سجينة يهودية تقول عن نادية «إنها الإنسانة الوحيدة في العالم التي تملك الاستعداد الدائم بمساعدة الآخرين» السجينات والسجانات على السواء تعلمن منها عدم الصراخ وفن الإصغاء للآخرين استريكا.. السجينة تقع في حب نادية في تلك الأيام، كان سجن «نفي ترتسا» يرتدي زيّ العيد والألوان الجميلة وأصوات البهجة. والسجينات مشغولات بتزيين غرفهن، وارتداء أجمل ملابسهن، وتصفيف شعورهن، وقد تلاشت تقريبا حالة الفوضى التي تميز سجن النساء، وأصبحت أمورا نادرة. كل ذلك بفضل نادية. وتقول السجينة استريكا، وهي سجينة مثيرة للمشاكل، وبركان ثائر من الاعصاب (سجنت بتهمة السرقة، والمخدرات وممارسات لا أخلاقية)، تقول: إنني أنظف الممر لأن نادية طلبت مني ذلك»، فنادية قد سحرت السجينات وما كنت تسمع إلا عبارات: لأن نادية قالت،،، لأن نادية تحب، لأن نادية لاتحب،، وكانت استريكا السجينة الأولى التي تجرأت واقتحمت حاجز العداء والتنكيل، الذي أحاط بنادية وشقيقتها مرلين في الشهرين الأولين من وجودهما في السجن، وهي تقول: « إن نادية وشقيقتها كانتا داخل الغرفة المغلقة بأمر من المحكمة، وكانت احداهما معزولة عن الأخرى. وذات يوم شاهدت السجينة «حافة» تقف بجانب كوة غرفة مرلين وتقول لها: اذا اردت أن تقولي شيئا ما لشقيقتك قبل المحكمة، فإنني مستعدة لإبلاغها، وكتبت مرلين بطاقة وسلمتها لحافة من أجل نقلها إلى نادية وفجأة شاهدت حافة تذهب إلى السجانة فيريد، وقد استوعبت ما يجري في الحال. وفهمت بأنهن يعملن يدا واحدة ضد الفدائيين، نادية وشقيقتها ومشيت خلف السجانة فيريد، وتأكدت بأن رسالة مرلين لم تصل إلى نادية، بل وصلت إلى المكتب مباشرة. وقد تألمت كثيرا لذلك فذهبت إلى مرلين وقلت لها من خلال الكوة: احذري، كل رسائلك لنادية ذهبت إلى المكتب، وهذه الرسائل ستستخدم كأدلة ضدك في المحكمة. لقد فكرت بيني وبين نفسي قائلة: فدائيتان فدائيتان، انهما ستتلقيان عقابهما، ولكن أن نفعل بهما هكذا؟! ومع انني لم أعرف بالضبط ماذا تعني كلمة فدائية، فقد عرفت أنهما قدمتا إلى إسرائيل لتلحقا بها الا ذى، وتنتقما منها، وأنا جئت للإقامة معهما، وكنت معنية بالإقامة معهما، وربما كان ذلك بسبب ملابسهما،، فملابسهما كانت جميلة جدا،،، وأنا أحب الملابس كثيرا.. إن ملابسهما قد سحرتني. وكان يسمح لهما آنذاك باقتناء الملابس، لأنهما كانتا موقوفتين وتخضعان لمسؤولية الامن. لقد أكلتني الغيرة، وأنا لازلت حتى اليوم، أغار من نادية، ولكن غيرة تختلف عن غيرتي من ملابسها. فهي تتمتع بصفات محبوبة في مجموعها ومن يتعرف عليها، لايستطيع مفارقتها. إن روحها تنطوي على أمور، من العبث العثور عليها، حتى لدى أناس في الخارج، ومن الممكن التحدث معها بصورة دائمة، وأوضحت لي كثيرا من أمور الحياة، التي كان يستعصي عليّ فهمها، لقد علمتني أموراً كثيرة جداً، علمتني كيف أتصرف مع الناس، وكيف لاأصرخ مثل البربريات . وكيفية عدم الانقياد الى المشاكل، أنها باختصار الانسانة الوحيدة في العالم، التي تملك الاستعداد الدائم لمساعدة الآخرين، إنها نموذج للسجن بأسره». وقد اقتفى اثر استريكا كل السجينات الأخريات... توقف التنكيل بنادية وشقيقتها تقريبا، وبقيت المشكلة الكبرى تتمثل في سارة، التي تعرف جيدا حياة السجن، وهي سجينة ضخمة الجسم، وحادة اللسان وتعتبر «مثقفة» «اشكنازية قديمة»، أمضت فترات من الوقت في السجن بتهمة السرقة، وتبوأت مكانة مرموقة بين السجينات، وقد أدى ظهور نادية في «نفي ترتسا» إلى اهتزاز مكانة سارة في السجن سارة تقول في هذا الصدد «لقد كرهتهما كراهية شديدة في البداية. فقد تلقيت تربية وطنية في البيت، ولدي مشاعر وطنية، ولم أنس انهما «مخربتان» وقد أريتهما الموت. إنني لم استطع البقاء بالقرب منهما لحظة واحدة، دون أن تخطر في بالي فكرة الانتقام منهما. وما ازعجني هو مرورهما في الممر بهدوء. لقد كنت أفكر صباحا وظهرا وخلال احلامي في الليل، وطوال الوقت، كيف انتقم منهما. وكان همّي الأول... نادية. لقدكان هدفي من العمل في مجال التنظيف، يتلخص في اقتفاء اثرها، لأكتب عنها عندما يطلق سراحي كتابا بعنوان «أنا جلست معها»، لقد ضايقتني نادية في السجن، واردت أن أقتلعها من طريقي، ولكن لسبب أجهل كنهه، لم أفلح في ذلك. وقد قررت أن أعرف كنه ذلك عن قرب، وأدرك مواضع الضعف فيها. وكنت أحاول كثيرا، أن ادخل إلى غرفتهما، ولكنها في كل مرة كانت تلقي بي إلى الخارج بأدب حيث تقول: «من فضلك أخرجي، أنت تثيرين الشغب»، وكنت أكاد أتفجر من قولها هذا، وكنت أرى دائما غرفتها مليئة بالسجينات، يسودها جو مريح على الدوام. لقد ادركت بأنها لاتناسب هذا المكان، وذات يوم، عندما قمت بمحاولة اخرى للدخول إلى غرفتها، فوجئت بأنها لم تطردني، وكان يجلس معها عدد من السجينات، حيث كن يعددن لاقامة الاحتفال بعيد الميلاد. وكان على نادية أن تغني أغنية اسمها «جنحي» لمؤلفتها مريم يلن شتكلس، وأخذت تغني فعلا. لقد دار في خلدي. أن انسانا يغني بهذه الصورة، لابد وأن يكون له فيض من المشاعر الانسانية، وهذا ما عز علي قبوله من فدائية. لقد تحرك شيء ما في قلبي. وغادرت الغرفة في وقت العدّ. وفي صبيحة اليوم التالي، وفور فتح ابواب الغرف، وجدتني الأولى في غرفتها. وفي وقت لاحق بذلت كل ما في وسعي من أجل الانتقال إلى غرفتها. وأصبحت اسكن معها. وأخذت اشترك في جلسات دراسية عن الماركسية، كانت تلقيها على السجينات في الغرفة، بيد أنني لا أريد أن أتحدث عن هذا الموضوع. وهل تعرفين أن السجانات أنفسهن تعملن منها عدم الصراخ، فقد تعلمن منها الاصغاء أولا، وبعد ذلك يُجبن.