستخدم الشركة في ذلك نحو 700 شاحنة، هذا بالإضافة إلى قيام الشركة بإعادة بناء بعض منشآت البنية التحتية النفطية العراقية. مما أثار وجود هاليبرتون في العراق جدلاً كبيراً، لأنها الشركة الأمريكية الوحيدة التي ذكرت صراحةً في شريط فيديو لأسامة بن لادن في أبريل عام 2004، الذي أكد فيه أن الحرب على العراق أدت إلى حصول الشركات الأمريكية الكبيرة مثل هاليبرتون على مكاسب وأرباح تقدر بملايين الدولارات. ويعود هذا الجدل إلى الصلة التي تربط شركة هاليبرتون بنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، ورغم أنه ترك الشركة عام 2000 فإنه يحصل منها على معاش شهري يتراوح ما بين 50 إلى مائة ألف دولار، مما يفسر محاباة الحكومة الأمريكية لشركة هاليبرتون بالتحديد، كما جاء على لسان الصحفي الأمريكي بيل جيرتز الذي يغطي أخبار وزارة الدفاع الأمريكية في صحيفة واشنطن تايمز المحافظة. فلنطالب جميعا برفع الحصانة ومعاقبة السفاح ديك تشيني الذي ارتكب جرائم عديدة ضد الإنسانية.