محاكمة مجرمين أمريكيين يستخدمون الطائرات بدون طيار لملاحقة ما يسمونهم بالإرهابيين ممكنة في أمريكا نفسها يوما بعد يوم يتكشف مزيد من الحقائق عن حجم الجرائم التي ارتكبتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بحق البشرية، فقيام الرئيس الأمريكي باراك أوباما في السادس عشر من أبريل الجاري بإماطة اللثام عن أربع من الوثائق السرية لوزارة العدل الأمريكية تتضمن تعليمات كتابية لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية سي آي إيه عما يمكن أن تسلكه من وسائل تعذيب من أجل استخلاص المعلومات من المشتبه في ضلوعهم في أعمال إرهابية، تؤكد على الفظاعة وغياب الإنسانية والتجاوزات القانونية التي لجأت إليها إدارة بوش، ومن بين ما جاء في تلك الوثائق «كان يمكن الإبقاء على المعتقلين مستيقظين لأكثر من أسبوع كامل، كما كان يمكن تجريدهم من ملابسهم ولا يقدم لهم طعام سوى السوائل، علاوة على هذا كان يلقى بهم تجاه الحائط ثلاثين مرة متتابعة». وكشفت وثيقة على أنه تمت الموافقة على حرمان الأشخاص من النوم لأكثر من أحد عشر يوما، وكشفت الوثائق عن وسائل وأساليب بشعة أخرى مثل استخدام أسلوب الإيهام بالغرق خلال التحقيقات، وهذا الأسلوب وصف بأنه «أكثر أساليب التعذيب إيذاء» حيث يتم إيهام المعتقل بالغرق ست مرات على الأقل خلال جلسة استجواب واحدة تدوم لمدة ساعتين، كما تحدثت الوثائق عن وسائل التعذيب باستخدام الحشرات عبر وضع المعتقل في صندوق مليء بالحشرات . هذا ما كشفت عنه أربع وثائق فقط من بين مئات أو آلاف الوثائق التي أتاحت لإدارة بوش التجاوز على الإنسان وحقوقه بدعوى مكافحة الإرهاب، أما الوثائق الأخطر التي تتحدث عن اختطاف الأشخاص وتعذيبهم إلى حد الموت أو اختطافهم وقتلهم أو قتلهم وتصفيتهم دون حاجة لاعتقالهم سواء عبر عملاء سريين أو عبر الطائرات بدون طيار، التي يتابع العالم أجمع ما تقوم به في أفغانستان وباكستان وما قامت به في دول عربية بموافقة حكامها، فهي جرائم قتل مباشرة لاسيما وأن كثيرا من النساء والأطفال العزل قتلوا فيها. وإذا كانت محكمة في نيويورك قبلت بمحاكمة مسؤولين إسرائيليين في حادثة مقتل قائد كتائب عز الدين القسام، صلاح شحادة، لأن القنبلة التي سقطت على المكان الذي كان فيه أدت إلى مقتل مجموعة من النساء والأطفال فإن محاكمة المجرمين الذين يستخدمون الطائرات بدون طيار لملاحقة ما يسمونهم بالإرهابيين بينما يقتلون نساء وأطفالا، هي ممكنة في الولاياتالمتحدة نفسها، غير أنها بحاجة إلى جهود مالية وقانونية كبيرة، وقد نشرت بعض التقارير التي تتحدث عن تبعية مجموعات القتل هذه بشكل مباشر لنائب الرئيس ديك تشيني الذي سبق وانتقده الرئيس باراك أوباما دون أن يحدد ما قام به، لكن ما قام به تشيني يتكشف يوما بعد يوم ويصل إلى حد القيام بجرائم إبادة ضد الإنسانية، ولو أن هناك حكومة عادلة أو لها قدرة على المواجهة لجرت هؤلاء المجرمين جميعا إلى ساحة العدالة، كما حاكموا ويحاكمون رؤساء دول أخرى ارتكبوا مثل هذه الجرائم، ومن ثم فإن تعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما لهؤلاء المجرمين والقتلة والعملاء بأنه ستتم حمايتهم من الخضوع للمحاكمة أو التعرض لأي إجراء قانوني هو مشاركة في تلك الجرائم وتستر وحماية للمجرمين، لكن هذا لن يجعل بعض القضاة الشرفاء في أوربا والذين قبلوا بدعاوى لمحاكمة عملاء أمريكيين قاموا بعمليات اختطاف أو مارسوا جرائم في كل من إيطاليا وألمانيا وأخيرا في إسبانيا من النظر، في نظر تلك الدعاوى، حتى وإن تدخلت سلطات تلك الدول بعد ذلك وحاولت إغلاق ملفات تلك القضايا بضغوط من الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن إعلان القاضي الإسباني بالتاسار غارثون يوم الجمعة 17 أبريل رفضه طلب المدعي العام الإسباني كانديدو كوندي بومبيدو بإغلاق ملف الدعوى المرفوعة من محامين يدافعون عن حقوق الإنسان ضد ستة من المسؤولين الأمريكيين بخصوص ما حدث في سجن غوانتانامو وتحويل القضية عبر نظام القرعة إلى المحكمة العليا للنظر فيها يصب في إطار ضرورة وجود قضاة شرفاء يظلون يضعون هؤلاء المجرمين تحت طائلة الملاحقة القانونية، طالما أن مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم وأن الضغوط السياسية قد تتلاشى مع تغير الأنظمة، لكن توثيق هذه الجرائم ربما يكون من أهم متطلبات تلك المرحلة حتى لا يفلت المجرمون من العقاب مهما منحوا من حماية أو حصانة من قبل حكوماتهم . علاوة على ذلك فإن ملاحقة كبار المجرمين هؤلاء ستجعل أمثالهم في دول العالم الثالث يرتدعون عن الاستمرار في مثل هذه الجرائم التي لا تقل في بشاعتها عما يرتكب في غوانتانامو أو أي مكان آخر من العالم تدمر فيه آدمية الناس وتنتهك فيه أعراضهم وإنسانيتهم، لقد حاول أوباما أن يمتص النقمة من خلال الكشف عن هذه الوثائق الأربع وحاول أن يعيد الثقة إلى وزارة العدل التي لطخت سمعتها وسيرتها وكافة الوزراء الذين تولوا أمرها خلال فترة رئاسة الرئيس بوش، لكن هذه الوثائق الأربع أكدت على أن ما خفي كان أعظم، ومهما أعطي أوباما من حصانات فلا حصانة لمجرم .