تشكلت لجنة إفراجات يكون بن ييشي أحد أعضائها وتوصي بالإفراج عنها فورا. ولم تعارض خدمات الأمن ذلك. ويصادق وزير الشرطة آنذاك سلومو هيلل على توصيات اللجنة لأسباب انسانية ويسارع في اجراءات الإفراج عنها. في نيسان 1974 ، أي بعد مرور ثلاث سنوات كاملة على اعتقالها، افرج عن نادية من السجن، حيث ابعدت عن البلاد في أول طائرة تقلع الى باريس. وقد رافقت مديرة السجن رعيه افشتاين نادية الى المطار، وهي تقول: لقد كان وداعها صعبا. كالوداع بين الاصدقاء . وقد طلبت مني أن أعتني بشقيقتها التي بقيت في السجن. وفي المطار لحظها بعض الأشخاص الحاقدين. حيث دفعوها وبصقوا عليها. وقد تفهمت نادية الوضع، ولم تدخل معهم في جدل أومواجهات، ولم تصرخ، وبقيت هادئة ومتحضرة. نادية في باريس طارت نادية إلى باريس، واشتاق اليها الجميع. وبعد عدة أشهر من اطلاق سراحها سافر الطبيب بن ييشي لزيارتها في باريس، وبحث عنها في منزل جورج موستاكي، ولكنه لم يعثر عليها. واهتدى الى أحد أرقام الهاتف ، حيث اتصل بها واجتمع بها ، وتبين أن شيئا لم يطرأ على مرضها . وبعد ذلك بفترة سافرت رعيه إنشتاين مديرة سجن «نفي - ترتسا » إلى باريس للاجتماع بنادية . واجتمعت بها وهي برفقة سرجي رجياني « الممثل والمطرب الفرنسي الشهير » وزوجته . وعلمت رعيه أن نادية تقيم عندهما . وبعد ذلك بعام واحد . أطلق سراح شقيقتها مرلين . وتلقت مديرة السجن رسالة منهما وبعد ذلك انقطع الاتصال بينهن تماما . ولقد قطع الاتصال ومن جانبي حاولت عبثا الاستيضاح عن مصيرها . ومرت سنوات ، وكأن الأرض ابتلعتها . وذات يوم ، ظهرت في مكتبي فجأة - سارة - السجينة التي كانت نزيلة سجن « نفي ترتسا» بتهمة الممارسات اللاأخلاقية والسرقة ، والتي كانت تقيم مع نادية في غرفة واحدة . وبعد أو أفرج عن سارة ، اختفت عدة سنوات، من إسرائيل. وقد فوجئت بزيارة سارة ، ولكن القصة التي حملتها إلى كانت أكثر مفاجأة . وهذه القصة طويلة ومعقدة ولكني سأورد خلاصتها فقط . سارة .. ونادية في إيطاليا عام 1976 ، كانت سارة في طريقها إلى كندا ، توقفت في إيطاليا ، وزارت نادية وشقيقتها ، حيث كانتا تقيمان في ضاحية ميلانو ، وقالت سارة « إن صحة نادية ليست جيدة » رغم أنها أجرت عملية جراحية في روسيا . وقالت إن نادية تزوجت نائب نايف حواتمة ، قائد «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين » وهي نفسها عضوة نشطة في المنظمة ، وتعمل في المجال الإعلامي . أما شقيقتها مرلين ، فتعمل مدربة في مجال تركيب العبوات الناسفة . وقد استقبلت نادية ومرلين ، سارة بكرم بالغ وحلت عندهما ضيفة لعدة أسابيع، في حين كان زوجها في بيروت ، حيث كان من المقرر أن تلحق به نادية وشقيقتها خلال فترة قصيرة . وسألن سارة: ماذا تعمل نادية الآن، أجابت لا شيء، نادية ميتة. وسألتها بذهول من أين عرفت، وكيف ماتت؟ إلا أن سارة التزمت الصمت ولم توضح. .... نادية عادت إلى الفدائيين، نادية ماتت، انه لشيء مذهل، وتساءلت.... ترى هل هذه معلومات من خيال سارة الجامح؟ وحاولت أن استوضح الأمر لدى مصادر مطلعة، وسألت مصدرا أمنيا كبيرا، وأكد لي المصدر، ما قالته سارة حول عودة نادية إلى الفدائيين، وحول موتها». لم أهدأ، وبحثت عن شخص ما عرفها وأحبها مثلي، لأتحدث معه. وتوجهت إلى مديرة السجن. وكانت تعرف القصة حيث قالت: «ان هذه القصة صعبة بالنسبة لي، حيث لم نكن نتوقع من ناديه مثل هذه النهاية. لقد علقت عليها امالا كبيرة. فقد اعتقدت بأنني أخرجتها من السجن، «صهيونية» تقريبا. ان ناديه كانت تشكل بالنسبة لي شيئا خاصاً، كما كانت شيئا خاصا في السجن. ان هذا الشيء مؤلم. انني لم اتوقع من الفدائيات العربيات الأخريات شيئا. فهن متمسكات ومؤمنات بعقيدتهن، وبعدالة قضيتهن، وهن لم يخفين ذلك. كما أنهن لم يعبرن عن ندمهن أبدا. ولكن ناديه كانت قصة أخرى. فقد وثقت بأقوالها، وصدقت