بعد بضعة أسابيع من رقودها في المستشفى، أعيدت نادية الى السجن. وواصل البروفيسور بن ييشي الاهتمام بها، وتوجه لزيارتها في السجن أيضا. وعلى الرغم من أنها ظلت جُل وقتها ملازمة لسريرها، فقد نهضت وتجملت، وغنت على شرف طبيبها من كلماتها «أغنية السلام». إن وضعها الصحي لم يتحسن، رغم أن السجينات الأخريات يعتنين بها بإخلاص لاحد له. إن نادية تحاول أن تحافظ، إزاء الخارج، على معنوية عالية. فهي لم تتدمر مطلقا. ولكنني لاحظت بأن قواها النفسية آخذة بالنفاد. لقد تبقى لها من مدة محكوميتها أكثر من تسع سنوات. وفي الأفق أخذنا نفكر بالإفراج عنها. - قلت لناديه: إنك ستخرجين ذات يوم من السجن فماذا ستفعلين آنذاك؟ * إن هذا سؤال معقد،،، ولكنني أرغب في الجلوس بهدوء، في بيت صغير، مع الشمس والبحر، وأصدقاء جيدين، وجو من الحب يحيط بي. - ماهو أهم شيء بالنسبة لك في الحياة؟ * محبة تحيط بي وتظللني، هذا هو اهم شيء. - عندما يطلق سراحك هل تخرجين من هنا وأنت تحملين الكراهية؟ - لا، إنني تعلمت هنا أموراً كثيرة، كان من الممكن أن أصل اليها بنفسي، ولكن بعد مرور 15 عاما، وأنا لا أشعر بأي استياء حيال أي أحد، ولاحيال نفسي، أو حياتي. ولكنني أشعر بالضغينة حيال أشخاص معينين، ورّطوني في ذلك العمل، ولكن عددا منهم أصبح اليوم في عداد الموتى، أما ماذا سأفعل إذا خرجت يوما ما؟ انني أفكر في الكتابة ، للتعبير عن كل ما يجول في خاطري. وسأواصل كتابة الشعر والأغاني، لأن ذلك تحول إلى جزء من حياتي. - أي رسالة ستحملينها معك الى الخارج؟ * (تبعد نادية الميكروفون بيدها) وتقول: أنت تعرفين أن هناك أمورا لا أتسطيع البوح بها هنا. وتمسك ناديه القيثارة وتغني قائلة «لاتحاولوا فهمي لاتحاولوا أن تحددوني - لماذا لانحاول أن نفهمك؟ * لأنه ليس هناك مبرر لما قمت به، ولاتحاولي أن تفتشي أكثر من اللازم، لأن الناس الذين قد يسمعون هذا لن يفهموه ولن يقبلوا به. - أتخشين من عدم تصديقك؟ * «انني واثقة من أنهم لن يصدقوني» قالت بهمس، وكعادتها عندما تتملص من الرد على أسئلتي، تقوم بأداء أغنية من أغانيها. وتقول كلمات هذه الأغنية: أنا فنان ليس معروفا اعتمر قبعة مغن فقط من أجل شيء واحد - سيرة حياتي لمسيرة حياتي أنا رسام وأنا أيضا ممثل ويقولون اني ثوري وأن أولئك الذين أقاتل ضدهم هم فا - شي - شيون ولكن أنا فقط فنان غير معروف أحب القيثارة ولدي قلب رقيق والجلد صلب قليلا وأنا أحب الحب كثيرا،،،» *** كان شتاء 1974 شتاء قارسا صعبا. وكان البرد شديدا جدا، خاصة على نادية الأمر الذي دفع مديرة السجن الى خرق أنظمة السجن، التي تحظر ادخال «مدافئ» الى غرف السجينات حيث قامت بادخال مدفأة الى غرفة نادية. وأعرب طبيبها بن ييشي عن خشيته بأن يضطر الى قطع أطراف أصابعها، لقد بدا القلق علينا جميعا. بما في ذلك مصلحة السجون ورجال الشرطة.