لم يتأخر رد فعل الجزائر أو على ألأقل بعض الأبواق الاعلامية المقربة من مراكز القرار النافذة في هرم السلطة الجزائرية على صفقة طائرات الإف 16 الأمريكية التي تسلمت القوات المسلحة الملكية الخميس الفارط، الدفعة الأولى منها في حفل كبير حضره كبار المسؤولين العسكريين المغاربة و الأمريكيين . فقد اعتبرت صحف جزائرية صادرة نهاية الأسبوع أن تسلم المغرب للطائرات المتطورة بأنه استهداف مباشر للجزائر و أنه يعاكس ما أعلنه جلالة الملك في خطابه بمناسبة عيد العرش من رغبته في توطيد العلاقات الثنائية مع البلد الجار و فتح صفحة جديدة بين البلدين . و ضمن نفس خطاب التوجس تساءلت صحيفة ليكسبريسيون الصادرة بالفرنسية في عنوان بارز ضد من يتسلح المغرب؟ و كتبت تعليقا ضمنته أن الصفقة تأتي في وقت يجري الحديث عن انفراج في العلاقات بين البلدين،متسائلة عن ما الذي يخيف الرباط إلى درجة دفعها إلى استعمال أهم عوائدها المالية لخدمة الصناعة الأميركية؟ ...كذا . وأضافت الصحيفة أنه «من حق المغرب تسليح نفسه ولكن الإعلان عن الصفقة جرى وسط ضجة إعلامية وفي ظرف إقليمي حساس يمتاز بالحرب الأهلية في ليبيا وبغد مجهول لتونس التي تعيش مرحلة انتقالية بالإضافة إلى الوضع في منطقة الساحل الافريقي الذي يمتاز بالإرهاب والتهريب و انخرطت صحيفة الشروق المقربة من دوائر الاستخبارات العسكرية الجزائرية بدورها الى طابور المشككين في أهداف الصفقة و نقلت ذات الصحيفة عن خبير جزائري في الشؤون الأمنية قوله «ان المغرب يتحمل مسؤولية السباق نحو التسلح في منطقة شمال افريقيا بسبب لجوئه المتكرر لتطوير ترسانته العسكرية بأحدث المعدات والأسلحة دون مبررات مقنعة مما ساهم حسب زعمه في خلق جو خال من الثقة بالمنطقة خاصة فيما يتعلق بمستقبل العلاقات بين المغرب و جارته الجزائر و مع دول الجوار أيضا ويبدو في واقع الأمر أن التوجس الجزائري من صفقة الطائرات المقاتلة ليس مرده مضمون الصفقة التي كانت قد أعلن عنها قبل وقت طويل بل إن الأمر يرتبط بتخوف قصر المرادية أو على الأقل بعض الشخصيات العسكرية النافذة بمربع السلطة الجزائري من أجواء التقارب بين الرباط و البيت الأبيض و الذي لا تمثل صفقة ال إف 16 إلا واجهة من واجهاته المتعددة و هو ما يثير حفيظة ساسة الجزائر الذين يعتبرون هذا التقارب الذي تمليه اعتبارات تاريخية و تراكمات عقود من الثقة المتبادلة بين البلدين كمؤشر يقلب حسابات النظام الجزائري بالمنطقة ككل و سيكون له حتما تداعيات على أجندة مصالحها الذاتية خاصة في الشقين المتعلقين بملف الصحراء و بالحرب على الارهاب التي أضحت الجزائر تفقد تدريجيا بريق طموحها الاستراتيجي بالمنطقة . و ما يؤكد منطقية و راهنية هذا الطرح هو أن الجزائر ما زالت لم تهضم بعد رفض الكونغريس الأمريكي التأشير على صفقة لتزويدها بمعدات عسكرية أمريكية متطورة و في مقدمتها طائرات بدون طيار و معدات عسكرية أخرى و هو ماحدا بها الى اللجوء الى جنوب إفريقيا للتزود بتجهيزات مشابهة فضلا عن صفقات ضخمة للتسليح مع روسيا و المانيا و بريطانيا بوأت الجزائر حسب آخر تقرير لمعهد دولي متخصص في شؤون التسلح الرتبة الثامنة في شراء الأسلحة على مستوى العالم، في الفترة ما بين 2006 و 2010 إذ أبرمت الحكومة الجزائرية خلال نفس الفترة عقودا تمثل نسبة 3 بالمائة من الأسلحة التي تباع في العالم، متساوية في هذا الانجاز مع الولاياتالمتحدةالأمريكية واستراليا. وهو ما يعني أن الخزينة الجزائرية سددت خلال العشرية الأخيرة ما لا يقل عن 120 مليار دولار في عقود تسليح . من جهة أخرى أصبح من الواضح للعيان أن المخطط الإستخباراتي الجزائري الإسباني لجر المغرب الى مستنقع التهديد الارهابي و الذي كشفت عنه العلم قبل أيام يندرج حتما ضمن مسعى لخبطة الأوراق الجيواستراتيجية بالمنطقة و هو المخطط الذي بقدر ما يحاول خلخلة موازين القوى الاقليمية عبر توريط المغرب في حسابات التهديد الارهابي المزمن فإنه يوجه رسالة سياسية مبطنة الى البيت الأبيض من مغبة الاقدام على أي تقارب جديد أو تماهي مع مواقف المملكة من القضايا المستجدة و التي تهم المنطقة ككل لأن ذلك سيتضارب حتما حسب الأطراف المحركة لخيوط المؤامرة المكشوفة سواء في الجزائر أو بمدريد مع المصالح الاستراتيجية الذاتية لجيران المغرب من الشمال و الشرق و سيفقدها بريق طموح الزعامة التي تسعى جاهدة لبلوغه كيفما كان الثمن و التضحيات الواجب بذلها لهذه الغاية الدونكيشوطية .