بندمها على ما فعلت، وعرفت أنها تتعاطف مع مشاكلنا. فهي، وفي كل مرة، كان يحدث فيها عملية احتجاز رهائن، كانت تعود وتؤكد بأنها لا تريد بأي شكل من الأشكال أن يطلق سراحي بهذا الأسلوب حتى أنها حدثتني عن امكانية بقائها في اسرائيل بعد الإفراج عنها، وحتى أنها فكرت في الكيبوتس. إنني أتذكر مدى السرور الذي شعرت به ناديه وشقيقتها عندما سمعتا بمقتل بوديّه في باريس. وحتى أفلين عشيقته، وبعد عدة أشهر من الافراج عنها، التقت في باريس بالصحفي أندريه سمامه. وقد ابلغني تحياتها. وقال سمامه، أنه اجتمع بها في قمة المجتمع الباريسي وقال: «ليته كان» «لدولة اسرائيل» كثير من الرسل الجيدين مثل ناديه. فهي تقوم بعمل إعلامي فريد من نوعه لصالح اسرائيل»، وأنا متأكدة من أنها لن تنسى ما فعلوه هنا من أجلها، والآن لا تستطيع حل لغز موتها،،، وتغرورق عينا رعيه بالدموع. عندما أخبرتُ البروفيسور بن ييشي بأن نادية توفيت، رد علي فورا قائلا: «هل انتحرت؟ ولم أعرف كيف أرد عليه. إنه وبصفته كان صاحب رأي فني محدد في لجنة - الإفراجات التي نظرت قضية نادية، تلقى نبأ عودتها للعمل في منظمة «فدائية» بصعوبة، حيث قال: «لو كنت أعلم إلى أين ستصل، لاختلف موقفي في اللجنة»، ويضيف البروفيسور بن ييشي قائلا: «للحقيقة أقول، إن مرضها، لم يكن خطيرا لدرجة يمكن معها أن يعرض حياتها للخطر. ولكن يبدو لي أننا كنا جميعا فرحين بوجود مبرر للإفراج عنها. هذا هو المناخ الذي كان سائدا، وهذا هو الاتجاه العام الذي أحاط بقضية نادية، وأنا سرت مع هذا الاتجاه، من خلال قناعتي بأنني أقوم بمساعدة إنسان يعاني، ولا بد أن أذكر بأن نادية كانت مقنعة إلى درجة كبيرة، وقد آمنت بحق، بالتحول الذي طرأ عليها». وتختفي آثار نادية اختفت آثار نادية أيضا، بالنسبة للدكتور أبي عوز في عام 1975، فبعد ذلك بسنوات اعترف عوز أمامي، بأنه كان يسمع الجمهور في برنامج أغانيه، الذي كان يقدمه في إذاعة الجيش الإسرائلي، أغنية «الأمل» التي كتبها جورج موستاكي لنادية، وكان يردد هذه الأغنية بين فترة وأخرى. ويقول عوز «كنت متأكدا من أنها لن تسمع هذه الأغنية، إلا أنني أعترف بأنني اشتقت إليها كثيرا». ولم يشعر الدكتور عوز بأية صدمة مثلنا، لدى علمه بعودة نادية إلى الفدائيين وقال: «إنني أعتقد بأن من يبكي على خيبته من نادية، هو من يؤمن بأن الإنسان يستطيع أن يغير اتجاه تفكيره 180 درجة، فلو فعلت نادية ذلك، لما كانت هي نادية القوية والمدهشة التي عرفناها. إنني لا أعتقد بأنها ضحكت علينا، أو أنها مثلت علينا: أنني أعرف بأنه طرأ تحول إيجابي على موقفها في السجن إزاء الصهيونية، واعترفت بحق الشعب اليهودي في العيش، إن نادية تتبنى الإيديولوجية الماركسية، وتورطت في نزاع الشرق الأوسط، بشكل ما، عندما تعرفت على مجموعة فلسطينية. وقد انجرت في مثل هذه الحالة لهذا الموضوع، كما انجر بيرون لموضوع تحرير اليونان، وإنني أراهن أيضا على أنه إذا عادت بعد الإفراج عنها للعمل في المنظمة، فإنها لن تمارس «الإرهاب»،،، وأنا سأذكرها دائما، على أنها أحد الأشخاص المدهشين والمهمين جدا الذين قابلتهم في حياتي». إن كل الإيضاحات والتحصينات ووجهات نظر الأشخاص القلائل الذين عرفوا نادية جيدا بعد الإفراج عنها، لم ترحني. لقد كنا صديقتين، وأعتقد بأنني عرفتها. إن قصة نادية تنطوي على شيء لا أدركه، فما الذي دعاها فجأة إلى العودة للفدائيين؟ ألم تخف منهم كثيرا. وما سبب وفاتها؟ أهو المرض؟ أم أنها حاولت الانتحار مرة أخرى حيث نجحت هذه المرة؟ أم أنها توفيت من جراء قصفنا أهدافا مدنية في مدينة بيروت؟ وربما قالت كلمة جيدة عن إسرائيل، وقام رفاقها الجدد - القدامى بتصفيتها؟ أم أن نادية كانت عميلة مزدوجة؟ لقد بدأ خيالي يشط، وقررت أن أحاول حل هذا اللغز، وأن أقتفي آثارها منذ أن أبعدت من إسرائيل، ولهذا الغرض كانت محطتي الأولى باريس.